PDA

View Full Version : ( نعـم .. كان المـرض .. نعمـة لي ..! )


بو عبدالرحمن
27-01-2001, 10:03 AM
قال الراوي :
أصابتني نوبة مرض حادة ألزمتني الفراش …
وكان لزاماً عليّ أن أقضي ساعات طويلة من يومي و ليلتي منفرداً في هذه الحجرة التي ملأها اللون الأزرق الفاتح … ولأني لا أكاد أنام إلا مغلوباً …… فقد وجدت نفسي ، في مواجهة نفسي تماماً ، وفي جلاء …!!
-
-
نعم هكذا وجدت نفسي فيما يبدو لأول مرة ، أواجه نفسي ، أتحدث إليها وتحدثني … أسألها وتجيبني … أحاورها وتناقشني …
لاسيما وإنني في وضع لا يسمح لي بأن أقرأ شيئاً .. ومن ناحية وجدت نفسي زاهدة إلا في سماع نفسي ، وحوارها وشكواها ، وأنينها .. ولذا آثرت أن أخلو إليها ، وأقبل أوراق التماساتها .. واكتشفت أنني لا أكاد أعرف نفسي ..!!
-
-
وكانت تجربة مثيرة فريدة بالنسبة لي ، فأنا ممن لا يكادون يجدون وقتاً للخلوة بأنفسهم ..دائم أجدني أركض ركضا شديدا وراء الدنيا وملذاتها ، وهي فارة بين يدي ، فلا أنا أتعب ، وهي تقف …!!!

تجربة جعلتني أتعرف على نفسي التي بين جنبي من جديد…!
وأدركت في أعقاب هذه التجربة ،كم قد أسرفت في ظلم نفسي ، وأنا أحسب أنني أسعدها ..!!
-
-
شريط طويل يمر بي .. وأنا أتابع مشاهده ، وأقف عند كثير من لقطاته ، لأفتح كشف حساب مع نفسي ، أو لأقيم محاكمة صارمة معها .. أو لأصفق لها تارة بحرارة ، على ما قامت به في ذلك المشهد الذي يمر أمامي الساعة .. وهكذا ..

كان يخيل إلي ، لو أن أحداً دخل علي فجأة في مثل تلك اللحظة ، لوجدني إما أمسح دموعا سخية انهمرت على خدي .. وإما أضحك منتشياً طرباً ..!
وبعد استعراض طويل ، لتاريخ حافل بالذكريات ..
هالني ما رأيت ..!
أكوام من ملفات سوداء … ما كان ينبغي أن أخطها بيدي لو كنت عاقلا ، ومعي إيماني في تلك الساعة التي فعلت فيها ما فعلت ..!
أين ذهب عقلي يومها ؟ أين توارى إيماني ؟ يا إلهي …!

وتنكّـرت لي نفسي .. وعاتبتها وعاتبتني بدورها ...وصرخت في وجهها ، وزجرتني في عنف …ولكنني حين أخذت أذكرها بالله _جل الله وتبارك _ وكثرة نعمه ، وما أعد لأوليائه ، وأعدائه … سرعان ما وجدتها تبكي منكسرة ، بل أخذت تنوح بشدة ، وتطالبني أن أنوح معها .. فنحت …..!!

ووجدت يومها للبكاء لذة روحية عالية ، وبهجة قلبية راقية ، ما ظننت أن يكون مثل هذه اللذة في الدنيا ، ولكن في الآخرة …...ممكن …!!
لقد شعرت ساعتها أن قلبي يغتسل بوضوح ، وبلا لبس ..
-
-
وكم كانت سعادتي منذ ذلك اليوم حين أجد نفسي منفردا ، ليس بين يدي إلا نفسي ، ومعنا الله ثالثـنا ....!
كنت سرعان ما أسعى إلى تذكيرها ، حتى أثيرها إلى البكاء … والمسكينة سرعان ما تنفعل لتذكيري .. فتجهش ببكاء شديد ، فأعاونها بما أستطيع من نوح وبكاء ..! فإذا أنا في دنيا غير الدنيا ……! آه .. !

آه .. كم ذهبت أخبط في هذا العالم بحثا عن اللذة والشهوة والمتعة … واليوم فقط أكتشف أن كل ذلك كان _ ولا يزال _ أقرب إلي مما يتصور مخلوق ..!
يا إلهي الرحمة ..! ضاع مال كثير .. وتبدد جهد طويل .. في تحصيل ما لا يتحصل ..! وجمعت في يدي صفراً …! يا إلهي الرحمة ..!
-
-
لقد كان ذلك المرض من أعظم نعم الله عليّ ..! فله الحمد ..
لم أغادر المستشفى إلا وأنا أشعر أنني جديد ، طازج على الحياة والأحياء …
أشعر أن دماء جديدة قد سرت في عروقي .. وأن نفساً صافية قد دبت في كياني .. وأن همة ماضية قد تولدت في داخلي .. وأن عزما أكيدا قد شب كالنار بين جوانحي .. عزما لا يرغب إلا فيما عند الله وحده .. فلا خير في حياة تكون بعيدة عن الله جل جلاله ..
ووجدت نفسي غير الذي كنت ..
ألا ما أحلى وأعلى وأرقى وأطيب الحياة يوم تكون لله وبالله ومع الله …
ولكن يا حسرة على العباد ………………..!!

على نفسهِ فليبـكِ ما ضـاع عَمرهُ **** وليس له منها نصيبٌ ولا سـهمُ

aziz2000
27-01-2001, 11:39 AM
إما أن نحرق قلوبنا بنار الدمع على التقصير و الشوق إلى لقاء العلي القدير ... وإلا فلنعلم بأن نار جهنم أشد حرا ( فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ) ..

فيالله كم أرى البكائين الخاشعين على شواطئ أنهار الدموع نزول ..
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لايخشع ومن عين لاتدمع ..

أثابك الله ورفع قدرك ياأخي ..

صدى الحق
27-01-2001, 11:46 AM
أخي في الله أبوعبدالرحمن ،

بلغ الراوي مني السلام مقروناً بهذه البشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفر بها عنه حتى الشوكة يشاكها .

وعن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته .

اللهم ارفع عنا وعن إخواننا الهم والحزن وأبدلنا مكانه الفرح والسرور ووفقنا للوصول إلى رضاك وجنتك .

أخوك
صدى الحق