PDA

View Full Version : وما عليك ألا يزكى


المارد الحزين
03-12-2000, 09:01 AM
وما عليك ألا يزكى


لقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحمل عاطفة صادقة، كان يحب الخير للناس كلهم، ومن ثم كان يحزنه ويؤلمه ما هم عليه من الكفر والضلال، ويكاد أن يهلك نفسه حزناً على ما هم عليهم، وحرصاً منه صلى الله عليه و سلم على إسلامهم وإيمانهم.

وفي القرآن آيات عدة تحكي ما كان عليه صلى الله عليه و سلم من ذلك، ففي سورة الأنعام يقول تبارك وتعالى ((قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون(33)ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين(34)وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين(35)إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون(36))).

وفي سورة الكهف قال تبارك وتعالى ((فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً(( وفي سورة الشعراء ((لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين)).

إن حرص الداعية على اهتداء الناس، وحزنه على ضلالهم وإعراضهم دليل على محبته الخير لهم، وعلى صدقه في دعوته، وها هو صاحب أهل القرية حين مات ورأى ما أعده الله له في الجنة تمنى أن يعلم قومه بما أصابه حتى يهديهم الله.ويقبلوا عليه ((قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون(26)بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين(27)))

لكن هذا الحرص ينبغي ألا يتجاوز حد الاعتدال، وإلا كان أمراً منهياً عنه.

إنه حين يتجاوز هذا القدر يولد آثاراً سلبية، منها:

1- شعور الداعية بأنه مسؤول عن هداية الناس، وإصلاحهم بينما واجبه البلاغ، والهداية إنما هي بيد من قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء، ولئن كانت مهمة النبي صلى الله عليه و سلم تقف عند واجب البلاغ، فغيره من باب أولى.

2- انشغال الداعية أحياناً بشخص يطمع في هدايته، أو شخص انحرف بعد صلاحه واستقامته، وهذا الانشغال يصبح في أحيان كثيرة على حساب الآخرين، فيأخذ وقت الداعية ويشغله عمن هو أحوج منه إلى بذل الجهد والوقت؛ فالمقبلون على الله عز وجل، الصادقون في الاستجابة أولى من هؤلاء المعرضين، ولقد عاتب الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه و سلم في ذلك فقال ((أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى))

3- انشغال فكر الداعية وقلقه، مما يشغله عن التفكير بما هو أهم من ذلك وأولى.

إن الشعور بأن لكل مشكلة حل، إن صح في ميادين فإنه لا يصح في الميادين الإنسانية، فالمربي والداعية قد يستطيع أن يخطو خطوة ما، ويتخذ حلاً لمشكلة تؤرقه، لكنه لا يستطيع بحال أن يضمن استجابة الطرف الآخر وتقبله، فالدعوة والتربية ليست عملاً من طرف واحد.

وفي سير الأنبياء - وهم الذين بلغوا الغاية والقمة في دعوة الناس والتأثير عليهم- نماذج تدل على صدق هذه القضية.

فها هو نوح عليه السلام يجتهد في دعوة ابنه دون يأس من استجابته حتى آخر لحظة، فيناديه وهو في الفلك ((يايني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين)) .

وهاهو إبراهيم عليه السلام يبذل جهده في دعوة والده ونصيحته دون يأس.

وهاهو خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و سلم يأتي لعمه وهو في مرض الموت قائلاً له :»كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله«([1]).

ومع ذلك الجهد من هؤلاء الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه عليهم فلم يستطيعوا هداية هؤلاء الذين هم من أقرب الناس إليهم، وماتوا على الكفر كما ماتت زوج نوح وزوج لوط عليهما السلام على الكفر وقيل لهما ((ادخلا النار مع الداخلين)).

فنلبذل جهدنا في دعوة الناس وتربيتهم وإصلاحهم، لكن لنعلم أن الثمرة والهداية بيد الله عز وجل، فحين لا تتحقق النتيجة التي نريد فلا ينبغي أن نضجر ونبالغ في التألم والتحسر