View Full Version : * مـــولـــده * - الشجرة الطيبة *
صدى الحق
26-06-2000, 07:30 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدأ معكم في هذه الصحبة الطيبة مع سيرة أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم وأسئل الله أن ينفع بها إن شاء الله تعالى .
1 - المولد:
ولد سيد المرسلين صلَّى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول ، لأول عام من حادثة الفيل ، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان ، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان المنصورفوري والمحقق الفلكي محمود باشا.
وروى ابن سعد أن أم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قالت: لما ولدته خرج من فرجي نور أضاءت له قصور الشام ، وروى أحمد عن العرباض بن سارية ما يقارب ذلك .
وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد ، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى ، وخمدت النار التي يعبدها المجوس ، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت ، روى ذلك البيهقي ولا يقره محمد الغزالي .
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده ، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة ، ودعا الله وشكر له ، واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفاً في العرب - وختنه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون .
وأول من أرضعته من المراضع - بعد أمه صلَّى الله عليه وسلم - ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنٍ لها يقال له مسروح ، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب ، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:36 AM
2 - في بني سعد:
وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ، ابتعاداً لهم عن أمراض الحواضر ؛ لتقوى أجسامهم ، وتشتد أعصابهم ، ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم ، فالتمس عبد المطلب لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم الرضعاء ، واسترضع له امرأة من بني سعد ابن بكر - وهي حليمة بنت أبي ذؤيب - وزوجها الحارث بن عبد العزى المكنى بأبي كبشة ، من نفس القبيلة .
وإخوته صلَّى الله عليه وسلم هناك من الرضاعة عبدالله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث ، وحذافة أو جذامة بنت الحارث ( وهي الشيماء - لقب غلب على اسمها - ) وكانت تحضن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، ابن عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم .
وكان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعاً في بني سعد بن بكر ، فأرضعت أمه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يوماً وهو عند أمه حليمة ، فكان حمزة رضيع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من وجهين ، من جهة ثويبة ، ومن جهة السعدية .
ورأت حليمة من بركته صلَّى الله عليه وسلم ما قصّت منه العجب ، ولنتركها تروي ذلك مفصلاً:
قال ابن إسحاق:كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه ، في نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء قالت: وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً، قالت: فخرجت على أتان لي قمراء ، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة ، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ماي غنيه ، وما في شارفنا ما يغذيه ، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج ، فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً وعجفاً، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول: يتيم ! وما عسى أن تصنع أمه وجده ! فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . قال: لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . قالت: فذهبت إليه ، فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره ، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، ثم نام ، وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجي إلى شارفنا تلك ، فإذا هي حافل ، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة ، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة! لقد أخذت نسمة مباركة ، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك ، قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني ، وحملته عليها معي ، فوالله لقطعت بالركب مالا يقدر عليه شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب ، ويحك ! أربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله ! إنا لهي هي ، فيقلن: والله إن لها شأناً، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليّ حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن ، وتروح غنمي شباعاً لبناً، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ، قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته ، فكلمنا أمه ، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ ، فإني أخشى عليه وباء مكة ، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.
وهكذا بقي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في بني سعد ، حتى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده وقع حادث شق صدره ، روى مسلم عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أتاه جبريل ، وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه ، فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة ، فقال: هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه ، ثم أعاده إلى مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمداً قد قتل ، فاستقبلوه وهو منتقع اللون .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:38 AM
3 - إلى أمه الحنون:
وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه ، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين .
ورأت آمنة وفاء لذكرى زوجها الراحل أن تزور قبره بيثرب ، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلومتراً ، ومعها ولدها اليتيم - محمد صلَّى الله عليه وسلم - وخادمتها أم أيمن ، وقيمها عبد المطلب ، فمكثت شهراً ، ثم قفلت ، وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض ، ويلح عليها في أوائل الطريق ، فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:39 AM
4 - إلى جده العطوف:
وعاد به عبد المطلب إلى مكة ، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم ، الذي أصيب بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة ، فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده ، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة ، بل يؤثره على أولاده ، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له ، فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه ، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني هذا فوالله إن له لشأناً، ثم يجلس معه على فراشه ، ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع .
ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلَّى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة ، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:40 AM
5 - إلى عمه الشقيق:
ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه ، وضمه إلى ولده ، وقدمه عليهم ، واختصه بفضل احترام وتقدير ، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه ، ويبسط عليه حمايته ، ويصادق ويخاصم من أجله ، وستأتي نبذ من ذلك في مواضعها .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:42 AM
6 - يستسقي الغمام بوجهه:
أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط ، فقالت قريش : يا أبا طالب! أقحط الوادي ، وأجدب العيال ، فهلم فاستسق ، فخرج أبو طالب ومعه غلام ، كأنه شمس دجن ، تجلت عنه سحابة قثماء ، حوله أغيلمة ، فأخذه أبو طالب ، فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ بإصبعه الغلام ، وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من ههنا وههنا ، وأغدق واغدودق ، وانفجر الوادي وأخضب النادي والبادي ، وإلى هذا أشار أبو طالب حين قال:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** مال اليتامى عصمة للأرامل
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:43 AM
7 - بحيرا الراهب:
ولما بلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة - قيل وشهرين وعشرة أيام - ارتحل به أبو طالب تاجراً إلى الشام ، حتى وصل إلى بصرى - وهي معدودة من الشام وقصبة لحوران ، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان - وكان في هذا البلد راهب عرف ببحيرا واسمه جرجيس فلما نزل الركب خرج إليهم ، وأكرمهم بالضيافة ، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك وعرف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم صفته ، فقال وهو آخذ بيده: هذا سيد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين . فقال أبو طالب: وما علمك بذلك ؟ فقال: إنكم حين أشرفتم على العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجداً ، ولا تسجد إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة ، وإنا نجده في كتبنا ، وسأل أبا طالب أن يرده ، ولا يقدم به إلى الشام ، خوفاً عليه من اليهود ، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:44 AM
8 - حرب الفجار:
ولخمس عشرة من عمره صلَّى الله عليه وسلم كانت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان ، وكان قائد قريش وكنانة كلها حرب بن أمية لمكانته فيهم سناً وشرفاً، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة ، حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس .
وسميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ، وكان ينبل على عمومته ، أي يجهز لهم النبل للرمي .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:47 AM
9 - حلف الفضول:
وعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذي القعدة في شهر حرام ، تداعت إليه قبائل من قريش : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبد العزى ، وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة ، فاجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي لسنه وشرفه ، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه ، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، وشهد هذا الحلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ، وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة: لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت .
وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها ، ويقال في سبب هذا الحلف إن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة ، واشتراها منه العاص بن وائل السهمي ، وحبس عنه حقه ، فاستعدى عليه الأحلاف عبد الدار ، ومخزوماً ، وجمحاً ، وسهماً ، وعدياً ، فلم يكترثوا له ، فعلا جبل أبي قبيس ، ونادى بأشعار يصف فيها ظلامته رافعاً صوته ، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب ، وقال: ما لهذا مترك ؟ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في حلف الفضول ، فقاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي بعدما أبرموا الحلف .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:48 AM
10 - حياة الكدح:
ولم يكن له صلَّى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه ، إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنماً، رعاها في بني سعد ، وفي مكة لأهلها على قراريط وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها، قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم ، وكانت قريش قوماً تجاراً فلما بلغها عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله رسول الله صلَّى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك ، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:50 AM
11 - زواجه خديجة:
ولما رجع إلى مكة ، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة مالم تر قبل هذا ، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلَّى الله عليه وسلم من خلال عذبة ، وشمائل كريمة ، وفكر راجح ، ومنطق صادق ، ونهج أمين . وجدت فيه ضالتها المنشودة - وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها، فتأبى عليهم ذلك - فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية ، وهذه ذهبت إليه صلَّى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة ، فرضي بذلك ، وكلم أعمامه ، فذهبوا إلى عم خديجة ، وخطبوها إليه ، وعلى إثر ذلك تم الزواج ، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر ، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين ، وأصدقها عشرين بكرة ، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة ، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً ، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت .
وكل أولاده صلَّى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم ، ولدت له أولاً القاسم - وبه كان يكنى - ثم زينب ورقية ، وأم كلثوم وفاطمة وعبدالله ، وكان عبدالله يلقب بالطيب والطاهر ، ومات بنوه كلهم في صغرهم ، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن ، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلَّى الله عليه وسلم ، سوى فاطمة رضي الله عنها فقد تأخرت بعده ستة أشهر ، ثم لحقت به .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:56 AM
12 - بناء الكعبة وقضية التحكيم:
ولخمس وثلاثين سنة من مولده صلَّى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة ، وذلك لأن الكعبة كانت رضماً فوق القامة ، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل ، ولم يكن لها سقف ، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها ، وكانت مع ذلك قد تعرضت - باعتبارها أثراً قديماً - للعوادي التي أوهت بنيانها، وصدعت جدرانها ، وقبل بعثته صلَّى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم ، انحدر إلى البيت الحرام ، فأوشكت الكعبة منه على الإنهيار ، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصاً على مكانتها، واتفقوا على أن لا يدخلوا في بنائها إلا طيباً ، فلا يدخلوا فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس ، وكانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومي ، وتبعه الناس لما رأوا أنه لم يصبه شيء ، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم ، ثم أرادوا الأخذ في البناء ، فجزأوا الكعبة ، وخصصوا لكل قبيلة جزءاً منها، فجمعت كل قبيلة حجارة على حده ، وأخذوا يبنونها، وتولى البناء رومي اسمه باقوم ، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه ، واستمر النزاع أربع ليال أو خمساً ، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم ، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه ، وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ، فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين ، رضيناه ، هذا محمد . فلما انتهى إليهم ، وأخبروه الخبر طلب رداء ، فوضع الحجر وسطه ، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء ، وأمرهم أن يرفعوه ، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده ، فوضعه في مكانه ، وهذا حل حصيف رضي به القوم .
وقصرت بقريش النفقة الطيبة فأخرجوا من الجهة الشمالية نحواً من ستة أذرع ، وهي التي تسمى بالحجر والحطيم ، ورفعوا بابها من الأرض ، لئلا يدخلها إلا من أرادوا ، ولما بلغ البناء خمسة عشر ذراعاً سقفوه على ستة أعمدة .
وصارت الكعبة بعد انتهائها ذات شكل مربع تقريباً يبلغ ارتفاعه 15 متراً ، وطول ضلعه الذي فيه الحجر الأسود والمقابل له (10)م ، والحجر موضوع على ارتفاع (1,50)م من أرضية المطاف . والضلع الذي فيه الباب والمقابل له (12)م وبابها على ارتفاع مترين من الأرض ، ويحيط بها من الخارج قصبة من البناء أسفلها، متوسط ارتفاعها (25)م ومتوسط عرضها (30)م وتسمى بالشاذروان ، وهي من أصل البيت لكن قريشاً تركتها .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
صدى الحق
26-06-2000, 07:59 AM
13 - السيرة الإجمالية قبل النبوة:
إن النبي صلَّى الله عليه وسلم كان قد جمع في نشأته خير مافي طبقات الناس من ميزات ، وكان طرازاً رفيعاً من الفكر الصائب ، والنظر السديد ، ونال حظاً وافراً من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف ، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناء الحق ، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات ، فعاف ماسواها من خرافة ، ونأى عنها، ثم عايش الناس على بصيرة من أمره وأمرهم ، فما وجد حسناً شارك فيه ، وإلا عاد إلى عزلته العتيدة ، فكان لا يشرب الخمر ، ولا يأكل مما ذبح على النصب ، ولا يحضر للأوثان عيداً ، ولا احتفالاً ، بل كان من أول نشأته نافراً من هذه المعبودات الباطلة ، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى .
ولا شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا ، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها، روى ابن الأثير " قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني وبينه ، ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته ، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة : لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب ! فقال: أفعل ، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفاً، فقلت ماهذا؟ فقالوا: عرس فلان بفلانة ، فجلست أسمع ، فضرب الله على أذني فنمت ، فما أيقظني إلا حر الشمس . فعدت إلى صاحبي فسألني ، فأخبرته ، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك ، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة.. ثم ما هممت بسوء " .
وروى البخاري عن جابر بن عبدالله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلَّى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة ، فقال عباس للنبي صلَّى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة ، فخر إلى الأرض ، وطمحت عيناه إلى السماء ، ثم أفاق فقال: إزاري ، إزاري ، فشد عليه إزاره وفي رواية فما رؤيت له عورة بعد ذلك .
وكان النبي صلَّى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبة و أخلاق فاضلة ، وشمائل كريمة فكان أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقاً، وأعزهم جواراً ، وأعظمهم حلماً ، وأصدقهم حديثاً، وألينهم عريكة ، وأعفهم نفساً، وأكرمهم خيراً ، وأبرهم عملاً ، وأوفاهم عهداً ، وآمنهم أمانة ، حتى أسماه قومه "الأمين " ، لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية ، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: يحمل الكل ، ويكسب المعدوم ، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق .
------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
سائحة
26-06-2000, 08:50 AM
وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
وشكر الله لك هذا الموضوع القيم ...
ونفعنا الله وإياكم به ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بوركت يا صدى الحق وبارك الله فيك ...
موضوع عرض حياة النبي صلى الله عليه وسلم .. موضوع طويل وثري .. سأختار منه بعض الفقرات لتشمل قسم السيرة النبوية في الصفحة الشجرة الطيبة ...