النعمان
09-12-2004, 09:08 PM
وصلني طلب من أحدى الأخوات الفاضلات من عضوات سوالف تسأل عن موقف الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - من الصحابي الجليل علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - ومن خلافته , وهل كان يطالب معاوية رضي الله بالخلافة والملك وهل كان يقاتل علي رضي الله عنه في الجلم وصفين وغيرها من اجل ذلك ؟!
كل هذه الأسئلة الحائرة من الأخت الفاضلة كانت بسبب قراءة كتاب ( رجال حول الرسول ) لخالد محمد خالد ..
الجواب وبالله التوفيق والسداد ..
قبل البدء أحب ان انبه ان كثير من الناس يقرأ في كتب تتكلم عن علاقة الصحابة بعضهم ببعض مثل كتاب ( رجال حول الرسول ) لخالد محمد خالد أو مجموعة ( العبقريات ) للعقاد أو كتب طه حسين أو كتاب ( فجر الإسلام ) و ( ضحى الإسلام ) لاحمد امين و كتب المتقدمين ككتاب ( الأغاني ) للاصفهاني وكتاب ( العقد الفريد ) لابن عبدربه وكتاب ( نهج البلاغة وشرحه ) لابن ابي الحديد المعتزلي وغيرها ..
فلا ننصح بقراءتها الا لمختص يمحص الصحيح من القول فيها من الضعيف لان غالب هذه الكتب اما اديب كتب كتابة ادبية بليغة ولكن اخطأ في نقل الأحداث والوقائع وأصابه الحماس الى ان زل في الطعن في بعض الصحابة من غير قصد ..
أو مبتدع ضال لبس على الناس كالاصفهاني وابن عبدربه و ابن ابي الحديد ممن يشوهون صورة خير البشر بعد الأنبياء ..
واحذر ايضاً من أشرطة الدكتور طارق السويدان - هداه الله - التى بعنوان : ( قصص من التاريخ ) فقد زل فيها واجحف وتعدى على الصحابة لأنه نقل الروايات ولم يتأكد من صحيحها من سقيمها ..
هذا التنبيه وإليكم الجواب ..
أن الخلاف بين الصحابة - رضوان الله عنه - في عهد علي -رضي الله عنه - لم يكن في الخلافة، فإن الذين اختلفوا مع علي -رضي الله عنه - هم: طلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية - رضوان الله عليهم -، ولم يكن هؤلاء ينازعونه في الخلافة بل لم يَدَّعِ أحد لامن هؤلاء ولا من غيرهم، أنه أولى بالخلافة بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - من علي - رضي الله عنه - ؛ لأنه أفضل من بقي، وقد كانوا يقرون له بالفضل، وإنما أصل الخلاف بين هؤلاء الصحابة المذكورين وعلي - رضوان الله عنه - هو في المطالبة بدم عثمان وقتل قتلته، فقد كانوا يرون تعجيل ذلك والمبادرة بالاقتصاص منهم، وقد كان علي -رضي الله عنه - لا ينازعهم في أن عثمان -رضي الله عنه - قُتل مظلوماً، وعلى وجوب الاقتصاص من قتلته، وإنما كان يرى تأجيل ذلك حتى تهدأ الأوضاع ويستتب له الأمر، لأن قتلة عثمان كثير وقد تفرقوا في الأمصار كما كانت طائفة كبيرة منهم في المدينة بين الصحابة.
ومع هذا كله فإن اختلافهم -رضي الله عنهم- لم يصل بهم إلى الطعن في الدين، واتهام بعض لبعض، وإنما كان كل فريق يرى لمخالفه مكانته في الفضل والصحبة ويرى أنه مجتهد في رأيه، وإن كان يخطئه فيه.
فههنا ثلاث مسائل مقررة عند أهل العلم والتحقيق من أهل السنة، يندفع بها ما يثيره هؤلاء المغرضون من شبه، حول الفتنة التي حصلت في زمن الصحابة -رضوان الله عنه - في خلافة علي وهي:
المسألة الأولى: أن الخلاف الذي حصل بينهم لم يكن حول الخلافة، ولم ينازع علياً - رضي الله عنه - أحد من مخالفيه فيها، ولم يَدَّعِ أحد منهم على الإطلاق أنه أولى بالخلافة من علي.
المسألة الثانية: أن الخلاف بينهم إنما هو في تعجيل قتل قتلة عثمان أو تأخيره، مع اتفاقهم على وجوب تنفيذ ذلك.
المسألة الثالثة: أنهم مع اختلافهم لم يتهم بعضهم بعضاً في الدين، وإنما يرى كل فريق منهم أن مخالفه مجتهد متأول، يعترف لــــه بالفضل في الإسلام، والصحبة لرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذه مسائل عظيمة، دلت عليها الأخبار الصحيحة. وفيها توضيح لحقيقة الخلاف بين الصحابة وتبرئة لساحتهم من كل مايرميهم به الرافضة والزنادقة، وهي أصل كبير في الرد على هؤلاء ينبغي لطالب العلم أن يتعلمها بأدلتها، وإليك أيها القارئ بسط الأدلة على تقريرها:
المسألة الأولى: أن الخلاف الذي حصل بينهم لم يكن في الخلافة، ولم ينازع علياً أحد من مخالفيه فيها، ولم يدع أحد منهم أنه أولى بها من علي - رضي الله عنه - .
ومن أقوى الأدلة، وأكبر الشواهد على هذا: اجتماع الصحابـة -رضوان الله عنه - على مبايعته بالخلافة بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه - بما فيهم طلحة والزبير -رضي الله عنهما-، وقد دلت على ذلك الروايات الصحيحة المنقولة عنهم في ذلك.
منها مارواه الطبري في تاريخه بسنده إلى محمد بن الحنفية، قال:
« كنت مع أبي حين قتل عثمان -رضي الله عنه - فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيراً، خيرٌ من أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خَفِيّاً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين.
قال سالم بن الجعد، فقال عبدالله بن عباس -رضي الله عنه - : فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يُشْـغـَب عليه، وأبى هو إلا المسجد، فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس». - تاريخ الطبري 4/427-
وعن أبي بشير العابدي قال: «كنت بالمدينة حـين قتـل عثمـان -رضي الله عنه - واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا علياً، فقالوا: يا أبا الحسن هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا والله، فقالوا: ما نختار غيرك....»الخ الرواية، وفيها تمام البيعة لعلي رضي الله عنه - تاريخ الطبري 4/427-428 -
والروايات في هذا كثيرة ذكر بعضها ابن جرير في تأريخه-انظر: تاريخ الطبري 4/427-429، وقد قام بجمع هذه الروايات ودرسها الدكتور محمد أمحزون في كتابه القيم: (تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ) 2/59-75 - وهي دالة على مبايعة الصحابة - رضوان الله عنه - لعلي -رضي الله عنه- واتفاقهم على بيعته بما فيهم طلحة والزبير، كما جاء مصرحاً به في الرواية السابقة.
و معاوية -رضي الله عنه- فقد ثبت بالروايات الصحيحة أن خلافه مع علي -رضي الله عنه- كان في قتل قتلة عثمان -رضي الله عنه- ولم ينازعه في الخلافة بل كان يقر له بذلك.
فعن أبي مسلم الخولاني أنه جاء وأناس معه إلى معاوية وقالوا: « أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلوماً، وأنا ابن عمه والطالب بدمه فأتوه، فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه فلم يدفعهم إليه ». - أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 16/356ب، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 3/140، وقال محققوا الكتاب: رجاله ثقات -
سبب ذلك أن علياً -رضي الله عنه- طلب من معاوية أن يدخل في البيعة ويحاكمهم إليه فأبى معاوية -رضي الله عنهما- جميعاً.
-انظر: البداية والنهاية 7/265، وتحقيق مواقف الصحابة في الفتنة لمحمد أمحزون 2/147-
ويروى ابن كثير من طرق ابن ديزيل بسنده إلى أبي الدرداء وأبي أمامة -رضي الله عنهما- «أنهما دخلا على معاوية فقالا له: يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل؟ فو الله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاماً، وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحق بهذا الأمر منك، فقال: أقاتله على دم عثمان، وإنه آوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له:فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من أبايعه من أهل الشام».
-البداية والنهاية 7/270-
والروايات في هذا كثيرة مشهورة بين العلماء وهي دالة على عدم منازعة معاوية لعلي -رضي الله عنهما- في الخلافة ولهذا نص المحققون من أهل العلم على هذه المسألة وقرروها.
يقول إمام الحرمين الجويني: «إن معاوية وإن قاتل علياً فإنه لا ينكر إمامته، ولا يدعيها لنفسه، وإنما كان يطلب قتلة عثمان ظاناً منه أنه مصيب وكان مخطئاً»- لمعة الأدلة في عقائد أهل السنة والجماعة ص115-
ويقول ابن حجر الهيتمي: « ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعلي كما مر فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم، لكون معاوية ابن عمه فامتنع علي» - الصواعق المحرقة ص 216-
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومعاوية لم يدَّعِ الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه... وكل فرقة من المتشيعين(أي من المتشيعين لعثمان أو علي -رضي الله عنهما-، وقد كان المطالبون ) بدم عثمان - رضي الله عنه - قد انضموا إلى معاوية ومع هذا ما كانوا يفضلونه على علي -رضي الله عنه - أجمعين.) مقرة مع ذلك بأنه ليس معاوية كفأ لعلي بالخلافة، ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي -رضي الله عنه- فإن فضل علي وسابقيته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله: كانت عندهم ظاهرة معروفـة» - مجموع الفتاوى 35/72-73-
فثبت بهذا أنه لم ينازع علياً -رضي الله عنه- أحدٌ في الخلافة لامن الذين خالفوه ولا من غيرهم، وبهذا يبطل ما ادعاه الروافض من أن الصحابة تنازعوا في الخلافة، وترتب على ذلك تفرق الأمة وانقسامها.
المسألة الثانية: أن الخلاف بين علي ومخالفيه -رضوان الله عليهم - إنما هو في تقديم الاقتصاص من قتلة عثمان أو تأخيره مع اتفاقهم على وجوب تنفيـــــذه.
وهذه المسألة مقررة أيضاً عند أهل العلم من أهل السنة بما ثبت في ذلك من الأخبار، والآثار الدالة على أن علياً - رضي الله عنه - لا ينازع مخالفيه في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان يرى تأجيل ذلك حتى يستتب له الأمر. وذلك أن قتلة عثمان -رضي الله عنه - كانوا قد تمكنوا من المدينة، ثم قام في أمرهم من الأعراب وبعض أصحاب الأغراض الخبيثة ما أصبح به قتلهم في أول عهد علي -رضي الله عنه - متعذراً.
يشهد لهذا ما ذكره الطبري حيث يقول: « واجتمع إلى علي بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة، فقالوا: يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلّوا بأنفسهم، فقال لهم: يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء الله». - تاريخ الطبري 4/437-
ويقول ابن كثير: «ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة -رضوان الله عليهم - وطلبوا منه إقامة الحدود، والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم: بأن هؤلاء وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا» - البداية والنهاية لابن كثير 7/239-
فكان هذا هو عذر علي - رضوان الله عليهم - في بداية الأمر، أما بعد ذلك فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً، وأشدّ اشتباهاً، خصوصاً بعدما اقتتل الصحابة -رضوان الله عليهم - في معركة الجمل بغير اختيار منهم، وإنما بسبب المكيدة التي دبرها قتلة عثمان للوقيعة بينهم، كما تقدم بيان ذلك، فلم يكن أمر الاقتصاص مقدوراً عليه بعد هذه الأحداث لا لعلي، ولا لغيره من مخالفيه، وذلك لتفرق الأمة وانشغالها بما هو أولى منه من تسكين الفتنة ورأب الصدع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
« لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكناً من قتل قتلة عثمان، إلا بفتنة تزيد الأمر شرّاً وبلاءً. ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس، لأنهم كانوا عسكراً، وكان لهم قبائل تغضب لهم، والمباشر منهم للقتل -وإن كان قليلاً- فكان ردؤهم أهل الشوكة، ولولا ذلك لم يتمكنوا، ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق.
ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميراً على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين
وعلى كل حال فأياً كان عذر علي -رضي الله عنه - فالمقصود هنا أنه لا يخالف بقية الصحابة المطالبين بدم عثمان -رضي الله عنه - في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان -رضي الله عنه - على ما تقدم تصريحه بذلك في إجابته لطلحة والزبير لما طالباه بقتل قتلة عثمان حيث قال (يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم)، ثم أقسم بعد ذلك وهو الصادق البار: أنه لا يرى إلا ما يرون في هذا الأمر، وهذا مما يدل على إجماع الصحابة -رضوان الله عنهم - على هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: أن الصحابة -رضوان الله عنه - الذين اختلفوا في الفتنة لم يتهم بعضهم بعضاً في الدين، وإنما كان يرى كل فريق منهم أن مخالفه وإن كان مخطئاً، فهو مجتهد متأول، يعترف له بالفضل في الإسلام وحسن الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء أن ضرارة بن ضمرة الصُّدَائي دخل على معاوية فقال له: صف لي علياً، فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال: لا أعفيك، قال: (أما إذ لابد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلاً، ويحكم عدلاً...). وذكر كلاماً طويلاً في وصف علمه وشجاعته وزهده.
إلى أن قال: (فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله) -حلية الأولياء 1/84-85-
هذا ماتيسر جمعه في هذه المسألة والله أعلم ..
كل هذه الأسئلة الحائرة من الأخت الفاضلة كانت بسبب قراءة كتاب ( رجال حول الرسول ) لخالد محمد خالد ..
الجواب وبالله التوفيق والسداد ..
قبل البدء أحب ان انبه ان كثير من الناس يقرأ في كتب تتكلم عن علاقة الصحابة بعضهم ببعض مثل كتاب ( رجال حول الرسول ) لخالد محمد خالد أو مجموعة ( العبقريات ) للعقاد أو كتب طه حسين أو كتاب ( فجر الإسلام ) و ( ضحى الإسلام ) لاحمد امين و كتب المتقدمين ككتاب ( الأغاني ) للاصفهاني وكتاب ( العقد الفريد ) لابن عبدربه وكتاب ( نهج البلاغة وشرحه ) لابن ابي الحديد المعتزلي وغيرها ..
فلا ننصح بقراءتها الا لمختص يمحص الصحيح من القول فيها من الضعيف لان غالب هذه الكتب اما اديب كتب كتابة ادبية بليغة ولكن اخطأ في نقل الأحداث والوقائع وأصابه الحماس الى ان زل في الطعن في بعض الصحابة من غير قصد ..
أو مبتدع ضال لبس على الناس كالاصفهاني وابن عبدربه و ابن ابي الحديد ممن يشوهون صورة خير البشر بعد الأنبياء ..
واحذر ايضاً من أشرطة الدكتور طارق السويدان - هداه الله - التى بعنوان : ( قصص من التاريخ ) فقد زل فيها واجحف وتعدى على الصحابة لأنه نقل الروايات ولم يتأكد من صحيحها من سقيمها ..
هذا التنبيه وإليكم الجواب ..
أن الخلاف بين الصحابة - رضوان الله عنه - في عهد علي -رضي الله عنه - لم يكن في الخلافة، فإن الذين اختلفوا مع علي -رضي الله عنه - هم: طلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية - رضوان الله عليهم -، ولم يكن هؤلاء ينازعونه في الخلافة بل لم يَدَّعِ أحد لامن هؤلاء ولا من غيرهم، أنه أولى بالخلافة بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - من علي - رضي الله عنه - ؛ لأنه أفضل من بقي، وقد كانوا يقرون له بالفضل، وإنما أصل الخلاف بين هؤلاء الصحابة المذكورين وعلي - رضوان الله عنه - هو في المطالبة بدم عثمان وقتل قتلته، فقد كانوا يرون تعجيل ذلك والمبادرة بالاقتصاص منهم، وقد كان علي -رضي الله عنه - لا ينازعهم في أن عثمان -رضي الله عنه - قُتل مظلوماً، وعلى وجوب الاقتصاص من قتلته، وإنما كان يرى تأجيل ذلك حتى تهدأ الأوضاع ويستتب له الأمر، لأن قتلة عثمان كثير وقد تفرقوا في الأمصار كما كانت طائفة كبيرة منهم في المدينة بين الصحابة.
ومع هذا كله فإن اختلافهم -رضي الله عنهم- لم يصل بهم إلى الطعن في الدين، واتهام بعض لبعض، وإنما كان كل فريق يرى لمخالفه مكانته في الفضل والصحبة ويرى أنه مجتهد في رأيه، وإن كان يخطئه فيه.
فههنا ثلاث مسائل مقررة عند أهل العلم والتحقيق من أهل السنة، يندفع بها ما يثيره هؤلاء المغرضون من شبه، حول الفتنة التي حصلت في زمن الصحابة -رضوان الله عنه - في خلافة علي وهي:
المسألة الأولى: أن الخلاف الذي حصل بينهم لم يكن حول الخلافة، ولم ينازع علياً - رضي الله عنه - أحد من مخالفيه فيها، ولم يَدَّعِ أحد منهم على الإطلاق أنه أولى بالخلافة من علي.
المسألة الثانية: أن الخلاف بينهم إنما هو في تعجيل قتل قتلة عثمان أو تأخيره، مع اتفاقهم على وجوب تنفيذ ذلك.
المسألة الثالثة: أنهم مع اختلافهم لم يتهم بعضهم بعضاً في الدين، وإنما يرى كل فريق منهم أن مخالفه مجتهد متأول، يعترف لــــه بالفضل في الإسلام، والصحبة لرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذه مسائل عظيمة، دلت عليها الأخبار الصحيحة. وفيها توضيح لحقيقة الخلاف بين الصحابة وتبرئة لساحتهم من كل مايرميهم به الرافضة والزنادقة، وهي أصل كبير في الرد على هؤلاء ينبغي لطالب العلم أن يتعلمها بأدلتها، وإليك أيها القارئ بسط الأدلة على تقريرها:
المسألة الأولى: أن الخلاف الذي حصل بينهم لم يكن في الخلافة، ولم ينازع علياً أحد من مخالفيه فيها، ولم يدع أحد منهم أنه أولى بها من علي - رضي الله عنه - .
ومن أقوى الأدلة، وأكبر الشواهد على هذا: اجتماع الصحابـة -رضوان الله عنه - على مبايعته بالخلافة بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه - بما فيهم طلحة والزبير -رضي الله عنهما-، وقد دلت على ذلك الروايات الصحيحة المنقولة عنهم في ذلك.
منها مارواه الطبري في تاريخه بسنده إلى محمد بن الحنفية، قال:
« كنت مع أبي حين قتل عثمان -رضي الله عنه - فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيراً، خيرٌ من أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خَفِيّاً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين.
قال سالم بن الجعد، فقال عبدالله بن عباس -رضي الله عنه - : فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يُشْـغـَب عليه، وأبى هو إلا المسجد، فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس». - تاريخ الطبري 4/427-
وعن أبي بشير العابدي قال: «كنت بالمدينة حـين قتـل عثمـان -رضي الله عنه - واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا علياً، فقالوا: يا أبا الحسن هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا والله، فقالوا: ما نختار غيرك....»الخ الرواية، وفيها تمام البيعة لعلي رضي الله عنه - تاريخ الطبري 4/427-428 -
والروايات في هذا كثيرة ذكر بعضها ابن جرير في تأريخه-انظر: تاريخ الطبري 4/427-429، وقد قام بجمع هذه الروايات ودرسها الدكتور محمد أمحزون في كتابه القيم: (تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ) 2/59-75 - وهي دالة على مبايعة الصحابة - رضوان الله عنه - لعلي -رضي الله عنه- واتفاقهم على بيعته بما فيهم طلحة والزبير، كما جاء مصرحاً به في الرواية السابقة.
و معاوية -رضي الله عنه- فقد ثبت بالروايات الصحيحة أن خلافه مع علي -رضي الله عنه- كان في قتل قتلة عثمان -رضي الله عنه- ولم ينازعه في الخلافة بل كان يقر له بذلك.
فعن أبي مسلم الخولاني أنه جاء وأناس معه إلى معاوية وقالوا: « أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلوماً، وأنا ابن عمه والطالب بدمه فأتوه، فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه فلم يدفعهم إليه ». - أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 16/356ب، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 3/140، وقال محققوا الكتاب: رجاله ثقات -
سبب ذلك أن علياً -رضي الله عنه- طلب من معاوية أن يدخل في البيعة ويحاكمهم إليه فأبى معاوية -رضي الله عنهما- جميعاً.
-انظر: البداية والنهاية 7/265، وتحقيق مواقف الصحابة في الفتنة لمحمد أمحزون 2/147-
ويروى ابن كثير من طرق ابن ديزيل بسنده إلى أبي الدرداء وأبي أمامة -رضي الله عنهما- «أنهما دخلا على معاوية فقالا له: يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل؟ فو الله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاماً، وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحق بهذا الأمر منك، فقال: أقاتله على دم عثمان، وإنه آوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له:فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من أبايعه من أهل الشام».
-البداية والنهاية 7/270-
والروايات في هذا كثيرة مشهورة بين العلماء وهي دالة على عدم منازعة معاوية لعلي -رضي الله عنهما- في الخلافة ولهذا نص المحققون من أهل العلم على هذه المسألة وقرروها.
يقول إمام الحرمين الجويني: «إن معاوية وإن قاتل علياً فإنه لا ينكر إمامته، ولا يدعيها لنفسه، وإنما كان يطلب قتلة عثمان ظاناً منه أنه مصيب وكان مخطئاً»- لمعة الأدلة في عقائد أهل السنة والجماعة ص115-
ويقول ابن حجر الهيتمي: « ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعلي كما مر فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم، لكون معاوية ابن عمه فامتنع علي» - الصواعق المحرقة ص 216-
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومعاوية لم يدَّعِ الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه... وكل فرقة من المتشيعين(أي من المتشيعين لعثمان أو علي -رضي الله عنهما-، وقد كان المطالبون ) بدم عثمان - رضي الله عنه - قد انضموا إلى معاوية ومع هذا ما كانوا يفضلونه على علي -رضي الله عنه - أجمعين.) مقرة مع ذلك بأنه ليس معاوية كفأ لعلي بالخلافة، ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي -رضي الله عنه- فإن فضل علي وسابقيته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله: كانت عندهم ظاهرة معروفـة» - مجموع الفتاوى 35/72-73-
فثبت بهذا أنه لم ينازع علياً -رضي الله عنه- أحدٌ في الخلافة لامن الذين خالفوه ولا من غيرهم، وبهذا يبطل ما ادعاه الروافض من أن الصحابة تنازعوا في الخلافة، وترتب على ذلك تفرق الأمة وانقسامها.
المسألة الثانية: أن الخلاف بين علي ومخالفيه -رضوان الله عليهم - إنما هو في تقديم الاقتصاص من قتلة عثمان أو تأخيره مع اتفاقهم على وجوب تنفيـــــذه.
وهذه المسألة مقررة أيضاً عند أهل العلم من أهل السنة بما ثبت في ذلك من الأخبار، والآثار الدالة على أن علياً - رضي الله عنه - لا ينازع مخالفيه في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان يرى تأجيل ذلك حتى يستتب له الأمر. وذلك أن قتلة عثمان -رضي الله عنه - كانوا قد تمكنوا من المدينة، ثم قام في أمرهم من الأعراب وبعض أصحاب الأغراض الخبيثة ما أصبح به قتلهم في أول عهد علي -رضي الله عنه - متعذراً.
يشهد لهذا ما ذكره الطبري حيث يقول: « واجتمع إلى علي بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة، فقالوا: يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلّوا بأنفسهم، فقال لهم: يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء الله». - تاريخ الطبري 4/437-
ويقول ابن كثير: «ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة -رضوان الله عليهم - وطلبوا منه إقامة الحدود، والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم: بأن هؤلاء وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا» - البداية والنهاية لابن كثير 7/239-
فكان هذا هو عذر علي - رضوان الله عليهم - في بداية الأمر، أما بعد ذلك فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً، وأشدّ اشتباهاً، خصوصاً بعدما اقتتل الصحابة -رضوان الله عليهم - في معركة الجمل بغير اختيار منهم، وإنما بسبب المكيدة التي دبرها قتلة عثمان للوقيعة بينهم، كما تقدم بيان ذلك، فلم يكن أمر الاقتصاص مقدوراً عليه بعد هذه الأحداث لا لعلي، ولا لغيره من مخالفيه، وذلك لتفرق الأمة وانشغالها بما هو أولى منه من تسكين الفتنة ورأب الصدع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
« لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكناً من قتل قتلة عثمان، إلا بفتنة تزيد الأمر شرّاً وبلاءً. ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس، لأنهم كانوا عسكراً، وكان لهم قبائل تغضب لهم، والمباشر منهم للقتل -وإن كان قليلاً- فكان ردؤهم أهل الشوكة، ولولا ذلك لم يتمكنوا، ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق.
ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميراً على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين
وعلى كل حال فأياً كان عذر علي -رضي الله عنه - فالمقصود هنا أنه لا يخالف بقية الصحابة المطالبين بدم عثمان -رضي الله عنه - في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان -رضي الله عنه - على ما تقدم تصريحه بذلك في إجابته لطلحة والزبير لما طالباه بقتل قتلة عثمان حيث قال (يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم)، ثم أقسم بعد ذلك وهو الصادق البار: أنه لا يرى إلا ما يرون في هذا الأمر، وهذا مما يدل على إجماع الصحابة -رضوان الله عنهم - على هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: أن الصحابة -رضوان الله عنه - الذين اختلفوا في الفتنة لم يتهم بعضهم بعضاً في الدين، وإنما كان يرى كل فريق منهم أن مخالفه وإن كان مخطئاً، فهو مجتهد متأول، يعترف له بالفضل في الإسلام وحسن الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء أن ضرارة بن ضمرة الصُّدَائي دخل على معاوية فقال له: صف لي علياً، فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال: لا أعفيك، قال: (أما إذ لابد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلاً، ويحكم عدلاً...). وذكر كلاماً طويلاً في وصف علمه وشجاعته وزهده.
إلى أن قال: (فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله) -حلية الأولياء 1/84-85-
هذا ماتيسر جمعه في هذه المسألة والله أعلم ..