PDA

View Full Version : خـواطـــر حـــاج 1422


زمردة
03-03-2002, 07:11 PM
سبحان الله ... انه فعلا اعجاز رباني , ودليل قائم يشهد ان لا اله الا هو اله واحد مسير لهذا الكون المهيب , رب واحد واله لدين واحد ...

سالتني اختي الصغرى قبل ذهابنا , الم تحجوا مرة ؟ لم العودة الان؟ فقلت لها , الامر ببساطة اننا كمن يريد ان يقابل شخص او مسؤول مهم , نحاول جاهدين طرق بابه وهو وحده من يقرر من يستقبل ومن يسمح له بالدخول , واحيانا يقوم بدعوتنا هو دون ان نجتهد في الوصول اليه , ولا يعقل بعدما طلبنا بنفسه وسمح لنا بالدخول نقول له : لا .


**************

مواقف لا تنسى



1- في الطريق الى مكة :

كانت الحملة التي خرجنا معها تابعه لاحدى المدارس هنا والتي كان لها فرع في مكة ايضـا خرجنا من المدرسة بعد ان صلينا العشاء جماعه , كنا 700 حاج في 30 حافلة , عادة لا يستغرق الطريق من جدة الى مكة ساعه واحدة , ولكن .. ظروف الحج تختلف بدانا الرحلة بالتلبية وكم كانت رائعه وهي تخرج من هذا العدد من الحجيج بنفس واحد ...


هل جربت يوما ان تكون نائما بعمق وفي اللحظة التي تفتح فيها عيناك وقبل ان تدرك حواسك ما يحدث حولك , يوجه احدكم لك صفعة قوية على وجهك؟؟

نعم , هذا ما حدث معي , انا من النوع الذي اذا ركب سياره لمسافه طويلة انام مع اهتزازها , وقبل ان نصل الى مكة بنصف ساعه او اقل , منعت الحافلة التي كنا نستقلها من المرور وامرت بالعوده الى جدة , ودون نقاش , كنت نائمة حينها وفتحت عيناي على صوت بقول بحدة وارتفاع بالغ : هيا ارجع , ارجع جدة , كانت سيارة شرطة تأمرنا بالعودة وسحبت منا تراخيص الحج واستمرت في السير وراءنا حتى اوصلتنا الى اول طريق جدة .. فعلا يصعب جدا وصف الالم والحزن الذي ارتسم على الوجوه , بل والدهشة ايضا .

ايعقل يارب بعد كل هذا نرجع؟؟ أبعد أن أصبحنا على بعد دقائق قليلة نحرم من الوصول الى مبتغانا ؟ اسئلة كثيرة وحيرة ملأت قلبي و اخذت ادعوا الله ان لا يردنا خائبين , طلبت منه صادقة ان لا يخذلنا , حدث كثير من الجدل واللغط بين الركاب وتم الاتفاق على العوده مع احد رجال المرور في الطريق الذي تساءل عن سبب عودتنا محرمين وقال : ارجعوا ولكن ان منعتم مرة ثانيه فلن اسمح لكم بالعودة ..

سبحان الله ما هي الا لحظات حتى محي اليأس من على الوجوه وارتسمت مكانه بشارات الأمل , و عند الاقتراب مجددا من نقطة المرور اتفق الرجال على ان يرفعوا اصواتهم بالتهليل وان يسرع السائق حتى لا توقفهم الشرطة من جديد .. الحمد لله ..

حكمة بالغة

كثيرا ما تصيبنا اشياء لا نعرف لها سببا وبعد هذا الموقف دار في ذهني شيئين , اولهما كان تساؤل , نحن 24 راكب كلنا كان يدعوا الله ان ييسر لنا امر عودتنا , ولكن .. من منا هو صاحب الدعوة المستجابة؟

تذكرت قصة كنت قد سمعتها عن سيدنا موسى عليه السلام حين حرموا من المطر واكثروا من الدعاء والصلاة فاوحى لهم الله ان بينكم عاص ارزقكم بالمطر اذا خرج , وانتظر الناس خروجه ولكن لم يخرج احد وبعد فترة امطرت السماء , فسال موسى عليه السلام الله عن ذلك فقال تعالى ان صاحب الذنب قد استغفر وقال يارب سترتها علي وانا افعلها فاغفرها لي الان ولا تفضحني فغفرت له , فانزلت المطر . كنت بين امل ورجاء وخوف , هل انا صاحبة هذه الدعوة , ولكن لم كل هذا الامل , لماذا لا يكون غيري , فوحده الله اعلم بي .

ثاني موقف كان هو الرد على تساؤل اخر ... ما سبب عودتنا ونحن معنا التصاريح بالحج؟؟؟

قبل ان نصل عرفت السبب , سبحان الله .. كان هناك امرأة وابنتها كانتا قد تخلفتا عن موعد خروجنا من المدرسة , فسعت جاهدة لللحاق بنا قبل وصولنا الى هذه النقطة لان تصريح الحج الخاص بهما كان معنا , فلو كنا مررنا , لما كانتا تمكنتا من الحج هذا العام .. فعلا , وحده الله يعلم غيب السموات والارض , ووحده مدبر الامور , وهنا فقط رجحت ان تكون هي صاحبة الدعوة المستجابة بان نتعطل في الطريق حتى تدركنا هي وابنتها ..

**************
على الرغم من قصر المسافة بين المدينتين الا اننا وصلنا بعد 4 ساعات واتجهنا مباشرة الى الحرم لتادية طواف القدوم ..

كم جميل منظر الكعبة وهي محرمة مثلنا وقد شمرت ثوبها ووقفت بيننا في شموخ وإباء تعلن عن عزة وقوة يصعب ايجادها ووجودها في أي بيت او مبنى اخر مهما بلغت عظمته .. يالهذا الزحام , ماشاءالله , اعداد كبيرة من المسلمين قد اجتمعت في مكان واحد لتادية نسك واحد , تذكرت قولا لعمرو خالد قال فيه : تخيل ان رجلا يقف في صحراء شاسعه على جبل ويصرخ باعلى صوته مناديا الناس لا يراهم وهو موقن انه مهما رفع صوته فلن يسمعه احد , ولكن الله كان قد كفل ان يوصل نداؤه هذا للناس ولو بعد الاف السنين .. فعلا , كما قال عمر , نحن قوم اعزنا الله بالاسلام , فإن ابتغينا العزة بغير الإسلام اذلنا الله ..

**************

2- في مزدلفة :

أ - صلينا المغرب والعشاء جمعا وقصرا و جلسنا كل منشغل بجمع الحصى الذي سنقوم برميه

عند الجمرات الثلاث في منى ، ولهذه الحصيات مواصفات .. خاصة بالحجم , فهي اصغر من حبة البندق واكبر من حبة الحمص (حمص الشام)

سبحان اله , منظر غريب فعلا , الجميع منكب موجها وجهه الى الارض ويداه تعبث في ترابها باحثين في اهتمام بالغ تشوبه سعاده خفية عن احجار بمواصفات ثابته دون ملل او ضجر او تساؤل عن سبب هذه المواصفات والحكمة من هذه الدقه في الحجم والصفات , فعلا , ما الذي سيحدث لو كانت اكبر او اصغر بقليل ؟ وحده الله يعلم وفعلا لم اسمع تساؤل من احد عن ذلك ..

بينما كانت اصابعي تعبث في التراب وغباره يخترق انفاسي , سمعت والدتي تقول , تفكري في هذا , فغدا سنصبح مثله.

نعم , غدا سنصبح مثله . مهما علونا , ومهما ارتفع شأننا وبلغنا مناصب ومراكز , فمصيرنا .. تراب تطأه الاقدام او تعبث به الايدي في لا مبالاة .. حقا , ما الذي يشغلنا ويغيب عنا هذا الحقيقة , لم هذا الكبر ولم هذه العجرفه التي في النفوس ؟ ماذا نظن انفسنا وماذا نتوقع ان نكون ؟ ما هي الا لحظات او دقائق او ربما سنون نقضيها ولكن .. مهما طالت , فما لنا الا هذا المصير , وهنا يطرح تساؤل نفسه باصرار .. هل اعددت العدة؟ لقد خرجت الى هذه الرحلة وتزودت لها بالكثير , فهل تزودت لرحلة الخلود؟ قال تعالى : "وتزودوا فان خير الزاد التقوى" . سالت نفسي ! هل احمل معي هذا الزاد دائما؟ لماذا انا مطمئنه هكذا ؟ ولماذا دائما ما نستبعد الموت وهو اقرب الينا من حبل الوريد؟ .. حقا : من اطال الامل اساء العمل .. الموت يطاردنا كل لحظة , وننام ملء الجفون ..

اللهم اني اسالك العفو والعافية وحسن الخاتمة وحسن الظن بك وجميل التوكل عليك , اللهم ان اطلت اعمارنا فاجعلها في الخير , وان لم يكن امامنا الا القليل فوجهنا لما تحب وترضى

**************
ب – بعد ان انتهينا من جمع الحصى انشغل كل واحد منا في شيء , لم نكن ننو المبيت في مزدلفة وعزمنا على الخروج منها بعد انتصاف الليل ولكن , تأت الرياح بما لا تشتهي السفن , عندما هممنا بالرحيل لاحظنا تكاثر الناس حولنا واننا اصبحنا محبوسين وسط جموع غفيرة من الحجاج النائمين حولنا , وكان من الصعب اقلاقهم وايقاظهك , فاستسلمنا للوضع وقررنا البقاء , وعدلنا نيتنا في البقاء تحقيقا للسنة . لم يمر الكثير من الوقت حتى غلب النوم الجميع اثر جهد بعد يوم طويل وبقيت مستيقظة واخت اخرى كانت تهدهد طفلتها لتنام . اخذت اتامل من حولي , سبحان الله , اين يمكننا ان نرى هذا المشهد؟

اقسمت انه المكان الوحيد في العالم الذي تحدث فيه هذه الوحده وهذا التألف , انه المكان الوحيد الذي تقاسم فيه من لا تعرف حتى لغته طعامك وشرابك وفراشك , عفوا , لم يكن فراشا , بل حصرا .. كنا نفترش الارض ونلتحف بالسماء ونتوسد بعضنا البعض .. المكان الوحيد الذي تلقي فيه بجسدك على الارض وتستسلم لنوم عميق امن دون ان تشعر بقلق او انزعاج او حرج من نظرات من حولك , هنا تتساوى الرؤوس , وتهدا النفوس وتنقى , استوى على هذا الوضع الغني والفقير في ثوب واحد وهيئة واحدة بل وهدف واحد..

لم اجد حرجا من ان استلقي على الارض في محاولة للنوم لكني لم اتمكن , ياله من شعور رائع وانت على هذا الوضع بين هذا العدد من الناس , ما ان وضعت رأسي حتى تذكرت ابيات لابي نواس كان قد قالها بعد اسلامه وهو متعلق باستار الكعبة واخذت انشدها بصوت خفيض :

إلهنا ما اعدلك مليك كل من ملك

لبيك قد لبيت لك لبيك لا شريك لك

والعزة والنعمـة لك لبيك ان المــلك لك

يا مخطئا ما اغفلك عجل وبادر اجلك

واختم بخير عملك لبيك ان الحمد لك

لولاك يا رب هلك كل نبي وملك

لبيك ان الحمد لك

والعزة والنعمة لك لبيك لا شريك لك

**************

3 – في منى :

حكمة كبيرة جدا هي التي وضعها الله في المبيت هنا , ذهبنا الى منى بعد صلاة العشاء قمنا برمي الجمرات الثلاث ثم اتخذنا مكانا للبقاء فيه , كنا حوالي 12 شخص , مكثنا قليلا ثم قمنا الى السوق , في اليوم الاول لنا في منى كنت قد اشتريت شيئا من بائع داغستاني , ولكني بعد عودتي شغلت به كثيرا , فكم رائع ان تتعرف على مسلم من بلد لا يسمع عنه الكثير دائما , بل ان هناك اناس لا يسمعون عن هذه البلاد اصلا , كنت سعيده جدا لانه كان مجيدا للغة العربيه , فكانت الفصحى هي لغه الحوار بيننا , كنت قد علمت منه ان سعى لدراستها في الجامعه هناك , وعرفت انهم يعيشون وسط الشيوعيون منذ زمن , وان الامر ليس بالسهل , كنت اتمنى لو اني اطلت الحديث معه لاعرف كيف هي حياة المسلمين هناك , وفكرت في ان ارجع له في اليوم التالي وفعلا عدت , ولكني لم اجرؤ على التحدث معه , تعرفت على اخته لكنها لم تكن تتحدث العربيه بشكل جيد ولا تفهمها الا قليلا .

كان الوضع في منى كما كان في مزدلفة , اختلطت الاجناس واللغات , تتعامل مع الجميع ممن يجلس حولك , وقد تبادله الحديث لدقائق , ترى الناس بين نائم وقائم وذاكر ومنهم من ارتفعت اصواتهم بالتامين على داع منهم , ومنهم من كان ينشد.

المبيت في منى ومزدلفة ذكرني بقول للامام الشافعي في الاخوة في الله قال فيه :

يمكنك ان تعرف ان من معك اخ لك في الله تجمعك به روح واحده اذا تصرفت في وجوده كانك وحدك فعلا , في هذه الاماكن تتصرف براحة تامة وتالف شديد مع من حولك كانك وحدك او مع من تعلافه منذ زمن رغم انها قد تكون المرة الاولى والاخيرة التي تراهم فيها

**************

سبحان الله العظيم , رغم قصر المدة التي نقضيها في الحج والتي قد لا تتعدى الاسبوع , الا انها تدريب فعلي وترويض للنفس , ففي فترة قصيرة جدا تصبح جميع قواك وارادتك خاضعة لاراده علي قدير .. ترويض قاس وقوي من مدرب علي حكيم ..

رغم العناد الذي قد يتواجد في النفوس والأنا التي تعلوا وتصرخ في الوجوه , تموت ولا يسمع لها صوت امام اوامر الله , فنحن نخضع انفسنا لقول الله : "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" تدريب مكثف لا لخضوع وضبط الاعصاب وكظم الغيظ وعدم التذمر والشكوى من التعب والحر والجهد .. بل ان الجهد الذي نشعر به طوال اليوم يختفي بحلول المساء

**************

كنت انتظر شروق شمس اول ايام العيد بلهفة بالغه لاني احب ان اسمع تكبيرات العيد , وكنت متشوقه جدا لان اسمعها من 2 مليون مسلم ,

ولكن لم يقدر الله لي حيث اني نمت بعد صلاة الفجر وقبل موعد الصلاة

بقلم: الأخت مسلمه جزاها الله خيرا

- من بريدي -

سراب
03-03-2002, 07:56 PM
روووعة أختي زمردة

أسأل الله أن يبلغنا ذلك المكان

جزاك الله خيرا

زمردة
04-03-2002, 12:31 AM
اللهم آمين .. وإياك جزى الله خيراً ..

وردة العين
04-03-2002, 04:05 AM
اللهم ارزقنا حجة في سبيلك ..

جزاك الله خيرا يا زمردة ..

زمردة
04-03-2002, 05:14 PM
وإياك جزى الله خيراً وردة العين .. على تواصلك ومتابعك الطيبة :)