تسجيل الدخول

View Full Version : الغنائم ايها النائم (1)


واقعية
21-09-2001, 06:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلني هذا الموضوع عبر البريد الالكتروني

ارجو ان تكون منه الفائدة للجميع


ما رأيك – أخي – الذي دعيت لتأخذ المغانم ، وتنال المكاسب – أنها تبذل لك وتقيد في رصيدك ، بدون أي تأخير أو تقصير خاصة إذا علمت أن الذي يعطي تلك الغنائم ليس غنيا من الأغنياء وانما هو الله رب الأرض والسماء ، وأن الغنائم ليست دراهم ولا دنانير ولا ذهبا ولا فضة ، وانما هي الحسنات والدرجات والجنات ، المترتبة على أعمال معينة يسيرة ؟
إنني لأهمس – بل أصرخ في أذنك " غنائم الفجر أيها النائم " .
غنائم الفجر :-

الغنيمة الأولى : الحرية الإيجابية :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – انه قال : "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد ، فان استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" متفق عليه .
الشيطان يقيدك وعن الخير يقعدك ، وفي أسره يحبسك ، انه يصدك عن الذكر ويحرمك من عظيم الأجر ، إذا أردت أن تجيب النداء " حي على الصلاة " ردك بالترغيب في النوم ، وإذا سمعت المقارنة " الصلاة خير من النوم " صرفك عن الخير بالمزيد من النوم ، فان كنت ذا عزيمة ، وتنبهت وتوضأت وبادرت إلى أداء الصلاة ، كنت في كل خطوة تحطم قيدا من قيوده ، وتهزم جندا من جنوده ، ولا تزال مواصلا تذكر الله فتحل عقدة ، ثم تمضي مصرا على مخالفته فتتوضأ فتنحل الثانية ، ثم تتابع مقبلا على الله فتقل قوته وتنفك من أسره فتصبح وقد تحررت من قيده ، وتغلبت على مكره وكيده .
ذكر القرطبي رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : نم عليك ليل طويل فأرقد ، أن هذا من كيد الشيطان وتغريره بالإنسان – وقال انه – أي الشيطان – يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد .. ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام ، والإلباس عليه ، وفي قوله : " يعقد الشيطان … " نقل ابن حجر أنه عقد على الحقيقة كعقد الساحر على من يسحره كما في قوله تعالي : " ومن شر النفاثات في العقد " (الفلق 4) ، ثم قال : "وقيل هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم يفعل الساحر بالمسحور ، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم … وقيل العقد كناية عن تثبط الشيطان للنائم بالقول المذكور ، ومنه عقدت فلانا عن امرأته أي منعته عنها( الفتح 3/25).
وعلى كل فالمراد أن التارك للذكر والطهارة واقع تحت تأثير الشيطان ووسواسه ، بل إن البيضاوي أشار إلى ما يدل على الوقوع تحت سلطان الشيطان إذ قال : " التقيد بالثلاث إما للتأكيد ، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر والوضوء ، والصلاة ، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه ، وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه ، وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته " (الفتح 3/26) أي كأنما يتحكم فيه فيقوده ويوجهه بسيطرته وقبضته على قفاه . فهل ترضى أن تكون ذلك المأسور المستعبد ، أم تكون ذلك القوي المنتصر بإذن الله ؟ .
انه انتصار الطاعة على المعصية والذكر على الغفلة ، والعزيمة على الضعف ، والخير على الشر ، فما أعظمها من غنيمة ، أحرص عليها ، ولا تفرط .

و البقية في الدرب

واقعية
21-09-2001, 06:24 PM
الغنيمة الثانية : الانطلاقة الحيوية :
ومرة ثانية نأخذ هذه الغنيمة من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – السابق ، إنها غنيمة حسية مهمة ، أثرها ظاهر بل باهر ، وفائدتها أكيدة بل فريدة ، تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم فيمن ذكر وتطهر وصلى الفجر " أصبح نشيط النفس " إن افتتاح اليوم بالذكر والطاعة يجعلك منشرح الصدر ، طيب الخاطر ، قوي العزم ، متجدد النشاط ، تنطلق وفي محياك وسامة ، وعلى ثغرك ابتسامة ، وينفرج - بإذن الله – كربك ، ويزول – بعون الله – همك ، وترى من نفسك على الخير إقبالا ، وللطاعة امتثالا ، وتجد الأمور ميسرة ، والصعاب مذللة ، يلقاك التوفيق مع بشائر النهار ، ويصحبك النجاح في سائر الأحوال .
وانظر – أخي –إلى من حرم هذه النعمة ، وفاتته تلك المنة ، انظر إليه وقد أصبح في غفلة فإذا هو " خبيث النفس كسلان " ، لا يصحو إلا متثاقلا ، وتراه ، مكدر الخاطر ، ضيق الصدر ، فاتر العزم ، تنظر إليه فكأنما جمع هم الدنيا بين عينية وكثيرا ما تتعسر أموره ، وتتعثر مقاصده ، انه يكون خبيث النفس بسبب " إتمام خديعة الشيطان عليه" ، ويكون كسلانا أي متثاقلا عن الخيرات لا تكاد تسخو نفسه ولا تخف عليها صلاة ، ولا غيرها من القربات ، وربما يحمله ذلك إلى تضييع الواجبات (المفهم2/140) .
قال ابن عبد البر : " هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته ، وضيعها " ( الفتح 3/26) .
أما الذي انبعث للطاعة ، وبادر للصلاة فانه يكون " طيب النفس " لسروره بما وفقه الله له من الطاعة ، وبما وعده من الثواب ، وبما زال عنه من عقد الشيطان ، كذا قيل ، والذي يظهر أن في صلاة الليل سرا في طيب النفس (الفتح 3/26) .
ومن معاني النشاط أنه يكون " نشيطا لما يرد عليه من عبادات أخرى من صلوات وغيرها فإذا يألف العبادات ويعتادها حتى تصير له شربا فتذهب عنه مشقتها ، ولا يستغني عنها " (المفهم 2/409)
انه ينشط " بزوال آخر سحر الشيطان عنه ، وكفايته إياه ، ورجوعه خاسئا عنه خائبا من كيده " (إكمال المعلم 3/142 . فما أحسنها من غنيمة تشبث بها ولا تضيع .

واقعية
21-09-2001, 06:26 PM
الغنيمة الثالثة : البشارة النورانية :
حديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر صحابيا ، أسوقه إليك من رواية بريده ابن الحصيب – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة " .
الجزاء من جنس العمل ، والحق جل وعلا يقول : " هل جزاء الإحسان الا الإحسان " (الرحمن 60) ، وأنت عندما خرجت لصلاة الفجر والظلام مازال يلف الكون ، والدنيا مازالت في الغلس ، فان جزاءك ومكافأتك نور تام يوم القيامة ، لأنك أطعت ربك ، وأقبلت على مولاك ، وطلبت النور لقلبك وروحك ، وتأمل معي لفظ الحديث " بشر المشائين " ، أي من تكرر منه المشي إلى إقامة الجماعة ، " وفي الظلم " أي ظلمة الليل والبشرى هي " النور التام يوم القيامة " لأنهم لما قاسوا مشقة ملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنور يضيء لهم يوم القيامة ، وهو النور المضمون لكل مشاء إلى الجماعة في الظلم .
وانما تقييده بيوم القيامة فقال الطيبي :" تقييده بيوم القيامة تلميح إلى قصة المؤمنين وقولهم في " ربنا أتمم لنا نورنا " فيه آذان أن من انتهز هذه الفرصة ، وهي المشي إليها في الظلم في الدنيا كان مع النبيين والصديقين في الأخرى " وحسن أؤلئك رفيقا " (فيض القدير (3/201) ، متى يأتيك النور ؟ انه يدم لك في موقف عصيب وهول رهيب ، انه يسطع بين يديك في وقت أحوج ما تكون إليه اقرأ معي قول الله تعالي : " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم () يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا أنظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فيضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " (الحديد 12)
لله ما أعظمها من نعمة يكون لهم النور "في ذلك الموقف الهائل الصعب كل على قدر إيمانه " ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة فيقال " بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم "
فالله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم ، وألذها لنفوسهم ، إذ حصل لهم كل مطلوب محبوب ، ونجوا من كل شر مرهوب .
فإذا رأي المنافقون المؤمنين يمشون بنورهم ، وهم قد طفئ نورهم ، ويبقوا في الظلمات حائرين ، قالوا للمؤمنين " أنظرونا نقتبس من نوركم " أي أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به لننجو من العذاب " قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا " أي إن كان ذلك ممكنا ، والحال أن ذلك غير ممكن بل هو من المحالات " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة " وهو الذي يلي المؤمنين " وظاهره من قبله العذاب " وهو الذي يلي المنافقين " (تفسير السعدي 7/290)
وقد أورد ابن كثير في تفسيره (4/308) عن أبي حاتم بسنده إلى أبي ذر وأبي الدرداء رضي الله عنهما يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فانظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم ، فقال له رجل : يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك ؟ فقال " أعرفهم محجلين من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " .
صلاة الفجر تؤهلك لتكون من أهل النور وقت يتخبط فيه الآخرون في الظلمات فما أجزلها من غنيمة ، بادر إليها ، ولا تتأخر .