متصفح
12-03-2001, 11:56 PM
السلام عليكم ورجمة الله وبركاته/نقلا عن مجلة السنه العدد(103)شهر ذى الحجه1421 ..كتبه/عبدالرحمن سعيد/................. بعد مجيء شارون إلى السلطة بدأ يتصرف وكأن مقاليد الأمور بيده، فأعلن أن عملية التسوية لا تلزمه، وأن المفاوضات السابقة على مجيئه هي مجرد حبر على ورق.. وعلى الجانب الآخر قالت أمريكا: إن المفاوضات التي تمت تحت رعاية كلينتون لم تعد تلزمها، وفي الواقع فإن مفاوضات التسوية هذه لم تقدم للمواطن الفلسطيني أو لعملية التسوية شيئاً مذكوراً.. فالكيان الصهيوني ومن ورائه أمريكا مارس مفاوضات التسوية من منطق أنه صاحب اليد الطولى، وأن الواقع الذي يفرضه يساعده في إملاء ما يريد. وفي الحقيقة لم تكن عملية التسوية مفاوضة بين طرفين ولكنها كانت ابتزازاً وخداعاً، ولقد بدت نذر المواجهة تخيم على الحالة الفلسطينية والمنطقة منذ مجيء شارون الذي سارع على الفور إلى التفاوض مع باراك من أجل تشكيل حكومة للحرب.. وسرعان ما وافق باراك على القبول بحقيبة الدفاع(1) بعد أن كان قد أعلن أنه سيعتزل الحياة السياسية، ولكن ضرورات أمن الدولة الصهيونية هي التي فرضت عليه العودة للقبول بتشكيل حكومة حرب.. ومنذ مجيء شارون بدأ الجيش الصهيوني يستخدم لأول مرة غاز الأعصاب المحرم دولياً ضد سكان الضفة وغزة المدنيين، كما بدأ في تصعيد خطة اغتيالات القيادات الفلسطينية ومن أبرزها اغتيال مسعود عياد الضابط في الوحدة 17 وهي الوحدة المختصة بحماية وحراسة عرفات..
وفي نفس السياق بدأ التهديد باغتيال عرفات، وواضح أن مقتل مسعود عياد يحمل إشارة واضحة إلى طول الذراع الصهيونية وأنـها قادرة فعلاً على الوصول لعرفات لكنه لا تريد ذلك لأنه يقدم خدمات جليلة لها.. خاصة وأن طائرتين أباتشي هما اللتان اصطادتا سيارة "مسعود عياد" بصاروخين.. ومن قبلها اختطف الكيان الصهيوني "ناصر عياد" ابن الضابط القتيل البالغ من العمر 22 عاماً.. وفي هذه اللحظات كان هناك شكلان من الرد أحدهما رسمي تمثل في التصريحات العربية التي تسولت التفاوض مع الكيان، وكان آخرها اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمان في إطار لجنة المتابعة العربية لقرارات قمة القاهرة الأخيرة.. أما الشكل الثاني من الرد فكان الرد الشعبي الفطري التلقائي والذي تمثل في العملية الاستشهادية التي قام بـها سائق الحافلة الفلسطيني "خليل أبوعلبة" والتي نتج عنها ثمانية قتلى من الجنود الصهاينة وأكثر من عشرين جريحاً.. والذي قام بالعملية نفذها ثأراً لكرامة شعبه في مواجهة كيان عنصري مستفز مجرم، فعاد بالمعادلة الى توازنـها الطبيعي، فلم يعد "شارون ولا باراك" هو الذي يملك مجريات الأمور ويمسك بناصيتها، وإنما هناك قوة استشهادية مؤمنة أخرى قادرة على الرد والمشاركة ورفض منطق الاستسلام.
الذي نفذ العملية هو مواطن فلسطيني بسيط عمره (35) عاماً يسوق الحافلات من غزة إلى تل أبيب منذ خمس سنوات.. وفي لحظة اتخذ قراره الجريء والحاسم بالارتفاع على الصغائر والثأر لدينه ووطنه هنا دلالة البعد المعنوي في انتفاضة الأقصى.. ففي لحظة يمكن لأي فرد أن يتخذ قراراً بالاستشهاد وهو يؤمن بالغيب حقيقة أكثر من إيمانه بعالم المادة المحسوس.. فالقوى المتحركة في الشارع يمكن أن تثور في أي لحظة، وبالمناسبة فإن معظم الذين يقودون الحافلات في الكيان الصهيوني هم من الفلسطينيين.. مواطن فلسطيني واحد.. عامل بسيط في شركة صهيونية.. فجأة يتخذ قرارًا بالانتفاضة الفردية تجاوباً مع الانتفاضة الكبرى. انتفاضة الأقصى.. وانتفاضته هذه تعيد التوزان الإقليمي.. وتوقف العدو عند حده وتفتح الباب واسعاً أمام الآلاف من أبناء الأمة لحلم الشهادة.
إن أهم ما طرحته انتفاضة الأقصى المباركة هي أنـها أعلنت بكل وضوح وصدق أنه لايصح إلا الصحيح وأن علاقتنا كأمة مسلمة بالصهاينة المغتصبين هي في الأساس علاقة مقاومة وقتال وجهاد: ((أذن للذين يقاتلون بأنـهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)) [الحج:39]، والانتفاضة إيذان إعلان القتال المعاصر، في مواجهة الصهاينة لإعادة الأمور إلى نصابـها، لقد جاءت الانتفاضة لتفضح على نحو صارخ الارتباك العام الذي دب في المشروع الوطني الفلسطيني وأطاح بتوازنه الذاتي وأخرجت الحالة الفلسطينية من حبس التسوية إلى رحابة المواجهة والمجابـهة.. الانتفاضة أكدت سقوط أوسلو نـهائياً وأكدت أيضاً سقوط كل النخبة بمعناها الواسع التي راهنت على عملية التسوية، ووضعت خطوطها الحمراء التي صنعها الدم وصاغها الاستشهاد، وبقدر ما أظهرت الانتفاضة التهافت في المشروع الفلسطيني العلماني فإنـها فتحت طاقة للخروج من النفق المظلم لهذا المشروع، فإذا بقطاع هام من فتح يقود المقاومة ويصيب نصيباً هاماً من الاستشهاد، إن الأمة الإسلامية تدخل القرن الجديد بأهم علامات تميزها في هذا القرن وهي أنـها أمة حية لا تزال مستعدة للشهادة والمقاومة وأنـها لا تزال كما كان سلفها تحب الموت كما يحب أعداؤها الحياة.
وبقدر ما فرقت الأمة المشاريع العلمانية ومشاريع التسوية والمهادنة فإن الانتفاضة المجاهدة جمعت ما فرقته هذه المشاريع لتؤكد أن الأمة الإسلامية يجمعها الجهاد والمقاومة والاستشهاد، ويفرقها البحث عن التسوية والسلام والراحة وحب المتعة والاستهلاك.
ثمار أوسلو وثمار الانتفاضة:
فجر الانتفاضة شعور الشعب الفلسطيني بسقوط جبال الوهم التي باعتها له السلطة الفلسطينية على مدى سبع سنوات فقد تصورت أنـها بعد خمس سنوات ستتمكن من بسط سلطتها على 90% من الأراضي المحتلة عام 1967 ويتبقى فقط 10% للمفاوضات النهائية وسقط هذا الادعاء إذ إن السلطة الفلسطينية بيدها حتى يومنا هذا فقط 18% من الأراضي المحتلة عام 1967، بينما لا يزال 82% بيد الصهاينة منها 60% محتلة بشكل كامل و22% محتلة احتلالاً أمنياً وعسكرياً.
وسوقت السلطة أن الهدف من الذهاب لأوسلو هو إيقاف الاستيطان، بَيْد أن بناء المستعمرات قد تضاعف في عهد رابين و"نتنياهو" ثم جاء باراك ليتفوق على الجميع ويزداد الاستيطان في عهده - خلال 18 شهراً من حكمه على حجم الاستيطان الذي تم في ثلاث سنوات من حكم نتنياهو، بل إن الأوهام تعاظمت لدى السلطة الفلسطينية، فتصورت أنه خلال خمس سنوات من عمر أوسلو ستبنى سنغافورة أو هونج كونج في الأراضي الفلسطينية، وآخر تقرير لصندوق النقد الدولي يؤكد أن مستوى المعيشة هبط بنسبة 40% عام 2000 عما كان عليه قبل اتفاقات أوسلو عام 1993 وفي فترات الحصار الصهيوني ينتشر الجوع والبطالة في صف مئات الآلاف من أبناء قطاع غزة والضفة الغربية ولا يزال يعيش 72% من مجموع سكان قطاع غزة لاجئين في أوضاع معيشية في منتهى القسوة، ورغم التقدير للظروف الاجتماعية والاقتصادية إلا أن الاقتراب من الخطوط الحمراء المتصلة بعقيدة المسلمين ومقدساتـهم خاصة فيما يتصل بالمسجد الأقصى المبارك والقدس هو الذي أعطى هذا الوضع إكسير الحياة الذي لا يزال يمده بجيوشه وقوة مستمرة منذ أربعة أشهر.
أوسلو هي التي قادت إلى كامب ديفيد (2) ثم إلى وثيقة كلينتون الصهيونية، ثم إلى التجرؤ الأمريكي - الصهيوني بإعلان الرغبة في إسدال الستار على صراع بين أمتين استمر لمدة أكثر من خمسين عاماً بجرة قلم أو بحضور مجموعة المفاوضين أو إعلان وثيقة مبادئ عامة فضفاضة، وهو بكل المعايير استهانة لا تغتفر بمقدرات الأمة الإسلامية وحرماتـها ومقدساتـها، إذ إن ما تبناه كلينتون هو في الواقع المطالب الصهيونية بصيغة أميركية، وتأتي الانتفاضة المباركة لتسقط هذا العبث وتؤكد مجموعة من الحقائق هي:
1- سقوط أي اتفاق يتم توقيعه من قبل السلطة الفلسطينية يفرط في المقدسات الإسلامية أو يفرط في الحقوق الفلسطينية بما في ذلك حق عودة أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات.
2- إن ألاعيب الصهاينة والأمريكان وضغوطهم ليست هي العامل الحاسم في صناعة التاريخ والأحداث، وإنما الذي يصنع التاريخ ويعيد تشكيل الأحداث هم الشهداء والذين يحملون أرواحهم على أكفهم، وحتى كتابة هذه السطور فإن عدد شهداء الانتفاضة بلغ الخمسمائة، بينما زاد عدد المصابين على أكثر من عشرة آلاف جريح، وكشفت الروح الاستشهادية تـهافت الظلمة والمجرمين وعدوانيتهم وأظهرتـهم على حقيقتهم أمام طوائف المخدوعين ممن يراهنون على السلام وحياد الغرب.
3 - إيقاف السلوك الأمريكي عند حده فيما يتصل بعدم التفرقة بين وجبات "التيك أوي" السريعة وبين مصائر الأمم والشعوب حيث تم التلويح بضرورة التوصل لاتفاق قبل الساعات الأخيرة أو اللحظات الأخيرة أو قبل رحيل الإدارة السابقة، فليس أمر الشعوب ومصائرها كميا يمكن تعبئته وهضمه، إنه التاريخ والجغرافيا والوجود والبشر والحضارة والكرامة والثقافة وقبلها الدين لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها، بل يدافع عنها ويستشهد دونـها، إن الانتفاضة في التحليل النهائي قد أعادت رسم الخرائط وترتيب الأولويات ووضع القيود وتقدير الفرص من منظور عربي.. إسلامي - فلسطيني، بينما كانت أوسلو قد أعطت حق رسم كل الأشياء للعدو الصهيوني وأمريكا، لقد صرنا صناعاً للإدراك بعد أن كان إدراكنا يصنع على وقع رغبات أعدائنا.
حروب ميدانية بين جيش الصهاينة ومقاتلي الانتفاضة:
لابد من التأكيد على أن ما يجري في الأرض المحتلة منذ ثلاثة أشهر هو حرب شعبية كاملة بكل المقاييس، وفي العلاقات الدولية يصفون ما يحدث بين الجيش الصهيوني ومقاتلي الانتفاضة بأنه صراع منخفض الحدة، وهو الذي يسبق التصعيد للحرب الشاملة، بيد أن انتفاضة الأقصى المباركة فتحت الباب لحرب عصابات حقيقية على الأرض الفلسطينية، وهي حرب لها منطق مختلف عن الحرب النظامية إذ تعتمد على هبة شعب بالكامل كما تعتمد على النفس الطويل والاستخدام المحسوب للقوة، كما تعتمد الجرأة من قبل ممارسيها وهي في التحليل الأخير حرب إرادات وأعصاب ومعنويات وهناك تقارير مؤكدة عن انـهيار الروح المعنوية لجيش الاحتلال وامتناع الضباط والجنود عن الخدمة في مناطق السلطة وغزة - كما أن التقارير تؤكد تحول الجيش الصهيوني إلى مجرد مليشيات انتهت صلاحيتها.
وعناصر الحرب الميدانية بين الجيش الصهيوني ومقاتلي الانتفاضة تتمثل بشكل أساسي في العنصر المخابراتي حيث يملك "الشباك" جهاز الأمن الداخلي للكيان الصهيوني مساعدة ووحدة الاستخبارات العسكرية معلومات مفصلة جداً عن كل ما يجري في الضفة الغربية وغزة، خاصة ما يتصل بالنشطاء الميدانيين وقادة الخلايا والعمليات في حماس والجهاد الإسلامي وفتح، وعلى ضوء هذه العمليات تتحرك الكمائن والوحدات الخاصة ودوريات سلاح المشاة والمدرعات والوحدات الشرطية الخاصة، كل ذلك يتم بتنسيق وسرية على مستوى عالٍ يضاف إلى ذلك تجنيد الصهاينة لشبكة هائلة من الجواسيس المتعاملين من الفلسطينيين مع أجهزة الأمن الصهيوني، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن الاتفاقات التي عقدتـها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني تتضمن بنوداً أمنية تحمي هؤلاء الجواسيس وتمنع السلطة من الاقتراب منهم، بينما تتضمن هذه البنود ضرورة اعتقال المجاهدين.
وهنا نشير إلى أن الانتفاضة أسقطت البنود الأمنية الخاصة بحماية هؤلاء الجواسيس وتم بالفعل وقت كتابة هذه السطور تنفيذ أول حكم إعدام بحق اثنين من هؤلاء الجواسيس منذ أن جاءت السلطة الفلسطينية عام 1994، في المقابل نجد شباب الانتفاضة وكوادرها يتحركون عبر شبكة من الطلائع الذين يجمعون المعلومات عن العدو في سرية تامة وخلف كل عملية من العمليات التي تم تنفيذها ضد الصهاينة جهد مخابراتي هائل بحيث يمكننا القول: إن الانتفاضة طورت مؤسسات مخابراتية خاصة لها هي جزء من البنية التحتية التي أسستها الانتفاضة وجعلت منها كياناً حقيقياً له وجوده المستقل على الأرض والحرب المخابراتية المتبادلة بين الكيان الصهيوني والانتفاضة هي حرب حقيقية وعند الصهاينة قائمة بـ 400 كادر وقيادي فلسطيني يسعى الكيان الصهيوني إلى تصفيتهم باعتبارهم قلب الانتفاضة التي يواجهها ويقودها، بل إن هناك معلومات مؤكدة عن محاولة اغتيال تعرض لها خالد مشعل في قطر وتم إحباطها، وأهم شهداء وقادة الانتفاضة الذين جرى تصفيتهم هم ثابت ثابت وحسين عبيات وابرهيم عبدالكريم بني عوده، وأنور حمران ويوسف ضوى وهاني حسين حسن أبو بكرة، وهناك شخصيات مطلوبة من قبل العدو بيد أن القوة الاستخباراتية للانتفاضة تحمى رجالها، وحتى نـهاية الشهر الماضي فإن هناك 18 عملية جهادية هامة تم تنفيذها ضد الكيان الصهيوني، كل عملية وراءها جهد معلوماتي ومخابراتي في منتهى الأهمية.
وبالإضافة إلى الحروب الاستخباراتية فإن هناك مواجهات ميدانية كشفت هزال وجبن جيش العدو، وفي التحليل النهائي فإن استمرار الانتفاضة وحفاظها على استقلالها الميداني إلى حد إعلان تشكيل حكومة موازية ومراقبة حكومة السلطة الوطنية يؤكد أننا إزاء حرب حقيقية لكنها حرب عصابات منخفضة في درجة مباشرتـها وعنفها.
وبعد العملية الأخيرة اعترف الكيان الصهيوني بقتل الضابط خالد عياد أبوحرب "25" عاماً من البحرية الفلسطينية. كما اعترف بقتل الشهيد "ناصر الحسينات" 23 عاماً وكان قد حاول دخول مستعمرة كفر داروم الصهيونية في قطاع غزة فأطلقوا النيران عليه وقتلوه ووجد إلى جواره سلاحه الآلي ومصحفه، بالإضافة لذلك قامت القوات الصهيونية بمشاركة أفراد من الوحدات الخاصة متنكرين بالزي المدني وضباط من المخابرات الصهيونية باختطاف الشيخ جمال جبر حمامرة "36 عاما" إمام قرية حوسان من قضاء بيت لحم، في الضفة الغربية بعد أن دهمت منـزله واقتادته إلى جهة مجهولة وزعم ناطق رسمي باسم الجيش الصهيوني أن الشيخ أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي واشترك في أعمال مقاومة ضد الكيان، وكان الشيخ قد أصيب برصاصة في ظهره في الانتفاضة الأولى وكان الشيخ ضمن الـ 400 فلسطيني من حركة حماس والجهاد الذين أبعدهم الصهاينة لمرج الزهور، وسبق اعتقاله خمس سنوات في سجون العدو، وفي الواقع فإن المعركة القادمة ستكون في منتهى الخطورة حيث سيكون جوهرها الأساسي خوض حرب مواجهة حقيقية بين جيش الاحتلال وبين مقاتلي الانتفاضة وجوهر هذه الحرب سيكون محوره الأمن والمخابرات.
سقوط وثيقة كلينتون:
يكشف نص وثيقة كلينتون التي قدر لنا الاطلاع عليها عن تحيز مطلق للكيان الصهيوني ويصدر هذا التحيز في الواقع عن مواقف ثقافية ودينية عميقة، فالتماثل الديني والعقدي أصبح يمثل أحد أهم محركات صناع القرار الأمريكي منذ ايزنـهاور وحتى كلينتون الذي بدا صهيونياً أكثر من الصهاينة أنفسهم، ووصفته بعض التقارير بأنه يتماثل مع "هيرتزل" لكونه ساعد ودعم الكيان الصهيوني بشكل مطلق وغير محدود، وفي الواقع فإن الموقف الأميركي هو موقف الغرب كله الذي يتحمل وليس فقط الكيان الصهيوني إثم ووزر المآسي التي يعاني منها الفلسطينيون منذ بدايات الهجرة الأولى إلى فلسطين.. بل إن وثيقة كلينتون تعود بالذهن العربي إلى بدايات هذا القرن حين جرى تقسيم العالم العربي وفق اتفاقية سايكس - بيكو والتي قامت على أساس من الغش والخداع لعالمنا العربي والإسلامي.. إن وثيقة كلينتون هي عملية خداع سياسي كبيرة قصد بـها إسدال الستار ووضع التتمة لحكاية يتحمل وزرها الغرب الذي يتحمل نصيباً من إثم كل دم أهريق ظلماً وعدواناً على أرض فلسطين بيد الصهاينة أو غيرهم.
يقول كلينتون: "أعتقد أن هذا هو مجمل الاتفاق العادل والدائم الذي يعطي الشعب الفلسطيني القدرة على تقرير مستقبله على أرضه.. ويعطي شعب إسرائيل نـهاية حقيقية للصراع وأمناً حقيقياً مع الحفاظ على الروابط الدينية المقدسة وضم 80% من المستوطنين إلى إسرائيل وأكبر قدس يهودية في التاريخ يعترف بـها الجميع عاصمة ". أي اتفاق عادل هذا وأي اتفاق دائم هذا الذي يعطى الفلسطينيين كما نص كلينتون أواسط التسعينات أي 94 إلى 96% من مساحة الضفة الغربية وغزة فقط؟.. وتشير المعلومات إلى أن الـ 6% التي يتم اجتزاؤها من الضفة الغربية لصالح الصهاينة هي من أجود الأراضي بينما يحصل الفلسطينيون مقابلها على أراض في صحراء النقب هي موضع للنفايات الذرية السامة، ثم يتحدث عن بقاء المستعمرات بحيث تتحول الدولة الفلسطينية إلى كانتونات أربعة، ثلاثة في الضفة الغربية وواحد في غزة يربط بينها أنفاق تحت الأرض.. كما أن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة يتم على ثلاث سنوات وليس فوراً.. وتدعو الوثيقة إلى وجود ثلاث محطات للإنذار المبكر تكون عرضة لإعادة النظر بعد عشر سنوات وفقاً للوثيقة الفضيحة.. ويبقى "لإسرائيل" في حالة وجود خطر وشيك لأمنها القومي تكون طبيعته عسكرية، ويستدعى إعلان حالة طوارئ عامة يبقى لها الحق في إعادة الانتشار، أي إعادة احتلال الأراضي التي انسحبت منها.
وعن طبيعة الدولة تتخذ الوثيقة موقفاً وسطاً تبين ما تريده إسرائيل "وهو أن تكون دولة منـزوعة السلاح" وبين ما يريده الفلسطينيون وهو أن تكون دولة ذات تسلح محدود فتصفها بأنـها دولة "غير مسلحة" فما هو الفرق إذن بين دولة منـزوعة السلاح كما يرغب الصهاينة وبين دولة غير مسلحة وهو ما يطرحه كلينتون؟.
وعن القدس تقول الوثيقة.. المبدأ العام هو أن المناطق العربية تكون فلسطينية والمناطق اليهودية تكون إسرائيلية، وسينطبق هذا على البلدة القديمة وبالنسبة للمسجد الأقصى يقول:" سيادة فلسطينية على الحرم وسيادة إسرائيلية على الحائط الغربي "حائط البراق " وسيادة عملية مشتركة على قضية الحفريات أسفل الحرم، وخلف الحائط "أي يبقى للصهاينة الحق في عمل الحفريات للاستجابة لهوس البحث عما يطلقون عليه "الهيكل".
وبالنسبة لحق العودة، تقول الوثيقة: "أعرف تاريخ القضية وكم سيكون صعباً بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية أن يبدو أنـها تتخلى عن هذا المبدأ، ولكن لم يكن باستطاعة الجانب الإسرائيلي أن يقبل بأي إشارة إلى حق في العودة ينطوي على حق الهجرة إلى "إسرائيل من غير اعتبار لسياسات إسرائيل" المستقلة في ما يتعلق بدخول أراضيها أو موافقتها أو بطريقة من شأنـها تـهديد الطابع اليهودي" أي أن كلينتون حريص على الطابع اليهودي للكيان الصهيوني دون اكتراث بحق أكثر من خمسة ملايين لاجئ مشردين في العودة إلى بلادهم، بل وحق تعويضهم عن الخسارة المادية والمعنوية الهائلة بسبب هذا التشريد القسري.. ثم تقول الوثيقة :" المبدأ المرشد هو أن الدولة الفلسطينية ستكون نقطة الارتكاز للفلسطينيين الذين يختارون العودة إلى المنطقة دون استبعاد أن تقبل "إسرائيل" بعض هؤلاء اللاجئين ثم تمضى الوثيقة لتقول: "اعتقادنا بأننا نحتاج إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها ولكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة.. وعن إنـهاء النـزاع تقول الوثيقة: "إنني أقترح أن يعني هذا الاتفاق وبوضوح إنـهاء النـزاع وأن يضع تنفيذه حداً لكل المطالبات".
إن وثيقة كلينتون الأمريكية لم تكن إلا إعادة تسويق للمطالب الصهيونية في كامب ديفيد، ولكن بصيغة أمريكية مراوغة تعتمد ما يطلق عليه في العلاقات الدولية "الغموض البناء".. وتكفى الإشارة إلى أن الوثيقة تتحدث فقط عن الضفة الغربية وغزة التي جرى احتلالها عام 1967 بينما.. يتجاهل تماماً الأراضي الفلسطينية التي سيطر عليها الصهاينة بعد حرب 1948 وهي تبلغ 78% من مجمل أرض فلسطين التي تبلغ مساحتها 31 ألف كم2.. إن الوثيقة تتحدث فقط عن 22% من أراضي فلسطين التاريخية ؛ لذا فإن استدعاء خداع سايكس – بيكو عقب نـهاية الحرب الأولى للذاكرة العربية هو استدعاء صحيح.. فكلينتون جاء لتكميل ما بدأه هذان الاستعماريان الغربيان لصالح اليهود.
كما أن الانسحاب الذي تتحدث عنه الوثيقة ليس من كامل الضفة الغربية التي احتلت عام 1967 وإنما من نسبة 82% منها فقط حيث تم اقتطاع حوالي 18% من مساحة الضفة لصالح التوسع الاستيطاني في مدينة القدس أي أن ال 95% التي سيمنحها الصهاينة للفلسطينيين من الضفة هي من نسبة 82%، ولا يجب أن ننسى أن كلينتون حينما تحدث عن المسجد الأقصى استخدم المصطلح اليهودي "جبل الهيكل".. لقد مورست ضغوط هائلة على المفاوض الفلسطيني في واشنطن كما مورست ضغوط هائلة على الدول العربية؛ وذلك من أجل إعطاء الفلسطينيين غطاءً عربياً لتنازلاتـهم لكن الانتفاضة المباركة كانت السد المانع والحاجز المتين لمن تسول له نفسه الرضوخ أو الضعف.. فلولا الانتفاضة لتم تمرير المطالب الأمريكية لصالح الصهاينة.. ولابد هنا من التذكير بأن الانتفاضة أوجدت حالة وعي هائلة لدى الشعوب العربية خارج فلسطين بحيث أصبح للرأي العام ربما لأول مرة تأثير حقيقي على حكوماته.. خاصة وأن القضايا التي تتعامل معها التسوية هذه المرة هي قضايا مصيرية تخص كل مسلم في العالم وليس الفلسطينيين أو العرب وحدهم، لكن تبقى الخطورة كامنة في وثيقة كلينتون إذ إنـها ورثت الإدارة الأمريكية القادمة ما يمكن أن نطلق عليه إطاراً تعمل في سياقه احتمالات الحرب بعد مجيء شارون إلى السلطة وسعيه لبناء ائتلاف مع "باراك" أعلن ساعة كتابة هذه السطور أن حقيبة الدفاع ستكون بيد باراك وأن الشكل النهائي لهذه الحكومة سيكتمل خلال أسبوع، وفي الواقع فإن احتمالات الحرب تتصاعد؛ لأن حكومة شارون القادمة كما يجمع المراقبون هي حكومة حرب.. فقد كانت هناك خطة أعدتـها القيادة السياسية الصهيونية للقيام بغارات على مقرات الأجهزة الأمنية للسلطة في قطاع غزة كما هدد مسؤول بارز في الجيش الصهيوني بأن تقتحم قواته مدناً فلسطينية كبرى ضمن المنطقة " أ " والتي تقع بالكامل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية من أجل أن تضرب ما تصفه بالقيادات الفلسطينية التي تقف وراء العمليات الاستشهادية، وتحميل عرفات المسؤولية عن عدم السيطرة على المناطق التي تقع تحت سلطته كما هدد كولن باول عرفات بمنع المساعدات المالية عنه إذا لم يقم بالسيطرة على الوضع في مناطق السلطة وكف يد المجاهدين عن العمليات الاستشهادية.. ويراجع الكيان الصهيوني موقفه بشأن القيادات الفلسطينية التي يطلق عليها V.I.P بزعم أنـهم يدخلون أسلحة للمقاتلين بالداخل واعتبرت أن بطاقات الشخصيات المهمة غير سارية المفعول، وأصرت على تفتيش سيارات كل من رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزة العقيد محمد دحلان وياسر عبد ربه وزير الإعلام وصائب عريقات وزير الحكم المحلي وفق المعايير الجديدة التي يسعى الكيان لتطبيقها من أجل الأمن، ويفرض الكيان حصاراً هائلاً على الضفة والقطاع، كما تصاعدت المواجهات المسلحة بشكل ملحوظ بعد العملية الجريئة، وترجح احتمالات حرب للأسباب الآتية:
1 - شخصية شارون التي تعكس الاستفزاز والعنصرية، وطبيعته الشخصية أحد المداخل الهامة في فهم كيف تتصرف في المواقف الحرجة.
2 - القوى التي تدعم شارون وهي قوى أكثر تطرفاً، ولا تزال لها قوة في الكنيست وفي الشارع ولها مطالب منه في مقابل المجيء به إلى السلطة.
3 - التحول في المجتمع الصهيوني ناحية التطرف وإحياء قوى اليمين ودعاة الحرب وهم يمثلون جماعة ضاغطة باتجاههم.
4 - وجود حالة من التوتر والعصبية في فلسطين والمنطقة بسبب المواجهات الدامية، وهو ما يفتح الباب واسعاً باتخاذ قرارات حرب بدايتها كما نتوقع ستكون في الأرض المحتلة بفلسطين، ثم تتسع لتشمل أطرافاً إقليمية أخرى من المرجح أن تكون لبنان وسـورية ومصر والعراق، وربما أطراف أخـرى خارج المنطقة العربية.
وفي نفس السياق بدأ التهديد باغتيال عرفات، وواضح أن مقتل مسعود عياد يحمل إشارة واضحة إلى طول الذراع الصهيونية وأنـها قادرة فعلاً على الوصول لعرفات لكنه لا تريد ذلك لأنه يقدم خدمات جليلة لها.. خاصة وأن طائرتين أباتشي هما اللتان اصطادتا سيارة "مسعود عياد" بصاروخين.. ومن قبلها اختطف الكيان الصهيوني "ناصر عياد" ابن الضابط القتيل البالغ من العمر 22 عاماً.. وفي هذه اللحظات كان هناك شكلان من الرد أحدهما رسمي تمثل في التصريحات العربية التي تسولت التفاوض مع الكيان، وكان آخرها اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمان في إطار لجنة المتابعة العربية لقرارات قمة القاهرة الأخيرة.. أما الشكل الثاني من الرد فكان الرد الشعبي الفطري التلقائي والذي تمثل في العملية الاستشهادية التي قام بـها سائق الحافلة الفلسطيني "خليل أبوعلبة" والتي نتج عنها ثمانية قتلى من الجنود الصهاينة وأكثر من عشرين جريحاً.. والذي قام بالعملية نفذها ثأراً لكرامة شعبه في مواجهة كيان عنصري مستفز مجرم، فعاد بالمعادلة الى توازنـها الطبيعي، فلم يعد "شارون ولا باراك" هو الذي يملك مجريات الأمور ويمسك بناصيتها، وإنما هناك قوة استشهادية مؤمنة أخرى قادرة على الرد والمشاركة ورفض منطق الاستسلام.
الذي نفذ العملية هو مواطن فلسطيني بسيط عمره (35) عاماً يسوق الحافلات من غزة إلى تل أبيب منذ خمس سنوات.. وفي لحظة اتخذ قراره الجريء والحاسم بالارتفاع على الصغائر والثأر لدينه ووطنه هنا دلالة البعد المعنوي في انتفاضة الأقصى.. ففي لحظة يمكن لأي فرد أن يتخذ قراراً بالاستشهاد وهو يؤمن بالغيب حقيقة أكثر من إيمانه بعالم المادة المحسوس.. فالقوى المتحركة في الشارع يمكن أن تثور في أي لحظة، وبالمناسبة فإن معظم الذين يقودون الحافلات في الكيان الصهيوني هم من الفلسطينيين.. مواطن فلسطيني واحد.. عامل بسيط في شركة صهيونية.. فجأة يتخذ قرارًا بالانتفاضة الفردية تجاوباً مع الانتفاضة الكبرى. انتفاضة الأقصى.. وانتفاضته هذه تعيد التوزان الإقليمي.. وتوقف العدو عند حده وتفتح الباب واسعاً أمام الآلاف من أبناء الأمة لحلم الشهادة.
إن أهم ما طرحته انتفاضة الأقصى المباركة هي أنـها أعلنت بكل وضوح وصدق أنه لايصح إلا الصحيح وأن علاقتنا كأمة مسلمة بالصهاينة المغتصبين هي في الأساس علاقة مقاومة وقتال وجهاد: ((أذن للذين يقاتلون بأنـهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)) [الحج:39]، والانتفاضة إيذان إعلان القتال المعاصر، في مواجهة الصهاينة لإعادة الأمور إلى نصابـها، لقد جاءت الانتفاضة لتفضح على نحو صارخ الارتباك العام الذي دب في المشروع الوطني الفلسطيني وأطاح بتوازنه الذاتي وأخرجت الحالة الفلسطينية من حبس التسوية إلى رحابة المواجهة والمجابـهة.. الانتفاضة أكدت سقوط أوسلو نـهائياً وأكدت أيضاً سقوط كل النخبة بمعناها الواسع التي راهنت على عملية التسوية، ووضعت خطوطها الحمراء التي صنعها الدم وصاغها الاستشهاد، وبقدر ما أظهرت الانتفاضة التهافت في المشروع الفلسطيني العلماني فإنـها فتحت طاقة للخروج من النفق المظلم لهذا المشروع، فإذا بقطاع هام من فتح يقود المقاومة ويصيب نصيباً هاماً من الاستشهاد، إن الأمة الإسلامية تدخل القرن الجديد بأهم علامات تميزها في هذا القرن وهي أنـها أمة حية لا تزال مستعدة للشهادة والمقاومة وأنـها لا تزال كما كان سلفها تحب الموت كما يحب أعداؤها الحياة.
وبقدر ما فرقت الأمة المشاريع العلمانية ومشاريع التسوية والمهادنة فإن الانتفاضة المجاهدة جمعت ما فرقته هذه المشاريع لتؤكد أن الأمة الإسلامية يجمعها الجهاد والمقاومة والاستشهاد، ويفرقها البحث عن التسوية والسلام والراحة وحب المتعة والاستهلاك.
ثمار أوسلو وثمار الانتفاضة:
فجر الانتفاضة شعور الشعب الفلسطيني بسقوط جبال الوهم التي باعتها له السلطة الفلسطينية على مدى سبع سنوات فقد تصورت أنـها بعد خمس سنوات ستتمكن من بسط سلطتها على 90% من الأراضي المحتلة عام 1967 ويتبقى فقط 10% للمفاوضات النهائية وسقط هذا الادعاء إذ إن السلطة الفلسطينية بيدها حتى يومنا هذا فقط 18% من الأراضي المحتلة عام 1967، بينما لا يزال 82% بيد الصهاينة منها 60% محتلة بشكل كامل و22% محتلة احتلالاً أمنياً وعسكرياً.
وسوقت السلطة أن الهدف من الذهاب لأوسلو هو إيقاف الاستيطان، بَيْد أن بناء المستعمرات قد تضاعف في عهد رابين و"نتنياهو" ثم جاء باراك ليتفوق على الجميع ويزداد الاستيطان في عهده - خلال 18 شهراً من حكمه على حجم الاستيطان الذي تم في ثلاث سنوات من حكم نتنياهو، بل إن الأوهام تعاظمت لدى السلطة الفلسطينية، فتصورت أنه خلال خمس سنوات من عمر أوسلو ستبنى سنغافورة أو هونج كونج في الأراضي الفلسطينية، وآخر تقرير لصندوق النقد الدولي يؤكد أن مستوى المعيشة هبط بنسبة 40% عام 2000 عما كان عليه قبل اتفاقات أوسلو عام 1993 وفي فترات الحصار الصهيوني ينتشر الجوع والبطالة في صف مئات الآلاف من أبناء قطاع غزة والضفة الغربية ولا يزال يعيش 72% من مجموع سكان قطاع غزة لاجئين في أوضاع معيشية في منتهى القسوة، ورغم التقدير للظروف الاجتماعية والاقتصادية إلا أن الاقتراب من الخطوط الحمراء المتصلة بعقيدة المسلمين ومقدساتـهم خاصة فيما يتصل بالمسجد الأقصى المبارك والقدس هو الذي أعطى هذا الوضع إكسير الحياة الذي لا يزال يمده بجيوشه وقوة مستمرة منذ أربعة أشهر.
أوسلو هي التي قادت إلى كامب ديفيد (2) ثم إلى وثيقة كلينتون الصهيونية، ثم إلى التجرؤ الأمريكي - الصهيوني بإعلان الرغبة في إسدال الستار على صراع بين أمتين استمر لمدة أكثر من خمسين عاماً بجرة قلم أو بحضور مجموعة المفاوضين أو إعلان وثيقة مبادئ عامة فضفاضة، وهو بكل المعايير استهانة لا تغتفر بمقدرات الأمة الإسلامية وحرماتـها ومقدساتـها، إذ إن ما تبناه كلينتون هو في الواقع المطالب الصهيونية بصيغة أميركية، وتأتي الانتفاضة المباركة لتسقط هذا العبث وتؤكد مجموعة من الحقائق هي:
1- سقوط أي اتفاق يتم توقيعه من قبل السلطة الفلسطينية يفرط في المقدسات الإسلامية أو يفرط في الحقوق الفلسطينية بما في ذلك حق عودة أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات.
2- إن ألاعيب الصهاينة والأمريكان وضغوطهم ليست هي العامل الحاسم في صناعة التاريخ والأحداث، وإنما الذي يصنع التاريخ ويعيد تشكيل الأحداث هم الشهداء والذين يحملون أرواحهم على أكفهم، وحتى كتابة هذه السطور فإن عدد شهداء الانتفاضة بلغ الخمسمائة، بينما زاد عدد المصابين على أكثر من عشرة آلاف جريح، وكشفت الروح الاستشهادية تـهافت الظلمة والمجرمين وعدوانيتهم وأظهرتـهم على حقيقتهم أمام طوائف المخدوعين ممن يراهنون على السلام وحياد الغرب.
3 - إيقاف السلوك الأمريكي عند حده فيما يتصل بعدم التفرقة بين وجبات "التيك أوي" السريعة وبين مصائر الأمم والشعوب حيث تم التلويح بضرورة التوصل لاتفاق قبل الساعات الأخيرة أو اللحظات الأخيرة أو قبل رحيل الإدارة السابقة، فليس أمر الشعوب ومصائرها كميا يمكن تعبئته وهضمه، إنه التاريخ والجغرافيا والوجود والبشر والحضارة والكرامة والثقافة وقبلها الدين لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها، بل يدافع عنها ويستشهد دونـها، إن الانتفاضة في التحليل النهائي قد أعادت رسم الخرائط وترتيب الأولويات ووضع القيود وتقدير الفرص من منظور عربي.. إسلامي - فلسطيني، بينما كانت أوسلو قد أعطت حق رسم كل الأشياء للعدو الصهيوني وأمريكا، لقد صرنا صناعاً للإدراك بعد أن كان إدراكنا يصنع على وقع رغبات أعدائنا.
حروب ميدانية بين جيش الصهاينة ومقاتلي الانتفاضة:
لابد من التأكيد على أن ما يجري في الأرض المحتلة منذ ثلاثة أشهر هو حرب شعبية كاملة بكل المقاييس، وفي العلاقات الدولية يصفون ما يحدث بين الجيش الصهيوني ومقاتلي الانتفاضة بأنه صراع منخفض الحدة، وهو الذي يسبق التصعيد للحرب الشاملة، بيد أن انتفاضة الأقصى المباركة فتحت الباب لحرب عصابات حقيقية على الأرض الفلسطينية، وهي حرب لها منطق مختلف عن الحرب النظامية إذ تعتمد على هبة شعب بالكامل كما تعتمد على النفس الطويل والاستخدام المحسوب للقوة، كما تعتمد الجرأة من قبل ممارسيها وهي في التحليل الأخير حرب إرادات وأعصاب ومعنويات وهناك تقارير مؤكدة عن انـهيار الروح المعنوية لجيش الاحتلال وامتناع الضباط والجنود عن الخدمة في مناطق السلطة وغزة - كما أن التقارير تؤكد تحول الجيش الصهيوني إلى مجرد مليشيات انتهت صلاحيتها.
وعناصر الحرب الميدانية بين الجيش الصهيوني ومقاتلي الانتفاضة تتمثل بشكل أساسي في العنصر المخابراتي حيث يملك "الشباك" جهاز الأمن الداخلي للكيان الصهيوني مساعدة ووحدة الاستخبارات العسكرية معلومات مفصلة جداً عن كل ما يجري في الضفة الغربية وغزة، خاصة ما يتصل بالنشطاء الميدانيين وقادة الخلايا والعمليات في حماس والجهاد الإسلامي وفتح، وعلى ضوء هذه العمليات تتحرك الكمائن والوحدات الخاصة ودوريات سلاح المشاة والمدرعات والوحدات الشرطية الخاصة، كل ذلك يتم بتنسيق وسرية على مستوى عالٍ يضاف إلى ذلك تجنيد الصهاينة لشبكة هائلة من الجواسيس المتعاملين من الفلسطينيين مع أجهزة الأمن الصهيوني، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن الاتفاقات التي عقدتـها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني تتضمن بنوداً أمنية تحمي هؤلاء الجواسيس وتمنع السلطة من الاقتراب منهم، بينما تتضمن هذه البنود ضرورة اعتقال المجاهدين.
وهنا نشير إلى أن الانتفاضة أسقطت البنود الأمنية الخاصة بحماية هؤلاء الجواسيس وتم بالفعل وقت كتابة هذه السطور تنفيذ أول حكم إعدام بحق اثنين من هؤلاء الجواسيس منذ أن جاءت السلطة الفلسطينية عام 1994، في المقابل نجد شباب الانتفاضة وكوادرها يتحركون عبر شبكة من الطلائع الذين يجمعون المعلومات عن العدو في سرية تامة وخلف كل عملية من العمليات التي تم تنفيذها ضد الصهاينة جهد مخابراتي هائل بحيث يمكننا القول: إن الانتفاضة طورت مؤسسات مخابراتية خاصة لها هي جزء من البنية التحتية التي أسستها الانتفاضة وجعلت منها كياناً حقيقياً له وجوده المستقل على الأرض والحرب المخابراتية المتبادلة بين الكيان الصهيوني والانتفاضة هي حرب حقيقية وعند الصهاينة قائمة بـ 400 كادر وقيادي فلسطيني يسعى الكيان الصهيوني إلى تصفيتهم باعتبارهم قلب الانتفاضة التي يواجهها ويقودها، بل إن هناك معلومات مؤكدة عن محاولة اغتيال تعرض لها خالد مشعل في قطر وتم إحباطها، وأهم شهداء وقادة الانتفاضة الذين جرى تصفيتهم هم ثابت ثابت وحسين عبيات وابرهيم عبدالكريم بني عوده، وأنور حمران ويوسف ضوى وهاني حسين حسن أبو بكرة، وهناك شخصيات مطلوبة من قبل العدو بيد أن القوة الاستخباراتية للانتفاضة تحمى رجالها، وحتى نـهاية الشهر الماضي فإن هناك 18 عملية جهادية هامة تم تنفيذها ضد الكيان الصهيوني، كل عملية وراءها جهد معلوماتي ومخابراتي في منتهى الأهمية.
وبالإضافة إلى الحروب الاستخباراتية فإن هناك مواجهات ميدانية كشفت هزال وجبن جيش العدو، وفي التحليل النهائي فإن استمرار الانتفاضة وحفاظها على استقلالها الميداني إلى حد إعلان تشكيل حكومة موازية ومراقبة حكومة السلطة الوطنية يؤكد أننا إزاء حرب حقيقية لكنها حرب عصابات منخفضة في درجة مباشرتـها وعنفها.
وبعد العملية الأخيرة اعترف الكيان الصهيوني بقتل الضابط خالد عياد أبوحرب "25" عاماً من البحرية الفلسطينية. كما اعترف بقتل الشهيد "ناصر الحسينات" 23 عاماً وكان قد حاول دخول مستعمرة كفر داروم الصهيونية في قطاع غزة فأطلقوا النيران عليه وقتلوه ووجد إلى جواره سلاحه الآلي ومصحفه، بالإضافة لذلك قامت القوات الصهيونية بمشاركة أفراد من الوحدات الخاصة متنكرين بالزي المدني وضباط من المخابرات الصهيونية باختطاف الشيخ جمال جبر حمامرة "36 عاما" إمام قرية حوسان من قضاء بيت لحم، في الضفة الغربية بعد أن دهمت منـزله واقتادته إلى جهة مجهولة وزعم ناطق رسمي باسم الجيش الصهيوني أن الشيخ أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي واشترك في أعمال مقاومة ضد الكيان، وكان الشيخ قد أصيب برصاصة في ظهره في الانتفاضة الأولى وكان الشيخ ضمن الـ 400 فلسطيني من حركة حماس والجهاد الذين أبعدهم الصهاينة لمرج الزهور، وسبق اعتقاله خمس سنوات في سجون العدو، وفي الواقع فإن المعركة القادمة ستكون في منتهى الخطورة حيث سيكون جوهرها الأساسي خوض حرب مواجهة حقيقية بين جيش الاحتلال وبين مقاتلي الانتفاضة وجوهر هذه الحرب سيكون محوره الأمن والمخابرات.
سقوط وثيقة كلينتون:
يكشف نص وثيقة كلينتون التي قدر لنا الاطلاع عليها عن تحيز مطلق للكيان الصهيوني ويصدر هذا التحيز في الواقع عن مواقف ثقافية ودينية عميقة، فالتماثل الديني والعقدي أصبح يمثل أحد أهم محركات صناع القرار الأمريكي منذ ايزنـهاور وحتى كلينتون الذي بدا صهيونياً أكثر من الصهاينة أنفسهم، ووصفته بعض التقارير بأنه يتماثل مع "هيرتزل" لكونه ساعد ودعم الكيان الصهيوني بشكل مطلق وغير محدود، وفي الواقع فإن الموقف الأميركي هو موقف الغرب كله الذي يتحمل وليس فقط الكيان الصهيوني إثم ووزر المآسي التي يعاني منها الفلسطينيون منذ بدايات الهجرة الأولى إلى فلسطين.. بل إن وثيقة كلينتون تعود بالذهن العربي إلى بدايات هذا القرن حين جرى تقسيم العالم العربي وفق اتفاقية سايكس - بيكو والتي قامت على أساس من الغش والخداع لعالمنا العربي والإسلامي.. إن وثيقة كلينتون هي عملية خداع سياسي كبيرة قصد بـها إسدال الستار ووضع التتمة لحكاية يتحمل وزرها الغرب الذي يتحمل نصيباً من إثم كل دم أهريق ظلماً وعدواناً على أرض فلسطين بيد الصهاينة أو غيرهم.
يقول كلينتون: "أعتقد أن هذا هو مجمل الاتفاق العادل والدائم الذي يعطي الشعب الفلسطيني القدرة على تقرير مستقبله على أرضه.. ويعطي شعب إسرائيل نـهاية حقيقية للصراع وأمناً حقيقياً مع الحفاظ على الروابط الدينية المقدسة وضم 80% من المستوطنين إلى إسرائيل وأكبر قدس يهودية في التاريخ يعترف بـها الجميع عاصمة ". أي اتفاق عادل هذا وأي اتفاق دائم هذا الذي يعطى الفلسطينيين كما نص كلينتون أواسط التسعينات أي 94 إلى 96% من مساحة الضفة الغربية وغزة فقط؟.. وتشير المعلومات إلى أن الـ 6% التي يتم اجتزاؤها من الضفة الغربية لصالح الصهاينة هي من أجود الأراضي بينما يحصل الفلسطينيون مقابلها على أراض في صحراء النقب هي موضع للنفايات الذرية السامة، ثم يتحدث عن بقاء المستعمرات بحيث تتحول الدولة الفلسطينية إلى كانتونات أربعة، ثلاثة في الضفة الغربية وواحد في غزة يربط بينها أنفاق تحت الأرض.. كما أن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة يتم على ثلاث سنوات وليس فوراً.. وتدعو الوثيقة إلى وجود ثلاث محطات للإنذار المبكر تكون عرضة لإعادة النظر بعد عشر سنوات وفقاً للوثيقة الفضيحة.. ويبقى "لإسرائيل" في حالة وجود خطر وشيك لأمنها القومي تكون طبيعته عسكرية، ويستدعى إعلان حالة طوارئ عامة يبقى لها الحق في إعادة الانتشار، أي إعادة احتلال الأراضي التي انسحبت منها.
وعن طبيعة الدولة تتخذ الوثيقة موقفاً وسطاً تبين ما تريده إسرائيل "وهو أن تكون دولة منـزوعة السلاح" وبين ما يريده الفلسطينيون وهو أن تكون دولة ذات تسلح محدود فتصفها بأنـها دولة "غير مسلحة" فما هو الفرق إذن بين دولة منـزوعة السلاح كما يرغب الصهاينة وبين دولة غير مسلحة وهو ما يطرحه كلينتون؟.
وعن القدس تقول الوثيقة.. المبدأ العام هو أن المناطق العربية تكون فلسطينية والمناطق اليهودية تكون إسرائيلية، وسينطبق هذا على البلدة القديمة وبالنسبة للمسجد الأقصى يقول:" سيادة فلسطينية على الحرم وسيادة إسرائيلية على الحائط الغربي "حائط البراق " وسيادة عملية مشتركة على قضية الحفريات أسفل الحرم، وخلف الحائط "أي يبقى للصهاينة الحق في عمل الحفريات للاستجابة لهوس البحث عما يطلقون عليه "الهيكل".
وبالنسبة لحق العودة، تقول الوثيقة: "أعرف تاريخ القضية وكم سيكون صعباً بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية أن يبدو أنـها تتخلى عن هذا المبدأ، ولكن لم يكن باستطاعة الجانب الإسرائيلي أن يقبل بأي إشارة إلى حق في العودة ينطوي على حق الهجرة إلى "إسرائيل من غير اعتبار لسياسات إسرائيل" المستقلة في ما يتعلق بدخول أراضيها أو موافقتها أو بطريقة من شأنـها تـهديد الطابع اليهودي" أي أن كلينتون حريص على الطابع اليهودي للكيان الصهيوني دون اكتراث بحق أكثر من خمسة ملايين لاجئ مشردين في العودة إلى بلادهم، بل وحق تعويضهم عن الخسارة المادية والمعنوية الهائلة بسبب هذا التشريد القسري.. ثم تقول الوثيقة :" المبدأ المرشد هو أن الدولة الفلسطينية ستكون نقطة الارتكاز للفلسطينيين الذين يختارون العودة إلى المنطقة دون استبعاد أن تقبل "إسرائيل" بعض هؤلاء اللاجئين ثم تمضى الوثيقة لتقول: "اعتقادنا بأننا نحتاج إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها ولكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة.. وعن إنـهاء النـزاع تقول الوثيقة: "إنني أقترح أن يعني هذا الاتفاق وبوضوح إنـهاء النـزاع وأن يضع تنفيذه حداً لكل المطالبات".
إن وثيقة كلينتون الأمريكية لم تكن إلا إعادة تسويق للمطالب الصهيونية في كامب ديفيد، ولكن بصيغة أمريكية مراوغة تعتمد ما يطلق عليه في العلاقات الدولية "الغموض البناء".. وتكفى الإشارة إلى أن الوثيقة تتحدث فقط عن الضفة الغربية وغزة التي جرى احتلالها عام 1967 بينما.. يتجاهل تماماً الأراضي الفلسطينية التي سيطر عليها الصهاينة بعد حرب 1948 وهي تبلغ 78% من مجمل أرض فلسطين التي تبلغ مساحتها 31 ألف كم2.. إن الوثيقة تتحدث فقط عن 22% من أراضي فلسطين التاريخية ؛ لذا فإن استدعاء خداع سايكس – بيكو عقب نـهاية الحرب الأولى للذاكرة العربية هو استدعاء صحيح.. فكلينتون جاء لتكميل ما بدأه هذان الاستعماريان الغربيان لصالح اليهود.
كما أن الانسحاب الذي تتحدث عنه الوثيقة ليس من كامل الضفة الغربية التي احتلت عام 1967 وإنما من نسبة 82% منها فقط حيث تم اقتطاع حوالي 18% من مساحة الضفة لصالح التوسع الاستيطاني في مدينة القدس أي أن ال 95% التي سيمنحها الصهاينة للفلسطينيين من الضفة هي من نسبة 82%، ولا يجب أن ننسى أن كلينتون حينما تحدث عن المسجد الأقصى استخدم المصطلح اليهودي "جبل الهيكل".. لقد مورست ضغوط هائلة على المفاوض الفلسطيني في واشنطن كما مورست ضغوط هائلة على الدول العربية؛ وذلك من أجل إعطاء الفلسطينيين غطاءً عربياً لتنازلاتـهم لكن الانتفاضة المباركة كانت السد المانع والحاجز المتين لمن تسول له نفسه الرضوخ أو الضعف.. فلولا الانتفاضة لتم تمرير المطالب الأمريكية لصالح الصهاينة.. ولابد هنا من التذكير بأن الانتفاضة أوجدت حالة وعي هائلة لدى الشعوب العربية خارج فلسطين بحيث أصبح للرأي العام ربما لأول مرة تأثير حقيقي على حكوماته.. خاصة وأن القضايا التي تتعامل معها التسوية هذه المرة هي قضايا مصيرية تخص كل مسلم في العالم وليس الفلسطينيين أو العرب وحدهم، لكن تبقى الخطورة كامنة في وثيقة كلينتون إذ إنـها ورثت الإدارة الأمريكية القادمة ما يمكن أن نطلق عليه إطاراً تعمل في سياقه احتمالات الحرب بعد مجيء شارون إلى السلطة وسعيه لبناء ائتلاف مع "باراك" أعلن ساعة كتابة هذه السطور أن حقيبة الدفاع ستكون بيد باراك وأن الشكل النهائي لهذه الحكومة سيكتمل خلال أسبوع، وفي الواقع فإن احتمالات الحرب تتصاعد؛ لأن حكومة شارون القادمة كما يجمع المراقبون هي حكومة حرب.. فقد كانت هناك خطة أعدتـها القيادة السياسية الصهيونية للقيام بغارات على مقرات الأجهزة الأمنية للسلطة في قطاع غزة كما هدد مسؤول بارز في الجيش الصهيوني بأن تقتحم قواته مدناً فلسطينية كبرى ضمن المنطقة " أ " والتي تقع بالكامل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية من أجل أن تضرب ما تصفه بالقيادات الفلسطينية التي تقف وراء العمليات الاستشهادية، وتحميل عرفات المسؤولية عن عدم السيطرة على المناطق التي تقع تحت سلطته كما هدد كولن باول عرفات بمنع المساعدات المالية عنه إذا لم يقم بالسيطرة على الوضع في مناطق السلطة وكف يد المجاهدين عن العمليات الاستشهادية.. ويراجع الكيان الصهيوني موقفه بشأن القيادات الفلسطينية التي يطلق عليها V.I.P بزعم أنـهم يدخلون أسلحة للمقاتلين بالداخل واعتبرت أن بطاقات الشخصيات المهمة غير سارية المفعول، وأصرت على تفتيش سيارات كل من رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزة العقيد محمد دحلان وياسر عبد ربه وزير الإعلام وصائب عريقات وزير الحكم المحلي وفق المعايير الجديدة التي يسعى الكيان لتطبيقها من أجل الأمن، ويفرض الكيان حصاراً هائلاً على الضفة والقطاع، كما تصاعدت المواجهات المسلحة بشكل ملحوظ بعد العملية الجريئة، وترجح احتمالات حرب للأسباب الآتية:
1 - شخصية شارون التي تعكس الاستفزاز والعنصرية، وطبيعته الشخصية أحد المداخل الهامة في فهم كيف تتصرف في المواقف الحرجة.
2 - القوى التي تدعم شارون وهي قوى أكثر تطرفاً، ولا تزال لها قوة في الكنيست وفي الشارع ولها مطالب منه في مقابل المجيء به إلى السلطة.
3 - التحول في المجتمع الصهيوني ناحية التطرف وإحياء قوى اليمين ودعاة الحرب وهم يمثلون جماعة ضاغطة باتجاههم.
4 - وجود حالة من التوتر والعصبية في فلسطين والمنطقة بسبب المواجهات الدامية، وهو ما يفتح الباب واسعاً باتخاذ قرارات حرب بدايتها كما نتوقع ستكون في الأرض المحتلة بفلسطين، ثم تتسع لتشمل أطرافاً إقليمية أخرى من المرجح أن تكون لبنان وسـورية ومصر والعراق، وربما أطراف أخـرى خارج المنطقة العربية.