الكاتب الموضوع:   أميركا . . . قضت على الشيوعية وجاء دور الإسلام
محي الدين   كتب الموضوع   28-08-1999 01:48 PM   الملف الخاص للعضو  محي الدين     
لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات من هذا القرن تفكّك دولة بقدر ما كان سقوط مبدأ ونهايته دولياً وعالمياً. ذلك أن الصراع الذي نشب بعد الحرب العالمية الثانية بين المعسكر الغربي بزعامة أميركا، وبين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وهو الصراع الذي أُطلق عليه وصف (الحرب الباردة)، لم يكن صراعاً دولياً بين معسكرين وحسب، وإنما كان أيضاً صراعاً عقيدياً بين مبدأين: الرأسمالية والاشتراكية. ولم تقتصر ساحة هذا الصراع على أوروبا وحدها، وإنما تجاوزتها إلى العالم بأسره.
وقد انتهى هذا الصراع بانهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه إلى دول، وبسقوط المبدأ الاشتراكي الماركسي كنظام وطريقة في العيش بالنسبة لهذه الدول وشعوبها، وانتهاء الاشتراكية الماركسية من الناحيتين الدولية والعالمية،فاعتبرت أميركا هذا الإنهيار وهذا السقوط انتصاراً للرأسمالية، حيث أن جميع الأمم والشعوب التي كان يتألف منها المعسكر الشرقي تخلت عن الاشتراكية، وتحولت إلى الرأسمالية.
وبالمقارنة، فإن مبدأ الإسلام ظل موجوداً عالمياً بعد هدم دولته، دولة الخلافة العثمانية عام 1924م، لأن الأمة الإسلامية على اختلاف شعوبها ظلت تَعتنِق هذا المبدأ، رغم إبعاده عن حياتها عملياً، ورغم أنه لم يعد له وجود دولي.
فالمبدأ يبقى موجوداً عالمياً ما دامت هناك أمة تعتنقه، حتى وإن لم تطبِّق هذه الأمة أنظمته لسبب خارج عن إرادتها. ولكنه لا يعود موجوداً دولياً إذا لم تعد هناك دولة تحمله وتسيِّر سياساتها الدولية على أساسه.
وعلى هذا الأساس، فإن مبدأ الإسلام ظل موجوداً عالمياً منذ أن تكونت على أساسه الأمة الإسلامية في المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها وبناء الدولة الإسلامية الأولى. وظل موجوداً دولياً منذ ذلك التاريخ حتى سقوط الخلافة العثمانية في الربع الأول من هذا القرن.
وعليه فقد ظل هناك مبدآن: الإسلام والرأسمالية. وبتفرّد الرأسمالية دولياً، وُلد نظام دولي جديد. وحين يقال (النظام الدولي الجديد)، فإن ذلك صحيح من هذه الزاوية. ولذلك كان طبيعياً أن يعلِن رئيس أميركا السابق (جورج بوش) ميلاد النظام الدولي الجديد، لأن أميركا هي الدولة الأولى في العالم، وهي زعيمة الدول الرأسمالية، وحاملة لواء نشر المبدأ الرأسمالي.
وقد بدأت أميركا العمل لنشر الرأسمالية، منذ أن خرجت للعالم كدولة مستعمِرة، حيث الاستعمار بصوره القديمة والجديدة هو طريقة نشر هذا المبدأ. ولكن الذي جدّ بعد تفرّد مبدئها دولياً هو أنها صارت تعمل لتفرّده عالمياً. فكما نجحت بمساعدة الدول الرأسمالية الأخرى في جعل الرأسمالية أساس العلاقات والأعراف الدولية، فإنها تريد الآن جعلها دين أمم وشعوب الأرض كلها، بحيث يعتنِق الناس عقيدتها، ويجعلون أفكارها مفاهيم ومقاييس وقناعات لهم في سائر نواحي الحياة، ولا يكتفون بتطبيقها كأنظمة وقوانين.
على أية حال، فإنه بسقوط الاتحاد السوفيتي ومعه الاشتراكية، خلا المجال الدولي للرأسمالية، ولم تعد هناك أية مقاومة لتفرّد الرأسمالية دولياً.
ولهذا فإن الأمم المتحدة التي ظلت منذ الأربعينات مجرد منبر للخطابة، وليس لها أية فاعلية حقيقية بفضل (الفيتو) السوفيتي تحولت الآن إلى جهاز دولي هائل له سلطانه الدولي، وأصبحت أداة مهمة في تعزيز هيمنة أميركا من جهة، وفي ترسيخ الأعراف الرأسمالية كقوانين دولية ملزِمة من جهة أخرى.
أما الحملة الأميركية لعولمة الرأسمالية كمبدأ لكل أمم وشعوب الأرض، فإنها لا تواجِـه أية مقاومة إلا في العالم الإسلامي. فالأمة الإسلاميـة وحدها بين أمم العالم غير الرأسمالي التي لديهـا مبدأ تعتنقه، رغم أنها لا تعيش عليه ولا تحمله للعالم في الوقت الحاضر.
ومع أن الدول القائمة في العالم الإسلامي كلها لا تطبِّق الإسلام ـ وإن ادّعى بعضها تطبيقه ـ وتطبّق الرأسمالية بشكل ممسوخ، إلا أن الأمة الإسلامية، التي لم تنته بهدم دولة الخلافة، أخذت منذ بداية خمسينات هذا القرن تتحسس طريقها للنهوض على أساس الإسلام، وبدأت تتحرك لبناء حياتها على أساسه، متطلعة لإنقاذ العالم به، رغم ما هي فيه من تجزئة، أحدثها الكفار قبل هدم الخلافة وبعده، ورغم أن حكامها عملاء للكفار، يَحرسون أوضاع الكفر التي أقامها الغرب في بلاد المسلمين، ويَسهرون على خدمة مصالح الغرب وتوطيد نفوذه، ويسيرون في كل سياساتهم الداخلية والخارجية وفق توجيهاته وأوامره.
وبالرغم من أن نهضة الأمة لم تكتمل بعد، وتسير ببطء شديد نتيجة لما يلاقيه العاملون لها من بطش الحكام العملاء وتنكيلهم، ولِما أشاعه هؤلاء الحكام من أجواء القمع والإرهاب، وبسبب خطط الكفار التي ينفذها هؤلاء العملاء ضد شعوبهم لإبقائها ترزح تحت نير الكفر، إلا أن الغرب الكافر، وعلى رأسه أميركا، يخشى اكتمال نهضة الأمة، وعودة المسلمين أمّة من دون الناس، تعيش ضمن كيان واحد هو دولة الخلافة، التي ستَستأنف حمل رسالتها للعالم، لإنقاذه مما يتردى فيه من شقاء واضطراب وانحلال نتيجة لهيمنة الرأسمالية وقِيَمها المادية النفعية عليه، مما حوّله إلى غابة لا أمان فيها ولا اطمئنان، رغم كل المنجزات العلمية والمدنية التي وصلت إليها البشرية.
فالغرب الكافر لا يزال يَذكر كيف حَوّل الإسلام العرب من قبائل متناحرة تعيش في هامش التاريخ إلى أمّة متميزة ذات حضارة، أشرق العالم بنورها، وتمكنت خلال فترة زمنية قصيرة من أن تصبح سيدة العالم، وظلت كذلك حوالي عشرة قرون، نشرت خلالها العدل والأمن والقيم السامية والرخاء في كل مكان رفرفت فوقه رايات الخلافة.
ولذلك فهو يخشى أن تعيد الأمة الإسلامية الكَرّة، وتقضي على نفوذه ومصالحه ليس فوق أرضها وحسب، بل وفي كل أرجاء المعمورة.
وفي ضوء إدراك أميركا والغرب لهذه الحقيقة، فإن الحملة الأميركية تستهدف الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، رغم عالمية هذه الحملة. وإنه وإن كان لهذه الحملة دوافع أخرى من بينها الجشع الرأسمالي وطمع أميركا والغرب في ثروات بلاد المسلمين، وما تتمتع به هذه البلاد من مزايا جغرافية استراتيجية، وكونها سوقاً كبيرة لمنتجات الغرب ومصدراً للمواد الخام الضرورية لصناعاته، إضافة إلى ما فيها من احتياطات نفطية هائلة حيوية لحياته، إلا أن الدافع الرئيس لهذه الحملة هو الخطر الكامن في الأمة الإسلامية على مصالح هذا الغرب ونفوذه الدولي. ومنه فإن الإسلام أصبح العدو الوحيد للكفار وعلى رأسهم الأمريكان .

الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف