الكاتب الموضوع:   التقوى (3)
حامد العولقي   كتب الموضوع   20-07-1999 04:12 AM   الملف الخاص للعضو  حامد العولقي   أرسل بريد إلكتروني إلى  حامد العولقي     
بسم الله الرحمن الرحيم
التقوى (3)
إن اهتديت فمن الله وإن ضللت فمن نفسي والشيطان
أعتقد بشدة أن أصل كلمة تقوى اللغوي مازال غامضاً علينا ،وسأعرض تخبطي حول معناها عسى الله أن يفهمنا إياه لأنه معنى عظيم جداً وسيؤثّر فهمه الدقيق على سلوكنا وعملنا.ولا أزعم أني وصلت لشيء ولو فعلت لأنهيت الموضوع في سطر أو سطرين ، فالجهل بالمعنى واضح ،فأرجو عذري إن وجدتموني وكأني بعد الجهد أفسّر الماء بالماء.فمعنى التقوى لا أعرفه ولا أظن أن أحداً يعرفه،ولكنها احتمالات أقدمها ،قد تصيب وقد تشطط وتضل، ولعلها تقدح فكرة لدى من سيفتح الله عليه من أهل العلم ويفيد المسلمين بأصل معنى من أعظم المعاني القرآنية والذي نحن مطالبون بتنفيذه والقيام به.
أ) التقوى صدق :
قال تعالى:
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(33) الزمر
يُعّرف القرآن معنى المتقي بأنه : الذي يأتي بالصدق ،ويصدّق به.
وهنا لا نجد معنى التقوى بمعنى الإتقاء والوقاية ولكن بمعنى الإتيان بالصدق والتصديق به.
وقد لا نستطيع أن نتعمق في معنى هذه الآية العظيمة ولكن نستطيع القول إن التقوى مرتبطة ارتباطاً واضحاً بالصدق.
فربما نستطيع أن نقول إن التقي هو الصدوق ، أو بالأدق :الذي يجيء بالصدق (القول الحق والصالح)ويصدّق به (يحققه ويفعله).
والإسلام صدق وعين الصدق ،وماعلينا إلا أن نصدّق به لنكون من المتقين.ولكن علينا فهم معنى التصديق.
التصديق له معنيان متلازمان:
1) تصديق بمعنى إيمان وقبول.
2) تصديق بمعنى تنفيذ وإحقاق وعمل.وهذا هو المعنى المراد غالباً أو كلية.
هذا من ناحية المعنى ،أما من الناحية اللغوية فربما كان لكلمة التقوى علاقة لفظية بكلمة (الصدق)،وهذا مجرد احتمال.
نعلم أن الصدق من الوجود والحق والعمل،فالذي يصدقك هو الذي يفعل ماقال لك وماوعدك،وإلا فهو ليس بصادق.
الصدق والعمل به هو لب التقوى،فالصدق هو فعل وبرّ (عمل وبناء).الصدق هنا صدق الفعل وإتمامه وتنفيذه.
ب) التقوى برّ وإصلاح (بناء وفعل):
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(224) البقرة
نجد هنا أن كلمة : التقوى،قد أتت بين كلمتي : البرّ، الإصلاح.
والبرّ والاصلاح من البناء والصنع (عمل وفعل).ففعل يبرّ من نفس أصل برأ =خلق،بنى،أقام،والبرّ فعل وعمل وبالأحرى صدق الفعل.وفعل أصلح كذلك من الإقامة والبناء.
وإتيان فعل يتقي بين فعلي:يبرّ ويصلح قد يشير أن معنى التقوى مقارب لمعنى البرّ والإصلاح،أي البناء والإتمام والعمار وصدق العمل والفعل.
وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(128) النساء
وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(129) النساء
هنا الاحسان والاصلاح من معنى البناء كذلك،فالذي يحسن العمل (يصلحه ويقيمه) ،لذلك ارتبطت هذه المعاني بمعنى التقوى (الإتمام والبناء والإقامة).
فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(35) الأعراف
التقوى صلاح وضمد وإتمام.حيث التقوى :إتقان ودِقّ الفعل.
ج) التقوى وفاء بالعهد:
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(76) آل عمران
هنا التقوى متعلقة بالوفاء بالعهد (عمله والقيام به وإتمامه) ،لأن التقوى :إتمام وإصلاح وبناء (برّ وصدق).
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) الليل
التقوى هنا مرتبطة بالعطاء ، كمعنى الصدقة (صدق وعمل).
د) التقوى فعل الخير:
وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ(115) آل عمران
هنا المتقي هو الذي يفعل الخير، وفعل الخير (البرّ) صدق وتنفيذ (تقوى).
هـ) التقوى نقيضها النقص والنقض والفجور:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2) المائدة
نجد أن البرّ والتقوى متلازمان لأن ربما أصلهما واحد وهو البرء (الصنع) والبناء.فالذي يبرّ (يفعل ويُتمّ) وكذلك التقي.وعكس ذلك الإثم والعدوان (الهدم والنقض والقطع).
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ(56) الأنفال
تبين لنا الآية معنى التقوى: فالذي لا يتقي = الذي ينقض.
فنجد أن النقض والهدم هو عكس التقوى (الإتمام والوفاء والبناء والبرّ).
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(4) التوبة
نجد هنا أن النقص (كالنقض) من القطع والإذهاب عكس التقوى (من البناء والإتمام) .ونجد شرح الآية لمعنى التقوى عن طريق كلمة : فَأَتِمُّوا.فالإتمام هو التقوى (ضمد وبناء وإصلاح).
أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ(28) ص
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) الشمس
يتبين لنا هنا معنى التقوى بأنه نقيض الفجور.
والفجور هو الهدم والنقض والخرق والقطع والفساد(الفجور ربما لهجة في فطور=انشقاق وفتق)،وبذلك يكون معنى التقوى هو العكس تماماً :
هو الإتمام والبناء والإحياء والضمد والإيفاء والإعمار والبناء والدِقّة والضبط والتمام والإحكام (الصدق والبرّ).
و) التقوى استقامة:
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(7) التوبة
هنا التقوى هي استقامة (إقامة وبناء ) وتمام للأمر وتشييد ونصب له أو سير بخط مستقيم.
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا {16} الجن
التقوى هي الاستقامة بلا شك،لأن الصدق هو استقامة وقيام بالفعل الصالح،فقد يكون للتقوى علاقة لغوية بكلمة طريق أو سكّة (مسار) ومن ذلك الشقة (المسافة) ،فلعل التقوى من السير المستقيم .
ز) التقوى يقاربها العدل:
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ (8) المائدة
العدل والقسط هو التمام والضبط وحسن القياس ودِقّته وهذه المعان قريبة جداً من التقوى.
فالتقي قد يكون العادل والمقسط والدقيق والمتقن والموثق وما شابه ذلك من معاني الإتمام والضبط والنظم.
ح) معان أخرى متعلقة بالتقوى:
لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ (108) التوبة
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(109) التوبة
هنا التقوى قد تعني صدق وشرعية وإخلاص وحق.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(115) التوبة
هنا التقوى قد تكون الأمور الصالحة التي ينبغي إتمامها أو الطريقة التي نستقيم عليها.
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ(37) الحج
يناله التمام منكم والإتمام والبناء والإصلاح والضمد والبرّ والصدق والعمل .أي العمل الصالح.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(45) يس
قد لا يكون معنى التقوى هنا هو التجنب والإتقاء والحذر وقد لا يكون بمعنى الطاعة ولكن بمعنى:
أتمّوا وأوفوا واضمدوا وابنوا وبرّوا واصلحوا وأقيموا الأمور التي تحيط بكم .
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13) الحجرات
الأكرم هو أتم الناس لله وأوفاهم له وأعمرهم وأفعلهم وأقومهم وأدقّهم وأتقنهم وأحكمهم وأضبطهم وأبرّهم عملاً وفعلاً.
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى(12) العلق
أمر بالإصلاح والإتمام والبناء والتشييد والإقامة.
وهناك لفظتين أو أكثر تتقارب كثيراً من لفظ التقوى وهما الإتقان والدِقّة.
ففعل (أتقن) نفس إتّقى (تقريباً) بإهمال النون،فالمتّقن كأنه متّقي،أي ضابط لعمله ومتمّ له (متقي=متقن،تقي=تقن).
وقد يكون أصل أتقن (وتقن) هو وثقن (وثّق) الأمر وأضبط صنعه وعمله .
وكذلك كلمة (الدِقّة) قد تكون أقرب للفظة تقي.ففعل دقق وأدقّ عمله لو جعلناه دقى لشابه تقى.فقد تكون التقوى (كأنها دقوى)لهجة في الدِقّة والضبط والإحكام للعمل،فالمدقق كأنه متقي ومتقن (تقي=تَقِن) لفعله وبنائه وشغله.
فالتقوى ربما هي إنجاز وإتقان وتدقيق ودِقّ وإتمام وضبط وإحكام للعمل بأقصى إمكانية وإحكام يطيقه المرء.
فالتقوى هي الصدق والبر والفعل والعمل.فالمتقي هو الذي يفعل مايقول وهو الذي يفعل الخير (يصدق الصدق).
وقد نقول اليوم عن فلان أنه :صِدْقي (صدوق) لأنه يحقق أو يتحقق ما يقول.وبلسان الخليج قد يلفظ الصدق (صِج) والصدوق (صِجّي) وهذا ربما يقارب التقي (الصتيت هو الماضي في أموره كأنه سديد).ونعلم أن أسماء الساعة (القيامة) تدل على الحدوث والوقوع والكون ،لأنها ستحقّ وتكون،وتهمنا كلمة الصاخة وهي من صخ (وقع ،نزل، حدث،صار) وليست بالضرورة من صخّ الآذان،وكما تقول اللهجة :صجّ =( صدق،صيرورة،صخّ).فالتقي ربما الصِخّ (الصادق) والدِقّ (دقيق بمعنى يتمّ قوله ويفعله) والتاقن (يتقن الفعل ويقيمه) والحِقّ (الذي يحقّ عهده ويتمّه) وثقة (كأنه تقة) يوثق الأمر وينجزه،والمقسط والعدل.فالتقي قد يكون الذي ينجز ويبرّ ويُحقّ الصدق والعمل الصالح.
فالتقوى كمعنى دقيق أو أصل لغوي،لا أظن أنه تمّ تحديده،واحتمالاته هي : الوقاية والإتقاء ،أو القاه (الأمر والطاعة)،أو القتو (الخدمة والطاعة) ، أو الإستقامة والطريقة ، أو الصدق والبرّ والإحقاق، أو معانٍ أخرى تغيب عنا.
وهذه مجرّد رؤى قد لا تكون موفقة ، أوردتها للإفادة،قد يكون فيها بعض الصواب وقد أكون قد ضللت وشططت عن الصواب،فأرجو الإنتباه إن ضللت ،وهدفي الدعوة لمزيد من البحث والدراسة عن كلمة من أعظم الكلمات القرآنية والإسلامية وهي كلمة التقوى،التي أظن أن أصلها اللغوي ومعناها الدقيق والكامل مازال غائباً عنا، وعسى الله أن يهدينا لأقرب من هذا رشدا.
حامد العولقي
http://www.geocities.com/Athens/Rhodes/8098


[ تم تعديل الموضوع بواسطة   حامد العولقي   يوم   20-07-99]

زمردة   كتب الموضوع   20-07-1999 07:10 AM   الملف الخاص للعضو  زمردة     
جزاك الله خيراً .. الأخ الفاضل .. العولقي ..

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من المتقين ..

ولفظ التقوى .. من الوقاية .. وهو أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية من الأعمال الصالحة ..

حامد العولقي   كتب الموضوع   21-07-1999 01:38 AM   الملف الخاص للعضو  حامد العولقي   أرسل بريد إلكتروني إلى  حامد العولقي     
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الكريمة / زمردة حفظها الله ورعاها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على قولكم الطيب، وزادكم فقهاً ونوراً بكتابه الخالد
لعل المعنى هو كما أشرتم يا أختاه ، من الوقاية وإتقاء عذاب الله بالعمل الصالح ، وهذا ما يراه أكثر أهل اللغة والعلم
وتعلمين أن الكلمة القرآنية هي غزيرة المعنى جمّته، فلن نبلغ الغاية ولن ننتهي لتحديد أو إحاطة
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {109} الكهف
فيتوجب علينا بعد مشيئة الله الاستمرار في التدارس ومتابعة إثارة القرآن وتدبر كلماته
عسى الله أن يهدي عباده لأقرب من هذا رشدا
أخوكم / حامد العولقي

الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف