الكاتب الموضوع:   أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا (2)
حامد العولقي   كتب الموضوع   31-08-1999 06:42 PM   الملف الخاص للعضو  حامد العولقي   أرسل بريد إلكتروني إلى  حامد العولقي     
بسم الله الرحمن الرحيم
أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا (2)
اما السحرة فيعلمون حقيقة سحرهم وأسراره.لذلك عندما رأى السحرة فعل موسى انتبهوا للفرق والاختلاف بين ثعبانه وثعابينهم، فعلموا أن موسى ليس ساحراً، فدهشوا لما صنع وخرّوا لله ساجدين.أما بقية الناس بما فيهم الفرعون فلم يلحظوا الفرق.وظن فرعون أنه اتفاق بين السحرة وموسى ضده.
فما الذي انتبه إليه السحرة في ما صنع موسى ولم ينتبه اليه الناس؟
تعالوا نتعلم من القرآن ..
قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم(116) الأعراف
ـ (سحروا أعين الناس)
السحر يعتمد على العين ولا يستغني عنها ويفشل بدونها.فالسحرة استطاعوا أن يجعلوا أعين الناس ترى الحبال والعصي كأنها ثعابين حقيقية . ولكن ماذا لو حاولت أن تمسك أحد تلك الثعابين؟ هل ستجده ثعباناً حقيقياً ،اي هل سيلدغك ثعبان الساحر؟
الجواب لا يوجد ثعبان بل توجد عصا أو حبل ولن يُلدغ أحد من عصا أو حبل ،وسوف تحس يدك أنها ممسكة (بخشب) أو (بحبل) وليس جلد ثعبان، ولكنك (سترى ثعباناً) لأنك مسحور .وهذا ما فعله السحرة .فهم يجعلونك (ترى ماليس هو).فالحبل لايزال حبلاً والعصا عصا والحجر حجراً وهكذا.فالساحر كأي مخلوق (لا يستطيع أن يخلق) شيئاً.ولكن الساحر يستطيع أن (يجعلك ترى) تلك الأشياء ثعابين و غيرها.
ـ (واسترهبوهم ) :
الرهبة أحد أسباب نجاح السحر.لابد للساحر أن يرهبك ويخيفك لكي ينجح سحره معك،فإن فشل في إرهابك فلا سحر.لابد للساحر ليخدعك أن يبعدك عن محاولة لمس حبله وعصاته ،لذا عليه إخافتك وترويعك لغرض الإبعاد.فإن نجحت أن تملك نفسك ولم تخف واستطعت أن تمسك أداة الساحر أو تفحصها وجدتها وأحسست بها على أصلها وحقيقتها، وأنها ليست كما تراها.وقد كان سحرة مصر بارعين في ترويع الناس بسحرهم حتى أن موسى نفسه تملكه الفزع:
فأوجس في نفسه خيفة موسى(67)قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى(68) طه
فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى(66) طه
ـ (يخيل إليه ) :
عبارة (يُخيل إليه) تدل أن الصورة السحرية لا وجود لها إلا في خيالنا.السحر ليس سوى خيال ووهم صنعه الساحر في عقولنا فقط ولكنه غير موجود ..
ولنضرب مثالاً سهلاً لنفهم ما هو السحر.. عندما تشاهد التلفزيون ترى أمامك على الشاشة أناساً ومناظر شتّى ، ولكن ان حاولت أن تمسك ما ترى فإنك لن تمسك سوى زجاج ،فكل ما تراه هو وهم كالسحر تماماً.
وقد نبه القرآن إلى هشاشة السحر وضعفه ،وأنه ليس سوى وهم بصري ..
إنما صنعوا كيد ساحر،ولا يفلح الساحر حيث أتى . طه 69.
لقد علم موسى والسحرة أن ما قام به السحرة كان السحر، وأن ما فعلوه ليس سوى خداع بصري ..
فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين(81) يونس
ولكن الفرعون والشعب لم يعلموا ..
والآن ما حقيقة ثعبان موسى وكيف اختلف عن ثعابين السحرة ؟ ما حقيقة اليد البيضاء والطوفان وغيره من أعمال موسى ؟ لماذا لا يصح أن نسميها سحراً كما سمّاها قوم فرعون؟ لماذا لم تكن خدعاً بصرية ؟
ما فعله موسى أمره مختلف تماماً ،فعصا موسى التي رأها الناس ثعباناً هي (ثعبان حقيقي) تماماً كما أنك إنسان حقيقي. بمعنى أنه لو تشجّع أحدنا وحاول مسك ثعبان موسى لكان آخر عمل في حياته. فثعبان موسى سيلدغه،بل وقد يلتهمه. فقد خلق الله من العصا ثعباناً حقيقياً.كذلك يد موسى البيضاء حقيقة. والطوفان حقيقة والجراد والدم وغيرها من الأفعال حقيقة .لأننا سوف نغرق ونموت بطوفان موسى، ونتأذّى ونتضرر من الجراد والدم وغيره تماماً كأي جراد أو دم حقيقي.فموسى لم يأتي بالسحر (صورة وخيال ووهم) ولكن أتى بالحقّ والآيات (وجود وخلق ومخلوقات بمعنى الكلمة).
سيف التلفزيون لن يقطع رأسك وكذلك سيف الساحر ولكن السيف الحقيقي سيقطعه.
أسد التلفزيون لن يفترسك وكذلك أسد الساحر ولكن الأسد الحقيقي سيفعل.
فما يفعله الساحر مجرد صورة ووهم كالفيلم السينمائي.هذا ما علمه السحرة ولم يعلمه الناس ..
أكثر الناس لا يميّزون بين الحق والباطل ،ظانين أن لديهم القدرة على التمييز.
ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين (7) الأنعام
فالذي تلمسه وتجده كما رأيته ،فهو حق وليس وهم ،ولكن غرور وجهل الناس أو عماهم يجعلهم لا يميزون بين الحق والخيال.
وللأسف هذا حال كثير من الناس من اليهود والنصارى والمشركين بل وكثير من المسلمين .فهم قد يرفضون آيات الله دون أن يتمهّلوا قليلاً ليعلموا أو يفهموا حقيقتها.
حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {84} النمل
علم السحرة أن موسى لم يأتي بصور كما فعلوا، لكنهم وجدوه قد أتى بثعبان حقيقي التقف كل تلك الحبال والعصي التي جلبوها فلم تعد موجودة بالفعل ولم يستطيعوا استردادها .
فالسحر لن يمحي العصي والحبال من الوجود ولكن فقط يعطي انطباعات وتخيلات وصوراً عنها،ولابد للسحرة أن يسترجعوا أدواتهم من عصي وحبال مهما كان من أمرها.لكن الذي وقع أنهم فقدوها وأضاعوها إلى الأبد وعجزوا عن استردادها.
لقد أيقنوا أن ما أتى به موسى هو الحق وليس السحر ..
قوم فرعون لم يفهموا الفرق بين صنع موسى وصنع السحرة ،لتسرّعهم بالحكم عليه بالسحر،وعدم التريّث قليلاً لمعرفة حقيقته،فلم يحاولوا الفهم لأسباب مرضية في أنفسهم ،فظلموا موسى واتهموه بالسحر. فاعتبروه ساحراً عظيماً ، وتناسوا وتجاهلوا أن ما فعله موسى كان حقائق عانوا وتضرروا منها كثيراً حتى طلبوا منه أن يرفع عنهم الضرر والأذى وأنهم سيرضخون لطلبه بإطلاق بني إسرائيل.بينما سحرة مصر لم يصنعوا سوى صوراً كاذبة لأشياء ظلّت على حالها لم تتغيّر خواصها وخلقتها.ولكنهم أجبروا أعين الناس وخيالهم (كمثال التلفزيون)على رؤيتها كما أرادوا.
ومرّت بضع سنين أو أكثر والناس لم تفهم صنع موسى بعد أو أنهم رفضوا الفهم،حتى أتت الطامة الكبرى والفرصة الأخيرة.فقد وقف جيش فرعون أمام البحر العظيم (خليج السويس) وهو يرى تلك الشرذمة القليلة محصورة بينهم وبين البحر لا حول لها ولا قوة.فالجيش يبلغ الآلاف من الجنود الأقوياء المدرّبين على القتال ، والمسلحين بكامل العتاد. أما تلك الشرذمة القليلة فهم نساء وأطفال وشيوخ عجزة وشباب عُزّل لايملك أحدهم درعاً ولا سيفاً،وإن ملكت تلك الشرذمة سلاحاً فما قوتهم أمام جيش الفرعون الذي أفزع أعتى الجيوش في زمانه.
دوى صوت الفرعون ،الذي نادى من قبل أنه الربّ الأعلى، في قومه صارخاً بأعلى صوته ..
إن هؤلاء لشرذمة قليلون(54)وإنهم لنا لغائظون(55) الشعراء
أحسّ الفرعون والجنود أنهم قد انتصروا وأن سيوفهم ورماحهم ستعمل في رقاب وأجساد هذه الشرذمة المسكينة خلال لحظات، وسيشفوا غليلهم منهم إلى الأبد.
وهنا حدثت المعجزة والآية الأخيرة بالنسبة لهم.فقد ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق أمام الناس ورأوا قاع البحر يبساً كأن لم يكن به ماء من قبل، وعلى جانبي اليبس مائين عظيمين كل ماء كأنه طود عظيم.
ارتاع الجيش وفزع من هول الحدث ،لكنهم سرعان ما تذكّروا أن موسى ليس سوى ساحر عظيم ولن يخدعهم هذه المرة أيضاً،فهم أذكى وأحوط من أن تنطلي عليهم خدعة ذلك الإسرائيلي الساحر .ولكن هذه المرة كانت آخر فرصة للجيش لكي يؤمنوا برسالة موسى .
ولكن هيهات .. فالقوم قد قرروا أن موسى ليس الاّ ساحر عظيم .
وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين . أعراف 132 .
القوم مليئة قلوبهم بالفخر والكبر والعلو ، القوم عظماء، فمن كان بقدر مصر وقوتها ، من الشعوب والدول في ذلك الحين،وكم من الشعوب سجدت لمصر خوفاً ورعباً، وكم من الأسرى والعبيد حاز عليهم جند فرعون..
فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون(47) المؤمنون
وأمر موسى قومه بالعبور وسط البحر أمام دهشة الجند ..
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين(14) النمل
فأمر الفرعون جنده باللحاق بهم فوراً قبل أن يفيقوا من دهشتهم ،فتبعوهم حتى إذا دخلوا جميعاً انطبق عليهم الماء فغرقوا ،بينما لم ينغلق البحر في الموقع الذي به قوم موسى فعبروا البحر ونجوا.
فماذا حصل؟ نعم، لقد تجاهل فرعون وجنده الحدث الخارق وأصرّوا أن حدث فلق البحر كان مجرد سحر.لقد ظلوا يعيدون نفس الغلطة،ولكنها كانت آخر غلطة مسموحة لهم ..لقد ارتكبوا خطأً قاتلاً ..
إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين(8) القصص
وهذا حال كل من يظن بالإسلام ظن السوء،أنه سيعلم بعد فوات الأوان أن ظنه لم يكن موفقاً ..ولكن ما الفائدة حينها ..
وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين(23)فصلت.

حامد العولقي
http://www.geocities.com/Athens/Rhodes/8098

الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف