الكاتب الموضوع:   السيرة النبوية ( 31 )
ابورعد   كتب الموضوع   30-09-1999 02:46 PM   الملف الخاص للعضو  ابورعد     
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ولم يكتفي المشركين بما كانوا يفعلون بالمسلمين في مكة ولكن عز عليهم أن يجد المهاجرون مأمناً لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهما:
عمرو بن العاص، وعبدالله بن أبي ربيعة -قبل أن يسلما -
وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهدايا ثم كلماه، فقالا له:
أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه.
وقالت البطارقة: صدقاً أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم.
ولكن رأى النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعاً، فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائناً من كان.
فقال لهم النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل؟
قال جعفر بن أبي طالب -وكان هو المتكلم عن المسلمين -: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان،
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء،
ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات،
وأمرنا أن نعبدالله وحده، لا نشرك به شيئاً،
وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام -فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله،
فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ماحرم الله علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا،
فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟
فقال له جعفر: نعم!
فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ.
فقرأ عليه صدراً من {كهيعص }،
فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم،
ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون -يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه - فخرجا،
وقال عمرو بن العاص لعبدالله بن ربيعة : والله لآتينهم غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم.
فقال له عبدالله بن ربيعة : لا تفعل، فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه.
فلما كان الغد قال للنجاشي: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً،
فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح، ففزعوا،
ولكن أجمعوا على الصدق، كائناً ما كان، فلما دخلوا عليه، وسألهم
قال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلَّى الله عليه وسلم: هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فأخذ النجاشي عوداً من الأرض،
ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود،
فتناخرت بطارقته،
فقال: وإن نخرتم والله.
ثم قال للمسلمين: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي -والشيوم: الآمنون بلسان الحبشة - من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبراً من ذهب وأني آذيت رجلاً منكم -والدبر الجبل بلسان الحبشة .
ثم قال لحاشيته: ردُّوا عليهما هداياهما، فلاحاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه.
قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءوا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
هذه رواية ابن إسحاق وقد ذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر ، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين لكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها إبن إسحاق تقريباً، ثم إن تلك الأسئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي.
أخفقت حيلة المشركين، وفشلت مكيدتهم، وعرفوا أنهم لا يشيعون ضغينتهم إلا في حدود سلطانهم، ونشأت فيهم من أجل ذلك فكرة رهيبة. رأوا أن التفصي عن هذه "الداهية " لا يمكن إلا بكف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن دعوته تماماً، وإلا فبإعدامه، ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأبو طالب يحوطه ويحول بينه وبينهم؟ رأوا أن يواجهوا أبا طالب في هذا الصدد.

نصر   كتب الموضوع   01-10-1999 03:03 PM   الملف الخاص للعضو  نصر     
عدت للمواضيع السابقة أخوي وقرأتها0000 منعتني بعض الظروف عن سلسلتك الجميلة0000 عموما جزاك الله خير أخوي

الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف