الكاتب الموضوع:   السيرة النبوية ( 30 )
ابورعد   كتب الموضوع   29-09-1999 04:50 PM   الملف الخاص للعضو  ابورعد     
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهنا نستكمل أوضاع المسلمين وحالهم وهجرتهم للحبشة.

فما كان من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عندم علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل، لايظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن.
وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة . كان مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه السيدة رقية بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلم فيهما:
إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام.
كان رحيل هؤلاء تسللاً في ظلمة الليل -حتى لا تفطن لهم قريش - خرجوا إلى البحر، ويمموا ميناء شعيبة، وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة ، وفطنت لهم قريش ، فخرجت في آثارهم، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين، وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار.
وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي صلَّى الله عليه وسلم إلى الحرم ، وهناك جمع كبير من قريش ، كان فيه ساداتها وكبراؤها، فقام فيهم، وأخذ يتلو سورة النجم بغتة، إن أولئك الكفار لم يكونوا سمعوا كلام الله قبل ذلك، لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً، من قولهم:
{لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }
فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم كلام إلهي رائع خلاب -لا يحيط بروعته وجلالته البيان - تفانوا عما هم فيه، وبقي كل واحد مصغياً إليه، لايخطر بباله شيء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ:
{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }
ثم سجد،
لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجداً، وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين، فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين.
وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لوى زمامهم، فارتكبوا عين ماكانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها: "تلك الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" ، جاءوا بهذا الإفك المبين، ليعتذروا عن سجودهم مع النبي صلَّى الله عليه وسلم، وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يؤلفون الكذب، ويطيلون الدس والإفتراء.
بلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ، ولكن في صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشاً أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار، وعرفوا جلية الأمر، رجع منهم من رجع إلى الحبشة ، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفياً، أو في جوار رجل من قريش.
ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم، فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار، ولم يرَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بدَّاً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى، وكانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يُدركوا.
وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً إن كان فيهم عمار، فإنه يشك فيه، وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة، وبالأول جزم العلامة محمد سليمان المنصور فوري.


الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف