الكاتب الموضوع:   السيرة النبوية ( 26 )
ابورعد   كتب الموضوع   25-09-1999 05:20 PM   الملف الخاص للعضو  ابورعد     
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعمل المشركون الأساليب التي ذكرناها شيئاً فشيئاً لكف الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب، لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لا تجدي لهم نفعاً في كف الدعوة الإسلامية؛اجتمعوا مرة أخرى، وكونوا منهم لجنة أعضاؤها خمسة وعشرون رجلاً من سادات قريش ، رئيسها أبو لهب عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وبعد التشاور والتفكر اتخذت هذه اللجنة قراراً حاسماً ضد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وضد أصحابه، فقررت أن لا تألو جهداً في محاربة الإسلام، وإيذاء رسوله، وتعذيب الداخلين فيه، والتعرض لهم بألوان من النكال والإيلام.
اتخذوا هذا القرار وصمموا على تنفيذه. أما بالنسبة إلى المسلمين -ولاسيما المستضعفين منهم - فكان ذلك سهلاً جداً. وأما بالنسبة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فإنه كان رجلاً شهماً وقوراً ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء، بحيث لا يقابل مثلها إلا بالإجلال والتشريف، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أرذال الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين، كان معظماً في أصله، معظماً بين الناس، فلم يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته، إن هذا الوضع أقلق قريشاً وأقامهم وأقعدهم، ولكن إلام هذا الصبر الطويل أمام دعوة تتشوف إلى القضاء على زعامتهم الدينية، وصدارتهم الدنيوية.
وبدأوا الاعتداءات ضد النبي صلَّى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم أبو لهب، فقد اتخذ موقفه هذا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول قبل أن تهم قريش بذلك، وقد أسلفنا مافعل بالنبي صلَّى الله عليه وسلم في مجلس بني هاشم، ومافعل على الصفا، وقد ورد في بعض الروايات أنه -حينما كان على الصفا - أخذ حجراً ليضرب به النبي صلَّى الله عليه وسلم.
وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم رقية و أم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة، حتى طلقاهما.
ولما مات عبدالله -الابن الثاني لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم - استبشر أبولهب، وهرول إلى رفقائه يبشرهم بأن محمداً صار أبتر.
وقد أسلفنا أن أبا لهب كان يجول خلف النبي صلَّى الله عليه وسلم في موسم الحج والأسواق لتكذيبه، وقد روى طارق بن عبدالله المحاربي مايفيد أنه كان لايقتصر على التكذيب، بل كان يضربه بالحجر حتى يدمي عقباه.
وكانت امرأة أبي لهب -أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان - لا تقل عن زوجها في عداوة النبي صلَّى الله عليه وسلم، فقد كانت تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلَّى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلاً، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حرباً شعواء على النبي صلَّى الله عليه وسلم، ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب.
ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها فهر (أي بمقدار ملء الكف ) من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر ،
فقالت: يا أبا بكر ! أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة.
ثم قالت:
مذمماً عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
ثم انصرفت،
فقال أبو بكر : يا رسول الله أما تراها رأتك؟
فقال:ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني.
وروى أبو بكر البزار هذه القصة. وفيها أنها لما وقفت على أبي بكر قالت:
أبا بكر هجانا صاحبك،
فقال أبو بكر : لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به
، فقالت: إنك لمصدق
.
كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وجاره، كان بيته ملصقاً ببيته، كما كان غيره من جيران رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يؤذونه وهو في بيته.
قال ابن إسحاق:كان النفر الذين يؤذون رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدي بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلي وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلَّى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حجراً ليستتر به منها إذا صلى، فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: يا بني عبد مناف! أي جوار هذا ؟ ثم يلقيه في الطريق.

الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف