الكاتب
|
الموضوع: العقيدة وأثرها على الأمة الإسلامية
|
محي الدين
|
كتب الموضوع 27-07-1999 08:06 PM
ان كلمة العقيدة تعني الجزم والقطع في الامور الاساسية ، وعقيدتنا الإسلامية تضيف الى المعنى اللغوي معنى شرعيا تجعل من يعتنقها اكثر صلابة واعظم كفاحا في سبيلها بحيث يظهر انه من طراز معين . لذلك رأينا في التاريخ ان الذين اعتنقوا هذه العقيدة صار لهم تاريخ غير تاريخهم قبل اعتناقها ، والعبيد الذين اصبحوا سادة الدنيا أكبر شاهد من الشواهد ، وتمكن جيش المسلمين ان يطأ قلب اوروبا ويجتاح يوغسلافيا والمجر والنمسا شاهد آخر . فما سر هذه العقيدة يا ترى حتى انها تستطيع ان تخلق من الانسان الضعيف رجلا عظيما يحمل مسؤولية العالم بأسره ؟ وتجعل من الشاب الصغير قائدا عظيما تخشاه الدول والكيانات وهو فرد اعزل لا يحمل غير العقيدة سلاحا . ان واقع العقيدة الاسلامية من الايمان الجازم بان الله واحد احد خلق الكون والانسان والحياة وهو مدبر ما في الكون وان الحياة فانية وان الانسان مصيره الى الجنة او الى النار وان الرزق بيد الله وحده وان انتهاء الاجل بيد الله وحده وان القران من عند الله ارسله للبشرية بعد اكتمال الحياة الانسانية وقد جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بوحي من الله ، هو مكمن سر قوة من يعتنق هذه العقيدة ، وهو سر اندفاع من يحملها . فالله سبحانه وتعالى قد خلق الدنيا لتكون مكان اختبار للبشر { هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا } ثم ستكون الجنة او النار . والجنة هي دار المقام التي لها بداية ولكن ليس لها نهاية { وان الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } وفيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين وما لم يخطر على قلب بشر ، وقد اعدت للمتقين { والعاقبة للمتقين } . والنار هي التي فيها مقامع من حديد وطعامها الزقوم وشرابها ماء يغلي يقطع الامعاء ، والعذاب فيها لا ينتهي { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } فالعذاب لا يتوقف ولا يخفف عنهم ولا يقضى عليهم فيموتوا { لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور } . وهذا كله يطلق عليه رب العزة { ليذوقوا العذاب } فاذا كان هذا الوصف لجهنم هو للذوق فما هي طبيعة العذاب اذا . وان ادلة كل ذلك ادلة قطعية في ثبوتها وفي دلالتها فاذا امن الانسان بها فانه يستحقر كل عذاب في الدنيا يصادفه من اجل عقيدته ، ومن اجل الثبات عليها ، ومن اجل ان تبقى عزيزة مهيمنة على البشر . فاذا امن الانسان بالجنة وما فيها من نعيم مقيم ، وامن بالنار وما فيها من عذاب مستطير وكان هذا الايمان القطعي مدرَكاً واقعه ، متصورا في الاذهان انه يستهان ما دونه من المصائب وتعذيب البشر ، وظلم الظالمين ، فإن المؤمن يصبح جبلا شامخا لا تؤثر فيه فتن الدنيا ولا غواية المجرمين ولا عداء الكفار بل يستهين في ذلك كله في سبيل عقيدته . هذا الجزء من العقيدة وحده كاف لكشف سر هذه العقيدة وكيف حولت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كانت تذرو الرياح ساقيه الى رجل عظيم تكون قدماه عند الله اثبت من جبل احد ، وهذا تفسير بين لثورة صهيب وبلال وخباب على اسيادهم .ý وهذا الدافع الوحيد الذي جعل ياسر والد عمار يرحب بالموت تحت عذاب كفار قريش ، وجعل سمية اول شهيدة في الاسلام تحتسب الطعنة في قلبها وهي الطعنة التي ماتت فيها جعلتها تحتسبها هذا الامر الجلل في سبيل الله . وهذا ما عالج به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفوس اصحابه في مجابهة عذاب قريش حيث كان يمر على ال ياسر ويقول : " صبرا ال ياسر فان موعدكم الجنة " . ونحن نقول لاحباء الله واحباء رسول الله الذين امنوا به ولم يروه ، الذين لم يجدوا على الحق اعوانا نقول لهم تصوروا واقع سلفكم وواقع عقيدتكم واحيوها من جديد حتى يفتح الله لكم وينصر هذه الأمة . وقد تصور الصحابة هذا الواقع وادركوه حق الادراك فانطلقوا في صراعهم مع كفار قريش على اقوى ما يكون وتحملوا الجوع في سبيل ذلك فقد اخرج الشيخان عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال ( ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مالنا طعام الا ورق الحبلة وهذا السمر حتى ان كان احدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط ) . واخرج الشيخان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تقول ( والله يا ابن اختي ان كنا لننظر الى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة اهلة في شهرين وما اوقد في ابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار .ý قلت يا خالة : فما كان يعيشكم ؟ قالت :ý الاسودان التمر والماء ) وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي جالسا ، فقلت يا رسول الله ! اراك تصلي جالسا فما اصابك ؟ قال : الجوع يا ابا هريرة ! فبكيت ، فقال : " لا تبك يا ابا هريرة ، فان شدة الحساب يوم القيامة لا تصيب الجائع اذا احتسب في دار الدنيا " . وورد عن الصحابة انهم كانوا يأخذون الحجارة ويشدون بها على اخمص بطونهم ثم كان واحدهم يشده بثوبه ليقيم صلبه ولهذا فان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " من اصبح امنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكانما قد زويت له الدنيا " كان مفهوما عندهم وكان عقيدة عندهم في سبيل حمل عقيدتهم فانطلقوا يعشقون الموت في سبيل الله لا يسألون عن رزق ولا عن جوع في سبيل هذه العقيدة واضعين قوله تعالى نصب عينهم { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين } فصبروا على البلاء وايقنوا ان الله حرمهم من بعض متاع الدنيا ليدخر لهم كل متاع الاخرة . فحملوا العقيدة للناس غير ابهين بعذاب البشر او بالفقر وكان طبيعيا ان يقول خبيب بن عدي : ولا ابالي حين اقتل مسلما على اي جنب كان في الله مصرعي وكان هذا جوابا للكفار الذين هددوه بالقتل وفعلا قتلوه فلقي الله راضيا مرضيا . ومن مقتضيات العقيدة الصلابة والثبات عليها وما ينبثق عنها من افكار وحملها بالطريق الصحيح وتحمل اشد صنوف العذاب في سبيل هذا الاعتقاد فقد اسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين وكان عمه يعلقه في حصير ويدخله عليه بالنار وهو يقول ارجع ، فيقول الزبير : لا اكفر ابدا . وقد تحدى عبد الله بن مسعود قريشا في انديتهم وتلا القران حول الكعبة في رابعة النهار وكفار قريش مجتمعون وناله من الاذى ما ناله ولم يبال واحتسب ذلك لله تعالى . وهذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول لعمه ابي طالب رادا على قريش وما طلبته منه من مهادنتهم اجابهم : " والله ما انا بأقدر ان ادع ما بعثت به من ان يشعل احدكم من هذه الشمس شعلة من نار " . ý وهذا التحدي من الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الصلابة والكفاحية في الدعوة لم تكن لامر واحد وهو العقيدة فحسب بل كانت لكل ما جاء به الوحي عليهم . ولم تذكر لنا في القران الكريم للعلم والتسلية ولحصول الثواب من تلاوتها بل للعمل والاقتداء بها . أما بالنسبة للعقيدة الإسلامية في الأمة اليوم ، فإن العقيدة موجودة عند الأمة والأمة مسلمة بحمد الله تعالى وليست كافرة ولا يزال كل مسلم يقول صباح مساء لا إله إلا الله محمد رسول الله . إلا أن هذه العقيدة قد فقدت علاقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع ، فغاضت منها الحيوية وصارت عقيدة جامدة لا أثر لها في النفوس ، فلم يعد لدى المسلمين ذلك الحافز الذي دفعهم لفتح الدنيا وحكم البشر ونشر الهدى وحمل لواء الحق والعدل . بل إن هذه العقيدة فقدت عند الكثير من أبناء هذه الأمة النظرة للآخرة وحصرت النظرة بالدنيا ، فقدت ذكر الله تعالى والتطلع إليه والإستعانة به واتجهت نحو النظرة إلى الخلق واستمداد العون من البشر . بل إنها فقدت في نفوس المسلمين تصور يوم القيامة والشوق إلى الجنة والحنين إلى نعيم الآخرة ، فقدت المثل الأعلى وهو نوال رضوان الله تعالى . وحصرت الهموم في متاع الدنيا فصار الشوق إلى منزل ضخم ومركب فاره ، وصار الحنين إلى المتع الزائلة والمال والجاه ، وصار المثل الأعلى تحقيق الرغبات المادية وارضاء من بيدهم تحقيق تلك الرغبات . كما فقدت العقيدة الإسلامية ارتباط جماعة المسلمين بها بالأخوة الإسلامية { إنما المسلمون إخوة } فصارت الأمة شعوبا ودولا . كما فقدت العقيدة الإسلامية الثقة بما انبثق عنها من أفكار ومعالجات لجميع نواحي الحياة ، فطغت أفكار غير إسلامية وسادت أحكام غير شرعية في بلاد المسلمين وانبهر الكثير من المسلمين بالأفكار الغربية ففقدوا تميزهم الإسلامي . إن أمتنا وجدت خير أمة أخرجت للناس ، فحرام أن يلحقها الفناء وإجرام أن يدركها العفاء ، إنها الأمة التي نشرت الهدى في العالم ، وحققت العدل في البشرية ، وتحرّت الحق في حكم البشر ، وشملت الناس بالرحمة وأحاطتهم بالرعاية ، ونشرت الطمأنينة ، وأوجدت الإستقرار ومتعت كل من استجاب لدعوتها بسعادة الحياة . إنها الأمة التي عاشت من أجل إنقاذ الناس من الشرك والكفر ، واستشهد الملايين منها في سبيل اعلاء كلمة الله ، وكان عملها الأصلي في الحياة هو حمل الدعوة الإسلامية للعالم ومثلها الأعلى نوال رضوان الله تعالى . هذه الأمة الكريمة الفعالة التي كانت تحمل هم الإنسانية كلها لتخرجها من الظلمات إلى النور ، لا تزال الإنسانية مفتقرة إليها لتنقذها مرة أخرى من جشع المادة وقلق المادية إلى راحة التقوى وطمأنينة الإيمان . إن إنقاذ الأمة لا يتأتى لنا إلا إذا رجعنا إلى الله تعالى ، وقوينا صلتنا به ، واستمددنا العون منه ، وتوكلنا عليه حق توكله ، وجعلنا نوال رضوانه المثل الأعلى في هذه الحياة . إن مصيبتنا الفادحة أن العقيدة الإسلامية قد انطفأ نورها في قلوبنا ، وذهب أثرها في أعمالنا ، وفقدت حرارتها في تصرفاتنا وصارت ميتة في نفوسنا . فعلينا أيها المسلمون أن ننيرها بأحكام القرآن وأن نحييها بذكر الله تعالى وأن نجعلها تعيدنا خلقا آخر كالمسلمين الأولين من الصحابة والتابعين . علينا أن ننير عقيدتنا بالثقة بأفكار الإسلام وأحكامه وبالعمل لإعادة سلطان الإسلام بإقامة الخلافة الراشدة ، ورفع راية القرآن ، وبحمل الدعوة إلى الناس كافة لنخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام ، ومن جحيم القلق والشقاء إلى نعمة الطمأنينة ونعيم السعادة . فلنحيي عقيدتنا بتقوى الله وطاعته ، وبالخوف من عذابه والطمع في جنته ، وبتقوية الصلة به ، وبذكره في كل تصرف وتذكره عند كل عمل ، وبالتقرب إليه لا بالصلاة والصوم والزكاة والدعاء فحسب ، بل بالإلتزام بجميع أوامره والإنتهاء عن جميع نواهيه وقول الحق أينما كان ، ومواجهة الباطل بالحق أينما وجد .
|
|