الكاتب الموضوع:   ليس البحث حقوق الرجل ولا حقوق المرأة ولا المساواة بينهم
محي الدين   كتب الموضوع   16-07-1999 01:39 PM   الملف الخاص للعضو  محي الدين     
لقد أخذت قضية حقوق المرأة السياسية حجماً أكبر مما تحتمله بين مؤيد ومعارض ، فطرأت علينا آراء كثيرة في هذا الموضوع ، أغلبها كان ارتجالياً ومبهماً لا يستند لأية وجهة نظر في الحياة . على أن هذه القضية تتعلق مباشرة بأيدلوجية الإنسان ، أي بوجهة نظره في الحياة ، لذلك كان من الطبيعي أن تختلف الآراء ووجهات النظر حسب المبدأ الذي يحمله الإنسان ، فالإنسان الأمريكي مثلاً الذي يحمل المبدأ الرأسمالي تختلف معالجته لقضية المرأة عن الإنسان المسلم الذي يحمل مبدأ الإسلام ، وكلاهما تختلف معالجتهما عن الإنسان الذي لا يحمل أي مبدأ .
ولما كان المبدأ الرأسمالي من وضع البشر ، وأنظمته مشرعة من العقل ، كان من الطبيعي أن تختلف الآراء بين حملته في القضية الواحدة ، لأن العقل هو المشرع لديهم والواقع هو مصدر تفكيرهم ، لذلك يكون التخبط سمة من سماتهم ، ولكنه ليس من الطبيعي بل من المعيب أن تختلف أراء المسلمين حملة مبدأ الإسلام تجاه قضية معينة ويكون اختلافهم هذا على غير أساس المبدأ ، لأن الإسلام دين إلهي جاء من الوحي وليـس من عقل الإنسان ، لذلك إذا وجد فيه اختلاف فيجب أن يكون هذا الاختلاف مما يبيحه الشرع ، وفق ضوابط يحددها المبدأ .
على أن قضية حقوق المرأة السياسية قد بتّ فيها الإسلام حُكمَه كسائر القضايا التي تواجه الإنسان ، كما كان للمبدأ الرأسمالي رأياً فيها ، فأما الرأسماليين فكان صعيد البحث لديهم في قضية حقوق المرأة السياسية هو مساواة المرأة بالرجـل ، فلمّا كان الرجل يحكم ، وينتخب الحاكم ويحاسبه ، ويكون عضواً في البرلمان ، ويكون وزيراً في الحكومة ، كان للمرأة كـلّ ذلك لكي تكون متساوية مع الرجل في حقوقه ، فاعتبروا هم المساواة بهذا الشكل هي العدالة التي ترضي عقولهم .
أما الإسلام فلم يجعل حقوق المرأة السياسية قضية تحتاج لبحث منفرد ، بل نظر الإسلام للإنسان كإنسان لديه غرائز وحاجات عضوية ، فأنزل أحكامه الشرعية لمعالجة هذه الغرائز والحاجات العضوية ، ولما كان النوع الإنساني إما رجل أو امـرأة ، جاءت الأحكام منها ما هو للرجل وللمرأة ، ومنها ما خصّ به الرجل ، ومنها ما خصّت به المرأة ، ففرض الصـلاة مثلاً ، والزكاة والحج ، وحرمة شرب الخمر ، والنهي عن الربا ، وحرمة أكل لحم الخنزير ، ومبايعة الخليفة ، ووجوب طاعته ، ومحاسبة الحاكم ، كل هـذه الأحكام جاءت للرجل وللمرأة على السواء ، فخطاب الشارع فيها جاء عاماً للمؤمنين والمسلمين الرجال منهم والنساء . قال تعالـى " إن الصّلاة كانَت عَلى المؤمنين كتابا مَّوْقوتا " وقال عز وجل " ولله عَلى النّاس حجُّ البَيت مَن استَطاع إليه سَبيلا " ، وهكذا سائر العبادات ، أما مبايعة الحاكم ومحاسبته ووجوب طاعته فكما وردت النصوص الشرعية في الرجال وردت في النساء . فعن أم عطية قالت : (( بايعنا النبي  فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئاً ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها فلم يقل شيئاً فذهبت ثم رجعت )) وهذه بيعة على الحكـم ، وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكـم " وقـال سبحانه : " وأمرهم شورى بينهم " وهذه النصوص عامـة في المؤمنين والمسلمين جميعاً ، وكما ورد أن النساء كانوا يحاسبون الخلفاء الراشدين ولم ينههم أحد من ذلك .
أما قوامـة البيت وتولي مناصب الحكـم وحرمة التخلف عن الجهاد وغيرها ، فهـذه أحكـام خصّت الرجل دون المرأة ، قال عز وجل : " الرجال قوامون على النساء " وقال رسول الله  : (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) . أما حكـم النفاس والعدة ، وفرضية لبس الخمار وإرضاع الطفل وغيرها ، فهذه أحكام جاءت وخصّت المرأة لورود النصوص الشرعية مخاطبةً نساء المسلمين .
فالقضية في الإسلام ما هي إلا أحكام شرعية شرعها الخالـق ليلتزم بها عباده رجالاً ونساء ، دون النظـر لمساواة المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة ، ودون النظر لحقوق الرجل السياسية أو حقوق المرأة السياسية ، فلكل فرد من الأمة واجبات وحقوق بيّنها له الإسلام بأنظمته وأحكامه ، فمتى طُبقت هذه الأنظمة والأحكام كان حتماً أن يظهر العدل بين الأمة ، ولو أخذ الذكر مثـل حظ الأنثيين ، ولو قطعت يد من سرق ربع دينار ذهب ، ولو رجم الزاني المحصن بالحجارة حتى الموت ، ولو ظلت المرأة لا تحكم ، فهذا هو العدل الذي أراده الله سبحانه وتعالى وليس العدل الذي نفهمه نحن بعقولنا المحدودة القاصرة . هكذا كان يجب على أبناء المسلمين أن ينظروا لقضية حقوق المرأة السياسية بدل التخبط الذي لمسناه في أساس البحث الذي بحثه الطرفان المؤيد والمعارض .

الموضوع الـتــالـي | الموضوع الســـابق

أدوات المراقبين : غلق الموضوع | أرشيف أو نقل | إلغاء الموضوع

للمراسلة | سوالف للجميع | شبكة سوالف