كتب الموضوع 08-07-1999 02:24 AM
الأخ حامد وفقه الله لكل خير اطلعت على جوابك السابق،فكانت لي هذه الوقفات :
الأولى :
لو كنت أشك في انتمائك ، لما وصفتك بأعظم وصف وهي الأخوة ، وهذا الوصف كما تعلم لا يستحقه من يطعن بأمهات المؤمنين وأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام - رضي الله عن الجميع - .
فطالما رفضوا أخوة أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ، فكيف نقبل أخوة هؤلاء الضالين .
فالأصل بقاء الأخوة بين المسلم وأخيه ، ما لم يستبن فيه بدعة مغلظة .
ثانياً :
اعتراضي إنما انصب على أسلوب العرض وطريقته ، وهذا واضح من خلال مداخلتي السابقة .
ولا أكتمك حديثاً – وهذا لم أشر له في مداخلتي السابقة – وأهمس في أذنك وأقول :
إن طبيعة القضية المطروحة ، وطبيعة الاعتراض المقدم من قبلك ، يدعو للشك والريبة
ويذكرني بأسلوب البعض ممن أجاد فن التشكيك في صحيح الإمام البخاري
الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله عند السنة .
والذي يبقى هذا الشك ضارب بأطنابه في عقول البعض ، أنه بالرجوع إلى صفحتك ، وهي صفحة مفيدة وجيدة ومتميزة في موضوعاتها ، لا يجد فيها ما يميز انتماء صحابها
وطبيعة منهجه .
ومع ذلك : لم ألتفت إلى ذلك كله .
وقد تتساءل : لماذا كل هذا طالما لم تلتفت له ؟
هل غرضك التشكيك ؟
أقول : لا ، ولكن رحم الله امرءاً ذب الغيبة عن نفسه .
ثالثاً :
إن من البدهيات المتقررة عند أهل العلم في الموقف من الإسرائيليات
- وهي معلومة لديك – أنها على ثلاثة أقسام :
1 – ما جاءت موافقة للشرع ، فهذا نقبله .
2 – ما جاءت مخافة له ، وهذا نرده .
3 – ما لم يوافق ولم يعارض ، فتعامل معه على ما قرره عليه الصلاة والسلام : لا تصدقوهم ولا تكذبوهم . وعلى منهجية : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج .
وعلى هذا فليس كل ما ذكر في التوراة هو خطأ ، لا يجوز الالتفات إليه
كلا ، إذا وجدنا ما وافق الشرع عندنا فهو من الثابت الذي لم يحرف ، ومنها الحديث الذي ذكرته معترضاً عليه .
رابعاً :
لقد حرصت أن أراجع كل شروح صحيح البخاري المتوفرة لدي :
فنظرت في فتح الباري لابن حجر ، وعمدة القاري للعيني ، وإرشاد الساري للقسطلاني ، وشرح الكرماني للبخاري ، فلم أجد واحداً منهم قد تحدث عن هذه الرواية بمثل ما تحدثت به ، ولم يشككوا في سنده ولم يقفوا مع متنه ، وهم العلماء المتمرسون في هذا الفن رواية ودراية ، بل تعاملوا معها على أنها رواية صحيحة السند والمتن .
إن من اطلع على شروح هؤلاء العلماء يدرك الدرجة الرفيعة التي وصلوا إليها في فن الرواية وعلم الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف ، وفي فن الدراية والفقه والإستنباط .
إن نقد متن الحديث من أصعب مباحث هذا الفن ، فهو يحتاج إلى عالم لها دراية كبيرة بالعلوم الشرعية المختلفة :
وخاصة القرآن وتفسيره
الفقه وأصوله
الحديث ومصطلحه
واللغة ومدلولاتها
وغير ذلك من فنون هذا العلم الكبير .
ولعلك قرأت مقدمة المنار المنيف لابن القيم ، وأدركت ما يحتاجه من أراد أن ينقد المتن دون السند .
كما أن هناك رسالة علمية طبعت ، وهي بعنوان ( نقم متون السنة ) للدكتور الدميني
بين فيها من هو المؤهل لنقد المتن .
لقد خاض في هذا المسلك وللأسف ما هب ودب ، فخرج علينا العقلانيون والمعتزلة يردون الأحاديث بعقولهم دون أن يملكوا مقومات هذا العلم .
خامساً :
راجعت أيضاً ( هدي الساري ) لابن حجر ، وهي مقدمة للفتح
ذكر فيها الأحاديث التي أخذت على الصحيح والجواب عليها ، فلم يذكر هذا منها .
ورجعت أيضاً للإلزامات والتتبع للدارقطني ولم يذكر هذا الحديث فيه .
وهنا أسألك : هل تعرف عالماً واحداً معتبراً – وأركز على كلمة معتبر – قد قال بقولك أو بعض قولك .
سادساً :
حرصت على مراجعة إسناد الحديث ، فكان إسناده كالشمس في رابعة النهار صحة
وهذا من باب تحصيل حاصل .
سابعاً :
لا أدري يا أخ حامد :
لماذا أثارتك وجود كلمة ( الدوحة ) في ثنايا ذلك الحديث ؟
ولا أدري ما التعارض بين قوله تعالى ( بواد غير ذي زرع ) ، ووجود الدوحة ؟
إن من قرأ مكة وواقعها ، تجد هذه الصفة ملازمة لها حتى في وقتنا الحاضر .
فارجع إلى سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، فستجد أنهم ما فتئوا يصفونها بأنها واد غير ذي زرع ، ومع ذلك تجد في كثير من الأحاديث أنه استظل تحت شجرة ، وجلس تحت شجرة ، وهذا في نفس مكة وليس في خارج حدودها ، فهل في هذا منافاة .
بل وارجع إلى كتب التاريخ المتأخرة كأخبار مكة ، والعقد الثمين ، وإتحاف الورى ، وغاية المرام كلها تصف مكة بذلك الوصف ، مع وجود تلك الشجرات هنا وهناك
والتي لا تزيل الوصف السابق عنها .
وحتى المعاصرين يصفونها بذلك ، ولو ذهبت إلى مكة الآن ، تجدها خالية من الزروع إلا من هذا الشجر الكبير وهو ما يعرف بالطلح وغيره .
فلا تناقض ، ولو كان هناك ما يدعو للشك والتناقض لما وجدت العلماء قد سكتوا عن ذلك ، وتاريخهم وكتبهم تشهد بذلك .
والله أعلم وأحكم .