|
|
عضو شرف
|
|
المشاركات: 2,324
|
#2
|
رسالة العصر ( 2 / 4 )
أقسم الله بـ"َالْعَصْرِ " لأن من معاني العصر، الوقت الذي هو آخر النهار ، فهو قرب النهاية وموسم الحصاد ، وفيه صلاة العصر التي ذكرها الله تعالى في غير موضع فسماها "الصَّلَاةِ الْوُسْطَى"[البقرة:238] "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"[طه:130].
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان البخاري (552) ومسلم (626) عن ابن عمر : ( الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله ) أي فقد أهله وماله.
وإذا كان العصر هو آخر النهار فعصر هذه الأمة المحمدية هو آخر الدنيا، ونهاية المطاف وأجمل شيء آخره ، فنحن أمة المجد والعزة والتاريخ والانتصار، وأمتنا آخر الأمم وأعظمها وأولها دخولاً الجنة وأفضلها عند الله تبارك وتعالى شاء من شاء وأبى من أبى ، ولتعلمن نبأه بعد حين.
وفي صحيح البخاري (2268) عن ابن عمر رضي الله عنه ونحوه أيضا (558) عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم ، فغضبت اليهود والنصارى ، فقالوا : ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاء ؟ قال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا: لا . قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء ) فإذا كنا نحن أمة العصر ، ورسالتنا هي رسالة العصر ، فينبغي علينا أن نكون شهداء على الناس ، وكان خليقاً بنا أن نكون أكثر الناس علماً ، وأحسنهم خلقاً ، وأعظمهم حضارة، وأعرف الناس بمصالح الدنيا والآخرة.
أما واقع الحال اليوم فنحن أمة مستهلكة ، أمة منهوبة الثروات، محتلة في أراضيها في غير ما بلد من بلاد الإسلام.
إن 65% من فقراء العالم هم من المسلمين، و80% من اللاجئين في العالم هم من المسلمين ، وعلى الرغم من أن المسلمين يمثلون ربع أوخمس سكان الكرة الأرضية غير أن نصيبهم من الاقتصاد لا يتجاوز 6 % ، كما أن شعوب المسلمين في غالبهم ضحية الضخ الإعلامي الفاسد.
إن الفتاة اليوم تعرف المئات ممن يشكلن لها مثلاً أعلى من ممثله وغانية وراقصة وعارضة أزياء بل عارضة أجساد ، ولكننا حين نريد ضرب المثل الجيد من الواقع يرجع البصر إلينا خاسئاً وهو حسير ، ولهذا نفزع إلى التاريخ ، ونتحدث عن زينب وخديجة وعائشة وسمية وحفصة ...
فلم لا يوجد في واقعنا وعصرنا ومجتمعنا -ونحن أمة العصر وأمة الشهود- أمثال القمم الشامخة من القدوات للكبار والصغار من الرجال والنساء .
هل عقمت أرحام الأمهات عن مثل هذا ؟!.
بل إننا على رغم فقرنا وضعف حالنا وشدة حاجتنا والتحديات التي تواجهنا مشغولون بتدمير بعضنا البعض ، ومطالبة الآخرين بالكمال، وربما دخلنا في متاهة من الأوهام هروباً من مواجهة هذا الواقع ، ولذا يحسن التحذير من بعض الكتب التي تتكلم عن عمر هذه الأمة ، وتحدد أزمنة معينة، وتتناول أشراط الساعة بطريقة غير علمية ولا شرعية .
قد تكون هذه الكتب وغيرها كتبت بحسن نية ، ولكنها تهجم على الغيب ، وتربي الناس على الاتكالية والانتظار وتمهد لبعض المواقف السلبية اعتماداً على الحديث الذي مر في مثل المسلمين واليهود والنصارى وأشباهه.
ثانياً الإنسان :
"إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ"[العصر:2] كل الإنسان, وحين يخاطب الإنسان في القرآن فهذه إشادة.
"يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"[الانشقاق:6] ، "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"[الانفطار:6] ، "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ"[الإنسان:2] ، "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"[الإسراء:70] .
والإنسان مهدد غالباً بالخسار لقوله تعالى : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" [التين:4-6].
إنه الإنسان الذي خلقه الله تعالى واختاره واصطفاه وعلمه وأسجد له ملائكته، وحينما قالوا : " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ "[البقرة:30] قال ربنا الحكيم : " إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ "[البقرة:30] ، وهذا إشادة ظاهرة بجنس الإنسان وخصوصيته وكفاءته ومسئوليته ، و العقاب والعتاب يكون على قدر المسؤولية ، وقوله تعالى : ( لفي خسر ) أبلغ من أن نقول : ( إن الإنسان لخاسر ) لأن الخسر حينئذ كأنه إناء أو وعاء يحيط بالإنسان من كل جانب، وهنا يكون التنكير للتهويل والتعظيم أي أنه في خسارة عظيمة .
ويحتمل أن يكون المعنى تفاوت الخسارة، فالناس غالبهم في خسر، فمنهم من خسارته كلية مطلقة، خسر نفسه وأهله وماله ودنياه وآخرته ، كالكافرين الأخسرين أعمالاً الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ومنهم من خسارته جزئية أي فقد بعض الربح ، ومنهم من فقد كل الربح ، ومنهم من فقد رأس المال، ومنهم من ترتب عليه ديون للآخرين، فهؤلاء هم الأخسرون (وهم في الآخرة هم الأخسرون) {النحل:5}فالحياة سوق والعمل تجارة، " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ"[البقرة:16] وفي صحيح مسلم (223) عن أبي مالك الأشعري:(كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).
فالإنسان متحرك بطبعه، وفعال وهمام، وسائر لا يتوقف، وسمي الإنسان إنسانا؛ً لأنه ينوس أي يتحرك ولا يقف ، وكل أحد ساعٍ متحرك، ولكن منهم ساعٍ في كمال نفسه ونجاتها، ومنهم ساعٍ في هلاكها وإباقها.
|
|
20-08-2003 , 08:51 PM
|
الرد مع إقتباس
|