أنا : ويبدوا أن من أسباب هذا ولائك لملوك الموصل آل زنكي بعكس أخيك الذي تعامل مع الأيوبيين والذي كان على رأسهم صلاح الدين الأيوبي الذي حكم مصر منذ سنة 564هـ كنائب لنور الدين زنكي ثم سيطرته على الشام بعد وفاة نور الدين زنكي سنة 569هـ في سنة 570 هـ ما عدى حلب وحصاره للموصل سنة 578 هـ
وسنة 581هـ وملك حلب سنة 579 هـ ..
وبسبب هذه العداء مع ولائك لملوك الموصل كثر انتقادك لصلاح الدين الأيوبي ( راجع كتاب الكامل في التاريخ للمؤلف وستجد الكثير من الانتقادات لصلاح الدين )
حتى اتهمك البعض أنك لم تكن منصف في نظرتك إلى بعض الشخصيات المعاصرة لك فقد بالغت في تمجيد الزنكييين بينما تحاملت على صلاح الدين حتى اتهمته باغتصاب السلطة من أصحابها الشرعيين ، حتى أدعى أحد المستشرقين أنك كنت تطمع أن يكون لك مكانة عند صلاح الدين فلم تبلغ ما تتمناه فانتقدته لذلك ( 11 ) ..

وقد ضحك ابن الأثير وقال : أولا لم يكن بيني وبين صلاح الدين أي اتصال لكي أطمع في هذا الشيء ، كما أنه ومن علم بتاريخ حياتي يعلم أني لم أحرص على مناصب أو وظائف حتى لدى ملوك الموصل ، بدليل أني تفهمت موقف أخي مجد الدين في عدم إكمال علاجه خوفا من خدمته لملوك الموصل ، كما قطعت علاقتي بأخي ضياء الدين عند تعامله مع الأيوبيين وكل هذا ينفي عني هذه التهمة ..
أنا لا أخفي أن ولائي كان لآل زنكي فقد كان لهم فضل على عائلتي وأهلي وقد دفعني هذا للنفور من صلاح الدين ورأيت فيه مغتصب لحق آل زنكي ..
ورغم هذا فرغم أني تحاملت عليه في حياته فإني لم أملك إلا أن أترحم عليه بعد وفاته فقلت في حقه وبعد وفاته سنة 589 هـ " وكان رحمه الله كريما حليما حسن الأخلاق متواضعا صبورا على ما يكره ، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه ، يسمع من أحدهم ما يكره ، ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه " ( 11 )
وقلت في حقه وبعد فتح القدس : " وهذه المكرمة من فتح القدس لم يفعلها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه غير صلاح الدين رحمه الله وكفاه ذلك فخرا وشرفا " ( الكامل في التاريخ أحداث سنة 583 هـ )

أنا : حسنا مهما يكن من الأمر فالحقيقة أن هناك البعض في عصرنا من أعتمد في نقده على صلاح الدين على ما سجلت في كتابك وتاريخك من نقد لصلاح الدين (راجع مجلة العربي العدد 442 و 448 ) وإن كان هذا لم يمنع من مشاركتك أنت وأخوتك في حروب صلاح الدين مع الفرنج بعد حطين ( راجع حوادث سنة 584 هـ وفتح برزية خاصة مما يدل على هذا ،وهذا ليس بالغريب فقد شارك الكثير من العلماء في تلك الحروب )

كما أنك لم تقطع علاقتك بالدولة الأيوبية تماما فقد ذكر ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان أنك كنت مقيما بضيافة الطواشي شهاب الدين طغريل الخادم أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر صاحب حلب ( 12 )

ابن الأثير : نعم فقد كان الطواشي مقبلا علي حسن الاعتقاد بي مكرما لي ، وقد اجتمعت بابن خلكان في تلك السنة وكنت صاحب والده فأخذ العلم مني ثم سرت إلى دمشق في سنة 627 هـ ثم عدت إلى حلب سنة 628 هـ وأقمت قليلا بها حتى عدت إلى بلدي الموصل ( 12 ) ..

أنا : عاصرت في حياتك بداية الغزوات التترية ( المغولية ) ولك مقدمة شهيرة كثيرا ما تستحضر عند كل حادث جلل ، وصفت فيها حالة العالم الإسلامي والعالم أجمع من ذلك الاجتياح وتصف الرعب الذي حل على العالم الإسلامي أحببنا ذكرها ؟!

ابن الأثير : نعم أذكرها لتعلموا كيف أصابنا الرعب في زماننا من هؤلاء التتر واعتقدنا أنه لن يبقى للإسلام والمسلمين من ذكر ورغم ذلك بقى الإسلام شامخا وحتى زمانكم وزال ملك التتر وكأنهم لم يكونوا :

قلت في كتابي : ( لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارها لذكرها ، فأنا أقدم إليه رجلا وأوخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فياليت أمي لم تلدني وياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ... فنقول هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلاه عمت الخلائق وخصت المسلمين فلو قال قائل أن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الأن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا .... ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج واما الدجال فإنه يبقى على من اتبعه ويهلك من خالفه وهؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوالمل وقتلوا الأجنة فأنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار شررها وعم ضررها وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح ، فإن قوم خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان .... الخ [ راجع حوادث سنة 617 هـ ] )

أنا : وقد كانت وفاتك سنة في هذه الظروف من التفكك العربي الإسلامي والصراع بين الأمراء والحكام المسلمين مع ما عاناه المسلمين في ذلك العصر من خطر الصليبيين ، والخطر المحدث وهو الغزو التتري الذي سيطرة على العالم الإسلامي لأكثر من قرنيين ، وكانت وفاتك في شعبان من سنة 630 هـ بالموصل ..
وبعد أن ألفت عدة كتب في التاريخ والأنساب والتراجم هي :
1- الكامل في التاريخ : ويعتمد عليه الكثير من المؤرخين لمعرفة حالة العالم العربي والإسلامي في القرون الست الأولى وحتى ما قبل بأكثر من ربع قرن ، لتوازنك في عرض أخبار الأقاليم الإسلامية وتاريخها ومقارنة ما يحدث فيها من الأحداث ، وتميزك في عرض الحقائق نتيجة حذف التفاصيل مع الإمعان في فحص المصادر واختيارك من النصوص م يناسب الحقائق ** ( 13 )
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة : وهو في تراجم الصحابة رضوان الله عليهم
3- اللباب : وهو تهذيب لكتاب أنساب السمعاني
4- تاريخ الدولة الأتابكية :
5- الجامع الكبير : في البلاغة
6- تاريخ الموصل : ولم تتمه ( 14 ) الأعلام ( الزركلي ) : ج4/321


مؤرخنا العظيم شكرا لك ..

الهوامش :
· ( وقد يكون من أسباب انتقال عائلة ابن الأأثير استبداد سنجر شاه على جزيرة ابن عمر في سنة 580 وقد انتقد ابن الأثير في حوادث سنة 605 عند مقتل هذا الملك ووصفه بالظالم حتى ذكر أنه تفرق أهل البلد بسبب ظلمه ...


** ( يبدوا أن ابن الأثير كان مهتما بتسجيل الحوادث التاريخية منذ الصغر ( 16 سنة ) فقد ذكر في كتابه الكامل في التاريخ عدة حوادث في سنة 571هـ ( كسوف الشمس ) و572 ومشاهدته لخروف برأسين في الموصل .

المصـــادر :
( 1 ) وفيات الأعيان [ ابن خلكان] : ج3/ 348
( 2 ) بنو الأثير – الفرسان الثلاثة ( محمد بن عبد الله الحمدان ) : ص14-16
( 3 ) بنو الأثير : ص24 .
( 4 ) وفيات الأعيان : ج4/ص141
( 5 ) وفيات الأعيان : ج5/ص389
( 6 ) معجم الأدباء ( ياقوت الحموي ) :ج17/ص72
( 7 ) بنو الأثير ص 66
( 8 ) وفيات الأعيان : ج4 / ص142
( 9 ) معجم الأدباء : ج19/س72
( 10 ) وفيات الأعيان : ج5/ ص390
( 11 ) بنو الأثير ص73
( 12 ) وفيات الأعيان : ج3: 349
( 13 ) تاريخ العلوم عند العرب /ص304

أهلا بك أخي الطارق مرة أخرى، وسيكون لي رد آخر بعد قراءة مقالك الجديد إن شاء الله.
فقط أردت أن أسجل إعجابي بمواضيعك القيمة.

حياك الله أخي الخمشي ..
ومرحبا بك مرة أخرة ..

يسعدني أخي الكريم هذا وأنا
في أنتظار تعقيبك الذي قطعا سيزيد
من فائدة الموضوع وإضافة معلومة جديدة
لي بإذن الله

تحياتي وسعدت بهذا التشجيع ..

أخي العزيز:
كل كلمات المديح تتضاءل أمام ما تستحقه جهودك من إشادة، و بدون مبالغة فسلسلتك هذه تستحق أن تنشر في كتاب، و أرجو أن يتحقق هذا قريبا.

و لا أدري لماذا يتجاهل بقية الأعضاء مشاركاتك، ربما أدركوا أن ردودهم لن توفي جهودك حقها فآثروا السكوت.


كما إن قصتك التي أوردتها من العقد الفريد، و التي جاء فيها أن ملك الصين أمر بألا يلبس الأحمر إلا متظلم، ذكرتني بأورنجزيب بن شاه جيهان إمبراطور الهند المغولي المسلم، والذي أمر بأن يلبس المتظلم لبسا مختلفا عن بقية الناس ليعرفه فينصفه. ولعلنا نقرأ لك حوارا مع هذا الملك العظيم، إن شاء الله.

و ختاما يسعدني يا أخي لو أضفتني إلى قائمة الأصدقاء عندك، في الماسنجر.

[email]ana_3ali@hotmail.com[/email]


جزاك الله خيرا يا أخي على مانفعتنا به.

حياك الله أخي الخمشي ..
وبارك الله فيك على هذه الكلمات الخيرة
وجزاك الله خيرا على هذا ادعم الكريم ..

بالنسبة لنشر هذه السلسلة فأشك بذلك
لسبب بسيط أنني لم أكتب منذ أكثر من ستة أشهر
إلا حوار مع ابن الاثير ! وبدأت بها منذ أكثر من السنة ونصف السنة
هذا على الأقل ! مع العلم أني لم أكن في شغل كحالي في هذه
الأيام .. بالإضافة أني لا أدري بالفعل أن كانت
تستحق حقيقة هذه الحوارات النشر ففي اعتقادي أني
أحتاج الكثير من المراجع وأوقات الفراغ لألم بكل الشخصيات ،،
ولم تكن كتابتي لهذه الحوارات إلا للإستزادة من المعلومات
من الأخوان والاستفادة من المعلومات الجديدة من ردودهم ..
وهذا ما أردته بطرحي لهذه الحوارات ..

عن تجاهل مشاركتي من قبل الأخوان الأعضاء ،، ربما كان لهذا
الشيء بعض من الحقيقة ،، لكن صدقني أصبح هذا
الأمر بالنسبة لي شيء عادي ،، صحيح أنني أحبط أحيانا وخاصة
إذا أهتممت بموضوع ووفيته بالمراجع وحدث ذلك في
حوار مع الجاحظ فقد استمريت في كتابته
ما يقارب الأسبوع ولم أجد إلا تعقيب ثلاثة أو أربعة بالكثير
كانت في مجملها مادحة مع أني والله أردت من هذا الموضوع
التساءل عن عدة أمور ومن بينها سقوط الكتب عليه ؟!
والتعرف على حياته أكثر خاصي أني من المهتمين به :)

ورغم هذا صدقني لم يؤثر هذا في وأعلم جيدا أن التعامل
في المنتديات يقوم على مبدأ رد علي وأرد عليك ،، وأخوك
قليل الردود وللأسف الشديد :):)


ما ذكرته أخي الكريم عن قصة الملك الماغولي المسلم في الهند
معلومة بالنسبة لي جديدة أشكرك عليها ،وسأبحث عن هذا الملك
المغولي في كتبي( هوايتي هذه :) )

أما عن الحوار معه فحقيقة اتمنا بالفعل أن يشاركني الأخوان في
كتابة هذه الحوارات وصدقني لا أجد مثل أهتمامك ومعلوماتك
من يقوم بهذا العمل وموضيعك تدل على هذا وردك على
أحد الأخوات يوأكده تماما ..

عن الماسنجر وما أدراك ما الماسنجر ، مع الأسف حقيقة
ولا أكذب لم أتعامل بالماسنجر بتاتا إلا مرة واحده وقبل سنة وكنت لا أعلم بأمر الماسنجر لأن ابن أخي من قام بتشغيله وفوجئت بأحد الأاخوان ولم أحمده بعدها أبدا !
حتى أني لا أذكر عنوان الماسنجر تبعي !!!

بالإضافة أن اتصالي بالنت متقطع في اليوم ومنقطع لعدة أشهر
بسبب المشاغل وظروف أخرى وقد يمنع هذا تواصلي عبر الماسنجر ..
ولكن إليك بريدي الألكتروني إن رغبت :

[email]mdmf5@maktoob.com[/email]


تحياتي أخي الكريم
وحزاك الله خيرا على حسن الظن ..
وأعذرني على الإطالة :):)

حوار مع بشار بن برد :

كان محاوري جاحظ الحدقتين ، تغشاهما لحم أحمر ، ضخم عظيم الخلق والوجه مجدرا طويلا [ وفيات الأعيان : ج1 ص272 ]

كان هذا هو شاعر المحدثين وأشعر المولدين على الإطلاق في العصر العباسي كان هذا هو بشار بن برد أبو معاذ العقيلي الشاعر المشهور ...

أنا : بدا الأمر أحييك ، شاعرنا الكبير ، وأرحب بك في حوارنا هذا ..

بشار بن برد [ وبضجر ] : أهلا بك .. ولتعجل بأسئلتك ..

أنا [ وقد علمت طبعه الذي يغلب عليه التبرم ، حتى كان يقول : الحمد لله الذي ذهب ببصري .. لئلا أرى من أبغض [ الأغاني : ج3 / ص133 ] : حسنا .. حسنا .. سنبدأ بسؤالنا الأول :

أحببنا أن تحدثنا عن نسبك ومولدك ونشأتك ؟!

بشار بن برد : نعم .. أنا بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاءه ..
وجدي يرجوخ من طخارستان ممن سباهم المهلب بن أبي صفرة والي خراسان (79-81هـ) ، لذا نشأ والدي على الرق وكان والدي في عداد رقيق خيرة القشيرية امرأة المهلب ، ثم وهبته لامرأة من بني عقيل ..

وفي ملكها ولدت على الرق، ثم لم تلبث العقيلية أن أعتقت أبي فأصبحت من الموالي [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 )]
وقد لدت سنة 95 هـ [ الأعلام : ج2/ص52 ]

أنا : حسنا ،، حسنا لا أود مقاطعتك .. لكن تنتسب في أحد قصائدك إلى الروم من جهة أمك تقول في:

وقيصر خالي إذا ** عددت يوما نسبي [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]

بشار بن برد : وهل تشك في هذا ؟

أنا : حسنا .. حسنا .. دعنا من هذا .. ولتحدثنا عن نشأتك ؟!

بشار بن برد : ولدت أعمى .. وكان والدي طيانا يعيش من ضرب اللبن معيشة تقوم على الشظف ، وكان لي أخوين هما بشر وبشير ...

أنا : الغريب في أمرهما أنهم كانا سويين إذ كان أحدهما أعرج والأخر أبتر اليد ، وأنت أعمى ؟! [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]

بشار بن برد [ بغضب ]: ويحك هل تسخر منا ؟!

أنا : عفوا .. عفوا .. إنما أذكر ما يذكره المؤرخون عن شخصكم العظيم ؟! فرغم هذا فقد نبغتم نبوغا عظيم حتى بغى ذكركم وحتى زماننا هذا !

بشار بن برد [ وقد هدأ بعض الشيء ] : حسنا .. هذا صحيح .. .. ولكن إصابتي بالعمى وحال عائلتي لم يمنع من أن أخذ العلم في المساجد والمربد وأنهل من حلقات العلم والشعر .. بل أن نشأتي في بني عقيل جعلتني أجيد الفصاحة العربية [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]

أنا : وقد كان مولدك بركة على والدك كما صرح والدك بذلك ؟!

بشار بن برد : نعم .. كان يقول عني ما رأيت أعظم بركة منه ، ولقد ولد وما عندي درهم فما حال الحول حتى جمعت مائتي درهم [ الأغاني : ج3 / ص204 ]

أنا : يقال أنك وفي العاشرة من عمرك بدأت تنظم الشعر ؟

بشار بن برد : نعم حدث هذا وكنت .. أهجو الناس وكانوا يشكون إلى أبي فيضربني حتى رق من كثر ضربه لي وكانت أمي تخاصمني وكنت أقول له قل لهم ( ليس على الأعمى حرج ) فجأة يشكون لأبي على هجائي فذكر لهم هذا فقالوا : فقه برد أغيض علينا من شعر بشار [ج 7/ص113 ]

بل أني وفي صغري اعترضت جرير وهجوته فاستصغرني وأعرض عني ولو أجابني لكنت أشعر أهل زماني [ الاغاني ج3 / 136 ]

أنا : حسنا .. أديبنا في تلك الفترة ذهبت إلى البادية ، فأقمت بها فترة لتنهل من فصاحة الأعراب ، ثم رجعت إلى البادية لتكثر من الاختلاف إلى حلقات المتكلمين ومجالسهم ؟!

بشار بن برد : نعم وقد كنت أكثر من النظم في المديح وغير المديح ، وكانت أقدم مدائحي في عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والي العراق لسنة 126هـ [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]

أنا : وفي تلك الفترة اصطدمت بالمعتزلة وكبيرهم واصل بن عطاء الذي كانت قبل ذلك علاقتك به جيدة كثير المديح له حتى فضلته على خالد بن صفوان وشبيب بن شيبه والفضل بن عيسى عندما خطبوا عند عبد الله بن عمر والي العراق حتى قلت فيه :

أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ** من خطبة بدهت من غير تقدير
وإن قولا يروق الخالدين معاً ** لمسكت مخرس عن كل تحبير ؟! [ البيان والتبيين ) ج1 / ص37 ]

بل ويذكر في الأغاني أنك كنت تجلس مجالسه وتستمع إلى محاورته مع مذاهب الثنوية والمجوسية والدهرية والهندية [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ] فكيف انقلب مديحك إلى عداء وكره ؟!

بشار بن برد ( وقد اضطرب من هذا ) : إنما هو عداء لا أساس له ..

أنا : ولكن يقال أنك تأثرت بهذه المذاهب ، وأصبحت تدين بالرجعة ، وتكفر جميع الأمة ، بل وقلت بيت شعر تشيد بعبادة النار :

الأرض مظلمة والنار مشرقة ** والنار معبودة مذ كانت النار

بل وتماديت حتى فضلت إبليس المخلوق من النار على آدم عليه السلام المخلوق من الطين :

أبليس أفض من أبيكم ** فتنبهوا يا معشر الفجار
النار عنصره وآدم طينة ** والطين لا يسمو سمو النار [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / 203 ، 204 ) ]


فطردك واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد من البصرة ؟!

بشار بن برد : كذبوا والله ، إنما هذا ما ينسب لي دون حقيقة .. وقد فتشوا كتبي ولم يجدوا شيء من يرمي بي ، بل وجدوا لي كتاب ( رسالة ) أقول فيها : ( إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم [ وفيات الأعيان : ( ج1 / 273 ) ]

أنا : حسنا .. بعد أن تمطردك من البصرة رحلت إلى حران حيث مدحت سليمان بن عبد الملك وكان هذا أول خليفة تمدحة ؟!

بشار بن برد : نعم وقد وصلني بخمسة لاف درهم ، فلم أرضها وانصرفت عنه مغاضبا ، ورجعت إلى العراق حيث يزيد بن عمرو بن هبيرة والي العراق وكان هذا يتعصب لقيس وكنت موالي لبني عقيل من قيس فأخذت أمدحه فكانت وكان يبرني لمدحي قيس وافتخاري بهم و يصلني بالعطايا حتى ارتفع ذكري [ الأغاني ج3 / ص 216 ، 234 وأنظر تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204].

أنا : وفي تلك الفترة تنهار الدولة الأموية أمام جحافل العباسيين ، الذين يعتمدون على الموالي بشكل كبير ؟!

بشار بن برد : كان هذا حق ، ورغم هذا فلم أفد على السفاح والمنصور ، ولكني أخذت أمدح خالد بن برمك الذي استوزره ثم ولاه ولاية فارس ، فأخذت أمدحه وكان يجزل لي العطاء والإكرام [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204، ص205 ، والغاني ج3 / ص149 ] ..

أنا : وقد بدأت في هذه الفترة تتغنى بشعوبيتك وتفخر بقومك [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204، ص205 ، والغاني ج3 / ص149 ] !!

بشار بن برد : وما شأنك أنت ؟

أنا : حسنا .. حسنا .. لا شأن لي .. ولنكمل مسيرتك تقول المصادر الأدبية أنك في تلك الفترة عدت إلى البصرة بعد وفاة عمرو بن عبيد [ ت 144 ] ، وقد حدثت ثورة العلويين بزعامة إبراهيم بن عبد الله سنة 145هـ والتي هددت العباسيين ، فمدحت إبراهيم بميمية رائعة ، ثم سريعا ما يقمع أبو جعفر المنصور تلك الثورة ، فغيرت في القصيدة وجعلتها مدح له [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204، ص205 ، والغاني ج3 / ص149 ] ...

بشار بن برد : حدث هذا بالفعل .. وكان هذا سببا في عدم وفودي إلى أبي جعفر المنصور ، وكنت في تلك الفترة أمدح ولاة البصرة وخاصة سلم بن قتيبة الباهلي ( والي البصرة من سنة 145-146) وعقبة بن سلم الهنائي الأزدي الذي وليها لأربع سنوات من سنة 147 إلى سنة 151 هـ . (12 ) [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]

أنا : وكنت في تلك الفترة تشبب بالنساء وتتغزل بهن بغزل مكشوف ، ثم تصدم بحماد عجرد وتنشب بينكما معارك هجاء حامية الوطيس [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]
[ يقول حماد عجرد :
ويا أقبح من قرد ** إذا ما عمي القرد
وقد أوجع هذا البيت بشار كثيراً ]



بشار بن برد ( وقد تغير لونه وبعد ذكري حماد عجرد ) : حدث هذا بالفعل ..

أنا : وقد توفي المنصور سنة 158 هـ ويتولى الخلافة المهدي ، فترغب في الوفود إليه ؟!

بشار بن برد : نعم ..وقد طلبت من يزيد بن مزيد الشيباني إيصالي للمهدي ، إلا أنه لم يفعل فيصلني به روح بن حاتم ، فأصل للمهدي وأمدحه ويكرمني .. [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]



أنا : ورغم هذا فقد فمنع المهدي من التشبب بالنساء والغزل الفاضح ، وأمرك بالكف عن هذا الغزل ..

بشار بن برد : نعم .. وقد كففت عن هذا ، وأخذت أردد في أشعاري تركي للغزل والنسيب ونزولي على أمر الخليفة [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]


أنا : وفي تلك الفترة من سنة 166 هـ يتعقب المهدي الزنادقة ويقتل منهم خلقا كثير ، فتلزم أنت البصرة اشفاقا على نفسك ، إلا أنك لا تصمت بل تأخذ في رثاء أصدقائك الذين يقتلون على الزندقة ؟! [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 206 ]

حتى تتعرض للقتل على الزندقة سنة 168 هـ وعلى يد المهدي ، وتكون هذه نهايتك وعلى الزندقة [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 206 ]
؟!

بشار بن برد : بل قتلني المهدي ظلما وعدوانا ..

أنا : بل شهد شهود أنك على الزندقة ..

بشار بن برد : كذب وعدوان .. ولا أساس لهذا .. لقد هجوت وزير المهدي يعقوب بن داود فقلت فيه :

بني أمية هبوا طال نومكم ** إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ** خليفة الله بين الزق والعود

وقد حرض هذا الوزير على المهدي فما أن سمع بهذا حتى نزل إلى البصرة فقط لقتلي لقولي هذا الشعر [ الاغاني : ج3 / 241 ]

أنا : ولكنه وجدك وأنت سكير تؤذن فقتلك على هذا بالسيط ( نفس المصدر ]

بشار بن برد : بهتان وكذب .. كيف هذا وقد بعث المهدي وبعد وفاتي ليبحث عن دليل على زندقتي فلم يجد إلا رسالة هي هذه :

بسم الله الرحمن الرحيم

أني أردت هجاء آل سليمان بن علي لبخلهم فذكرت قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم إجلالا له صلى الله عليه وسلم ..

فلما قرأ هذا المهدي بكى على قتلي وقال لا جزى الله يعقوب بن داود خيرا فإنه لما هجاه لفق عندي شهود علة أنه زنديق فقتلته [ الأغاني : ج3 / ص246 ]

أنا : حسنا .. الله أعلم بهذا الأمر هو الأعلم في كل هذا وهو الذي يحكم في يوم الدين بين البشر سبحانه وتعالى ما اجله ..

لم يبقى إلا أن نذكر بعض الشيء عن شعرك فقد اتفق جميع النقاد على أنك زعيم الشعراء المحدثين ويقول الجاحظ ليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه [ الحيوان : ج4 / ص454 ] وقال في البيان والتبيين : كان بشار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وسجع ورسائل وهو من المطبوعين أصحاب الإبداع والاختراع المفتين في الشعر القائلين في أكثر أجناسة وضروبه [ الأاغاني : ج3 / 137 ]..

وكان الأصمعي يقول يقول : بشار خاتمة الشعراء ، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كير منهم [ الأغاني : ج3 / ص135 ]
حتى قال أحدهم : عهدي بالبصرة وليس فيها غزل ولا غزله إلا يروي من شعر بشار ولا نائحة ولا مغنية إلا تتكسب به ، ولا ذو شرف إلا يهابه ويخاف معرة لسانه [ الأغاني : ج3 / ص142 ]
بل حتى قلت : هجوت جريرا فأعرض عني واستصغرني ولو أجابني لكنت أشعر الناس [ نفس المصدر ]


بشار : بل أنا أشعر الشعراء ـ لي اثنا عشر ألف بيت عين جيدة ، وهذا ما لم يصنعه أحد [ الأغاني : ج3 / 136 ]

أنا : حسنا نرغب أن تذكر لنا بعض من جيدك ؟!

بشار بن برد : نعم .. [ ثم أخذ يتفل عن يمينه ويصفق بإحدى يديه على الأخرى ويقول ]

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ** بحزم نصيح أو نصاحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ** فريش الخوافي تابع للقوادم
وما خير كف أمسك الغل أختها ** وما خير سيف لم يؤيد بقائم

وقلت :

هل تعلمين وراء الحب منزلة ** تدني إليك فإن الحب أقصاني

وقلت :

أنا والله أشتهي سحر عينيك وأخشى مصرع العشاق

وقلت :

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم ** الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

وقلت :

إذا كنت في كل الأمور معاتبا ** صديقك لم تلقى الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه ** مقارف ذنب مرة ومحانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ** ضمئت وأي الناس تصفو مشاربه

وقلت :

لم يطل ليلي ولكن لم أنم ** ونفى عني الكرى طيف ألم
روحي عني قليلا واعلمي ** أنني يا عبد من لحم ودم

وقلت :

كأن مثار النقع فوق رءوسنا ** وأسيافنا ليل تهوي كوكبه
بعثنا لهم موت الفجاءة إننا ** بنو الملك خفاق علينا سبائبه

وقلت :

إذا ما غضبنا غضبة مضرية ** هتكنا حجاب الشمس أو تمطر دما
إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ** ذرى منبر صلى علينا وسلما

أنا : جميع ورائع ما أجملها من أبيات ، ولكن ورغم هذه الأبيات الجميلة فقد قلت :

ربابة ربة البيت ** تصب الخ في الزيت
لها عشر دجاجات ** وديك حسن الصوت

بشار بن برد : أنم هذا مداعبة لجاريتي ، وذاك جدا فأنها أصفها بهذا وهذا عندها أجمل من :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل [ الأغاني : ج3 / ص156 ]

أنا :لم يبقى إلا أن نذكر إلا قصيدة حمارك أحببنا أن تذكرها لنا في الأخير ..

بشار بن برد ( ضاحكا ) : نعم .. نعم ..
مات حماري فرأيته في النوم فقلت له : لم مت ؟ ألم أكن أحسن إليك فقال :

سيدي خذ بي أتانا ** عند باب الأصبهاني
تيمتني ببنـــان ** وبدل قد شجاني
تيمتني يوم رحنا ** بثنياها الحسان
وبغنج ودلال ** سل جسمي وبراني
ولها خد أسيل ** مثل خد الشيفران
فلذا مت ولو عشـ ** ـت إذاً طال هواني

ولا تسألني ما الشيفران فهذا من غريب الحمير [ الأغاني : ج3/ص229 ]

أنا : هههه.. ذكرني هذا بقصة أحد اللغويين المتحذلقين ، فقد قصد هذا نخاس الحمير في سوق بغداد سائلا إياه أن يبحث عن حمار هذا وصفه كما قال :

( لا هو بالكبير المشتهر ولا بالصغير المحتقر ، إذا رأى الزحام ترفق ،وإذا خلا الطريق تدفق ، وإذا زدت علفه شكر وإن أقللته صبر )

فرد النخاس طالبا من هذا أن يتحلى بالصبر حتى يمسخ الله القاضي حماراً فيشتريه له ..
وأزعم أن حماركم هذا يحمل هذه المواصفات دون شك أو ريبة ..

لا يسعنا أديبنا في نهاية اللقاء إلا أن نشكرك على هذا الحوار ..

جزاك الله خيرا أخي الطارق،، و شكرا لك على روائعك التي تتحفنا بها دوما.
بخصوص الأبيات الأخيرة،،فهناك رواية أخرى لها:
سيدي مل بعناني،،،،نحو باب الأصبهاني
إن بالباب أتانا ،،،،،،،،فضلت كل أتان

وبقية الأبيات كماهي.

تحياتي أخي العزيز

بل الشكر لك أخي الكريم
على متابعتك الكريمة ..
ومساهمتك الطيبة ..

كثير ما تجد مثل هذه الأختلافات
في رواية الأبيات في الأدب العربي ..
ولا أدري ما السبب في هذا !!

لربما كان التصحيف أكثر أسباب هذا !
ولكن في هذه القصة يبدواأن التصحيف لا علاقة
له بهذه الأبيات !

ويبدولي أن مرجع هذا اختلاف الروايات :)

تحياتي أخي الكريم
وجزاك الله خير الجزاء ..