|
عضو نشيط جدا
|
|
المشاركات: 691
|
#9
|
ضمّهما بهدوء ركن من المتجر ذاته، شابّان لم تترك الحياة آثارها عليهما بعدُ، كان يدور حولها يعلّق عليها ورق الزينة و هى تضحك ملء قلبها حبوراً، غبتُ عمّا حولي و رأيتنا فقط، أنت و أنا و فرحة العيد في هذين الشابين، رأيتنا فيهما يا صغيرتي، عندها لم استطع منع دمعة طفرت من عيني و أنا أرقب تلك النظرات العميقة سكوناً و سكينة في أعينهما، تلك السعادة التي لا تتركك إلا قرير العين، رضيّ النفس، أذكركِ، أذكرك يا راحلة و أذكر تلك النظرات التي سلبت مني الروح، و سكنتِ بهما العقل و القلب، فلا أرى في الوجوه إلاّك.
مكثتُ أرقب العاشقينَ زمناً و هما ذاهلان عمن حولهما، كدتُ أقوم من مقعدي و أتوجه إليهما أوصيه بها لولا أن تمالكتُ نفسي في اللحظة الأخيرة، أوصيه بأن يُرضيها و يصونها ، فلا يدري أي وقتٍ آتٍ سيخطفها منه، كما فعلتِ أنتِ و تركتني و ما استوعب العقل بعدُ متى رحلتِ، أين أنتِ ؟، من خطفكِ مني أيتها الراحلة؟، من فجعني بتلكما العينين الرائعتين فاختفا من حياتي و تركتاني للظلام ينهشني و يوحشُني؟.
في أيامنا التي خلت ، أهلّ علينا العيد و نحن في ضيق و عوز، كنّا في بداية حياتنا الجميلة، فكان حتى الضيق و الفقر في أعيننا جميلا هانئاً، كل أمورنا كانت تُشعرنا بالرضى لأننا معاً، ما كنتُ أحسُّ أنَّ شيئاً ما ينقصني على رُغم الكثير الذي ينقصني، و ما كنتُ أشعر بسخطك على رُغم معاناتك التي جاهدتِ في إخفائها عني، فأهنأ برضاكِ و بكِ و تقرّ عيني بهبة السماء لي فيك.
حين أتى العيد، أُسقطَ في يدي، لم أطق فكرة أن يمر عيدك بدون ذكرى تبقى لك منه، و تكون وصمة لهذا العوز يَصمُني بها إلى لأبد، تحذيراتك الدوؤبة والدائمة أن لا نهدر مالنا في الهدايا كانت تلاحقني دوماً، و كأنك كنتِ تشعرين بما أخطط له " سيأتي زمانٌ نشبع فيه من الهدايا، لا تشغلك هذه الأمور الآن، انتبه فقط لنفسك و عملك"، آهٍ يا غالية، أما كنتِ تعلمين أنّك هديتي الثمينة ، وأنك أروع ما امتلكته في أيامي الماضية و القادمة ، أما كنتِ تدركين أن بسمتك الحنون هى كل ما أتمنى و إِن دفعتُ لأجلها مال الدنيا كله، و إن ضحيتُ من أجلها بحياتي كلها، بالتأكيد كنتِ تدركين كل هذا، إنّما قلبك الطيب هو من يدفعك للحدب علىّ و الخوف من أن أتحمل ما لا أطيقه من مصاريف، كانت عبارتك السابقة ترافق صباحاتي و أنا ذاهبٌ إلى العمل و راجعٌ منه، تكررينها على مسمعي حتى لا " أتهور" كما تقولين و أضعنا باقي العام في موقف محرج بين الأهل و الأصحاب.
كان يُذكر العيد و مواسم الهدايا بين العمال ، فأتذكرك، و أتذكر قولك، فيزيد همي و يعظم كربي ،" لا تنس، نريد أن نسدد بقية الدين الذي علينا هذا العام، من أجلي يا حبيبي، لا تسرف في الإنفاق فيما ليس بضروري، نريد أن يُصبح البيت ملكنا بدون دين أو ديّان يذكرنا أنه لا زال له فيه نصيب، بعدها أيّها الحبيب، سيكون كلُّ يومٍ عيداً"، تواسيني يا صغيرتي الحنون بكلماتك الدافئة، تجاهدين في إخفاء أي طارئ يطرأ لكِ، تبالغين في الاقتصاد و التدبير الحكيم، و الغريب أنك كنتِ تديرين مملكتنا الصغيرة وبيتنا الذي يرزح تحت الديون و كأننا ملوكاً لا ينقصنا شئ، كنتُ أشعرُ بكل ذلك و أكتمُ غصّة تجرح دواخلي أني لا أملك ما أكللّك به أميرة لمملكتك الصغيرة، لبيتنا الريّفي الذي حولته إلى جنّة لنا على الأرض، ما كان لنا راحة إلا فيه، و ما كان لنا سكينة إلا فيه.
.
.
.
.
|
|
17-02-2007 , 11:21 PM
|
الرد مع إقتباس
|