ترجمة العلامة / النعمان الآلوسي .... مؤلف كتاب جلاء العينين

إن الأمة الإسلامية أنجبت وما تزال تنجب رجالاً يعملون للإسلام في شتى المجالات وفي

مختلف الأقطار ومن تلك الأقطار التي كانت ثغراً من ثغور الإسلام القطر العراقي الذي للأسف

لم نعرف ما فيه من أئمة وأعلام ومن كنوز للتراث ولذلك رأيت لزماً علي أن اذكر ولو علماً

من أعلام هذا القطر وقبل أن أسوق الترجمة انقل كلاماً للخطيب البغدادي عن بغداد الأمس

فقال : ((لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة أمرها وكثرة علمائها وأعلامها

وتميز خواصها و عوامها )).

وأما من نحن بصدد ترجمته هو النعمان الآلوسي فهو أبو البركات السيد نعمان خير الدين

أفندي بن أبي الثناء الآلوسي ونسبه من جهة أبيه يرجع إلى الحسين بن علي بن أبي طالب

رضي الله عنهم وأما نسبه من جهة أمه فيرجع إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله

عنهم(1) والآلوسي نسبة إلى ألوس وهي جزيرة تقع وسط الفرات(2) .

وأما والده أبو الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي فهو مؤسس هذه الآسرة والمظهر الأول

لنبوغها وكان مؤسس المجد العلمي والأدبي في العراق في عصوره الأخيرة بلا منازع ومن

العجيب انه ألف وهو ابن ثلاث عشرة سنه ثم نصب بعد ذلك مفتي الحنفية ببغداد ومن أراد أن

يقف على نبوغه وعلمه فليرجع إلى تفسيره الذي طار في الآفاق المشهور ب{روح المعاني} .

وولد النعمان في يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم الحرام من السنة الثانية

والخمسين بعد المائتين والألف من الهجرة في بغداد(3).

قال العلامة محمد بهجة الأثرى :نشأ بفطرته حر الضمير نير البصيرة ورُبي على الآداب

الإسلامية الفاضلة ولولا أن يتيح الله له من ينمي فيه قوة الاستعداد ويربي في الجملة ملكه

الاستقلال فيه [وهو والده وتلميذة السلفي أمين الواعظ]لغلبه جمود البيئة وأستحوذ عليه

الخمول(4).

وأما عن طلبه للعلم فقد بدأ كماهوشأن العلماء بحفظ القرآن الكريم ثم قرأ المتون المستحسنة

وحفظ ألفية ابن مالك وقرأ شرحها لابن الناظم ومغني اللبيب وغير ذلك من سائر العلوم كعلم

الفقةوالنحو والصرف والمنطق و العلوم الرياضية والنقلية والعقلية على والده وعلى أمين

الواعظ وبعض تلامذة والده(5)

وكان منذ صباه شغوفاً بالمطالعة مائلاً إلى جمع الكتب النادرة فوفق لجمع مكتبة حافلة عامرة

وكان فيها ما يزيد عن ألف كتاب وقد أوقف كتبة على مدرسة مرجان وجعل قيما عليها أحد

فضلاء الآلوسيين(6).

وأما عن أعماله ومناصبة(7) :فقد تولى مناصب عدة وأعمالاً جليلة قام بها خير قيام فكان

محمود السيرة فقد تولى القضاء في بلاد متعددة منها الحلّة واشتغل بالتأليف و بالتدريس وذلك

من سن العشرين وكان الناس يزدحمون على السماع من سائر البقاع فيجتمع في درسه ألوف

مؤلفه.

وفي سنه (1295هـ) سافر إلى القاهرة من أجل النهوض بطبع تفسير والده {روح المعاني}

ورحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وأفاد في هذه الرحلة إلى هذين البلدين التعرف على كبار

العلماء وأطلع في القاهرة على تفسير العلامة صديق حسن خان وكان يطبع في المطبعة

الاميريه فراقه منزعه إلى الاجتهاد ثم أطلع في مكة على كتب أخرى من تأليفه فاعجب بها

فكتب إليه يستجيزه ويذكر له تعلقه به ثم أهدى النعمان إليه كتابه القيم {جلاء العينين}ورغب

إليه في طبعه وطبع تفسير والده{روح المعاني}فاستجاب له.

وفي سنه (1300هـ)رحل إلى اسلامبول"اسطنبول" يستعيد ما اغتصبته أيدي الجور من

أوقاف مدرسه مرجان وفي طريقه مر ببلاد الشام والأناضول واجتمع بعلمائها فأجيز وأجاز

وبالغ رجال الدولة العثمانية في تكريمه وكان موضع تكريم السلطان عبد الحميد الذي أمر له

بمراتب عالية وأصدر أمره باعاده مدرسه مرجان إليه وبعد سنتين عاد إلى بغداد فتصدر

للتدريس بمرتبة رئيس المدرسين وفي ذلك انفق أوقاته كلها فكان يذهب إليها صباحاً ويعود إلى

بيته وقت الغروب(8).

أما عن عقيدته ومذهبه فقد اجمع كل من ترجم له انه كان سلفي المعتقد حنفي المذهب(9)

ولكن كانت عليه أخطاء وكل ابن أدم خطأ فمما لوحظ عليه انه كان يثني على بعض الملاحده

كابن عربي وابن سبعين والحلاج وابن الفارض(10) وأيضا لم يسلم من اثر الجمود في البيئة

عليه حيث كان ذلك واضحا في بعض مؤلفاته:كغالية المواعظ والإصابة في منع النساء الكتابة(

11)

وكان من الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر لاتاخذه في الله لومه لائم ومن ذلك انه كان

في كل سنه يجلس في شهر رمضان للوعظ في إحدى المساجد الواسعة فيقصد من أطراف البلد

حتى يغص المكان بالمستمعين فاتفق له في رمضان سنه (1305هـ) أن استطرد في مجلس

من مجالسه بحث سماع الأموات فذكر ما قاله الحنفية من عدم سماع الموتى كلام الأحياء فقام

حشويه بغداد وقعدوا وأنكروا عليه هذا العزو وكادت تقع فتنه ولكنه بدهائه وحلمه سكن

ثائرتهم فجمع في اليوم الثاني كل ما لديه من كتب المذاهب الأربعة ارتقى كرسي الوعظ وقد

احتشدت الجموع فأعاد البحث وصدع بالبيان ثم أخذ يتناول كتابا كتاباً فيتلو نصوص العلماء ثم

يرمي بها إلى المستمعين ويصرخ:هؤلاء علماؤكم فان كنتم في ريب فدونكموهم .حتى إذا فرغ

نهض واخترق الجموع فاقبلوا إليه يقبلون يديه ويعتذرون إليه فكان ذلك سبب تأليفه لكتابه

{الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات}( 12).

وكان رحمه الله حلو المفاكهة لطيف المحاضرة حسن السيرة سمح الخلق بشوش الوجه

حسن اللقاء نزيه القلم شديد التحري للحق جواداً معطاء ورعاً زاهداً منشطاً لأهل العلم وكان

رحمه الله جوزي زمانه في الوعظ والتذكير وكان أبيض اللون يميل إلى الصفرة ربعه نحيف

الجسم(13).

وتوفي رحمه الله في صبيحة يوم الأربعاء السابع من محرم سنة (1317هـ ) في بغداد ودفن

في مدرسة جامع مرجان بجوار قبر أبية(14).

رحم الله النعمان على ما بذل لخدمة الإسلام وغفر له .

وسيكون للحديث بقية-أن شاء الله - عن مؤلفات النعمان الآلوسي المطبوعة والمخطوطة

وكلام العلماء عليها .

والله اعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبة أجمعين .

****
الهوامش :
1
(1) المسك الاذفر لمحمود شكري الآلوسي 110،الآيات البينات للنعمان الآلوسي42

(2) المسك الاذفر 8-9 ،معجم البلدان لياقوت الحموي1/292،كنز السعادة لمحمود شكري

الآلوسي11 ،المعاصرون لمحمد كرد علي42، الأعلام للزركلي 7/176.

(3)المسك110،الأعلام الشرقية لزكي مجاهد /419 ،حلية البشر للبيطار3/1572،معجم

المؤلفين13/107.

(4)الآيات البينات42

(5)التاج المكلل لصديق حسن خان514 ،المسك 111 ،حليةالبشر3/1572.

(6)حلية البشر3/1571-1572،معجم المؤلفين لكحالة 13/107،المسك115،محمود

شكري سيرته وأراه اللغوية لمحمد بهجة الآثري42.

(7)المسك112

(8)الاعلام8/42،المسك111-112،معجم المؤلفين13/107،الأعلام الشرقية 1/491

،محمود شكري سيرته وآرواه اللغوية42.

(9)المسك 111،غاية الأماني في الرد على النبهاني لمحمود شكري الآلوسي436

هديةالعارفين6/496

(10)جلاء العينين للنعمان الآلوسي 4

(11)الآيات البينات42

(12)الآيات البينات 43

(13)المسك115

(14)المسك111،التاج المكلل515،تاريخ علماء بغداد ليونس إبراهيم 695-696،حلية

البشر1/419، الأعلام الشرقية1/419.