العودة سوالف للجميع > سوالف شخصيه وثقافيه ادبيه > سوالف الأدب والثقافة > قسم الكـــــــــــتـــــاب > 'شنغهاي بيبي' للصينية وي هيوي
المشاركة في الموضوع
أبو يحى أبو يحى غير متصل    
عضو نشيط جداً  
المشاركات: 361
#1  
'شنغهاي بيبي' للصينية وي هيوي

"شنغهاي بيبي" هي الرواية التي ورد ذكرها في خضم المناقشات حول رواية "بنات الرياض" للسعودية رجاء الصانع. لكن الذين اتهموا الصانع بأنها "اقتبست" الرواية الصينية او "قلّدتها" او "استعانت" بها، إما أنهم لم يقرأوا احدى الروايتين وإما لم يقرأوا اياً منهما! المهم ان رواية الشابة وي هيوي التي صدرت في الصين في ايلول 1999، نكتشفها اليوم "مترجمة" الى العربية لدى "منشورات الجمل". الرواية منعتها الحكومة الصينية في نيسان 2000 بسبب "تعبّدها للافكار الغربية وطريقة تصويرها المنحطة للجنسانية النسائية"، واعتبرت كاتبتها "منحطة، فاسقة وعبدة للثقافة الغربية". ولم تتوان الحكومة اثر ذلك عن حرق اربعين الف نسخة من الكتاب في الساحات العامة، مما دفع بالرواية، التي كانت اصلاً تباع في شكل جيد، الى تصدّر لوائح الكتب الاكثر مبيعاً في العالم.

تنتمي وي هيوي الى جيل من الصينيات اللواتي يطلق عليهن لقب "الكاتبات الجميلات"، نذكر منهن، الى هيوي نفسها، ميان ميان صاحبة الرواية التي اثارت بدورها ضجة حولها "السكاكر الصينية". وغالباً ما يتهم الكتّابُ الأكثر "جدية" هؤلاء الكاتبات بالانحلال والسطحية. من حيث القيمة الادبية، قد تبدو "شنغهاي بيبي" لقارئ متسرّع اشبه بالروايات العاطفية الرخيصة التي تتمحور عقدتها الرئيسية حول حبيبين وعشيق يدخل على الخط. تضاف اليها محاولات مفضوحة لتحميل الحوادث المبتذلة ابعاداً فلسفية لا تتحملها، فنصير امام توليفة مبنية على "حب وجنس وروك اند رول" مزيّنة باستشهادات لكتّاب غربيين لاضفاء بعض العمق الفكري على الوصفة. من هنا يصبح من غير المستغرب ان نقرأ على الشبكة تعليقات من نوع: "لا اعرف ما هو الفضائحي في هذه الرواية (...) لو كانت الكاتبة فرنسية لوجدت روايتها متوسطة القيمة وليست ذات اهمية تذكر". لكن النظرة المتأنية التي تعيد الرواية الى سياقها الزماني والمكاني، تظهر ان قيمتها وإن لم تكن بحثاً فلسفياً او روحانياً او فنياً عميقاً، تكمن في انها شاهدة على تحولات جيل من الشباب الصيني، ومدينة تغلي بصمت كبركان على اهبة الانفجار العولمي.

من حيث التركيب الروائي، تأتي البنية افقية السرد، بسيطة وبغير تعقيد، في حين أن اللغة تراوح بين شاعرية خفيفة ونبرة تخففية شبابية. هذا كله في ايقاع لا ينجو احياناً من بعض الرتابة. نيكي، قرينة الكاتبة، شابة في الخامسة والعشرين، يدعوها اصدقاؤها كوكو اسوةً بكوكو شانيل، "نموذجي في الحياة بعد هنري ميلر"، تقول. درست الادب الصيني في جامعة فودان في شنغهاي، لكنها تشتغل في مقهى حيث يمكنها مراقبة الناس، وتعمل على كتابة رواية تريدها ان تكون بست سيلر تحقق لها شهرة كبيرة: "لقد اصبح طموحي وتقريباً سبب وجودي ان انفجر في المدينة مثل الالعاب النارية. ان لهذا علاقة كبيرة بالحياة في مكان مثل شنغهاي"، في نهاية التسعينات، مدينة تعيش على حافة القرن الجديد، عند التقاطع بين الامس واليوم. يتجاور فيها مجتمع كونفوشيوس الفاضل بالشركات المتعددة الجنسية. مدينة على غرار نسائها وشبابها تبدو كأنها تنبهت فجأة لجسدها، فإذا به يستيقظ حاراً وشهوانياً، لتعيش طقوسه من دون ان تفقد روحها. نحن امام تناقضات تطاول المدينة كما الافراد في حياتهم الحميمة: الحب في مقابل الرغبة، القديم في مقابل الحديث، الروحانية في مقابل المتعية، الشرق في مقابل الغرب.

في هذه المدينة "المهووسة باللذة والمتع"، الكوزموبوليتية التي تضج بالحياة ليلاً ونهاراً، تجسد حياة كوكو العاطفية والجنسية هذه التناقضات. فبين حبيبها تيان تيان، الفنان الهش، المرهف والانطوائي الذي يأتي عجزه الجنسي ليكمل الهالة الملائكية حوله، ومارك العشيق الالماني الذي تستعيد بين يديه جسدها، تبدو كوكو رمزاً لبلاد متنازعة بين "ماض ايروتيكي" وروحاني و"حاضر استهلاكي" مادي حديث. الجسد، بدوره، في تعامله مع اللذة، نراه يخرج من اكتفائه الذاتي القسري في العلاقة مع الحبيب العاجز، كما لو انه بات اكثر قابلية للتبادل مع الخارج. كمثل الصدى لمدينة تعيش الايام الاخيرة من انغلاقها على ذاتها، مستسلمة للرغبة الحيوية باستكشاف الغرب ادباً وموسيقى وقيماً فنية. فإذا بهذه القيم تحضر في النص كثيفة ومتواترة.

في فلك كوكو وحبيبها تدور شخصيات تشكل نموذجاً لجيل "لا يفتأ يبحث عن المزيد من اشكال الاثارة الجديدة"، رافضاً كل انواع النمطية او التأحيد. فنانون، فنانون مزيفون، مثليون، متحولون جنسياً، سحاقيات، هامشيون متعطشون للحياة، يعيشون هامشهم كما لو أنه مركز ثقل العالم. كائنات ليلية، هاربة الى النوادي وسهرات الرقص والجنون، حيث تجتمع الماريجوانا مع الشعر والموسيقى الغربية، كلاسيكية أكانت ام من الجاز والروك. لكنهم خلف هذا الجموح واسلوب الحياة النزق، مرهقون يفتشون عن ذواتهم بـ "الولوج عميقاً الى احشاء المدينة مثل حشرة تغوص في اعماق تفاحة"، فيكون مصيرهم إما الموت كـ"تعبير عن الارهاق، وحل يتم التوصل اليه عقلانياً عندما يدرك الشخص عمق اعماقه من التعب" على ما يقول تيان تيان، وإما الوصول الى ما يشبه الانعتاق.

هم، في اسلوب عيشهم وثورتهم على التقاليد، التي لا تبلغ حد القطيعة التامة، اقرب الى الغرب في ستينات القرن الماضي. معهم، تستعيد رموز، مثل جيل البيت او البيتلز، كل حيويتها، لتبدو آنية اكثر من اي وقت مضى. ومن هذه الرموز ينطلقون صوب ثورتهم الخاصة، بريئين حتى الموت، صادقين حتى حدود التدمير الذاتي. في مقابل مجتمع الفولاذ، يستعيدون روحانيات زمن مضى، وفي الوقت نفسه يتركون لأجسادهم أن تقودهم عبر الملذات والغرائز والشهوات، كما لو أنهم خفافيش ليلية، الأجساد هي وسيلة الاستشعار لديهم. لكن هذا لا يحصل من دون ألم او شعور بالذنب، مثل حالة كوكو مع مارك التي تصل الى حدود كره الذات. فهي على غرارهم جميعاً، باستثناء تيان تيان الذي يبدو خارج المنظومة الحياتية نفسها، شخصيتها خليط من بقايا زمن ينسحب بثقل واهن، وآخر يطل كما لو متسللاً من تحت. نراها تعيش الكتابة حيناً كتجربة صوفية، واحياناً كوسيلة لتحقيق الشهرة والمال. لكن تجربتهم مع الحياة تشبه وصف تجربة تيان تيان مع المورفين، حين يتحدث عن "شعور مسكر، خفيف كالهواء، دافئ كالرحم ومسمّم في الوقت نفسه".

تكاد تكون مشكلة الكتاب الوحيدة ترجمته السيئة جداً، لا اكثر ولا اقل. اذ تأخذ من وهجه وتشتت القارئ الذي يجد نفسه فجأة يلعب دور المصحح اللغوي لاخطاء، بينها البسيط والاكثر خطورة، حتى لو شاء لن يتمكن من تجاهلها. الى ذلك فالترجمة حرفية في شكل صارخ ومفضوح الى درجة انه يمكن بوضوح ان نرى النص الانكليزي الذي جرت الترجمة عنه من خلال كل عبارة، من مثل: "من الصعب ان اضع اصبعي على ذلك الذي جعله جذاباً جداً" to put my finger on، او "لقد انتقلت الى مكان تيان تيان" to his place، "حقيقي؟" really?، "بعد كل شيء" after all،... فضلاً عن الجملة التي حافظت على تركيبتها الانكليزية مما يجعل الوقوع على عبارات اشبه بالسفسطة اللغوية شيئاً متواتراً: "لقد حصل الامر شيئاً ما هكذا"! وكان يكفي الاطلاع سريعاً على النسخة الفرنسية للرواية لكي نكتشف الفرق الشاسع في ما يقوله النصّان. هنا ايضاً نورد مثالاً لجملة واحدة: pas de traces de bleues dans le jazz، "لا ظلال زرقاء لموسيقى الجاز". ونكتفي بهذا القدر لنقول ان كل هذه الاخطاء التي تمتد من اول صفحة حتى آخر صفحة، تجعل قراءة الكتاب عملية شبه مستحيلة، ولولا النسخة الفرنسية لما تمكنّا من الاحاطة بالكتاب إحاطة ترفع الظلم المحتمل عنه.

تنجح الرواية، رغم بعض الافكار - الكليشيهات التي لا تسقطها مع ذلك في الخطاب النسوي التحرري الفج، في تقديم صورة عن مدينة تفور، في بلد مثقل بإرث حضاري وتاريخي. بلد بقي طوال عقود حمراء اسير نظام تأحيد منغلق، انطبعت عنه في لاوعي كل غريب وناظر من الخارج صورة جماعية لأجساد تبدو في تشابهها مستنسخات ذات ملامح واحدة باهتة. لكن هذه الاجساد نراها هنا تخرج من الجماعة الى الحيّز الشخصي لتعلن فردانيتها. كأن الصين ما بعد الماوية، تعيش ثورتها، بعد الثورات السياسية والاجتماعية والثقافية، او بالاحرى ثوراتها الفردية.

أبو يحى غير متصل قديم 22-02-2006 , 06:03 PM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML غير متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.