العودة سوالف للجميع > سـوالـف الجمـيــــــــع > ســـوالف الأصــدقـاء العامـــة > ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ..!! )
المشاركة في الموضوع
بو عبدالرحمن بو عبدالرحمن غير متصل    
مبدع متميز  
المشاركات: 5,287
#1  
( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ..!! )
قال الراوي :
زرتُ منذُ سنواتٍ بلداً عربياً عريقاً ،وتجولتُ في كثيرٍ من نواحيهِ متأملاً متفكراً ،
ثم قادني مرافقي من أهل البلد ذات يوم إلى منطقةٍ عراء ،
ليس فيها سوى تلال وخرائب وبقايا أطلال قديمة متناثرة
وفي جوانب منها أكداس مما يرميه أهل القرى المجاورة من فضلاتهم !!

كان المشهد يثير في النفس نوازع شتى ، وأخذ مرافقي يشير إلى هذه الأرض
وهو يقول وفي نبراته أشجان قلب يعتصر ، وروح والهة :

تذكر كتبُ التاريخِ أن هذه البقعةِ من الأرض كانت ذات يوم
مليئة بالحياة والحيوية ، ففوق هذه الأطلال أقيمت قصور تحولت إلى قبور.!
كانت هاهنا مدينة تتمتع بالشباب ، وتباهي غيرها بجمالها
كانت تستقبل وفود الزائرين إليها من كل أنحاء الأرض
وكانت قوافل التجار لا تنقطع عنها ،
وكانت مهوى قلوب طلاب العلم يقصدونها من كل فج عميق ..
ثم دارت عليها الدائرة ، ومضت عليها سنن الله تعالى
وعفا عليها الزمن ، فإذا هي اليوم كما ترى ،
قاعاً صفصفاً ، وأرض بلاقع ، تصفّر في جوانبها الريح
وتأوي إليها البوم وهوام الأرض ،
وتحلق في سمائها الغربان تبحث عن بقايا جيف !!


قال صاحبي وهو يتنهد :
هذه البقعة كانت يوماً كالزهرة تهتز على غصنها ، فكانت تثير الفتنة لما حباها الله من جمال ..
لقد ارتجت بالسلاطين والأمراء والأغنياء والتجار والعلماء
وملأها العبيد كذلك وذلهم ، والفقراء وضعفهم ،
وماجت بصنوف الناس من كل لون ،
بين غني وفقير ، وقوي وضعيف ، وصالح وطالح
وتقي وفاجر ، ومؤمن ومنافق ، ومصلح ومفسد ،
وبرز بين ظهرانيها جبابرة ملأوا القلوب رعباً ،
تهتز بحركتهم جوانب الأرض التي يسيرون عليها !!
يرون أنهم على هذه البقعة كقارون في قومه ، يخرج بزينتهفتعربد القلوب الفارغة وهي تتطلع في نهم إليه ..!


وفي المقابل : ظهر على هذه الأرض أمراء مصلحون
سعوا لإقامة الحق ، ونشر العدل ، وتعميم الخير ..
غير أن الغلبة على هذه الأرض في أواخر حياتها كانت لأهل الشر

فعربدوا فيها ، وتجرأوا عليها .. فكانت النتيجة الطبيعية المتوقعة :
أن يبدل أمنها خوفاً ، وعزها ذلا..!
ذهبت تلك الأيام بما فيها ، واصبح الكل رميماً ،
وأخذت الديدان ترتع في تلك الوجوه النضرة ..!
فيا عجباً للقدر كيف فعل بها فعلته ، فأمست خراباً بعد عمار ،
وموتاً بعد حياة ، وهموداً بعد حركة وحيوية ..!

ثم جاء أناسٌ آخرون بجيل جديد ودماء جديدة ،
غير أنهم لم يعتبروا بمن مضى ،
فإذا هم يكررون فصول الرواية ذاتها فصلاً فصلا ، مع إضافات جديدة سيئة ،
فكان الهزل أكثر من الجد ،واللهو أكثر من العمل ، والمجون هو الغالب ..!
حتى أمست الرذيلة هي الأوسع انتشاراً ..!


تغيرت أسماء الناس ، وبقيت الأحداث هي هي مع شيء من التنقيح السيئ!
لم يستفد هؤلاء الخلق مما مر بأسلافهم
فكأنما أصيبوا بالعمى فلا يرون ، وبالصمم فلا يسمعون ، وبالبله فلا يعون ..!

( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
)

وكأنما حسبوا وتوهموا أن الموت إنما كُتبَ على غيرهم
ولن يطرق أبوابهم ..! ومر بسواهم ولن يمر بهم !!


وأمهلهم الله حيناً من الدهر ، لعلهم يراجعون أنفسهم
لكن القوم تمادوا ، وأعلنوا حربهم على الله سبحانه
فجاءهم قدر الله في موعده المحدد ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر
وجعل عاليها سافلها ، وأصبحت شذر مذر ...!!
ومزقهم الله شر ممزق ، وحصدتهم مناجل الأعداء حصداً ،

فسالت الدماء سيولا وأنهارا ، وتفنن الأعداء في إذلال الخلق ..!
وأفضوا إلى الله بما قدموا من مخازٍ ،
وسيحاسبهم الله على مثاقيل الذر ..!

قال الراوي : وسكت صاحبي سكتة طويلة وهو يحدق بعيدا ،ولمحت في عينيه دمعات تترقرق ..
ثم عاد يقول :

طواهم النسيان في عالم البشر ، واصبحوا سطرا في كتب التاريخ
وهم الذين كانت رؤوسهم تهتز في غرور .!
وكروشهم ترتج بالكبر ، وألسنتهم تنطق بالعنجهية !!
وكان يصعب على أكثر الخلق أن يرفع إليهم رأساً إذا مروا !!
واليوم هاهم تحت هذه الخرائب ، وبين هذه الأنقاض ..!
لم يحملوا معهم شيئا من تلك الدنيا التي كانوا بها مفتونين !
هاهم اليوم في عالم البرزخ ، وقد يطول بهم المقام ،
وهم في حساب متجدد ، وعذاب متواصل ،
ويعفو الله عن كثير ..

يحاسبهم الله عن كل خطوة ، وعلى كل كلمة ، وعن كل موقف !

وقد حدثنا الحبيب المحبوب محمد صلى الله عليه وسلم
أن القبر إما روضة من رياض الجنة ، يسعد فيه المؤمن
ويلهج بالدعاء أن يقيم الله الساعة لينتقل إلى أهله وصحبه
وقصوره وأنهاره ، بل إلى رضوان من الله أكبر ..!
وإما حفرة من حفر النار تتلهب على صاحبها !
ويتمنى أن يموت ولا يبعث ، بل يتمنى أن لو كان تراباً لا إنساناً ..
ولكن هيهات ..!

قال الراوي :
والتفت إليّ صاحبي هذه المرة وكانت دمعاته قد انسابت على خديه
فأخذ يمسحها بكمه ، ثم أنشأ يقول بصوت معبر شجي :

أتيتُ القبورَ فناديتها ** فأينَ المعظمُ والمحتقرْ ؟
وأينَ المُدلّ بسلطانهِ ** وأينَ الكبيرُ إذا ما افتخرْ ؟
فنوديتُ من جانبٍ والأسى ** وأحزانُ قلبٍ به قد ظهرْ :
تفانوا جميعاً فما مخبرٍ ** وماتوا جميعاً ومات الخبرْ
تروحُ وتغدو بناتُ الثرى ** تشوّه معالمَ تلك الصورْ
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا ** أما لك فيما مضى معتبر ؟


قال الراوي :
بعد هذه الحادثة بأيام معدودة عدت إلى بلدي، ولا يزال وقع هذا الدرس عميقا في نفسي ،
وصداه يتردد بقوة في قلبي وعقلي وحسي ..

ومن عجيب لطف الله بي أنني حين كنتُ في الطائرة
معلقٌ بين الأرض والسماء تذكرت تلك البقعة وحديث صاحبي
فجاشت نفسي ، وحنت إلى ذكر الله بقوة وانفعال ،
فسارعت أخرج مصحفاً كان في حقيبة يدي ،
وفتحته بطريقة عشوائية فإذا عيناي تقعان مباشرة
على قول الحق تبارك اسمه :

( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) .

وأحسست أنني أنتفض من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي
وتندت عيناي بالدموع .. ثم أخذت ألهج بالدعاء في ضراعة .


بو عبدالرحمن غير متصل قديم 06-08-2007 , 05:25 AM    الرد مع إقتباس
بشاير بشاير غير متصل    
مراقبة سوالف الاصدقاء قلب زايد  
المشاركات: 7,838
#2  

قال تعالى (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) سورة هود

وما هي من الظالمين ببعيد ... هذا ما يجعل الواحد يتفكر ويسأل الله أن لا يؤاخذنا بكثرة ذنوبنا وأن يغفر لنا ويرحمنا

أسأل الله أن يجزيك الفردوس الأعلى من الجنة أخي أبوعبدالرحمن وأن يبارك فيك أينما كنت

بشاير غير متصل قديم 07-08-2007 , 12:29 PM    الرد مع إقتباس
أسد الدين شيركوه أسد الدين شيركوه غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 214
#3  
أبو عبد الرحمن
ألمس في هذا الموضوع أهمية الصحبة الصالحة ،، وكيف أنها معينة على القرب من الله ..
جزاك الله خيراً حيثما كنت ،،

أسد الدين شيركوه غير متصل قديم 13-08-2007 , 10:54 AM    الرد مع إقتباس
شهرناز شهرناز غير متصل    
كاتب فعال فيه أحلى من طيبة الطيبة ؟!  
المشاركات: 1,168
#4  

جزاك الله خير الجزاء أخوي بو عبد الرحمن..

ليّه كم يوم أدخل الموضوع بس كل ما أشوفه طويل و الأسطر كثيرة أنشغل بمواضيع ثانية أو بحاجات ثانية و أأجل القراءة لبعدين.. بس الليله قلت لأ كفاية تأجيل لازم أقرأه و بما إنو مثبت يعني الموضوع حلو و أكيد بيستاهل القراءة .. و ظني ما خاب .. الموضوع قمة في الروعة .. قرأت الفقرة الزرقا و اتحمست للخضرا و بعدها اتحمست أكثر للحمرا وكذه لما وصلت للطائرة .......بارك الله فيك أخوي أسلوب سلس و جميل و معبر ومؤثر
و يستحق القراءة ..

الله يباركلك في كل أمورك ..

شهرناز غير متصل قديم 15-08-2007 , 04:01 AM    الرد مع إقتباس
أبومروان أبومروان غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 580
#5  
السلام عليكم ورحمة الله
الله يرضى عنك يا أبو عبد الرحمن .............. ما أجمل هذه التذكرة .........

نسأل الله أن ينفعنا بها ................................

أبومروان غير متصل قديم 25-08-2007 , 10:31 AM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.