العودة سوالف للجميع > سوالف شخصيه وثقافيه ادبيه > سوالف الأدب والثقافة > الجميلة وقلب الوحش
المشاركة في الموضوع
كهرمانة العين كهرمانة العين غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,498
#1  
الجميلة وقلب الوحش
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لم يكن غروراً ذلك الذي تملكني فصرت أرفض كل من يتقدم لخطبتي ، أنا أعرف نفسي جيداً .. لست مغرورة بجمالي وإن كان فريداً متميزاً .. لأنني أعلم جيداً بأن لا دخل لي فيه ، وهو هبة من ربي منحها لي ليختبرني بها .. أعرف هذا كله ، فقد درّستني أمي رحمها الله مع كل حرف تعلمته ، درّستني الايمان والخوف من الله وزرعته في قلبي وفي أعماقي فنشأت وأنا أعرف كل ما لي وما علي في هذه الحياة !!! معكم حق فالوضع الذي أعيشه يحتاج إلى تفسير وتوضيح فكل أمر مبهم وغريب يحتاج إلى ذلك.

فكيف أكون مؤمنة وأخشى عقوبة ربي ثم أرفض الزواج الذي شرعه الله تعالى كمنهج للحياة على الأرض. وكيف تمر السنون علي وأنا متمسكة بعنادي على رفض كل من يتقدم إليّ؟هذا الأمر حدث معي نتيجة لشيء معين عشته في حياتي وتأثرت به كثيراً مما انعكس على طريقة تفكيري كلها.

إنها عقدة نفسية عشتها منذ طفولتي ، حيث إنني كنت استمع إلى القصص والحكايات من حولي عن طباع الرجال وغدرهم لزوجاتهم..فكلما تجمعت السيدات في منزلنا ، تحدثن عن هذا الأمر..فأجد الواحدة منهن تذرف الدموع الحارة وهي تحكي بمر! ارة وتشتكي للأخريات عن زوجها الذي هانت عليه عشرة العمر فأهملها وتزوج بأخرى ، فأصبحت الأخرى تتمتع بحقوق كثيرة ، والأولى تعيش الحرمان الكامل هي وأطفالها.

سألت أمي يوماً وأنا لا زلت صغيرة لم حلل الشرع الزواج بأكثر من واحدة ما دام الأمر لا يخلو من الظلم؟ قالت: لقد حلل الشرع الزواج بأكثر من واحدة ولكنه ربط ذلك بالعدل ، فالرجل الذي لا يستطيع أن يعدل بين زوجتيه أو زوجاته عدلاً كاملاً سيكون ظالماً وسيحاسبه الله على ذلك الظلم حساباً عسيراً ، نظرت إليها نظرة استغراب وسألتها: هل سيعاقب الله والدي؟ نظرت إلي والدموع تملأ مقلتيها وقالت: سامحه الله .. فلم أكن مقصرة معه في شيء ، وليس لديه مبرر واحد يجعله يقدم على هذه الخطوة ، فقد كنا عائلة سعيدة جداً لا ينقصنا شيء .. ولكن ماذا أقول؟ إنه الشيطان عدو الله .. دائماً يوسوس للإنسان فيجعله لا يقنع بحاله أبداً ليبعده عن السعادة في الدنيا والآخرة ، فهو الذي أخرج أبانا آدم من الجنة ونعيمها إلى الأرض وقسوتها. وها هو والدك الآن يعيش قلقاً كبيراً وصراعاً نفسياً متعباً وهو يحاول جهده أن يعدل بيني وبين زوجته الجديدة لكن هيهات هيهات أن يستطيع الإن! سان العدل.

لم تعش أمي طويلاً فقد توفيت رحمها الله بعد أن عانت م ا عانت بسبب وجود امرأة أخرى في حياة زوجها الذي أحبته بشده ولم تحس بأنها قصرت معه في شيء.. فأحرقتها نيران الغيرة ، وهي نيران قاسية ، طعمها مر كالعلقم.. لا يستطيع الإنسان التخلص منها مهما حاول ، فهي تولد معه منذ طفولته.

أنهيت الثانوية وتوسلت إلى والدي لإقناعه بدخول الجامعة ولكنه رفض. فالبنات في عائلتنا ليس مسموحاً لهن سوى الدراسة الثانوية فقط. جلست في المنزل بلا خطط مستقبلية وبلا هدف ، وكان تفكيري مشوشاًَ جداً من ناحية الزواج ، وكنت بداخلي أتمنى أن أبقى عانساً على أن أتزوج رجلاً يؤذي كرامتي ويجرح أحاسيسي فأموت كمداً وحسرة كما ماتت أمي رحمها الله.

لم يشأ والدي إجباري على الزواج على الرغم من أنه متشدد بعض الشيء إلا أنه لا يحب أن يجبر بناته على ما لا يريدونه. تزوجت أخواتي كلهن وبقيت أنا أرفض من يتقدم لي.. وكان عدد المتقدمين لي كثيراً قياساً بأخواتي فأنا أتميز بجمال فريد يلفت الأنظار.

القسم الأسود
عندما بلغت العشرين من عمري تقدم لي شاب غني من عائلة مرموقة ، وقد توقع الجميع موافقتي لأنهم كانوا يعتقدون بأنني قد رفضت من تقدم لي سابقاً بسبب جمالي وانتظاري لشخص ! متميز يستحق هذا الجمال ، ولكنني أحبطتهم ورفضته ، هنا ثار والدي وخرج عن طوره وصفعني لأول مرة في حياتي فهو لم يكن من النوع الشرس الذي يمد يده على أبنائه ، ولكن يبدو أنه استفز كثيراً عندما وجدني أرفض الزواج من هذا الشاب بلا مبرر مقنع ، وقد اعتقد بداخله بأنني ربما قد عرفت شخصاً من وراء ظهره ، فحلف يميناً وهو في شدة عصبيته وغضبه قائلاً: والله العظيم سأزوجك عبداً أسود فقير المال إن لم توافقي على الزواج من هذا الشاب الذي تتمناه كل البنات.

تصورت بأن والدي في حالة غضب وأنه لا يعني ما يقول .. فبقيت مصرة على رفضي لهذا الشاب حتى علم بهذا الرفض فانسحب ولم يكرر أو يلح في طلبه.

يبدو أن أبي كان جاداً فيما قاله .. فقد بدأ يسأل هنا وهناك عن العبد الأسود ليزوجني إياه ويبر بقسمه.

شاءت قدرة الله تعالى بأن يتقدم أحد العبيد الذين يعملون في مزرعتنا لطلب يد بنت إحدى الخادمات لدينا ، ولكن والدي قال له: لن أزوجك ابنة الخادمة وإنما سأزوجك ابنتي..والعجيب في الأمر أن الرجل لم يرحب بالفكرة وأصر على طلب يد ابنة الخادمة فسأله والدي: هل ترفض ابنتي وتصر على ابنة الخادمة؟ فأجابه الرجل بأن ! ابنتك مدللة لا تجيد عمل شيء وهو بحاجة إلى امرأة حقيقية تخدم زوجها وتعت ني بأطفالها .. وبعد أحاديث طويلة وعروض مالية وإلحاح من والدي وافق أخيراً على أن يتزوجني.

كان ذلك الأمر أشبه بحكايات الخيال القديمة التي كانت تستهويني ، وقد اعتقدت بأن والدي قد دبر هذه الخطة لتأديبي وأنه غير جاد فيما يفعل ، فهل يعقل أن يترك ابنته تعيش مع هذا الإنسان في منزله الحقير؟ بالتأكيد سيتراجع عن هذا الأمر عندما يجدني جادة في الإقدام عليه .. لذلك فقد قررت الموافقة لأثبت للجميع بأنني لست مغرورة كما يقولون وأن جمالي ليس هو ما يمنعني من الزواج.

مصيري المظلم
بلا حفلات ولا ولائم أو ما يرافق الزواج عادة ، تم عقد قراني على ذلك الرجل ، فأمرني أبي بأن أذهب معه إلى بيت الزوجية أول مرة نظرت فيها إلى وجهه ، أصابني الخوف والرعب وانتفض جسمي من رأسي وحتى قدمي ، لونه حالك كظلمة الليل ، وشعره أجعد بشكل حديدي ، وأنفه عريض يلتصق طرفاه بخدّيه ، وشفاهه غليظة واسعة .. ولديه أسنان بيضاء لامعة قوية ومخيفة .. سحبني وراءه وعندما شاهد الخادمات يحملن الحقائب خلفي قال: ليس لدي مكان لهذه الملابس .. أرجعوها فلن تحتاج إليها .. ويكفيها حقيبة صغيرة تحملها بيدها.

سرت خلفه ودموعي ت! نهمر بغزارة مع أنني لم أشأ أن أظهر ذلك أمام أهلي.فأنا من وافق على الارتباط بهذا الرجل وأنا على يقين من أن والدي لن يطيل بقائي عنده وإنما سيعيدني إلى بيتي في أقرب وقت بعد أن يبر بقسمه ويؤدبني .. ولقد تأدبت .. والله تأدبت ولن أعود لعنادي أبداً .. ولكن لا خيار عندي سوى أن أتجه نحو مصيري المظلم الذي أرجو أن يكون قصيراً .

أخذني إلى بيته الحقير الذي اهترأت جدرانه وهو عبارة عن حوش مقرف فيه غرفتان نتنتان برائحة الغبار والرطوبة. ليس فيه إلا القليل من قطع الأثاث المأخوذة من مخلفات إحدى المتاحف القديمة. هناك قال لي: هذا بيتك ويجب أن تتعودي عليه .. كما أرجو أن تكوني امرأة صالحة وتتعلمي بسرعة إعداد الطعام وتنظيف المنزل. فأنا عصبي ولا يعجبني العناد ، تركني في إحدى الغرفتين ثم ذهب إلى الأخرى ونام نوماً عميقاً وأصدر شخيراً مرعباً ملأ المكان.

لم أستطع النوم على تلك الأسمال البالية .. وقد كنت خائفة من أن تهجم علي إحدى الحشرات الغريبة التي يمتلىء بها المكان ، فبقيت طوال الليل أراقب الأرض والحيطان خوفاً من تلك الحشرات.

في اليوم التالي نهض الرجل من نومه وصرخ: هل أعددت الفطو! ر؟ وعندما لم يسمع الإجابة جاءني ونظر إلي نظرة مرعبة .. خفت وصرخت بخوف .. فضحك ضحكة قوية وقال: ما هذه البلوى التي ابتليت بها .. حسناً لا تخافي سأعد الفطور بنفسي.

الرجال ليسوا سواء
مرت الأيام ولم يسأل عني أهلي وصرت آلف المكان تدريجياً .. وقد ساعدني الرجل على أن أتعلم كيفية إعداد الطعام وتنظيف المنزل .. وقد أخذني إلى السوق لأشتري ما أريد من شراشف وأغطية ومنظفات ومطهرات ومخدّات تساعدني على النوم في مكان نظيف.

تعوّد أن يجلس معي بعد أن يعود من عمله مساءً ويسألني عن أشياء كثيرة وكلما تحدثت معه صار يقهقه وهو يبدي إعجابه بأفكاري ويقول: لم أتصور بأن الفتاة الجميلة يمكن أن تكون ذكية ، فمعظم الجميلات غبيات جداً.

صرت أسأله عن نفسه وعن عمله وبدوره يحدثني عن الزراعة وكيف أنه يجد المتعة في مراقبة النباتات الصغيرة وهي تنمو تدريجياً وتطرح ثمارها .. فهو يحس بمتعة شديدة لأن هذا العمل يجعله يشاهد جمال الحدائق والبساتين الرائعة والتمتع بطيّباتها.

طلبت منه أن يعلمني الزراعة فقام بحفر نصف مساحة المنزل وجعلها أرضاً صالحة للزراعة وأخذ يدربني على زراعة الزهور والخضروات.

لا أدري .. فقد أحسست بلذة غريبة في حياتي الجديدة مع هذا الرجل ا! لذي اكتشفت بأن له قلباً رائعاً وصفات متميزة هي أجمل ألف مرة من الوجوه الجميلة التي يتمتع بها الناس ، صرت أنتظر عودته من عمله بفارغ الصبر لأجلس معه نتحدث ونتسامر ونتناول طعامنا البسيط الذي وجدته من ألذ ما أكلته في حياتي.

سألته يوماً: أليس زواجنا شرعياً؟ قال: نعم قلت له: لم إذن لم تحاول أن تنال حقوقك الزوجية مني .. فقال: أنت لست مستعدة لذلك .. فأخبرته بأنني مستعدة .. فتهرب مني ، وعندما ألححت عليه واجهني بالحقيقة التي توقعتها تماماً فقال: لقد أعطاني والدك المال وأخبرني بأن زواجي منك هو مجرد صفقة من أجل تأديبك وأنني يجب أن لا ألمسك وأن أعيدك إلى منزل أهلك بعد ثلاثة أشهر وأطلقك ، وقد وعدني بأن يزوجني ابنة الخادمة التي كنت متقدماً لها منذ البداية.

صدمتني تلك الحقيقة مع أنني قد توقعتها تماماً .. فسألته: هل تحب تلك الفتاة؟ قال: نعم .. إنها تناسبني كثيراً وقد تربينا معاً .. ويكفي ما سببته لها من ألم وهي تراك في بيتي بدلاً منها. تعجبت لإخلاص الرجل لحبيبته ، واحترمت مشاعره جداً .. لقد أعاد ثقتي بالرجال .. فليس كل الرجال متشابهين وعديمي الإخلاص .. فمن يحب امرأة بالتأكيد س! يخلص لها ولن يفكر بالارتباط بأخرى لئلا يؤذيها.

عدت لمنزل أهلي و قد استوعبت الدرس جيداً وبعد عام واحد تقدم لخطبتي شاب متوسط الحال من أسرة عريقة فوافقت على الارتباط به وتزوجنا.

بعد العشرة ومجيء الأطفال أحسست بحبي لزوجي وبحبه وإخلاصه الكبير لي وحمدت ربي على هذه النعمة . ولا زلت أدين لذلك الرجل بالكثير فقد علمني أن أعيد ثقتي بالرجال.


من بريدي

تحياتي

كهرمانة العين غير متصل قديم 28-06-2004 , 10:34 PM    الرد مع إقتباس
خليجي خليجي غير متصل    
عضو فائق النشاط الخبر  
المشاركات: 1,126
#2  

جزاك الله خيراً اختي كهرمان على هذا النقل الطيب المبارك
قصة جميلة ورائعة وشيقة وهذي هي حال الدنيا
كما قيل في الحكمة الهندية من كتاب كليلة ودمنا :
مثل البغي كما ذهب واحد جاء آخر مكانه
-
لن تفهمو هذه الحكمة فإنها مبهمة غامضة

خليجي غير متصل قديم 29-06-2004 , 08:58 AM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.