العودة سوالف للجميع > سوالف شخصيه وثقافيه ادبيه > سوالف الأدب والثقافة > وقفات للتأمل..
المشاركة في الموضوع
USAMA LADEN USAMA LADEN غير متصل    
منع من الكتابة  
المشاركات: 995
#1  
وقفات للتأمل..
وقفات للتأمل..



نحن أمة الإسلام... قد حبانا الله فضلا عظيما، وأمدنا بكنوز لا تقدّر ولا تقاس بمقاييس عادية... ومن اعظم هذه الكنوز: كتابه الكريم- القرآن العظيم الذي يجمع درر المعاني والحكم والشرائع والأمثال... والذي لا يأتيه الباطل ولا يقربه . برحمة الله وحفظه.

ثم اللغة العربية التي يسرها الله وجمّلها ، واختارها لغة لكتابه المنزل ... ولنبيه المرسل... ولأمته الموعودة بالشفاعة . فما أثراها من لغة وما أرقاها... إنها لغة تعين العبد على فهم مقاصد دينه .... والتقرب الى ربه .

فتعالوا معنا اخوة الايمان ننظر كيف تكون اللغة عونا لنا على فهم ديننا وتقويم عبادتنا . ولنأخذ الحج نموذجا ... وما يترتب عليه من أعمال ومناسك، ولنحاول فهمها من خلال اللغة ... ولندرك عظمة اللغة ... وعظيم فضل الله علينا أن جعلنا من أهل العربية وأهل القرآن .

الحج :

لفظة الحج أصلا لفظة آرامية ... نادى بها الله سبحانه عبده وخليله ابراهيم عليه وعلى محمد الصلاة والسلام . ولفظة الحج أصلا تعني التحليق والطيران .. فيقال حجَّت الطير ... أي حلقت طائرة ... ودارت في الجو بشكل حلقات .. وهو طيران اللعب والزهز والتمتع .

وتأتي كلمة الحج بمعنى القصد ... كما تأتي بمعنى الهدف والغاية والبرهان ...

والمحجَّةٌ: تعني الطريق الواسع الواضح المعالم . .. وغيرها من المعاني ...

فتعالوا بنا أخوتي نتدبر هذه المعاني ... " التحليق والدوران " فما أجمل أن يستحضر الحاج في ذهنه هذه المعاني وهو يتهيّأ لأداء فريضة الحج . وما أعذب أن يهمس في نفسه مرددا هذا المعنى: " أنا ذاهب للتحليق في ملكوت الله ، أنا قاصد للتحليق في فضاء رحمته سبحانه ... انا راحل للتحليق في عوالم الأنوار الربانية ... "

وما أروع أن يغمض الحاج عينيه ليتصوّر نفسه طائرا محلقا في فضاء من رحمة الله ونوره وفضله .. وأن يستشعر هذا الإحساس يملك عليه قلبه وروحه ووجدانه ولو للحظة قصيرة، وليستشعر لذة التحليق في جو كله اتصال برحمة الله ... ودوران في عوالم أنواره تعالى ... ولسان روحه الغائب عن كدور الدنيا وما فيها؛ يردد بنشوة وحبور ... هذا هو الهدف ... تلكم هي الغاية . فعجبا لمن حج محلقا في عوالم النور ، أيرجع ليدور في فلك الدنيا وحطامها ؟؟!!

الطّواف:

الطواف لغة : الدّوران والتحويم ... وهو أيضا الخيال اللّطيف يراود منامك .

والطواف أيضا: هو السعي في الخدمة ... فالطائف خادمك المطيع اللبق يخدمك برقة وأدب.. ومنها قوله تعالى: {ويطوف عليهم ولدان مخلّدون } .

والطائف أيضا: الحارس يطوف بالبيت ليحرسه.

والطائف : المحيط بالشيء علما وخبرة

والطائف : المبعوث بأمر لا يرجع حتى ينجزه.

فتصوروا معي أحبتي في الله ، لو أن الحاج أو المعتمر ، يستحضر في ذهنه هذه المعاني العظيمة ... وهذه الصور الرائعة ... أنا أطوف : إذن أنا أدور وأحوم في مواضع رحمة الله وفضله.

أنا أطوف : إذن أنا أسعى في خدمة ديني وعقيدتي برقة وأدب .

أنا أطوف : إذن أنا أحيط علما وخبرة بمواقع رحمة الله ، وأزداد تمسّكا في معارج رحمته وفضله سبحانه.

أنا أطوف: إذن فقد ابتعثني الله لأمر لا أرجع حتى أنجزه ... وماذا يكون ذلك الأمر إن لم يكن تطهير النفس وتحريرها من عوالق الدنيا... ابتغاءا لرحمة الله ؟

أنا أطوف: إذن أنا أمر كطيف لطيف في منام عذب جميل أتمنى أن لا أفيق منه أبدا ...

فتصور معي أخي الحبيب ... لو أننا كنا جميعا ندرك هذه المعاني... ونسعى الى تطبيقها واستشعار لذة العبادة على ضوئها ؟!!

السعي:

السعي لغة يعني: الجري والقصد والسلوك والتدبير .

ومن أروع ما وجدت في لغة العرب قولهم : "استسعى السيد عبده ، أي كلَّفه من العمل ما يُعتَقُ به، أو ما يكفل عِتقَه."

فتأملوا معي أيها الأحبة لو أننا نستحضر هذا المعنى في قلوبنا حين السعي . لو أن الساعي بين الصفا والمروة يستشعر هذا المعنى، فيهمس لنفسه : أيتها النفس .. قد استسعاني ربي أنا العبد الفقير الى رحمته، ليعتقني من ذنوبي ... وليحررني من قيد شهواتي، وشرور نفسي، وسيِّئات أعمالي . وليعتقني من عبوديتي لسواه... ويهبني حريتي وكرامتي المطلقة في عبادة ربي الغني الحكيم سبحانه .

أتصوَّر أن العبد منا لو استحضر هذه المعاني ، فلا بدَّ وأنه سيشعر بروحه تحلق في فضاء نوراني . ولن يعود يشعر بالأرض التي تحمله .. ولا بالهواء الذي يغلفه ... بل سيشعر نفسه يسبح في سبحات من نور ورحمة . ولسان حاله يردد: {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}.

الوقوف :

الوقوف لغة : يعني القيام مع السكون . بمعنى: وقف الرجل: أي دام قائما وساكنا .

والوقوف : حبس الشيء لغاية محددة (وقف أرضه في سبيل الله) أي حبس هذه الأرض وما يخرج منها لهذه الغاية فقط.

ووقف فلان فلانا على الأمر: أي أطلعه عليه، وعرضه بين يديه.

وهناك معان أخرى كثيرة لهذه الكلمة... ولكن لنكتف بهذه المعاني القليلة العظيمة... ولنفهمها ولنتدبرها ولنتذوق متعة التصرف بمقتضاها ...

أنا أقف بعرفة ... أي أنني أقوم ساكنا بين يدي ربي سبحانه ... بكل سكينة ووقار ... أعيش لحظات السكينة وأنا أستشعر في قلبي وروحي عظمة النسك. وعظمة تجلي الرحمات في قبول النسك من الله العظيم المقصود بالنسك والعبادة.

أنا أقف بعرفة : بمعنى ... أنا أقف نفسي عن الدنيا وما فيها. عن الرغبة والشهوة والتمني ... وحتى عن الحلم ... الا في محبة الله ورضوانه . والتحليق في أنوار ملكوته سبحانه .

أنا أقف بعرفة... بمعنى أنني أعرض أمري وحالي بين يديه سبحانه . أطلع ربي على مكنون نفسي... وهو العليم الخبير سبحانه ، وأنا أدرك أنني إنما أعرض نفسي بعد أن عريتها من كل زيف... وكشفتها عن كل سر... وجئت أعرضها هنا... على اللطيف الخبير العلي القدير .. الذي لا يمكن ان يقبلها الا وقد جاءته مطهرة من كل درن وسوء... وقد باءت بذنوبها... وكشفت كل مكنونها... وتخلصت من كل سر كان يقض منامها... ويعكر صفوها .

جئت أعرض نفسي المطهرة هنا... وبعد أن طهرتها... عَرْضَ الراغب بالقرب والوصل... عرض الطامح الى الرحمة والقبول والنوال ..

جئت اعرض نفسي امام ربي ... عرض الموقن أن ربه لن يخيبه... ولن يخليه... بل سيقبله وافدا على بحار نوره وخزائن فضله ورحمته .

عرض من صمم أن يكون طاهرا طهورا... وهو يوقن أن الله لن يرده الا طاهرا طهورا ... مطهرا من كل ذنب... ومخلَّصا من كل كرب.

تصوّروا أحبتي في الله لو أننا نعيش هذا المعنى ... لو أننا نمارس هذا الوقوف الروحاني ، لو أن كل واحد منا ينوي وقوفا لله ، ولو حتى في بيته ، يقف ولسان حاله وروحه يقول: "اللهم إني أعرض نفسي بين يديك، وأعلم أنها لا تخفى عليك ، وإنها لمقبلة على ابواب رحمتك ، وهي تعلم ان لا حاجب يمنعها عنك... وقد تخلصت من كل سر... وتتطهرت من كل وزر... راغبة في الوقوف لديك .. وعرض الحال عليك... اللهم عَرضَ الراغب... ووقوف المحب المتقرِّب."

رمي الجمار (الجمرات):

قد يسأل سائل: لماذا اختير اسم الجمرات تعبيرا عن الحصيّات التي نرجم بها ابليس اللعين ؟ وهل المقصود بها جمرات النار تحديدا، تلقى على ابليس الموعود بالنار خالدا فيها... لتكون النار نصيبه في الدنيا والآخرة ؟

ما أبسط هذا المعنى ... وإن كان فيه عبرة بالغة... مفادها: أننا نرمي بالنار إبليس اللعين وعمله وكل ما كان له صلة به .

ولكن لغتنا العربية تعلمنا أن المعنى المقصود أعم وأشمل والله اعلم، فتعالوا بنا احبتي نتدبر المعنى الأعم والأشمل من بحار لغتنا العربية العظيمة.

فالجمر في اللغة يعني : التَّجمُّع والتَّكتُّل والانضمام ... فيقال: جَمَرَ ، وتجمَّرَ ، واستَجمَرَ القوم على الأمر ، أي : جمعهم الأمر وأحوجهم الى الانضمام اليه .

والجمرة تعني: المجموعة من النّاس انضموا إلى بعضهم ، فصاروا يدا واحدة .

وجاء القوم جمرة، أو جُمارى تعني: جاؤوا مجتمعين ، بأجمعهم لا يتخلف أو يخالف منهم أحد .

واستجمر الجيش ، تعني: تجمع وتحَبَّس في أرض العدوِّ ولم يَقفِل... أي لم يتراجع .

فتصوروا اخوتي في الله لو أن الحاج يستحضر هذه المعاني العظيمة في نفسه وهو يرمي الجمار ... ليدرك أنما جاء هذا الجمع العظيم ... وقد جمعه الله بحكمته ورحمته... جاؤوا صفا وجماعة موحّدة مجتمعة لا يفرقها مفرق... ولا يزعزع تماسكها مزعزع... وكل منهم يهتف في قلبه ووجدانه وروحه : لقد جئنا يا رب .. واجتمعنا على أمر ما أحوجنا الى الاجتماع عليه... جتنا وانضممنا واجتمعنا في جمع موحد متماسك مؤمن متكاتف لمحاربة الشيطان وعمله ووطريقه . جئنا واجتمعنا وتوحّدنا وتكتّلنا لمحاربة ابليس اللعين، لأننا بحاجة الى ذلك لنخلص أنفسنا من سطوته ووسوسته وطغيانه ... وصولا الى رحمتك ورضوانك ربنا .

ما أروع أن يستشعر الحاج أن الغاية من رمي الجمار... أن يقول في نفسه وروحه : جئناك يارب .. جيش موحد متراص .. نحبس أنفسنا هنا في أرض العدو... عدو الايمان والمؤمنين... عدو الحق والخير إبليس اللعين.. ولن نتراجع حتى نخلص أنفسنا منه ، ونفوز برضوانك

وأعتقد : أنه لهذا السبب .. كان الرجم يمتد الى ثلاثة أيام .. ليرسخ المعنى ... وليستقر القصد في النفوس... ولتمتلك النفس فسحة للمراجعة والمحاسبة والخلاص.

أرأيتم اخوتي وأحبتي ما أبدع هذه المعاني؟ ... أأدركتم مدى حاجتنا الى التفقه بأسرار لغتنا الجميلة العظيمة . لتكون لنا عونا في فهم أصول ومقاصد عباداتنا .. بعد تدبرها وتذوّقها وتذويتها ؟

USAMA LADEN غير متصل قديم 22-01-2007 , 10:11 AM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.