|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 3,523
|
#2
|
الرابعة والعشرون : أنه غراس الجنة فقد روي الترمذي (3384) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) .
وروى الترمذي أيضاً (3386) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) .
الخامسة والعشرون : أن مداومة العبد على ذكر الله تعالى يُؤَمِّنُ العبدَ من نسيان الله تعالى له، الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده ، فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب للعبد نسيان نفسه ومصالحها . قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) الحشر/19 . وإذا نَسِيَ العبدُ نفسَه أعرض عن مصالحها ونسيها فهلكت وفسدت ولا بد. ولو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفي بها . فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ، ونسيه في العذاب يوم القيامة . قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) طه/ 124-126. أي : تُنْسَى في العذاب كما نَسِيَت آياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها . والضَّنْكُ هو الضيق والشدة والبلاء . والمعيشةُ الضنكُ تتناول الضنك في الحياة الدنيا وفي القبر وفي الآخرة . وهذا عكس أهل السعادة والفلاح ، فإن لهم الحياة الطيبة في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة . قال الله تعالى: )مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - فهذا في الدنيا - ، ثم قال: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هذا في البرزخ والآخرة .النحل/97 . قال ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية : وعَلِمَ اللهُ ما رأيت أحداً أطيبَ عيشاً منه قط ، مع ما كان فيه من ضيق العيش ، وخلاف الرفاهية والنعيم ، بل ضدها ، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً ، وأشرحهم صدراً ، وأسرِّهم نفساً ، تلوح نضرة النعيم على وجهه .
السادسة والعشرون : أن للذكر من بين الأعمال لذةً لا يشبهها شيءٌ ، فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا هذه اللذة الحاصلة للذاكر ، والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به . قال مالك بن دينار رحمه الله : ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل .
قال ابن القيم رحمه الله : وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة . وقال لي مرةً : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنَّى رُحْتُ فهي معي لا تفارقني ، إنَّ حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة . وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهباً ما جزيتهم على ما تسببوا لي في من الخير .
وقال بعض العلماء : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه - يعني : من اللذة والنعيم - لجالدونا عليه بالسيوف .
وقال آخر : مساكين أهل الدنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها . فقيل له : وما أطيبُ ما فيها ؟ قال : محبة الله ومعرفته وذكره .
وقال آخر : إنه لتمر بي أوقات أقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل هو جنة الدنيا، ، والنعيمُ الذي لا يشبهه نعيم .
السابعة والعشرون : أن الذكر نور للذاكر في الدنيا ، ونور له في قبره ، ونور له في معاده ، يسعى بين يديه على الصراط ، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى . قال الله تعالى : )أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) الأنعام / 122 . فالأول هو المؤمن استنار بالإيمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره ، والآخَر هو الغافل عن الله تعالى المعرض عن ذكره ومحبته .
الثامنة والعشرون : أن الذاكر قريب من الله عز وجل ، والله تعالى معه ، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة ، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق . كقوله تعالى في الحديث القدسي : (أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي ، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ) رواه البخاري (3782) . والمعيةُ الحاصلة للذاكر معيةٌ لا يشبهها شئٌ وهي أخص من المعية الحاصلة للمحسن والمتقي والمذكورة في قول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل /128 .
التاسعة والعشرون : أن الذكر يعدل عتق الرقاب ، ونفقة الأموال والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل .
روى البخاري (3293) ومسلم (2691) أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) .
وروى الترمذي (3277) أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى). صححه الألباني في صحيح الترمذي (2688) .
الثلاثون : أن الذكر رأس الشكر ، فما شَكَرَ اللهَ تعالى من لم يذكره ، فالذكر رأس الشكر . قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : (لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ أَنْ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) رواه أبو داود (1522) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1347). فجمع بين الذكر والشكر ، كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) البقرة/152. فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح.
|
|
31-12-2002 , 02:52 PM
|
الرد مع إقتباس
|