|
عضو شرف
|
|
المشاركات: 2,324
|
#1
|
إنسانية الدعاة
في حياتنا العملية نواجه الكثير من التغيرات والمتغيرات .. المتغيرات في واقعنا والتغيرات في ذواتنا .. ومن خلال المعايشة لما حولنا يكون التعامل وتكون ردات الفعل .
في العمل اليومي مثلاً أواجه الكثير من غير المسلمين .. أشعر أحياناً بالشفقة على بعضهم ، رجل كبير ويعمل عملاً مجهداً ، وذو أخلاق متميزة ، يسقط ويصاب في وجهه .. نأخذه للمستشفى ويتلقى العلاج المطلوب ، ثم يعود إلى عمله ، وأعود أفكر فيه . أعلم أنه لا يحمل أفكاراً سيئة عن الإسلام .. ليس بمتحامل .. ولا يدعو لدينه .. بل ربما لا يعرف عن دينه أكثر مما يعرف عن الإسلام ، وأجزم أنه ما جاء إلا للعمل من أجل لقمة العيش .. أراه صورة مثالية في بعض النواحي للمسلم .. يظهر هذا التميز في التعاملات خاصة .
أتحدث معه أحياناً عن الإسلام .. أشعر أنه يوافقني الرأي في الكثير من النقاط .. ليس مجاملة لي ، ولكن لأنها تخاطب الفطرة والعقل السليم .. ثم يتركني ويذهب لعمله وأفكر فيه مرة أخرى .. ترى كم عاش هذا الرجل ؟ وهل بلغته الدعوة ؟ وهل فهم الدعوة فهماً سليماً ؟ أو على الأقل هل بلغ الدعوة بشكل سليم ؟ وحملت له صورة الإسلام الصحيحة ؟
ليس هذا صورة من الولاء .. أبداً بل له البغض مادام على غير الجادة .. ولو أنه كان أكثر البشر أخلاقاً فلن تشفع له أخلاقه إذا مات على غير الإسلام .. ولذلك أشفق على مثله أن يموت على غير الإسلام .. أنا وهو لسنا في أرض حرب ، بل نعمل معاً في مؤسسة مدنية ولسنا في معركة .. ولذلك ينبغي العمل على دعوته عل الله أن يهديه إلى الإسلام .
نتعلم أحياناً من بعض الناس الكثير .. "رب حامل فقه ليس بفقيه" .. و "رب حامل فقه لمن هو أفقه منه" .. ولكننا في النهاية نحتاج أن نتعلم منه ونستفد من كل إنسان .. نتعلم من قليل الفقه فلعله يوفق إلى تأصيل تربوي يحتاجه بعض ذوي الشهادات العالية ويعجزون عن الوصول إليه .
السلبيات في الدعوة إلى الله تعود بشكل كبير إلى الدعاة أنفسهم .. هم اللذين ينقلون صورة الإسلام .. هم اللذين ينفرون بأسلوبهم أو يقربون بأخلاقهم .. ولذلك أعود لتساؤلاتي .. ترى ماذا نحتاج أن نضيف إلى قاموسنا الدعوي ؟
أقف لأتأمل في بعض النصوص .. "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" ، "ما كان الرفق في شي إلا زانه" ، "أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً .. الموطئون أكنافاً .. الذين يألفون ويؤلفون" .. "المؤمن هيّن ليّن ، تخاله من لينه أحمقاً" .. "المؤمن غر كريم ، والمنافق خبّ لئيم" أو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وغيرها من النصوص .. إذا هي الرحمة التي نحتاجها .. وهي الصبر على الناس .. وهي عرض الفكرة بوضوح ، دون ترك أي استفهامات في قلوب المتلقين للإسلام .. فإذا اكتملت جوانب الرحمة ، وضع لنا القبول .. والرحمة لا تعني التميع والتنازلات ، ولكنها البطانة الطبيعية لمن يحمل هم هداية الناس .
أمر آخر نحتاجه .. وهو الفهم السليم للنص الشرعي .. وما يدور في الساحة من فتن وابتلاءات إنما يرجع بالدرجة الأولى إلى الفهم وليس لقلة المادة الشرعية المتوفرة .. الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية ، وإنزال النص على غير مراد الشارع سبحانه وتعالى ، وتكيف النصوص لموافقة الأهواء ، والصورة المتحفزة للهجوم على المقابل .. كلها قد تكون سبباً في التنفير عن الإسلام .. لا أقول تنفير الناس عن الدخول إلى الدين .. بل أقول وتنفير المسلم من التمسك بالدين .
إن الأمة تحتاج إلى علمائها .. تحتاج لهم ليكونوا قريبين منها يوجهونها ويعلمونها .. وقرب العلماء من العامة فيه ضمان لعدم تسرب الأفكار الدخيلة على عاداتنا ومجتمعاتنا والمتسترة باسم الإسلام .. وكم تحتاج أمتنا إلى رجال يذكرونها بالسلف الصالح رضي الله عنهم كالشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى .
منقول
"
|
|
02-08-2004 , 12:25 PM
|
الرد مع إقتباس
|