العودة سوالف للجميع > سـوالـف الجمـيــــــــع > سـوالــف إســلامــيـة > * رجـــال يـــبـــحـــثـــون عـــن الـــحـــق *
المشاركة في الموضوع
صدى الحق صدى الحق غير متصل    
عضو شرف  
المشاركات: 7,164
#1  

قلنا: إن الوثنية تزين باطلها بطلاء من الحق ليسهل على النفوس ازدراد ما فيها من مرارة، فهي تزعم الإيمان بإله خلق السموات والأرض، وفي الوقت نفسه تشرك معه آلهة أخرى هي مزدلف إليه ووسيلة، ولما كان خالق السموات والأرض بعيداً عن مرآى الأعين، فقد أنس العُبَّاد المشركون بالآلهة القريبة من أيديهم والتي يترددون عليها صباحاً ومساء، حتى صارت صلتهم بها أحكم من الصلة بالإله الأصيل وأصبح ذكر هذا الإله -المتوسل إليه بغيره- لا يرد إلا في معرض الجدال والاعتذار:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ. فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
غير أن التعصب لهذا السخف جاوز الحدود فأما العامة فهم بُهْم، أحلاس ما توارثوا، فقدوا نعمة العقل الحر، بل العقل المدرك وعاشوا يهرفون بما لا يعرفون.
وأما الذين أوتوا حظاً من التفكير، فإن تفكيرهم يرتطم بحدود شهواتهم، وربما كتموا ما عرفوا، بل ربما حاربوا ما عرفوا، وقليل من الناس من يتجرأ على التقاليد المستحكمة، ويجهر بالحق. وأقل من ذلك من يعيش له ويضحِّي في سبيله.
وقد وجد قبل البعثة من نظر إلى وثنية العرب نظرة استهزاء، ومن عرف أن قومه يلتقون على أباطيل مفتراة، ولكنه لم يجد الطريق أو الطاقة على كفهم.
أخرج البخاري أن ابن عمر حدث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أنه لَقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل "بلدح" -وذلك قبل أن ينزل الوحي على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) فقدم إليه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) سفرَةً فيها لحم. فأبى أن يأكل منها. ثم قال زيد: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه. وكان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماء، وأنبت لها من الأرض الكلأ. وأنتم تذبحونها على غير اسم الله -إنكاراً لذلك.
وفي رواية أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالماً من اليهود، فسأله عن دينهم، وقال: لعلي أن أدين دينكم! فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله!! قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً وأنا أستطيعه!! فهل تدلني على غيره؟ فقال ما أعلمه إلا أن تكون حنيفاً. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم. لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى، فذكر له مثل ذلك، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله! قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله شيئاً أبداً وأنا أستطيع!!..
فهل تدلني على غيره؟ فقال لا أعلمه إلا أن تكون حنيفاً. قال: وما الحنيف؟ فقال: دين إبراهيم عليه السلام، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قوله في إبراهيم عليه السلام خرج. فلما برز رفع يديه. وقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم عليه السلام..
وهذا الحديث يبين مقدار الحيرة التي سادت الدنيا وغطت بضبابها الكثيف على الأديان الظاهرة. اليهود يشعرون بأنهم مطاردون في الأرض منبوذون من أقطارها، فعلى الداخل في دينهم أن يحمل وزراً من المقت المكتوب عليهم.
والنصارى وقع بينهم شقاق رهيب في طبيعة المسيح ووضعه، ووضع أمه، من الإله الكبير، وقد أثار هذا الخلاف بينهم الحروب المهلكة، وقسمهم فرقاً يلعن بعضهم بعضاً.
وكان نصارى الشام الذين سألهم زيد "يعاقبة" يخالفون المذهب الرسمي لكنيسة الرومان، فلا غرابة إذا أشعروا زيداً بما يقع عليه من عذاب لو دخل في دينهم. أو لعل هذه اللعنة المرهوبة هي تبعات الخطيئة التي اقترفها آدم واستحقها من بعده بنوه كما يدّعي ذلك النصارى وهم يبررون صلب المسيح، ومن حق زيد أن يدع هؤلاء وأولئك، ويرجع إلى دين إبراهيم عليه السلام يبحث عن أصوله وفروعه.
وأخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائماً مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول. يا معشر قريش ، والله ما منكم على دين إبراهيم عليه السلام غيري، وكان يحيي المؤودة، يقول للرجل -إذا أراد أن يقتل ابنته-: أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها.
إن زيداً واحد من المفكرين القلائل الذين سخطوا ما عليه الجاهلية من نكر، وإنه ليشكر على تحريه الحق، ولا يغمط هو ولا غيره أقدارهم بين قومهم، لكن القدر كان يتخير رجلاً يبصر الحق، ويملك من الطاقة ما يدفعه به إلى آفاق العالمين في وجه مقاومة تسترخص النفس والنفيس للإبقاء على الضلال والإمساك بليله البارد الثقيل.
كان القدر يعد لهذه الرسالة الضخمة رجلها الضخم والعظائم كفؤها العظماء!


------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم


صدى الحق غير متصل قديم 15-06-2000 , 04:05 AM    الرد مع إقتباس
ألب أرسلان ألب أرسلان غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 604
#2  

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم…

بارك الله فيك أخي صدى الحق ....
وأثابك الله على ما قدمت ....إننا أحوج ما نكون الى تذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم... لأن فيها حياة لقلوبنا... فهي زاخرة بالعبر والعظات والدروس المستفادة..
ولو أننا حرصنا على التأسي به صلى الله عليه وآله وسلم في جميع نواحي حياتنا لعشنا في سعادة ما بعدها سعادة....
فهو معلم البشرية و الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم....

ومن الدروس التي نستفيدها من هذا الباب الحرص على طلب العلم و البحث عن الحق والصبر في سبيل ذلك مهما بلغت المصاعب و الشدائد...
كما يجب علينا أن نبين العلم و لا نكتمه.... فكم من الناس بحاجة ماسة الى من يعلمهم أمور دينهم.... فنحن مسؤولون أمام الله...
وكل يعمل و يجتهد حسب قدرته { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفساً إِّلا وُسعَهَــا }

والحمد لله رب العالمين


------------------
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

ألب أرسلان غير متصل قديم 15-06-2000 , 08:16 AM    الرد مع إقتباس
صدى الحق صدى الحق غير متصل    
عضو شرف  
المشاركات: 7,164
#3  
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وفيك الله بارك وجزاك الله عنا خيراً على حسن المتابعة والإضافة القيمة ، وأعتذر لك لتأخري في الرد عليك حفظك الله .


صدى الحق غير متصل قديم 19-05-2001 , 12:03 AM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.