|
عضو فائق النشاط
|
|
المشاركات: 1,403
|
#3
|
سمات مطلوبة في الهدف :
1- المشروعية :
إن مجمل أهداف المرء في الحياة ، يعادل على نحو تام (استراتيجية) العمل
لديه ، ولذا فإن الذين لا يأبهون لشرعية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها يحيون
حياة مضطربة ممزقة ، تختلط فيها عوامل البناء مع عوامل الهدم ، وينسخ بعضُها
بعضَها الآخر . إن الهدف غير المشروع ، قد يساعد على تحقيق بعض النمو في
جانب من جوانب الحياة ، لكنه يحطّ من التوازن العام للشخصية ، ويفجّر في داخلها
صراعات مبهمة وعنيفة . وليس المقصود بشرعية الهدف أن يكون معدوداً في
(المباحات) فحسب ، وإنما المقصود أن يكون مندمجاً على نحو ما في الهدف
الأسمى والأكبر الذي يحيا المسلم من أجله على هذه الأرض ، ألا وهو الفوز
برضوان الله تبارك وتعالى وهذا يعني أن الأهداف المرحلية والجزئية للواحد منا
يجب ألا تتنافر معه في وضعيتها أو مفرزاتها أو نتائج تفاعلها . ولعل من علامات
الانسجام بينها وبين الهدف الأكبر شعور المرء أنه يحيا (حياة طيبة) وهي لا تولد
من رحم الرخاء المادي ، ولا من رحم التمتع بالجاه أو الاستحواذ على أكبر كمية
من الأشياء ، وإنما تولد من ماهية التوازن والانسجام بين المطالب الروحية والمادية
للفرد ، ومن التأنق الذي يشعر به من يؤدي واجباته .
الهدف المشروع عامل كبير في إيجاد التطابق بين رموزنا وخبراتنا ، وهو
إلى ذلك مولِّد لما نحتاجه من حماسة للمضي في الطريق إلى نهايته .
2- الملاءمة :
لكل منا طاقاته وموارده المحدودة ، وله ظروفه الخاصة ، وله إلى جانب ذلك
تطلعات وتشوّفات ؛ ومن الواضح اليوم أن الحضارة الحديثة أوجدت لدى الناس
طموحات فوق ما هو متوفر من إمكانات لتلبيتها ، وهذا يؤدي بكثير من الناس إلى
أن يسلكوا طرقاً غير مشروعة لتلبيتها ، أو يؤدي بهم إلى الشعور بالعجز والانحسار .
والهدف الملائم ، هو ذلك الهدف الذي يتحدى ولا يعجز . ومعنى التحدي دائماً : طلب تفجير طاقات كامنة أو استخدام موارد مهملة ، لكنها جميعاً ممكنة . حين
يكون الهدف سهلاً فإنه لا يؤدي إلى حشد إمكاناتنا الذاتية ، ولا إلى تشغيل أجهزتنا
النفسية والعقلية ، كما لو أننا طلبنا من شخص أن يقرأ في كل يوم ربع ساعة ، أو
يستغفر عشر مرات .
في المقابل فإن الهدف الكبير جداً يصد صاحبه عن العمل له ، وفي هذا
السياق نرى كثيراً من أهل الخير ، يشعرون بالإحباط ، ويشكون دائماً من سوء
الأحوال ، وتدهور الأوضاع ، وهذا نابع من وجود هدف كبير لديهم هو (الصلاح
العام) لكن ليس لديهم أهداف صغيرة ، أو مرحلية تصب فيه . إن كل هدف صغير
يقتطع جزءاً من الهدف الكبير ، ويؤدي إلى قطع خطوة في الطريق الطويل ؛ وعدم
وجود أهداف صغيرة ، يجعل الهدف النهائي يبدو دائماً كبيراً وبعيداً ، وهذا يسبب
آلاماً نفسية مبرحة ، ويجعل المرء يظهر دائماً بمظهر الحائر العاجز . إنه لا يأتي
بالأمل إلا العمل ، وقليل دائم خير من كثير منقطع .
3- المرونة :
إن أنشطة جميع البشر ، تخضع لعدد من النظم المفتوحة ، ومن ثم فإن النتائج
التي نتطلع إلى الحصول عليها ، تظل في دائرة التوقع والتخمين . حين يرسم
الإنسان هدفاً ، فإنه يرسمه على أساس من التقييم للعوامل الموجودة خارج طبيعة
عمله ، وخارج إرادته ، وهذه العوامل كثيراً ما يتم تقييمها على نحو خاطئ ، كما
أنها عرضة للتغير ، بالإضافة إلى أن إمكاناتنا التي سوف نستخدمها في ذلك هي
الأخرى متغيرة ؛ ولهذا كله فإن الهدف يجب أن يكون (مرناً) ، أي : له حدود دنيا ،
وله حدود عليا ؛ وذلك كأن يخطط أحدنا لأن يقرأ في اليوم ما بين ساعتين إلى أربع
ساعات ، أو يزور ثلاثة من الإخوة إلى خمسة وهكذا .. هذه المرونة تخفف من
ضغط الأهداف علينا ؛ فالناس يشعرون حيال كثير من أهدافهم أنها التزامات أكثر
منها واجبات ، والالتزام بحاجة دائماً إلى درجة من الحرية ، وسيكون من الضار بنا
تحوّل الأهداف إلى قيود صارمة ، وحواجز منيعة في وجه تلبية رغبات شخصية
كثيرة .
4- الوضوح :
هذه السمة من السمات المهمة للهدف الجيد ، حيث لا تكاد تخلو حياة أي إنسان
من الرغبة في تحقيق بعض الأمور ، لكن الملاحظ أن قلة قليلة من الناس ، تملك
أهدافاً واضحة ومحددة ، ولذا فمن السهل أن يتهم الإنسان نفسه أو غيره بأنه لم يتقدم
باتجاه أهدافه خطوة واحدة خلال عشرين سنة ، مع أنك لا تراه خلال تلك المدة إلا
منهمكاً ومتابعاً بما يعتقد أنه هدف يستحق العناء !
إنه يمكن القول بسهولة : إن كل هدف ليس معه معيار لقياسه وللكشف عما
أنجز منه ، وما بقي ؛ ليس بهدف . ولذا فإن من يملك أهدافاً واضحة يحدثك دائماً
عن إنجازاته ، وعن العقبات التي تواجهه . أما من لا يملك أهدافاً واضحة ، فتجده
مضطرباً ، فتارة يحدثك أنه حقق الكثير الكثير ، وتارة يحدثك عن خيبته وإخفاقه ؛
إنه كمن يضرب في بيداء ، تعتسفه السبل ، وتشتته مفارق الطرق ! نجد هذا
بصورة أوضح لدى الجماعات ؛ فالجماعة التي لا تملك أهدافاً واضحة محددة ، تظل
مشتتة الرأي في حجم ما أنجزته ، ولا يكاد خمسة من أبنائها يتفقون في تقويمهم
لذلك ! لا يكفي أن يكون الهدف واضحاً ، بل لا بد من تحديد توقيت لإنجازه ،
فالزمان ليس ملكاً لنا إلى ما لا نهاية ، وطاقاتنا قابلة للنفاد . ثم إن القيمة الحقيقية
للأهداف ، لا تتبلور إلا من خلال الوقت الذي يستغرقه الوصول إليها ، والجهد
والتكاليف التي نحتاجها . ولهذا كله فالبديل عن وضوح الهدف ، ووضوح تكاليفه
المتنوعة ، ليس سوى العبث والهدر والاستسلام للأماني الخادعة !
إن من أسباب ضبابية أهدافنا أننا لا نبذل جهداً كافياً في رسمها وتحديدها ،
وهذا لا يؤدي إلى انعدام إمكانية قياسها فحسب ، وإنما يؤدي أيضاً إلى إدراكها
بطريقة مبتذلة أو رتيبة ، مما يُفقدها القدرة على توليد الطاقة المطلوبة لإنجازها .
سنعمل الكثير من أجل أهدافنا إذا أدركنا أنه عن طريقها تتم الصياغة النهائية
لوجودنا .
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
بقلم : د . عبد الكريم بكار
|
|
18-03-2005 , 04:10 AM
|
الرد مع إقتباس
|