السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، ثم أما بعد : -
(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .
اللهم اهدنا إلى سواء الصراط ، واجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
أعتذر عن غيابي وتأخري ، وأسأل الله أن لا يشغلنا إلا بطاعته....
تقول يا أخي الفاضل :
إقتباس:
بالنِّسبةِ للكلمات التي تلقاها آدم (ع) ، فتفصيلُ الكلامِ فيهِ يتمحور حولَ محورين :
(1) ما هيَ الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟
(2) هَل يمكِـن الجمعُ بينَ الروايات أم لا ؟
|
أما ما ذكرت في النقطة الأولى فلا أوافقك عليه لعدم دقته ، فأقول - بارك الله فيك – مصححًا للنقطة الأولى :
(1) ما مدى (صحة) الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟
ولا أختلف معك حول النقطة الثانية ، الخاصة بإمكانية الجمع بين الروايات .
والآن سأناقش الروايات التي وضعتها :
الرواية الأولى ، والثانية :
عن عمر بن الخطاب مرفوعا : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لما خلقتني بيدك ونخفت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) .
تعليقي على الرواية :
أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري : حدثنا إسماعيل بن مسلمة : أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر . وقال : "صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب"
فتعقبه الذهبي بقوله : قلت : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري من ذا .
قال الإمام الألباني رحمه الله :
ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه ، أنه أورد فيه حديثًا آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه ، بل قال :
(والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد) .
قلت : والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال :
(خبر باطل) ، وكذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/360) ، وزاد عليه قوله في الفهري هذا :
(لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) ، قلت : والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد ، قال الحافظ : ذكره ابن حبان ، متهم بوضع الحديث ، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة ، لا يحل كتب حديثه ، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة .
قلت : والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207) : ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري : ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري : ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به . وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/253):
(رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم).
قلت : وهذا إعلال قاصر ، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه ، وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال البيهقي :
(إنه تفرد به) وهو متهم بالوضع ، رماه بذلك الحاكم نفسه ، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه ، ونسبوه إلى الخطأ والتناقض ، فقال (وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين شيخ الإسلام ابن تيمية) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89) :
(ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" : (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه) ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني ، وغيرهم . وقال ابن حبان :
(كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).
وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث ، وقالوا :
(إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).
قلت : وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه العلامة ابن عبد الهادي ، وقال في آخره :
(فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم ، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة ، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به ، فإن الجرح لا أستحله تقليداً ، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : (من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن) .
قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضوع عند الحاكم نفسه ، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن . وقد اتفق عند التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث ، وتبعهم على ذلك غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي ، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه ، مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا ، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق .
لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين :
الأولى : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأنه ضعيف جداً.
الثانية : جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن .
وللحديث عندي علة أخرى . وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده ، فتارة كان يرفعه كما مضى ، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر ، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن اسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به ، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً ، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ولا موقوفاً ، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال : (اللهم أسألك بحق محمد عليك..الحديث) نحوه مختصراً ، وهذا مع إرساله ووقفه ، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جدًا ً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني ، قال النسائي :
(ليس بثقة).
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم . أو عن كتبهم التي لا يوثق بها ، لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه ، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.
مخالفة هذا الحديث للقرآن الكريم :
ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه :
الأول : أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول :
(فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) . وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث ، فأخرج الحاكم (3/545) عنه : (فتلقى آدم من ربه كلمات) قال : أي رب ! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى . قال : ألم تنفخ فيَّ من روحك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ! ألم تسكنّي جنتك؟ قال : بلى . قال : ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن تبتُ وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : بلى . قال : فهو قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات) وقال الحاكم :
(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .
قلت : وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين :
الأول : أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي .
الثاني : أنه ورد في تفسير الآية ، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله ، ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
(اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) .
وقد قيل في تفسير هذه الكلمات : إنها ما في الآية الاخرى : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) . وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره" (1/279). لكن أشار ابن كثير (1/81) إلى تضعيفه ، ولا منافاة عندي بين القولين ، بل أحدهم يتمم الآخر ، فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات وهذا القول يبين ذلك ، فلا منافاة والحمد لله ، وثبت مخالفة الحديث للقرآن ، فكان باطلا ً.
الموضع الثاني : قوله في آخره :
(ولولا محمد ما خلقتك) فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً ، أو صحيح عند آخرين ، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله تبارك وتعالى :
(إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) . والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً وسنة ، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي من أجلها خلق آدم وذريته ، فقال عز وجل :
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فكل ما خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم كمخالفة هذا الحديث الباطل .
ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من العلماء والحفاظ ، فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه ، لأن – على قولهم –عبادة مشروعة ، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة ، فإذا كان الحديث عندهم ضعيف ، فلا حجة فيه البتة ، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى .
وأقول أخي الهاشمي – بارك الله فيك – بأن الحديث يخالف نصًا صريحًا من الله تعالى في كتابه الكريم ، فقد قال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف :5)
بالنسبة للرواية التي ذكرتها من كتاب (الشفا) للقاضي عياض ، فأرجو منك وضع سند الرواية كاملاً حتى نرد عليها بالطرق العلمية المعروفة في الجرح والتعديل عند أهل الحديث .
تقول أخي الفاضل :
إقتباس:
وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ جليٌ .
حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ أهل الجنَّةِ أقوالاً أخرى ، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم، وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً.
|
أقول بارك الله فيك :
أولاً :
كم مرة ذكر الله قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم؟
ذكرها أكثر من خمس مرات في سور مختلفة ، فلماذا لم يذكر توسل سيدنا آدم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولو لمرةًٍ واحدة ؟ لماذا لم يذكره في موضعٍ واحدٍ على الأقل ليعلمنا التوسل بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ فهل يعقل بأن يذكر الكلمات الأقل درجة من الكلمات الأخرى ؟ هذا لا يعقل أخي الكريم .
ثانيًا :
أنواع التوسل كما قررها أهل السنة والجماعة ، أتباع السلف الصالح هي ثلاثة ، ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
(1) التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائـــه الحسنى ، أو صفـة من صفـــاته العليا : كـأن يقول المسلم في دعائه : اللهـم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل :
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .
والمعنى : ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى . ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب ، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له ، خصت به تبارك وتعالى .
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال :
(قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين).
(2) التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي : كأن يقول المسلم : اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي..أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني..ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ ، فيه خوفه من الله سبحانه ، وتقواه إياه ، وإيثاره رضاه على كل شيء ، وطاعته له جل شأنه ، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه ، ليكون أرجى لقبوله وإجابته .
وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى :
(الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) ، وكذلك قوله تعالى :
(ربنا آمنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ، وكذلك قوله تعالى :
(إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) .
(3) التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح : كأن يقول المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به مصيبة كبيرة ، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى ، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة ، فيطلب منه أن يدعوا له ربه ، ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه . فهذا نوع آخر من التوسل المشروع ، دلت عليه الشريعة المطهرة ، وأرشدت إليه ، يدل عليه قوله تعالى :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) .
فهذه الأنواع الثلاثة قد ذكرها الله تعالى في أكثر من موضع ، فلو كان التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بمن دونه من الأولياء والصالحين مشروعًا لذكر الله هذا النوع في كتابه كما ذكر غيره ممن هو أقل أهمية منه .
بل إن المتأمل في كتاب الله يجد ما يضاد هذا التوسل بالبشر والصالحين ، ولو كانوا أنبياءً ، كما ذكر الله تعالى في سورة نوح على سبيل الذم لفعلهم :
(وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً) .
ثم تقول أخي الفاضل...
إقتباس:
على كلِّ حال،،،
برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات كاشفةً عن تفصيلِ دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل.
كلُّ ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها آدمُ –التي تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن الخاسرين) للسَّبَب التَّالي:
إنَّ الآيات التي ذكرتها من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ضعيفٌ، حيثُ الآيات تحكي ما يلي: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مباشرةً بعدَ ذلك: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما إلى الأرض، لذا ترى احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ واحد.
ثمَّ يقولُ تعالى (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين)، فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا.
أمّا لو رجعنا إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ تعالى(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض.
ثمَّ قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، أي بعدَ هبوطِهِما تلقّى آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط.
فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ التَّلقّي؟
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك : (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً، فاتَّحد زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط.
فأقولُ: الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم..) على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ لآدمَ كانت في الجنَّة قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ التوبةِ كانَت بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل اللازم بطلَ الملزوم.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا...) على ما حملته في سورة البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟
فنقولُ: إنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ لحملِه على خلاف الظاهر.
ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات مباشرة، فحملُها على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار الهبوط على أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ لذلك.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا...) تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في حديثٍ طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد-:
(فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : ... فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم).
أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما: (ربنا ظلمنا...).
|
أقول بارك الله فيك أن كل ما ذكرته بالأعلى بغرض إثبات أمرين :
(1) أن هناك توبتين : الأولى لم يتقبلها الله ، وهي التي كانت في الجنة ، والثانية : قبلها الله
تعالى وهي التي كانت على الأرض .
(2) أن قبول الله لتوبة آدم عليه السلام كانت بعد نزوله مع حواء للأرض .
وكلامك واستنتاجك يا أخي الفاضل – مع المعذرة – باطل ، والأدلة والاستنتاجات التي أوردتها يعتريها التفكك .
وأقول ردًا على كلامك : بأن التوبة كانت في الجنة قبل الهبوط ، فإن الله قد تاب عليهما ثم أنزلهما للأرض ، وأما الآيات التي تتحدث عن أدعيةٍ وكلماتٍ لهما تفيد ظلم النفس والتوبة ، فلا تنافي ما سأذكره ، بل هي امتداد لتوبتهما في الجنة ، وتوبة الله عليهما...
وقولك واستنتاجك ينافي صريح القرآن الكريم ، فتأمل معي هذه الآيات من سورة طه...
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)
فهذه الآيات الكريمة تثبت أن التوبة والهداية لآدم عليه السلام كانت في الجنة قبل الأمر بالهبوط ، وأن استنتاجاتك ليست في محلها .
والجمع يكون بين هذه الآية وآية التلقي :
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، فيكون تلقي الكلمات ، والتوبة في الجنة ، قبل الهبوط للأرض .
وقد ذُكِرت الكلمات التي نطقا بها ولم يُذكر غيرها في القرآن الكريم :
(قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، لذا فإضافة أي كلمات على لسانهما لم يذكرها القرآن تحتاج لدليل من الكتاب وهو منتفٍ بالطبع ، أو دليلٍ صحيح من السنة وهو أيضًا منتفٍ .
فما الذي يجعل الله تعالى يذكر دعائهما وكلماتهما عن ظلم النفس ، ويعرض عن الأهم وهو التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الأمر واضح أخي الكريم بعيدًا عن التكلف الواضح في تفسير الآيات تفسيرًا باطنيًا بغير ما أريدت به .
وقد استغربت أخي الكريم بأنك تضع الروايات دون معرفة صحتها من عدمها ، فها أنت تضع رواية للاستدلال :
إقتباس:
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال : "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم".
|
ألم تقرأ بداية السند ؟
سأنقله لك :
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال :.............
فالسند إذن
(واهٍ) لا يصح .
والله تعالى أعلم وأحكم .