العودة سوالف للجميع > سـوالـف الجمـيــــــــع > سـوالــف إســلامــيـة > هَل من مجيب؟ أ نـ ـا فـ ـي و ر طـ ـة
المشاركة في الموضوع
صفحة 4 من 4 < 1 2 3 4
Saleen S281 Saleen S281 غير متصل    
عضو جديد  
المشاركات: 68
#76  

معَ أنَّ البحثَ بهذه الطَّريقةِ بلا جدوائيّة، فإنَّكَ لو شئتَ الرِّوايات مِن عندنا، والتفاسيرَ من عندنا فلَن تقبَل بها، وهُنا تعمَّدتُ أن أختارَ الصحيح من الروايات والأعلى سنداً، وأيضاً اخترتُ الأعظَم كلماتاً لأرى أينَ جدوائيّة هذه الأسئلة عندكم، فلا نتيجةَ من ذلكَ ترجى.
وكما ذكرتُ سابقاً، إنَّ الأولى أن ننفي الشركيّة، ونعلَم مصاديق الشرك، ومِن ثمَّ نشرَع في البحث هَل هُم ينفعونَ فعلاً أو لا ينفعون، وهذا هُو البحثُ العلميّ –حسبما أعلم-.

لكِـن من بابِ عدم الإطنابِ في اختيار نقطة البداية، تماشيتُ معكُم دونَ اقتناع، وهذه أجوبتكم:

(1) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 1 ص 148 :
ذكَرَ السيد الطباطبائي في تفسير الميزان في ذيلِ تفسير الآية: "فتلقى آدمُ من ربِّه كلمات.." ما يلي:
وفي رواية اخرى –أي من الكليني- في قوله : فتلقى آدم من ربه كلمات قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. أقول: وروى هذا المعنى أيضا الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم ، وروي ما يقرب من ذلك من طرق اهل السنة والجماعة ايضا كما رواه في الدر المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد الا غفرت لي فأوحى الله إليه ، ومن محمد ؟ قال : تبارك إسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس احد عندك اعظم قدرا ممن جعلت إسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك.
ويمكنكَ مراجعةُ تفسير آيةِ: (وابتغوا إليه الوسيلة) في نفسِ التَّفسيرِ، وهذا الأخيرُ هُو الأولى مِن ذاكَ، لكِـن من بابِ أنني لم أشأ البحثَ أكثَر حيثُ هذا الأمر مسلَّم عندنا لم أنقُل ذلكَ.

أمّا كلامكَ من حيثُ النص الصريح القرآني، فلَو كنتَ تقصِد فيهِ نصاً لا يحتمِل أيَّ احتمال آخَر مِن الأساس، فهذا أمرٌ لم أجدهُ في القرآن الكريم لحدِّ الآن، فحتى آية: (وما محمد إلا رسول) يمكن الطعنُ فيهِ مِـن أنه كيفَ عرفتم من هو محمد المقصود هنا؟! وكذا ماذا تعني الصلاة وما هي تفاصيلها؟ وكذلكَ بقية العبادات؟
واعلَم أنَّ كلامكَ وبحثكَ إن أردتَ الغور فيه بهذه الطريقة، فأنا أعلِن إنسحابي، لا لشيءٍ سوى أنَّكَ تريد أن تفسِّر القرآن برأيكَ، وتريدُ أن تتركَ السنَّة الواردة عندكُم، وهذه الطريقة أيها المجاهد عمر أصبحت قديمة، وهُو التوكيل على الطرف المخالِف والخوض في مسألة الأسناد وما شاكَـل، وهو إخفاءٌ لحقائق مذهبكَ من أنَّ أغلبَ علمائكم بَل قد أقول الإجماعُ عليهِ –دونَ ابن تيمية وعدة قليلة من متبعيه- تركوا التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه، وإلا فالبقية متفقون على جواز التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه، يظهَرُ جلياً في آداب الزيارة للنبي (ص)، واستشهادهم ببعض الآيات القرآنية.


(2) الزيارة الجامعة الموجودة في كتاب مفاتيح الجنان، وكذا دعاء التوسّل.
فالزيارة الجامعة الكبيرة :
فقد رواها الشيخ الصدوق في كتابه المشهور من لا يحضره الفقيه ج2 ص609:
3213 - روى محمد بن إسماعيل البرمكي قال : "حدثنا موسى بن عبد الله النخعي قال : قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام علمني يا ابن رسول الله قولا أقوله ، بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم ، فقال : إذا صرت إلى الباب فقف وأشهد الشهادتين وأنت على غسل ، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : " الله أكبر ، الله أكبر - ثلاثين مرة - ، ثم امش قليلا ، وعليك السكينة والوقار ، وقارب بين خطاك ، ثم قف وكبر الله عزوجل - ثلاثين مرة - ثم ادن من القبر وكبر الله - أربعين مرة - تمام مائة تكبيرة، ويذكُر الزيارة الجامعة، ومِن بينِ فقرات الزيارة الجامعة ما يلي: (مستجيرٌ بكم)، (ومقدمي أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كلِّ أحوالي وأموري)، (ومن قصده توجَّـه بكم)، (يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجلَّ ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم)
وأورده الشيخ الطوسي في كتابِـه المعتمد (التهذيب) بسند صحيح عن الصدوق.
وكما ذكر في مفاتيح الجنان: (وهذه الزيارة كما صرح به العلامة المجلسي (رحمه الله)، إنما هي أرقى الزيارات الجامعة متنا وسندا وهي أفصحها وأبلغها).
واعلَم أنَّ في تصحيح الروايات وبيانُ هل هي متواترة أم لا، لا يرجع فيها إلا مجرَّدِ سندٍ واحدٍ أو عدة أسنادٍ، بَل يرجعْ فيها إلى أهل العلم، ويمكنك مراجعة أقوال أهل العلم في ذلكَ أمثال السيد علي الميلاني (حفظه الله) وكذا بعض المراجِـع الذين ذكروا هذه الزيارة وبحثوها سنداً ومتناً كالشيخ التبريزي والسيد الإمام الخميني –حسبما أذكُر
أما دعاء التوسل :
فقد أخرجه العلامة المجلسي عن بعض الكتب ، وقد وصفها بالمعتبرة ، وقد روى صاحب ذلك الكتاب الدعاء عن الصدوق قدس سره وقال : ما توسلت لأمر من الاُمور الا ووجدت أثر الاجابة سريعاً .

وأنا اختصرتُ على هاتين من بابِ أنها الأشهَر بينَ الأعلام في نقلِها والمواظبة عليها، وهُم ثقاتٌ عندنا، ولا يمكنكَ قياسُ ضوابطِ رجالكَ على ضوابطِ رجالنا لأنَّهم يختلفون عقيدةً، فستراهُم جميعاً كذابين وضاعين رافضة، لذا يستلزم البحثُ فيهم بالنهاية الدور، وهُو باطِل.
ويمكنكَ مراجعةُ كتاب (المزار) للشيخ المفيد في الأحاديث الوادرة في فضل زيارة الأئمة (ع) والأماكِـن المقدسة، وهُو كافٍ لبيانِ تواتر التوسُّل وإتيانهم عند قبورهم.


واعلَم أيّها المجاهِد عُمَـر، أنَّ هذه الروايات وهذه الزيارات، وقضيّة التوسُّل، تناقلتها الإمامية في كتبِ أعلامِها ومراجعِها جيلاً عن جيل، وعليهِ الإجماعُ من الطّائفة، وهذا هو الدَّليلُ الأعظمُ عندنا، فمِن هذا لَم أتعِب نفسي في استخراجِ الأحاديثِ من مصادرها الدَّقيقة، لأنَّ سؤالكَ أشبهُ عندي بأن تقولَ لي: اترُك الإجماع والتواتُر، وانتقِل إلى أسنادِ الآحاد أو الأخبار المستفيضة وما هي دونها، وهذا قبيحٌ مستقبحٌ عند أهلِ المذهب.
وأقولُ مرةً أخرى هُنا أيها المجاهد عمَر، مِن أنَّ المذهَب لا يبتني عقائده على بضعِ رواياتٍ، بَل العقائِـد دليلها الإجماع من الطائفة معَ العقلِ، ولا أجدُ منكَ سوى أن تنفي هذا الإجماع الموجود، وتنفي هذا التواتُر –وهُو دليلنا-.


الآنَ إن لم يكُن عندكَ إشكالٌ على ما أوردناهُ سابقاً، أعني دليل الإجماعِ والتواتِر وروايات فضائل الزيارة لأهل البيتِ (ع)، أنتقِلُ بكِ إلى آخِـر البحثِ باختصارٍ شديد، لأنني –كما استشممتُ منك- أنَّكَ تريد الجهاد في وسط المعركة أيها المجاهِـد، فلذا سآخذكَ هناكَ مباشِرة مِن قولِ أعلامكَ وأحاديثكَ التي صححها علمائكَ، بَل واتفقَ عليهِ إلا مِن ابن تيمية وبعض متبعيه، سواءً في تفسير الآياتِ أو السنَّة النبوية الشريفة أو سيرة الأعلام والمذاهب الأربعة.

Saleen S281 غير متصل قديم 20-06-2006 , 09:28 PM    الرد مع إقتباس
Saleen S281 Saleen S281 غير متصل    
عضو جديد  
المشاركات: 68
#77  

معَ أنني لم أشأ أن أذكُـرُ تلكَ الروايات السابِـقة باقتناع، لكن ذكرتُـها من باب المداراة، وهُنا أيضاً بحثتُ في روايتين بصورة سريعة، وبحثت عن رجالهما، وإليكَ الروايتين:

الوسائل ج7 باب37 استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد

[ 8841 ] 1 ـ محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ( محمد بن عمر بن عبد العزيز ) (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن داود الرقي قال : إني كنت أسمع أبا عبدالله ( عليه السلام ) أكثر ما يلح به في الدعاء على الله بحق الخمسة ، يعني رسول الله ، وأمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ( عليهم السلام ).
____________
(1) ذكِر في حاشية الوسئل ما يلي: في المصدر : عمر بن عبد العزيز .

هذا شرحُ رجال الحديث من كتاب جامع الرواة:
محمد بن يعقوب الكليني: شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم
محمد بن يحيى أبو جعفر العطار القمي: شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين.
أحمد بن محمد ين يحيى العطار القمي: وتصحيح بعض طرق الشيخ رحمه الله تعالى كطريقه إلى الحسين بن سعيد ونحوه يقتضي توثيقه.
محمد بن عمر بن عبد العزيز: بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد، (الخلاصة والفهرست: من غلمان العياشي ثقة بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب)، أما لو كانَ (عمر بن عبد العزيز) فهُو يروي المناكير وليسَ بغال.
داود الرقي: مولى بني أسد ثقة من أصحاب أبي عبد الله.

====================
[ 8852 ] 12 ـ الحسن بن محمد الطوسي في ( المجالس ) عن أبيه ، عن المفيد ، عن محمد بن عمر الجعابي ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، ( عن أحمد بن محمد بن يحيى ) (1) ، عن الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، عن محمد بن المشمعل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : من دعا الله بنا أفلح ، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك .
____________
(1) وردَ في الوسائل: في المصدر : يحيى بن زكريا بن شيبان.

محمد بن عمر الجعابي: كان من حفاظ الحديث وأجلاء أهل العلم.
أحمد بن محمد بن سعيد: جليل القدر عظيم المنزلة، أمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر.
أحمد بن محمد ين يحيى العطار القمي: وتصحيح بعض طرق الشيخ رحمه الله تعالى كطريقه إلى الحسين بن سعيد ونحوه يقتضي توثيقه، وإن كان (يحيى بن زكريا بن شيبان) فهو أبو عبد الله الكندي العلاف الشيخ الثقة الصدوق لا يطعن عليه.
الحسين بن سفيان: وهو الحسين بن علي بن سفيان شيخٌ ثقة جليل القدر من أصحابنا.
سفيان بن خالد: من أصحاب الإمام الصادق كما يبدو، واللهُ العالِم.
محمد بن المشمعل: من أصحاب الإمام الصادق (ع).
ثابت ابن دينار (أبا حمزة الثمالي): من خيار الأصحاب وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وكما روي عن الصادق (ع) أنَّه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه.


وقالَ صاحِب الوسائل بعدَ إيرادِ الباب:
أقول : والأحاديث في ذلك كثيرة جدا من طريق العامة والخاصة، وفي الأدعية المأثورة دلالة على ذلك لأنها مشحونة بالتوسل بهم ( عليهم السلام ).

==============

وأضيفُ هُنا نقطةً لكُم أيها الأخ الكريم:
أنتُـم تنكِرونَ عَلَيْنا التوسُّل، لذا نحنُ المطالبونَ بالدَّليلِ على ذلكَ، وبما أنَّ الفضلَ ما شهدت به الأعداءُ، فأذن لكَي أنتقِلَ إلى مصادركم، وأثبتَ لكَ التوسُّل من مصادركُم ومن أقوالِ علمائكم وأئمة مذاهبكم.

هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى: أنتُم تدَّعونَ الشِّركَ علينا، ونحنُ ننكِر ذلكَ، فأنتُم مطالبونَ بإيرادِ الدَّليلِ على ذلكَ سواءً منا، ليكونَ الفضلُ ما شهدت به الأعداء، أو بالاستدلال بالآيات القرآنيّة، والعقل.


وهُنا تجدُر الإشارة إلى نقطةٍ أنا تجاوزتُها معَ عدم قناعة -كما ذكرت-، وهو مسألة التوسُّل بين الشرك وعدمه، فهذا هُو الأساس قبلَ إثباتِ هَل هو حرامٌ أم مباحٌ، ولو كانَ حراماً فما الدَّليلُ على الحرمة حيثُ الأصلُ في الأشياءِ الإباحة؟ ولو كانَ مباحاً فهَل هُو مطلوبٌ أم لا؟ هذا هُو البحثُ العلمي -كما هُو واضح-، أمّا أن نعرِضَ عن التهمة الكبرى (الشرك)، ونتحوَّلَ إلى المتفرِّعات، فليسَ بمستساغٍ عند أهل العلم.

ثمَّ اعلَم -عزيزي الكريم- أنَّه لو سلمنا جدلاً أنَّه لا توجَـد ولا رواية في إثبات مشروعية التوسُّل، ولا يوجَـد أيُّ دليلٍ في مطلوبيّته، فكلُّ ما في الأمرِ أنَّك تنفي مطلوبيّتُـه لا أكثَر، فيبقى على إباحاته، وحينها سنعودُ إلى أدراجِنا في بحثِ هَل هُو شركٌ أم لا؟ فالتَّرتيب المبدوءُ بهِ ليسَ ترتيباً منظَّما، فهُو لف ونشرِ غير مرتَّب، لكِـن مِن باب المداراة معكم أواصِلُ، حتى لا يقولَ قائل: ليست لديهم روايات أو مثلَما أوردَ من سبقَ دعاءً أو دعائين وبضع كلمات من نهج البلاغة ليقولَ أنَّ الأئمة (ع) نهوا عن التوسُّل.


على كل حال، أنتظِركَ لأرى أينَ هيَ مسيرتُكَ التي تتوجَّـهُ لها.

Saleen S281 غير متصل قديم 21-06-2006 , 01:01 PM    الرد مع إقتباس
المجاهد عمر المجاهد عمر غير متصل    
مبدع جزيرة العرب  
المشاركات: 2,821
#78  

إقتباس:
معَ أنَّ البحثَ بهذه الطَّريقةِ بلا جدوائيّة، فإنَّكَ لو شئتَ الرِّوايات مِن‎ ‎عندنا، والتفاسيرَ من عندنا فلَن تقبَل بها، وهُنا تعمَّدتُ أن ‏أختارَ الصحيح من‎ ‎الروايات والأعلى سنداً، وأيضاً اخترتُ الأعظَم كلماتاً لأرى أينَ جدوائيّة هذه‎ ‎الأسئلة عندكم، فلا نتيجةَ من ذلكَ ‏ترجى‎.
وكما ذكرتُ سابقاً، إنَّ الأولى أن‎ ‎ننفي الشركيّة، ونعلَم مصاديق الشرك، ومِن ثمَّ نشرَع في البحث هَل هُم ينفعونَ‎ ‎فعلاً أو لا ‏ينفعون، وهذا هُو البحثُ العلميّ –حسبما أعلم‎-.‎


لكِـن من بابِ‎ ‎عدم الإطنابِ في اختيار نقطة البداية، تماشيتُ معكُم دونَ اقتناع، وهذه‎ ‎أجوبتكم‎:‎

‎ ‎‏(1) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 1 ص 148‏‎ ‎‏:‏
‎:
ذكَرَ السيد‎ ‎الطباطبائي في تفسير الميزان في ذيلِ تفسير الآية: "فتلقى آدمُ من ربِّه كلمات‎.." ‎ما يلي‎:‎

وفي رواية اخرى –أي من الكليني- في قوله : فتلقى آدم من ربه كلمات قال‎ : ‎سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. ‏أقول: وروى هذا المعنى أيضا الصدوق‎ ‎والعياشي والقمي وغيرهم ، وروي ما يقرب من ذلك من طرق اهل السنة والجماعة ‏ايضا كما‎ ‎رواه في الدر المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : لما أذنب آدم الذنب‎ ‎الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء ‏فقال : أسألك بحق محمد الا غفرت لي فأوحى الله‎ ‎إليه‎ ‎، ومن محمد ؟ قال : تبارك إسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك ‏فإذا فيه مكتوب لا‎ ‎إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس احد عندك اعظم قدرا ممن جعلت إسمه مع‎ ‎اسمك فأوحى الله إليه ‏يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك‎.‎

ويمكنكَ‎ ‎مراجعةُ تفسير آيةِ: (وابتغوا إليه الوسيلة) في نفسِ التَّفسيرِ، وهذا الأخيرُ هُو‎ ‎الأولى مِن ذاكَ، لكِـن من بابِ أنني لم أشأ ‏
البحثَ أكثَر حيثُ هذا الأمر مسلَّم‎ ‎عندنا لم أنقُل ذلكَ‎.‎


أمّا كلامكَ من حيثُ النص الصريح القرآني، فلَو كنتَ‏‎ ‎تقصِد فيهِ نصاً لا يحتمِل أيَّ احتمال آخَر مِن الأساس ، فهذا أمرٌ لم أجدهُ ‏في‎ ‎القرآن الكريم لحدِّ الآن ، فحتى آية : (وما محمد إلا رسول) يمكن الطعنُ فيهِ مِـن‎ ‎أنه كيفَ عرفتم من هو محمد المقصود ‏هنا؟! ‏
وكذا ماذا تعني الصلاة وما هي تفاصيلها ؟‎ ‎وكذلكَ بقية العبادات ؟

واعلَم أنَّ كلامكَ وبحثكَ إن أردتَ الغور فيه بهذه‎ ‎الطريقة ، فأنا أعلِن إنسحابي ، لا لشيءٍ سوى أنَّكَ تريد أن تفسِّر القرآن برأيكَ ،‎ ‎وتريدُ أن تتركَ السنَّة الواردة عندكُم ، وهذه الطريقة أيها المجاهد عمر أصبحت‎ ‎قديمة ، وهُو التوكيل على الطرف المخالِف ‏والخوض في مسألة الأسناد وما شاكَـل ، وهو‎ ‎إخفاءٌ لحقائق مذهبكَ من أنَّ أغلبَ علمائكم بَل قد أقول الإجماعُ عليهِ –دونَ ابن‎ ‎تيمية وعدة قليلة من متبعيه- تركوا التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه ، وإلا فالبقية‎ ‎متفقون على جواز التوسُّل بالرسول (ص) ‏بعد موتِـه ، يظهَرُ جلياً في آداب الزيارة‎ ‎للنبي (ص) ، واستشهادهم ببعض الآيات القرآنية‎.‎



الأستاذ/ الهاشمي...‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن ‏يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله ، عليه وعلى آله وأصحابه أتم التسليم ، ومن سار على دربهم ، ثم ‏أما بعد :-‏

بقدر ما كان لي من ملاحظات حول ردك الأول ، إلا أنني سعدت كثيرًا ، لأنني – ربما – وللمرة الأولى أناقش شيعيًا يجيب من ‏أول وهلة ، ولا يحاول اللف أو الدوران ، هكذا بدا لي والله حسيبك .‏

الأستاذ / الهاشمي...‏

أتمنى أن نكون صادقين كلانا في البحث والتجرد للحق ، فانسى بأنك شيعي ، وسأنسى بأنني سني – مؤقتًا - ، وأحسن النية ، ‏لأنني لمحت من ردك بعض الإتهامات لي بأنني أقصد ولا أقصد ، وبأنني أدخل معركة أو ما شابه ذلك ، مما جعلني أظن – ‏وأسأل الله أن أكون مخطئًا – بأن الرواسب أو الحواجز النفسية لا تزال موجودة بيننا .‏

الأستاذ / الهاشمي...‏

ألسنا باحثين عن الحق نطلبه وندور معه حيث دار ؟ فلم التشكيك في النوايا إذن ؟ أسأل الله أن يهدينا وإياكم للحق بإذنه ومنه ‏وكرمه ، وإعلم يا رعاك الله بأننا سنقف أمام ربنا جل وعلا ، وسوف يسألنا ، لذا...فلنؤد أمانة الحوار كما ينبغي ، وعلى الله ‏التكلان ، وهو المستعان .‏

في حقيقة الأمر أريد تركيز الحديث حول الآية ، وعدم الانتقال منها لنقطة أخرى قبل الانتهاء منها ، ثم نناقش الأحاديث المروية ‏من أهل السنة ومن الشيعة ، ولا تخف ، فسأناقش معك ما تريد من أدلة ، فبداية الحوار معك يبدو بأنها مشجعة جدًا .‏

الأستاذ / الهاشمي...‏

ذكرت آية : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:37)‏‎ ‎

وقبل أن أخوض معك في تفسيرها ، أريد أن أخبرك بأننا أهل السنة والجماعة نفسر القرآن بالتالي :‏

‏(1)‏تفسير القرآن بالقرآن ، فنرد الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا .‏
‏(2)‏ونفسر القرآن بالسنة أيضًا ، لأنها جاءت مفصلة ، ومبينة لأحكام القرآن المجملة .‏
‏(3)‏ونفسره بالمأثور من أقوال الصحابة والتابعين ، لأن القرآن نزل بلغتهم ، ثم هم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة .‏

ولقد رجعت لتفسير الآية التي قلت بأن الكلمات التي دعا بها آدم ربه : (أسألك بحق محمد إلا غفرت لي) ، في تفسير القمي ، الجزء الأول ، ص ‏‏55 ، الطبعة الأولى عام 1412هـ ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، فوجدت ما نصه : "وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه ، وهي : سبحانك ‏اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، عملت سوءًا ، وظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك خير الغافرين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله ‏إلا أنت ، عملت سوءًا ، وظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم" (انتهى) .‏

ولم يذكر فيها أنه توسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما نقلت لنا أنت بأن القمي قد ذكره في تفسيره .‏

ثم رجعت لتفسير العياشي ، الجزء الأول ، ص 54 ، الطبعة الأولى المحققة عام 1411هـ ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات فوجدت ما نصه من ‏قول آدم : "يا رب ، الحجة لك علينا ، ظلمنا أنفسنا وعصينا ، وإلا تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين ، قال : فلما أقرا لربهما بذنبهما ، وأن ‏الحجة من الله لهما ، تداركتهما رحمة الرحمن الرحيم ، فتاب عليهما ربهما إنه هو التواب الرحيم" (انتهى) .‏

إلا أنني – وللأمانة العلمية – وجدته قد ذكر سؤال آدم لله تعالى بحق محمد في روايةٍ واحدة فقط ، مروية عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوي ‏عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ولم أتحقق من صحة الرواية .‏

وكذا وجدت الرواية في تفسير السيوطي ، ذكرها مرة واحدة ، وذكر معها رواياتٍ كثيرةٍ جدًا تنقضها ، ولقد ذكرها دون أن يذكر صحتها من ‏عدمها ، فلا دليل لديك على صحتها ، وسأضع لك بعض المنقول عن أهل السنة في تفسير هذه الآية : ‏

أخرج عبد بن حميد والمنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة في‎ ‎قوله : ‏(فتلقى آدم‎ ‎من ربه كلمات)‏‎}‎‏ قال‏:‏ ذكر لنا أنه قال‏:‏ يا رب أرأيت إن ‏تبت‎ ‎وأصلحت ‏؟‏ قال‏:‏ فإني إذن أرجعك إلى الجنة)‎‏ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا‎ ‎وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏‎)‎‏ فاستغفر آدم ربه وتاب‏‎ ‎إليه فتاب عليه‏.‏ وأما عدو الله إبليس فوالله ما تنصل من ذنبه، ولا سأل التوبة حين‏‎ ‎وقع بما وقع به، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين، فأعطى الله ‏كل واحد مهما ما‎ ‎سأل‏.‏‎ ‎

وأخرج الثعلبي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله ‏(فتلقى آدم من ربه كلمات) ‏‎}‎‏قال ‏:‏ قوله ‏: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا ‏لنكونن من‎ ‎الخاسرين)‏‎ ‎

وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :‏‎ ‎‏(فتلقى آدم من ربه كلمات) ‏‎}‎‏قال‏ :‏ هو قوله : (ربنا ظلمنا أنفسنا ‏وإن لم‎ ‎تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏) ، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعن الضحاك‏.‏ مثله‏.‏‎ ‎

إذن ، وبغض النظر عن صحة الروايات من عدمها ، نستنتج بأن هناك قولان في تفسير الآية :-‏

‏(1) أن آدم سأل الله بحق محمد .‏
‏(2) أنه دعا ربه قائلاً : "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" أو فيما معناه من كلام .‏

وبالنظر إلى طريقة أهل السنة في رد الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة ، نجد بأن الله تعالى قد بين الكلمات التي دعا بها آدم عليه السلام ، في ‏موضعٍ آخر من القرآن ، في سورة الأعراف ، فتأمل معي قوله تعالى :‏

‏(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا ‏الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ ‏تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ ‏هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا ‏يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏‏* قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ ‏فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (الأعراف 19 : 24)‏‎ ‎

إذن فالقرآن يفسر بعضه بعضا ، ولا حاجة للقول على الله بغير علم ، فلقد ذكر سبحانه ما قاله آدم نصًا ، ولم يذكر توسله بالنبي صلى الله عليه ‏وسلم ، فلا حجة لك في هذه الآية .‏

إن كان لديك أي تعليق على هذه الآية فلتذكره ، موافقًا أو مخالفًا لي ، لنناقشه أو ننتقل للأدلة الأخرى ، لأنني أظن بأن الأمر جليٌ وواضح لا ‏يحتاج لبحث .‏

هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحابته....‏


المجاهد عمر

المجاهد عمر غير متصل قديم 22-06-2006 , 07:42 PM    الرد مع إقتباس
Saleen S281 Saleen S281 غير متصل    
عضو جديد  
المشاركات: 68
#79  

الأخ الكريم المجاهد عمر!
السَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه،،،
الحمدُ للهِ الذي ليسَ لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، فلا إله غيره ولا شيءَ يعدله، ثمَّ الصلاة والسَّلامُ على خيرِ خلقِه وأشرفِ بريَّته أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطّاهرين المعصومين، واللعنُ الدّائمُ على أعدائهم أجمعين.

الأخ الكريم المجاهِـد عمر!
أعتذِر -قبلَ كلِّ شيء- على الرَّدِّ الأوَّل الذي ذكرتُـه، حيثُ رأيتُ أسلوبكَ فيهِ نوعٌ مِن التهجُّم، فَطلبتُم منّا الدَّليل وخصصتموهُ في موردِ كتبنا فقط، فتعجَّبتُ مِن طريقتكم لحكرِ الإنسـان في موردٍ بسيط معَ أنَّ الاستدلال الأسهَل هُو من كتبِ المقابِل -كما ذكرنا-، فالفضل ما شهدتُم به على أنفسكم.
وأرجو عدم مناداتي بـ (الأستاذ) -إن لم يكن هناكَ مانع- ليكونَ الحوارُ أخوي، فهُوَ أفضَل.

الأخ العزيز المجاهد عمر!
سعدتَ كثيراً بأخلاقيّاتِكَ في الحِوارِ وحسنِ ظنِّكَ، وإن شاءَ اللهُ تعالى منكُم نستفيدُ للوصولِ إلى الحقِّ والحقيقة.

على كلِّ حال -معَ أنَّ الآية عن قصة النبي آدم (ع) لم أطرحْها من باب الموضع الرئيسي؛ فذكرتُ أنَّ الأولى الخوضُ في آية الوسيلة (وابتغوا إليه الوسيلة)، لكِـن لا بأسَ بالخوضِ في هذه الآية-،،،

بالنِّسبةِ للكلمات التي تلقاها آدم (ع)، فتفصيلُ الكلامِ فيهِ يتمحور حولَ محورين:
(1) ما هيَ الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة؟
(2) هَل يمكِـن الجمعُ بينَ الروايات أم لا؟


أمّا الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة، فنذكُرُ منها:
ورد في المستدرك للحاكم ج2 ص672 كتاب تواريخ المتقدمين، كتاب آيات رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: "حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) و سلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله : يا آدم و كيف عرفت محمدا و لم أخلقه ؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك و نفخت في من روحك و رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك و لولا محمد ما خلقتك.
هذا حديث صحيح الإسناد و هو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب
" أمّا تعليق الذهبي قي التلخيص: بل موضوع.

وورد في الدر المنثور للسيوطي ج1 تفسير الآية: "قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم
الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال " قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ؟ فأوحى الله إليه : ومن محمد ؟ فقال : تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله إليه : يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك ولولا هو ما خلقتك "
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه
"

ورد في كتاب (الشفا) للقاضي عياض ج2 ص35:
"و قال –لمالكٍ-: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : و لم تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به فيشفعك الله قال الله تعالى : { و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}"

هذا قسمٌ من الروايات والقِسمُ الآخر من الروايات هُو ما ذكرتموهُ في مشاركتكم، وكلا القسمين واردين في كتب الفريقين.

وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ جليٌ.
حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ أهل الجنَّةِ أقوالاً أخرى، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم، وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً.

ومِن جهةٍ أخرى، الحصرُ الذي ذكرتَـه ليسَ جامعاً في الأقوال -عزيزي الكريم-، والحصرُ الذي أقررهُ هنا هُو التالي:
(1) التوسُّلُ بمحمد (ص).
(2) عدمُ التوسُّل به (ص) بصورة عامّة، سواءً كانَ بدعاء (ربنا ظلمنا...) أو بغيره.


فقد راجعتُ تفسير السيوطي، ووجدتُ أنَّ من بينِ الأدعية التي دعا بها آدم (ع) -حسب ما روي- هو الدّعاء التالي: ( اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي وأرضني بما قسمت لي فأوحى الله إليه : يا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنك ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه وكفيته المهم من أمره وزجرت عنه الشيطان واتجرت له من وراء كل تار وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها).
وكذا وردت أقوالٌ أخرى، من قبيلِ: ( لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فإغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنت أنت التواب الرحيم).
وغيرُ ذلكَ من الأقوالِ المذكورةِ التي يمكنكَ مراجعتها في كتبِ التفسير ضمنَ الآية المباركة، من قبيل أنَّ الكلمات كانت بشأن الحج وغيرُ ذلك.

على كلِّ حال،،،
برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات كاشفةً عن تفصيلِ دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل.

كلُّ ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها آدمُ –التي تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن الخاسرين) للسَّبَب التَّالي:
إنَّ الآيات التي ذكرتها من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ضعيفٌ، حيثُ الآيات تحكي ما يلي: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مباشرةً بعدَ ذلك: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما إلى الأرض، لذا ترى احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ واحد.
ثمَّ يقولُ تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ ‏فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا.
أمّا لو رجعنا إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض.
ثمَّ قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، أي بعدَ هبوطِهِما تلقّى آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط.
فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ التَّلقّي؟
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً، فاتَّحد زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط.
فأقولُ: الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم..) على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ لآدمَ كانت في الجنَّة قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ التوبةِ كانَت بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل اللازم بطلَ الملزوم.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا...) على ما حملته في سورة البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟
فنقولُ: إنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ لحملِه على خلاف الظاهر.
ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات مباشرة، فحملُها على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار الهبوط على أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ لذلك.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا...) تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في حديثٍ طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد-:
(فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : ... فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم).
أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما: (ربنا ظلمنا...).

وأضيفُ هنا نقطتين لمزيدٍ من التَّوضيح:
(1) قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، حيثُ الآيةُ تثبتُ (التلقّي)، فهناكَ من ألقى هذه الكلمات إلى النَّبيّ آدم (ع)، والظّاهِر أنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) تبيِّن قولهما الصادِر عنهما، ولو أردنا حملَ التلقّي في الآية الأولى على أنَّ اللهَ ألقى في قلبهما أن يقولا (ربنا ظلمنا...) فهُو يحتاجُ إلى دليلٍ لصرفِ اللفظ عن ظاهِر معنى التلقّي عن الوحي.
(2) الرّوايات التي وردت في تفسير السيوطي التي تبيّن أنَّ كلمات آدم (ع) كانت (قالا ربنا ظلمنا...) –حسبَ النظرة الأولية بصورة سريعة- تعودُ إلى الصحابة كابن عباس وقتادة وغيرِهِم، ممّا يبيِّن أنَّها استنتاجُهُم لا قولَ الرَّسول (ص)، فلو كانَ ذلكَ ما سمعوهُ من الرَّسول (ص) لذكروا ذلكَ، والأحاديث التي ذكرت عن الرسول (ص) تبيِّنُ أنَّ الكلمات كانت أدعية أخرى غير (قالا ربنا ظلمنا...)، ولا نريدُ طرحَ أقوالِ ابن عباس وغيرِه، فنحملُه على المرَّة الثانية.


أمّا بالنِّسبةِ لجمعِ الأخبار:
فواضحٌ أنَّه يمكِن لنا جمعُ الأخبارِ بلا معارضة بينَها، فتكونُ جميعُ الأدعية واردة على لسان النبي آدم (ع) في مواضع مختلفة حين استغفاره، والجمعُ أولى من الطَّرح في حال الإمكان –كما هو مسلَّم-، خصوصاً أنَّ العرفَ يحكم بأنَّ النبي آدم (ع) استغفَر مراتٍ ومراتٍ، فما المانع من أن تكونَ كلُّ رواية ناظرة إلى مرةٍ من المرات؟ فنقولُ أنَّ النبي آدم (ع) استغفرَ بعدّة أدعية، مِن بينها (ربنا ظلمنا..) ومِن بينها التوسُّل بحق محمد وآل محمد (ص)، ومِن بينها (سبحانك لا إله إلا أنت..).

بهذا يتَّضِح لكُم أنَّه لا يمكِن طرحُ رواية توسُّل النبي آدم (ع) حتّى لو كانَ ضعيفاً سنداً، وأقصى ما نراهُ أنَّ هناكَ احتمالين يقَعَ بينَهُما التَّرجيح، والتَّرجيحُ بلا مرجِّحٍ باطلٌ، والجمعُ أولى من الطَّرحِ أيضاً، فلا سبيلَ لطرحِ هذه الرِّوايةَ بمجرَّدِ وجودِ رواياتٍ أخرى تختلِفُ مضموناً دونَ تعارضٌ، واللهُ العالِم.
وقَد نجدُ جمعَ بعضٍ منها في بعضِ الرِّوايات التي وجدتُها أثناءَ البحث، فقد وردَ في كتاب (مناقب أهل البيت عليهم السلام) للمولى حيدر الشرواني ص89 روايةً نقلَها عنِ السّيوطي في تفسيره الدُّر المنثور –ومنهُ يعلَم أنَّ السيوطي ذكرَ روايةَ التوسُّل مرتين بصيغتين مختلفتين، بَل ثلاثُ مراتٍ كما وجدت لا مرةً واحدة كما ذكرتم أخي الكريم-، وأنا أنقُلُ الرواية مِن الدُّر المنثور، وكذا أنقُل الرواية الثالثة التي تليها، لتكتملِ الثلاث روايات التي وجدتها في الدُّر المنثور للتوسّل بمحمد وآلِ محمد (ص):
(وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم".
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال : سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ألا تبت علي فتاب عليه".
)
فهذه روايتان إضافة إلى الرواية الأولى التي ذكرت قبلَ هذه الروايتين بصفحات في ذيل الآية نفسها من سورة البقرة، ورأيتُم في الرواية الثانية كيفَ تمَّ جمعُ السؤال بحقِّ محمد وآل محمد معَ الدّعاء (لا إله إلا أنت..)، وهُو كدليلٍ على إمكانِ الجمع، بَل وجودِه فعلاً.
-------------------------------------------------
أمّا بالنِّسبةِ للتَّفاسير التي ذكرتَها أخي الكريم فإليكَ تفصيلها بصورةٍ موجزة:
الفقرةُ التي نقلتُها كانَت كاملة للسيد الطباطبائي من تفسير الميزان، أي فقرة: (أقول: وروى هذا المعنى أيضاً الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم...) كلُّه للسيد الطباطبائي، فلَم أذكُر أنا المصادِر، ولكِـن راجعتُ ورأيتُ أنَّ كلامكم بالنِّسبةِ لتفسير القمي صحيح –لحد بحثي-، فلم أجِـد أنَّ السيد القمي ذكر ذلكَ في تفسيره، واللهُ العالِم.
لكِن صاحب الحاشية على التفسير (السيد طيب الموسوي الجزائري) ذكَرَ ذلكَ في ذيلِ آية: (وإذ ابتلى إبراهيم ربَّه بكلمات..)، فذكَر ما معناهُ أنَّه لا يبعد أن تكونُ الكلمات هي التوسُّل بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وذكر رواية النبي آدم (ع) في التوسُّل بهم (ع)، فقد يكونُ السيّد الطباطبائي لم يدقِّق في ذلك، أو حصلَ تصحيفٌ في البينِ، وعلى كلٍ، لم ينقُل ذلكَ السيد القمي في تفسيره –لحدّ بحثنا-.
أما تفسير العياشي فتوجَد فيه روايتان -لا رواية واحدة كما ذكرتم أخي الكريم-، وهذا هُو نصُّ الروايتين المتتاليتين:
(27) عن عبد الرحمن بن كثير عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ان الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته . فمر به النبي صلى الله عليه وآله وهو متكى ، على على عليه السلام وفاطمة صلوات الله عليهما تتلوهما والحسن والحسين ( ع ) يتلوان فاطمة ، فقال الله : يا آدم اياك ان تنظر إليهم بحسد اهبطك من جواري ، فلما اسكنه الله الجنة مثل له النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فنظر إليهم بحسد ثم عرضت عليه الولاية فانكرها فرمته الجنة بأوراقها ، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين ( ع ) غفر الله له ، وذلك قوله " فتلقى آدم من ربه كلمات " الآية.
(28) عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوى عن أبيه عن جده عن على عليه السلام قال : الكلمات التى تلقيها آدم من ربه قال : يا رب اسئلك بحق محمد لما تبت على ، قال : وما علمك بمحمد ؟ قال : رأيته في سرادقك الاعظم مكتوبا وأنا في الجنة.

وهناكَ روايات أخرى بنفس المضمونِ في كتبٍ أخرى لم أبحث عنها لاقتصاري على السَّابِقِ ذكرُه.

أعتذِرُ على الإطنابِ في الكلامِ، وإن شاءَ الله نتوصَّل وإيّاكُم إلى الحقِّ الخالِص،،،

الهاشمي

Saleen S281 غير متصل قديم 23-06-2006 , 05:48 PM    الرد مع إقتباس
المجاهد عمر المجاهد عمر غير متصل    
مبدع جزيرة العرب  
المشاركات: 2,821
#80  

الهاشمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعتذر كثيرًا لغيابي "القسري" وتأخري بسبب انشغالي الشديد ، خلال يوم أو يومين على الأكثر سأضع ردي .


المجاهد عمر

المجاهد عمر غير متصل قديم 01-07-2006 , 08:39 PM    الرد مع إقتباس
المجاهد عمر المجاهد عمر غير متصل    
مبدع جزيرة العرب  
المشاركات: 2,821
#82  

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، ثم أما بعد : -

(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا ‏فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)‏ .

اللهم اهدنا إلى سواء الصراط ، واجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .

أعتذر عن غيابي وتأخري ، وأسأل الله أن لا يشغلنا إلا بطاعته....


تقول يا أخي الفاضل :

إقتباس:
بالنِّسبةِ للكلمات التي تلقاها آدم (ع) ، فتفصيلُ الكلامِ فيهِ يتمحور حولَ‎ ‎محورين ‏‎:‎

‎(‎‏1‏‎) ‎‏ ما هيَ الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟
‎(‎‏2‏‎) ‎‏ هَل‎ ‎يمكِـن الجمعُ بينَ الروايات أم لا ؟


أما ما ذكرت في النقطة الأولى فلا أوافقك عليه لعدم دقته ، فأقول - بارك الله فيك – مصححًا ‏للنقطة الأولى :‏

‏(1) ما مدى (صحة) الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟

ولا أختلف معك حول النقطة الثانية ، الخاصة بإمكانية الجمع بين الروايات .‏

والآن سأناقش الروايات التي وضعتها : ‏

الرواية الأولى ، والثانية :‏

عن عمر بن الخطاب مرفوعا : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت ‏لي فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لما خلقتني بيدك ونخفت في من ‏روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك ‏لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) . ‏

تعليقي على الرواية :‏

أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري : حدثنا إسماعيل ‏بن مسلمة : أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر . وقال : "صحيح ‏الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب" ‏

فتعقبه الذهبي بقوله : قلت : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا ‏أدري من ذا .‏

قال الإمام الألباني رحمه الله :‏

ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه ، أنه أورد فيه حديثًا آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه ‏، بل قال : (والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد) . ‏

قلت : والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال : (خبر باطل) ، وكذا ‏قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/360) ، وزاد عليه قوله في الفهري هذا : (لا أستبعد أن ‏يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) ، قلت : والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد ، قال ‏الحافظ : ذكره ابن حبان ، متهم بوضع الحديث ، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة ، لا يحل كتب ‏حديثه ، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة .‏

قلت : والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207) : ثنا محمد بن داود بن أسلم ‏الصدفي المصري : ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري : ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد ‏الرحمن بن زيد بن أسلم به . وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون ، وقد أشار ‏إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/253): (رواه الطبراني في الأوسط ‏والصغير وفيه من لم أعرفهم).‏

قلت : وهذا إعلال قاصر ، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه ، ‏وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال البيهقي : (إنه تفرد به) وهو ‏متهم بالوضع ، رماه بذلك الحاكم نفسه ، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه ، ونسبوه إلى ‏الخطأ والتناقض ، فقال (وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين شيخ الإسلام ابن ‏تيمية) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89) : (ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، ‏فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" : (عبد الرحمن بن زيد بن ‏أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها ‏عليه) ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ، ضعفه أحمد بن حنبل ‏وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني ، وغيرهم . وقال ابن حبان : (كان يقلب الأخبار وهو ‏لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).‏

وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث ، وقالوا : ‏‏(إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم ‏بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).‏

قلت : وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه العلامة ‏ابن عبد الهادي ، وقال في آخره : (فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم ، لأن الجرح ‏لا يثبت إلا ببينة ، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به ، فإن الجرح لا أستحله تقليداً ، والذي ‏أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل ‏في قوله صلى الله عليه وسلم : (من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن) .‏

قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا ‏موضوع عند الحاكم نفسه ، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن . وقد اتفق عند ‏التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث ، وتبعهم على ذلك ‏غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي ، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن ‏يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه ، مع اختياره في قوله ‏الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا ، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق .‏


لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين :‏

الأولى : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأنه ضعيف جداً.‏
الثانية : جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن .‏

وللحديث عندي علة أخرى . وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده ، فتارة كان ‏يرفعه كما مضى ، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر ، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ‏كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن اسماعيل بن ‏أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به ، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً ، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ‏ولا موقوفاً ، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : ‏من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال : (اللهم أسألك بحق محمد عليك..الحديث) نحوه ‏مختصراً ، وهذا مع إرساله ووقفه ، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جدًا ً، وفيه عثمان بن ‏خالد والد أبي مروان العثماني ، قال النسائي : (ليس بثقة).

وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائليات التي تسربت إلى المسلمين من ‏بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم . أو عن كتبهم التي لا يوثق بها ، لما طرأ عليها من ‏التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه ، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.‏

مخالفة هذا الحديث للقرآن الكريم :‏

ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في ‏موضعين منه :‏

الأول : أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل ‏يقول : (فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) . وقد جاء تفسير هذه ‏الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث ، فأخرج الحاكم ‏‏(3/545) عنه : ‏(فتلقى آدم من ربه كلمات)‏ قال : أي رب ! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى . قال : ‏ألم تنفخ فيَّ من روحك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ! ألم تسكنّي جنتك؟ قال : بلى . قال : ألم ‏تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن تبتُ وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال ‏‏: بلى . قال : فهو قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات) وقال الحاكم : (صحيح الإسناد) ووافقه ‏الذهبي ، وهو كما قالا .‏

قلت : وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين :‏

الأول : أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي .‏
الثاني : أنه ورد في تفسير الآية ، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله ، ولا ‏سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم بقوله : (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) .‏

وقد قيل في تفسير هذه الكلمات : إنها ما في الآية الاخرى : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا ‏وترحمنا لنكونن من الخاسرين) . وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره" (1/279). لكن ‏أشار ابن كثير (1/81) إلى تضعيفه ، ولا منافاة عندي بين القولين ، بل أحدهم يتمم الآخر ، ‏فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات ‏وهذا القول يبين ذلك ، فلا منافاة والحمد لله ، وثبت مخالفة الحديث للقرآن ، فكان باطلا ً.‏

الموضع الثاني : قوله في آخره : (ولولا محمد ما خلقتك) فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا ‏تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً ، أو صحيح عند آخرين ، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب ‏والسنة الصحيحة ، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله ‏تبارك وتعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) . والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً ‏وسنة ، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي ‏من أجلها خلق آدم وذريته ، فقال عز وجل : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فكل ما ‏خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ‏كمخالفة هذا الحديث الباطل . ‏

ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من ‏العلماء والحفاظ ، فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه ، لأن – على ‏قولهم –عبادة مشروعة ، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من ‏الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة ، فإذا كان الحديث عندهم ضعيف ، فلا ‏حجة فيه البتة ، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى .‏

وأقول أخي الهاشمي – بارك الله فيك – بأن الحديث يخالف نصًا صريحًا من الله تعالى في كتابه ‏الكريم ، فقد قال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ ‏دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف :5)‏

بالنسبة للرواية التي ذكرتها من كتاب (الشفا) للقاضي عياض ، فأرجو منك وضع سند الرواية ‏كاملاً حتى نرد عليها بالطرق العلمية المعروفة في الجرح والتعديل عند أهل الحديث .‏


تقول أخي الفاضل :‏

إقتباس:
وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما‏‎ ‎تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ ‏بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية‎ ‎لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) ‏كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ‎ ‎جليٌ ‏‎.‎

حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ‎ ‎أهل الجنَّةِ أقوالاً ‏أخرى ، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ‎ ‎بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا ‏يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم،‎ ‎وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً‎.‎


أقول بارك الله فيك :‏

أولاً :

كم مرة ذكر الله قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم؟‏
ذكرها أكثر من خمس مرات في سور مختلفة ، فلماذا لم يذكر توسل سيدنا آدم بالنبي محمد صلى ‏الله عليه وسلم ولو لمرةًٍ واحدة ؟ لماذا لم يذكره في موضعٍ واحدٍ على الأقل ليعلمنا التوسل بنبينا ‏محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ فهل يعقل بأن يذكر الكلمات الأقل درجة من الكلمات الأخرى ؟ هذا لا ‏يعقل أخي الكريم .‏

ثانيًا :

أنواع التوسل كما قررها أهل السنة والجماعة ، أتباع السلف الصالح هي ثلاثة ، ذكرها الله ‏سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :‏

‏(1) التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائـــه الحسنى ، أو صفـة من صفـــاته العليا : كـأن يقول ‏المسلم في دعائه : اللهـم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو ‏يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .‏

ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .‏

والمعنى : ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى . ولا شك أن صفاته العليا عز وجل ‏داخلة في هذا الطلب ، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له ، خصت به تبارك وتعالى .‏

ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال : (قال رب أوزعني أن أشكر ‏نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك ‏الصالحين).‏

‏(2) التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي : كأن يقول المسلم : اللهم بإيماني بك ، ‏ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي..أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه ‏وسلم وإيماني به أن تفرج عني..ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ ، فيه خوفه من الله ‏سبحانه ، وتقواه إياه ، وإيثاره رضاه على كل شيء ، وطاعته له جل شأنه ، ثم يتوسل به إلى ‏ربه في دعائه ، ليكون أرجى لقبوله وإجابته .‏

وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى : (الذين ‏يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) ، وكذلك قوله تعالى : (ربنا آمنا بما أنزلت ‏وتبعت الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ، وكذلك قوله تعالى : (إنه كان فريق من عبادي يقولون ‏ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) .‏

‏(3) التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح : كأن يقول المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به ‏مصيبة كبيرة ، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيجب أن يأخذ بسبب قوي ‏إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى ، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة ، فيطلب ‏منه أن يدعوا له ربه ، ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه . فهذا نوع آخر من التوسل المشروع ‏، دلت عليه الشريعة المطهرة ، وأرشدت إليه ، يدل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا ‏أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) .‏

فهذه الأنواع الثلاثة قد ذكرها الله تعالى في أكثر من موضع ، فلو كان التوسل بالنبي محمد صلى ‏الله عليه وسلم ، أو بمن دونه من الأولياء والصالحين مشروعًا لذكر الله هذا النوع في كتابه كما ‏ذكر غيره ممن هو أقل أهمية منه .‏

بل إن المتأمل في كتاب الله يجد ما يضاد هذا التوسل بالبشر والصالحين ، ولو كانوا أنبياءً ، كما ‏ذكر الله تعالى في سورة نوح على سبيل الذم لفعلهم : (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا ‏سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ ‏أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً) .‏

ثم تقول أخي الفاضل...‏

إقتباس:
على كلِّ حال،،،

برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن‎ ‎تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن ‏لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في‎ ‎المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء ‏كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي‎ ‎مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، ‏فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من‎ ‎نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات ‏كاشفةً عن تفصيلِ‎ ‎دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل‎.

كلُّ‎ ‎ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها‎ ‎آدمُ –التي ‏تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر‎ ‎لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن ‏الخاسرين) للسَّبَب التَّالي‎:‎

إنَّ الآيات التي ذكرتها‎ ‎من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ‏ضعيفٌ، حيثُ الآيات‎ ‎تحكي ما يلي‎: (‎وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ‎ ‎تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا ‏إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ‎ ‎مُبِينٌ‎)‎، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ‎.
ثمَّ يقولُ‎ ‎تعالى مباشرةً بعدَ ذلك‎: (‎قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‎ ‎وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ‎ ‎الْخَاسِرِينَ‎)‎، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما‎ ‎إلى الأرض، لذا ترى ‏احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ‎ ‎واحد‎.‎

ثمَّ يقولُ تعالى (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ‎ ‎عَدُوٌّ وَلَكُمْ ‏فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين)،‎ ‎فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا‎.‎

أمّا لو رجعنا‎ ‎إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ ‏تعالى(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا‎ ‎فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ ‏فِي الأَرْضِ‏‎ ‎مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض‎.‎

ثمَّ‎ ‎قالَ تعالى‎: (‎فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ‎ ‎عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‎)‎، أي بعدَ ‏هبوطِهِما تلقّى‎ ‎آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ‎ ‎هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط‎.‎

فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا‎ ‎ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ‎ ‎التَّلقّي؟‎
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية‎ ‎‏(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ ‏عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ‎ ‎التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك : (قُلْنَا اهْبِطُواْ‎ ‎مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي ‏هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ‎ ‎فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ‎ ‎وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ ‏أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا‎ ‎خَالِدُونَ) حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً،‎ ‎فاتَّحد ‏زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط‎.‎

فأقولُ‎: ‎الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم‎..) ‎على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط ‏السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ‎ ‎يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين‎.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا‎ ‎السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ ‏لآدمَ كانت في الجنَّة‎ ‎قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ‎ ‎اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ‎ ‎التوبةِ كانَت ‏بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ‎ ‎ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ ‏كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل‎ ‎اللازم بطلَ الملزوم‎.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا‎ ‎ظلمنا...) على ما حملته في سورة ‏البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا‎ ‎بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟‎
فنقولُ‎: ‎إنَّ‎ ‎آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ‎ ‎لحملِه على ‏خلاف الظاهر‎.‎

ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا‎ ‎بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، ‏مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ‎ ‎البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات ‏مباشرة، فحملُها‎ ‎على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار ‏الهبوط على‎ ‎أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ‎ ‎لذلك‎.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا‎...) ‎تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ ‏فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ‎ ‎هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما ‏قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم‎ ‎بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ ‏هبوطِهِما،‎ ‎فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في ‏حديثٍ‎ ‎طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد‎-:
‎(‎فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و‎ ‎طفقا يخصفان ‏عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل‎ ‎لكما: إن الشيطان ‏لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا‎ ‎لنكونن من الخاسرين ، ‏قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا‎ ‎موكولين إلى أنفسهما ‏في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما‎ ‎جبرئيل فقال لهما : ... ‏فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل‎ ‎إلى أرضه فسلا ربكما بحق ‏الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما،‎ ‎فقالا، اللهم إنا نسألك بحق ‏الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة‎ ‎عليهم السلام إلا تبت علينا ‏ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب‎ ‎الرحيم‎).‎

أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما‎ ‎وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ ‏اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما‎: (‎ربنا ظلمنا‎...).‎
‎ ‎

أقول بارك الله فيك أن كل ما ذكرته بالأعلى بغرض إثبات أمرين : ‏

‏(1) أن هناك توبتين : الأولى لم يتقبلها الله ، وهي التي كانت في الجنة ، والثانية : قبلها الله ‏
‏ تعالى وهي التي كانت على الأرض .‏

‏(2) أن قبول الله لتوبة آدم عليه السلام كانت بعد نزوله مع حواء للأرض .‏


وكلامك واستنتاجك يا أخي الفاضل – مع المعذرة – باطل ، والأدلة والاستنتاجات التي أوردتها ‏يعتريها التفكك .‏

وأقول ردًا على كلامك : بأن التوبة كانت في الجنة قبل الهبوط ، فإن الله قد تاب عليهما ثم ‏أنزلهما للأرض ، وأما الآيات التي تتحدث عن أدعيةٍ وكلماتٍ لهما تفيد ظلم النفس والتوبة ، فلا ‏تنافي ما سأذكره ، بل هي امتداد لتوبتهما في الجنة ، وتوبة الله عليهما...‏

وقولك واستنتاجك ينافي صريح القرآن الكريم ، فتأمل معي هذه الآيات من سورة طه...‏

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ‏لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ‏‏* إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ‏آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ ‏عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا ‏جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)

فهذه الآيات الكريمة تثبت أن التوبة والهداية لآدم عليه السلام كانت في الجنة قبل الأمر بالهبوط ‏، وأن استنتاجاتك ليست في محلها .‏

والجمع يكون بين هذه الآية وآية التلقي : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، فيكون تلقي الكلمات ، والتوبة في الجنة ، قبل الهبوط للأرض .

وقد ذُكِرت الكلمات التي نطقا بها ولم يُذكر غيرها في القرآن الكريم : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‎ ‎وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ‎ ‎الْخَاسِرِينَ) ، لذا فإضافة أي كلمات على لسانهما لم يذكرها القرآن تحتاج لدليل من الكتاب وهو منتفٍ بالطبع ، أو دليلٍ صحيح من السنة وهو أيضًا منتفٍ .

فما الذي يجعل الله تعالى يذكر دعائهما وكلماتهما عن ظلم النفس ، ويعرض عن الأهم وهو التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟

الأمر واضح أخي الكريم بعيدًا عن التكلف الواضح في تفسير الآيات تفسيرًا باطنيًا بغير ما أريدت به .


وقد استغربت أخي الكريم بأنك تضع الروايات دون معرفة صحتها من عدمها ، فها أنت تضع ‏رواية للاستدلال : ‏

إقتباس:
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال : "سألت النبي‎ ‎صلى الله عليه ‏وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله‎ ‎أهبط آدم بالهند ‏وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم‎ ‎البعير ومكث آدم ‏بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال‎ : ‎يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ‏ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك‎ ‎حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : ‏فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد‎ ‎أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك ‏بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر‎ ‎ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل ‏محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا‎ ‎وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، ‏اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد‎ ‎سبحانك‎ ‎لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ‏فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء‎ ‎الكلمات التي تلقى آدم‎".


ألم تقرأ بداية السند ؟

سأنقله لك :‏

وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال :.............‏

فالسند إذن (واهٍ) لا يصح .‏


والله تعالى أعلم وأحكم .‏

المجاهد عمر غير متصل قديم 29-08-2006 , 02:24 AM    الرد مع إقتباس
Saleen S281 Saleen S281 غير متصل    
عضو جديد  
المشاركات: 68
#83  

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وعليكُم السَّلام ورحمة الله وبركاته أخي الفاضِل المجاهِد عُمَر –وفَّقكُم الله للخير والصَّلاح-
قبلَ كلِّ شيءٍ، أهنِّئكَ على تدقيقاتكَ الجميلة التي استفدتُ مِنْها كثيراً، وكثَّر اللهُ تعالى أمثالكَ الذين يتناقشون للحقِّ وبالحقِّ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
ثمَّ أبدأ مستعيناً باللهِ عزَّ وجلَّ لأناقِشَكُم في بعض الذي ذكرتموهُ لا كلِّه، لأسبابٍ ستعلمونَها حينَ نصِل إلى مواردها، وأعتذِرُ أخي الكريم –هدانا الله وإياكم- مسبَقاً عن أيِّ انقطاعٍ يحدُثُ بيننا لأنَّني الآن في سفر، لكِن سأحاوِل المواصلة بقدرِ المستطاع.

إقتباس:
أما ما ذكرت في النقطة الأولى فلا أوافقك عليه لعدم دقته ، فأقول - بارك الله فيك – مصححًا ‏للنقطة الأولى :‏

‏(1) ما مدى (صحة) الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟


عزيزي الفاضِل!
تصحيحكُم الذي ذكرتمُوهُ لا يؤثِّر على استدلالي للأسَف، حيثُ تمسَّكتُ في استدلالي على ما ذكَرْتموهُ مِن أنَّكُم تريدون البحث في الرِّوايات فقط، وفي تفسير هذه الآية، خِلافاً لما ذكرتُه في أوَّل البحث، وهُو هَل التوسُّل في أساسِه شركٌ أم لا؟ وهَل يخالِف الآيات القرآنيَّة الأخرى أم لا؟!
وأنا متفقٌ معكَ في أغلبِ ما قلته مِن أنَّ الأحاديث التي تثبِتُ توسُّل آدم (ع) بالنَّبي (ص) كلُّها ضعيفةٌ سنداً عندكُم، فأنا ذكرتُ لكَ متونَها وتعليقات بعضها، كَما استدلَّيتَ عليَّ في آخر حديثكَ بأنَّه قد كتب (بسندٍ واهٍ)، فكيفَ استدلَّيتُ بالأسانيد الواهية؟! وجُلُّ كلامكَ كانَ في تضعيف الأحاديث التي تثبِتُ التوسُّل بالنَّبي (ص)، وهذا مما لا أخفيه أنا، بَل ذكرتُه، وذكرتُ تعليق الذَّهبيّ على حديث عبد الرَّحمن بأنَّه موضوع.
لكِن،،،
ما أردتُ الوُصولَ إليهِ مِن النُّقاط المذكورة أنَّهُ لا يمكِنُنا البحثُ بهذه الطَّريقة أبداً لأنَّنا نحتاجُ إلى استدلالات خارجيَّة، وهِي الأولى بالبحث قبلَ الخوض في الرِّوايات.

قبلَ أن أبيِّنَ ما أردتُ الوصول إليه في ردّي السَّابِق، وددتُ أن أشيرَ إليكُم بنقطة مهمَّة، ألا وهِي:
ذكرتُم في بداية الحِوار أنَّكُم تريدون المصادِر مِن كتبنا في تفسير الآيات، ولكِن أراكُم استدللتُم بمصادركُم علينا، فإذَن ما فائدةُ ذكري المصادِر من كتبي، معَ أنَّ أغلبَ حديثكُم كانَ عن مصادركم وعن أقوالِ علمائكُم، فلِمَ طلبتَ مصدراً مِن مصادري إذا لم تشأ الاستدلال بهِ عليّ؟!

على كلِّ حال، لا يهمُّ ذلكَ كثيراً، بَل المهمُّ عندي أن أبيِّنَ لكُم وجهتي التي كنتُ أتوجَّهُ إليها في الرَّدّ السّابق، وإليكَ تفصيله أخي الفاضِل –باركَ اللهُ فيكُم-.
بعدَ أن حصرتَ الحِوارَ في الرِّوايات عملياً –وليسَ نقاشنا الآن في الآيات بَل هِي في الرِّوايات، فنحنُ الآن في السُّؤال الثاني الذي طرحته عليَّ أولا، وليسَ السُّؤال الأوَّل-، ونفيتَ السُّؤال الأوَّل الذي طرحتُه، والذي كانَ سؤالاً عقائدياً، ظهَر جلياً أنَّ الحوار سينحصِرُ في دائرة الرِّوايات والأسانيد وما شاكَل، وبعبارة أخرى: سيكون الحِوار أشبه بمسألة فقهية لا عقائديَّة إذا أخَذَ هذا المجرى، لأنَّه بالنِّهاية حتّى لو فرضنا أنَّ كلامكُم صحيح في أنََّ النَّبي آدم (ع) لم يتوسَّل بالرَّسول الأكرم (ص) أبداً، بَل لم توجَد آية قرآنيّة على مشروعيَّة التوسُّل، فإنَّ أقصى ما يمكِن استنتاجه أنَّ التوسُّل مباحٌ، لأنَّ الأصل في الأشياء الإباحة، وبهذا لم نتحرَّك إلى أي مكانٍ، وما زِلنا نطلبُ الدَّليل على حرمته أو شركيته –الذي هُو ادعائكم الحقيقي-، فأنتُم تريدون إلزامنا بالحرمة أو الشِّركيّة، وما تناقشونه –كما ذكرتُم بنفسكُم- ينفي الاستحباب لا أكثَر، فأنتَ لا تسيرُ إلى مدَّعاك الحقيقي لحدّ الآن.
أمّا ما ذكرتُه أنا لكُم، وأردتُ الوصول إليه في الرّدّ السابق، فيبدو أنَّكم لم تتوجَّهوا له دقيقاً لِذا صحَّحتُم لي النُّقطة الأولى، وقلتُم: (ما مدى "صحة"..).
فكما سبق، قد قسمت الحديث إلى محورين: (ما هِي الرِّوايات؟) و (هَل يمكِن جمعها؟)، ومعلومٌ عندكُم أنَّ الأحاديث الضعيفة في حال إمكان جمعِها بالأحاديث الصَّحيحة لا نسقطها أبداً، بَل نجمعها لأنَّ الجمع أولى مِن الطَّرح كما هُو مسلَّم.

أخي الفاضِل!
ذكرتُم أنَّ الأحاديث موضوعة –وأنتُم تعلمون الفرق بينَ الضَّعيف والموضوع-، ومعلومٌ عندكُم أن الحديث الموضوع هُو الذي يخالِف صريح الأحاديث الأخرى أو يخالف صريح النَّصّ القرآني وما شابههما، وبهذا نعلَم أنَّكُم محتاجون ضرورة إلى الخروج عن مسار الأسانيد وما شاكَل إلى أمور خارجيَّة وتذكرونَها حتّى تثبتوا الوضع في الأحاديث، فمجرَّد الضَّعف لا يكفي في إسقاط حجيَّة الحديث أبداً.
وهذا ما أردتُ الوصول إليه –أخي الفاضِل-، فنحنُ لا نستطيع السَّير في هذا المسار الرِّوائي إلا أن نتحرَّك إلى الأمور الاعتقاديّة الأساسية وتفسير الآيات القرآنيَّة الكريمة، وبيان التَّوسُّل الجائز والغير جائز، وهُو متعلِّقٌ بسؤالي الأوَّل الذي طرحتُه عليك ورفضته أخي الكريم، وانتقلت إلى مذهبي وكأنَّكَ تريدُ إثبات بطلان مذهبي مِن مذهبي.
والدَّليل على خروجكَ عن هذا المسار، ودخولك في المسارات الاعتقاديَّة والآيات القرآنيَّة الأخرى لبيان ضعف الحديث موجودٌ، سنذكُرُه حينَ نصِل إلى اقتباسه.

إقتباس:
ولا أختلف معك حول النقطة الثانية ، الخاصة بإمكانية الجمع بين الروايات .‏


وهُو الأساس، فإذا أمكننا الجمع، فلِمَ الطَّرح؟!
وإن قلتَ: لا يوجَد حديثين حتّى نجمع بينهُما، فباقي الأحاديث موضوعة.
قلتُ: أنتَ أثبتَّ الوضع بدليل خارجي، وهُو ما لم نحسبُ حسابَه، حيثُ اقتصرنا على مجرَّد السَّند لا أكثَر، ومجرّد السَّند يثبت الضَّعف لا الوضع.

إقتباس:
والآن سأناقش الروايات التي وضعتها : ‏

الرواية الأولى ، والثانية :‏

عن عمر بن الخطاب مرفوعا : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت ‏لي فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لما خلقتني بيدك ونخفت في من ‏روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك ‏لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) . ‏

تعليقي على الرواية :‏

أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري : حدثنا إسماعيل ‏بن مسلمة : أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر . وقال : "صحيح ‏الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب" ‏

فتعقبه الذهبي بقوله : قلت : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا ‏أدري من ذا .‏

قال الإمام الألباني رحمه الله :‏

ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه ، أنه أورد فيه حديثًا آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه ‏، بل قال : (والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد) . ‏

قلت : والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال : (خبر باطل) ، وكذا ‏قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/360) ، وزاد عليه قوله في الفهري هذا : (لا أستبعد أن ‏يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) ، قلت : والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد ، قال ‏الحافظ : ذكره ابن حبان ، متهم بوضع الحديث ، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة ، لا يحل كتب ‏حديثه ، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة .‏

قلت : والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207) : ثنا محمد بن داود بن أسلم ‏الصدفي المصري : ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري : ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد ‏الرحمن بن زيد بن أسلم به . وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون ، وقد أشار ‏إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/253): (رواه الطبراني في الأوسط ‏والصغير وفيه من لم أعرفهم).‏

قلت : وهذا إعلال قاصر ، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه ، ‏وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال البيهقي : (إنه تفرد به) وهو ‏متهم بالوضع ، رماه بذلك الحاكم نفسه ، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه ، ونسبوه إلى ‏الخطأ والتناقض ، فقال (وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين شيخ الإسلام ابن ‏تيمية) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89) : (ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، ‏فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" : (عبد الرحمن بن زيد بن ‏أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها ‏عليه) ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ، ضعفه أحمد بن حنبل ‏وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني ، وغيرهم . وقال ابن حبان : (كان يقلب الأخبار وهو ‏لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).‏

وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث ، وقالوا : ‏‏(إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم ‏بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).‏

قلت : وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه العلامة ‏ابن عبد الهادي ، وقال في آخره : (فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم ، لأن الجرح ‏لا يثبت إلا ببينة ، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به ، فإن الجرح لا أستحله تقليداً ، والذي ‏أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل ‏في قوله صلى الله عليه وسلم : (من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن) .‏

قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا ‏موضوع عند الحاكم نفسه ، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن . وقد اتفق عند ‏التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث ، وتبعهم على ذلك ‏غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي ، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن ‏يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه ، مع اختياره في قوله ‏الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا ، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق .‏


لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين :‏

الأولى : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأنه ضعيف جداً.‏
الثانية : جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن .‏

وللحديث عندي علة أخرى . وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده ، فتارة كان ‏يرفعه كما مضى ، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر ، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ‏كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن اسماعيل بن ‏أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به ، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً ، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ‏ولا موقوفاً ، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : ‏من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال : (اللهم أسألك بحق محمد عليك..الحديث) نحوه ‏مختصراً ، وهذا مع إرساله ووقفه ، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جدًا ً، وفيه عثمان بن ‏خالد والد أبي مروان العثماني ، قال النسائي : (ليس بثقة).‏

وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائليات التي تسربت إلى المسلمين من ‏بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم . أو عن كتبهم التي لا يوثق بها ، لما طرأ عليها من ‏التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه ، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.‏


كلًّ ما ذكرتَه هُنا، إمّا هُو تضعيفٌ للحديث أو إثبات كونِه موضوعاً، أمَّا تضعيف الحديث فنحنُ نؤمِن بكونه ضعيفاً عندكُم، وأمّا إثبات كونِه موضوعاً فقد استدلَّيت بقولِ علمائكم، وهُو ليسَ بحجَّةٍ علينا، لأنَّ الحكم بوضعه كانَ بسبب أمرٍ خارجيٍ، وهُو أنَّ التوسُّل عندهُم بغير الحي والقادِر لا يجوز، وهذه الرّواية تثبتُ الجواز، فهِي موضوعة حتّى لو كانَ سندُها أقوى مِن ذلكَ.

إقتباس:
مخالفة هذا الحديث للقرآن الكريم :‏

ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في ‏موضعين منه :‏

الأول : أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل ‏يقول : (فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) . وقد جاء تفسير هذه ‏الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث ، فأخرج الحاكم ‏‏(3/545) عنه : ‏(فتلقى آدم من ربه كلمات)‏ قال : أي رب ! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى . قال : ‏ألم تنفخ فيَّ من روحك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ! ألم تسكنّي جنتك؟ قال : بلى . قال : ألم ‏تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن تبتُ وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال ‏‏: بلى . قال : فهو قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات) وقال الحاكم : (صحيح الإسناد) ووافقه ‏الذهبي ، وهو كما قالا .‏

قلت : وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين :‏

الأول : أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي .‏
الثاني : أنه ورد في تفسير الآية ، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله ، ولا ‏سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم بقوله : (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) .‏
عنونتَ هذا البحث بمخالفة القرآن الكريم، ولحدِّ هُنا لم تظهَر مخالفة الحديث لنصِّ القرآن، بَل المخالفة لتفسيره أو تأويله، أو ظاهره، وكلُّ ذلكَ خلاف نصُّ القرآن وصريحه.
أمّا الموضع الأوَّل الذي ذكرتَه، فإنَّ قول ابن عبّاس ليسَ (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) بَل هُو كلامٌ آخَر، أخذتُم بهِ سريعاً، لأنَّه لا يخالِف تلكَ الأمور الخارجيَّة، ونحنُ نأخُذُ بهِ هُنا، لأنَّه لا ينافي القول بالتوسُّل، فكلُّ ما أثبتناه إمكان الجمع –كما ذكرنا ذلكَ سابقاً-، ويمكِن الجمع بينَ هذا القول والتوسُّل، فهذه ليست الكلمات التي نطق بها آدم، بَل هذه جزءٌ مِن كلمات التَّلقّي، كما ذكرتَ ذلكَ بنفسكَ في الفقرة التَّالية:
وقد قيل في تفسير هذه الكلمات : إنها ما في الآية الاخرى : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا ‏وترحمنا لنكونن من الخاسرين) . وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره" (1/279). لكن ‏أشار ابن كثير (1/81) إلى تضعيفه ، ولا منافاة عندي بين القولين ، بل أحدهم يتمم الآخر ، ‏فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات ‏وهذا القول يبين ذلك ، فلا منافاة والحمد لله ، وثبت مخالفة الحديث للقرآن ، فكان باطلا ً.‏


لَم يثبت مخالفة الحديث للقرآن، بَل كلُّ ما ثبت مخالفة الحديث لتفسير السيد رشيد رضا وقول ابن عبّاس، وهذان القولان ليسا قرآناً.

إقتباس:
الموضع الثاني : قوله في آخره : (ولولا محمد ما خلقتك) فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا ‏تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً ، أو صحيح عند آخرين ، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب ‏والسنة الصحيحة ، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله ‏تبارك وتعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) . والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً ‏وسنة ، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي ‏من أجلها خلق آدم وذريته ، فقال عز وجل : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فكل ما ‏خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ‏كمخالفة هذا الحديث الباطل .


أخي الكريم المجاهد عمر!
هذا الموضع الثاني هُو ما لم تتوجَّهوا إلى المقصود منه، فهذا الحديث سهلٌ دركُ معناه، حيثُ تعلمون أنَّه لولا الأنبياء (ع) لما كانَ هُناكَ عبادةٌ، فالهدف مِن بعث الأنبياء والرُّسل (ع) هُو إيصال النّاس إلى الهدف المنشود، وإذا لم يوجَد الأنبياء والرُّسل ما وجدت العبادة، وبالتَّالي لا توجَد حكمة الخلق بدون وجود الأنبياء (ع)، فلولا الأنبياء لما وجدت العبادة، ولولا العبادة لما وجِد الخلق.
ثمَّ معلومٌ أنَّ خاتَم الرِّسالات وأعظمُها وأكملها، بَل وأتمُّها لبيان مصاديق العبادة وتفصيلاتها مِن الحلال والحرام هُو الإسلام، وإنَّ جميع الأديان السَّماوية السابقة أتت لزمان معيَّن وانتهت مدَّتُها فنسخت بالنِّهاية بالدّين الخاتم، ولولا الدّين الخاتم وهُو دين الإسلام لما وجِدت الرِّسالة التامّة الكاملة، والعبادة التّامّة الكاملة التي توصِل بالإنسان إلى أعلى المراتب العباديّة، فإذا لم يوجَد الإسلام لم توجَد العبادة ولم تصِل تلكَ الكتب السماويَّة إلى هدفها مِنها التَّبشير بقدوم الرَّسول الأكرم (ص) والرِّسالة الخالدة والقرآن الكريم.
إذن، وجود النَّبي (ص) ليسَ فقط لا يخالف هذه الحكمة، بَل هِي عينُها والمتممة لها.

إقتباس:
ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من ‏العلماء والحفاظ ، فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه ، لأن – على ‏قولهم –عبادة مشروعة ، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من ‏الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة ، فإذا كان الحديث عندهم ضعيف ، فلا ‏حجة فيه البتة ، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى .‏


حتّى بفرض كونِه ضعيفاً، فهُو لا يثبتُ الحرمة التي تريدونها، بَل أقصى ما يمكِن إثباته أنَّها مباحة، ولا أدري هَل عندكُم هذه القاعِدة أم لا، وهِي قاعدة: (التَّسامح في أدلَّة السنن)، فمثلا لو وصلنا حديث ضعيف لكِن لا يخالِف الصَّحيح ويمكن الجمع بينه وبينَ الصَّحيح، يثبتُ استحباب أمرٍ معيِّن نأخُذُ به، مِن باب عدم وجود المخالف وإمكان جمعه معَ بقيَّة الأحاديث الصَّحيحة.
لكِن سبب عدم قبولكُم لقول المضعِّفين هُو أنَّ القضيَّة اعتقاديَّة عندكُم، ترتبط بأمورٍ أخرى خارجيّة، لِذا ترونَها مخالفة لبقيَّة الأحاديث خلافاً للذين يرونَها موافقة لأحاديث أخرى صحيحة أو لآيات قرآنيَّة فسَّروها بتفسيرٍ معيَّن، وليسَ البحث في ذلك الآن.

إقتباس:
وأقول أخي الهاشمي – بارك الله فيك – بأن الحديث يخالف نصًا صريحًا من الله تعالى في كتابه ‏الكريم ، فقد قال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ ‏دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف :5)‏


قلتُ لكُم: لا يمكنُكُم فعل شيءٍ مِن حيث السَّند إلا إذا خرجنا عنه إلى قضايا أخرى مقدماتيَّة أخي الفاضِل -وفقكم الله للخير-.
هذه الآية ممّا يربتط بسؤالي الأوَّل عن شركيّة التوسُّل بالأموات، وإن شئتُم أن نبحث في هذا المورِد –أي هل التوسُّل شركٌ باللهِ أم لا، فأنا أراهُ الصَّحيح مِن البحث لأنَّ القضيَّة اعتقادية.

إقتباس:
بالنسبة للرواية التي ذكرتها من كتاب (الشفا) للقاضي عياض ، فأرجو منك وضع سند الرواية ‏كاملاً حتى نرد عليها بالطرق العلمية المعروفة في الجرح والتعديل عند أهل الحديث .‏


حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري و أبو القاسم أحمد ابن بقي الحاكم و غير واحد فيما أجازونيه قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر ابن دلهاث قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق ابن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال : (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون)، و مدح قوما فقال : (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة و أجر عظيم).
و ذم قوما فقال: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) وإن حرمته كحرمته حيا
فاستكان لها أبو جعفر و قال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال: و لم تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به فيشفعك الله قال الله تعالى: (و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).

إقتباس:
تقول أخي الفاضل :‏

إقتباس:
وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما‏‎ ‎تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ ‏بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية‎ ‎لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) ‏كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ‎ ‎جليٌ ‏‎.‎

حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ‎ ‎أهل الجنَّةِ أقوالاً ‏أخرى ، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ‎ ‎بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا ‏يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم،‎ ‎وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً‎.‎



أقول بارك الله فيك :‏

أولاً :

كم مرة ذكر الله قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم؟‏
ذكرها أكثر من خمس مرات في سور مختلفة ، فلماذا لم يذكر توسل سيدنا آدم بالنبي محمد صلى ‏الله عليه وسلم ولو لمرةًٍ واحدة ؟ لماذا لم يذكره في موضعٍ واحدٍ على الأقل ليعلمنا التوسل بنبينا ‏محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ فهل يعقل بأن يذكر الكلمات الأقل درجة من الكلمات الأخرى ؟ هذا لا ‏يعقل أخي الكريم .‏


إنَّ القرآن الكريم لَم يذكُر هذا التوسُّل، بَل لم يذكُر تفاصيل كثيرة في قصص الأنبياء (ع) واقتصَر على النُّقاط الأهمّ مِن كلِّ قصة، فإنَّ قصة النَّبي آدم (ع) تبرز أهميّتها في جوانب أخرى لبدء الخلقة هِي التي ركَّزَ القرآن عليها، أمّا قضيَّة التوبة، فأساسه مذكور، وتفصيلاته مذكور في الأحاديث التي تبيِّن كيفيّة الاستغفار، والآيات التي تثبتُ التوسُّل، فالقرآن قد ذكَر مراراً وتكرارا إقامة الصَّلاة وأهميَّتها، ولكِن لم نرَ أيَّ تفصيلٌ يذكَر في أحكام الصَّلاة، حتَّى لَم يذكُر لنا أساسيّته مِن عدد الرَّكعات والصورة العامَّة، ولا شيءَ مِن ذلك، فهَل هذا يعني أنَّ هذه الأمور ليست موجودة؟ أم أنَّها ليست مهمَّة؟!
إنَّ القرآن الكريم ركَّزَ على المستفاد مِن كل قصة بصورة أساسية، فليسَ المهم في قصة النَّبي آدم (ع) توسّله برسول الله (ص)، بَل المهم منه أموراً هِي التي ركَّز عليها القرآن الكريم، كما أنَّ المهم في حادثة مجيئهم عند الرَّسول (ص) كان توسُّلهم به، فذكر آية: (ولو أنَّهُم إذ ظلموا أنفسهم..).
ومَن قالَ بأنَّ أهمّ الأشياء يجِب أن تكون في القرآن، بَل هُناك أشياء مهمَّة جدا لم تذكر في القرآن، وهذا مما لا يخفى على أدنى متأمِّل.

إقتباس:
ثانيًا :

أنواع التوسل كما قررها أهل السنة والجماعة ، أتباع السلف الصالح هي ثلاثة ، ذكرها الله ‏سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :‏

‏(1) التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائـــه الحسنى ، أو صفـة من صفـــاته العليا : كـأن يقول ‏المسلم في دعائه : اللهـم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو ‏يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .‏

ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .‏

والمعنى : ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى . ولا شك أن صفاته العليا عز وجل ‏داخلة في هذا الطلب ، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له ، خصت به تبارك وتعالى .‏

ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال : (قال رب أوزعني أن أشكر ‏نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك ‏الصالحين).‏

‏(2) التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي : كأن يقول المسلم : اللهم بإيماني بك ، ‏ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي..أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه ‏وسلم وإيماني به أن تفرج عني..ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ ، فيه خوفه من الله ‏سبحانه ، وتقواه إياه ، وإيثاره رضاه على كل شيء ، وطاعته له جل شأنه ، ثم يتوسل به إلى ‏ربه في دعائه ، ليكون أرجى لقبوله وإجابته .‏

وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى : (الذين ‏يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) ، وكذلك قوله تعالى : (ربنا آمنا بما أنزلت ‏وتبعت الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ، وكذلك قوله تعالى : (إنه كان فريق من عبادي يقولون ‏ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) .‏

‏(3) التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح : كأن يقول المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به ‏مصيبة كبيرة ، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيجب أن يأخذ بسبب قوي ‏إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى ، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة ، فيطلب ‏منه أن يدعوا له ربه ، ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه . فهذا نوع آخر من التوسل المشروع ‏، دلت عليه الشريعة المطهرة ، وأرشدت إليه ، يدل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا ‏أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) .‏

فهذه الأنواع الثلاثة قد ذكرها الله تعالى في أكثر من موضع ، فلو كان التوسل بالنبي محمد صلى ‏الله عليه وسلم ، أو بمن دونه من الأولياء والصالحين مشروعًا لذكر الله هذا النوع في كتابه كما ‏ذكر غيره ممن هو أقل أهمية منه .‏


لا خِلاف بيننا في هذه الموارد الثَّلاثة أبداً، وإنَّما توسُّلُنا بالأموات قد –أقولُ قد- يدخُل ضمنَ البند الثّالث، ولكِن أؤجِّل تفصيلَ الكلام إلى محلِّه، حتّى نعلَم حقيقة التوسُّل وهَل هِي شركٌ أم لا، فالتوسُّل الذي نحنُ نتمسَّك به هُو التوجُّه إلى الله عزَّ وجلَّ والطَّلب مِن الشَّفيع (النَّبي أو الإمام أو الولي الصالح) أن يدعوَ لنا أيضاً، ويطلبَ مِن الله المغفرة لنا أيضاً، وإنَّ بعض الذي ترونَه من الطَّلب مِن الولي الصالح نفسه، ليسَ إلا شيئاً لفظياً، وإنَّما الحقيقة أنَّنا نطلبُ مِن الشَّفيع –على أنَّه مجرى مِن قنوات رحمة الله تعالى- أن يساعدنا في استغفارنا ويستغفر لنا بجانب استغفارنا نحنُ أيضاً، لا أكثَر ولا أقلّ، وتفصيله نذكره في محلِّه إن شئتُم، وهُو في التّرتيب الذي أردتُ البدء به.

إقتباس:
بل إن المتأمل في كتاب الله يجد ما يضاد هذا التوسل بالبشر والصالحين ، ولو كانوا أنبياءً ، كما ‏ذكر الله تعالى في سورة نوح على سبيل الذم لفعلهم : (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا ‏سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ ‏أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً) .‏


توسُّل هؤلاء كانَ باطِلاً لعدّة أسباب، مِنها أنَّهُم كانوا يعتقدون باستقلالية هؤلاء، كما يذكر في آخر الآيات (مِن دون الله أنصارا)، فذاك كان اعتقادهُم، ومِنها أنَّ توسُّلهُم لم يبدأ مِن الله عزَّ وجلَّ، بَل بدأ مِن عند أنفسِهِم، وكما يصطلح عليه كانَ أساس توسُّلهُم تصاعديا، بخلافنا نحنُ الذين أساسُ توسُّلنا كانَ تنازليا.
وعلى كلِّ حال، البحثُ في هذا الموضوع هُو بحثٌ خارج عن الرِّوايات والأسانيد.

إقتباس:
ثم تقول أخي الفاضل...‏

إقتباس:
على كلِّ حال،،،

برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن‎ ‎تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن ‏لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في‎ ‎المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء ‏كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي‎ ‎مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، ‏فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من‎ ‎نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات ‏كاشفةً عن تفصيلِ‎ ‎دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل‎.

كلُّ‎ ‎ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها‎ ‎آدمُ –التي ‏تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر‎ ‎لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن ‏الخاسرين) للسَّبَب التَّالي‎:‎

إنَّ الآيات التي ذكرتها‎ ‎من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ‏ضعيفٌ، حيثُ الآيات‎ ‎تحكي ما يلي‎: (‎وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ‎ ‎تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا ‏إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ‎ ‎مُبِينٌ‎)‎، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ‎.
ثمَّ يقولُ‎ ‎تعالى مباشرةً بعدَ ذلك‎: (‎قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‎ ‎وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ‎ ‎الْخَاسِرِينَ‎)‎، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما‎ ‎إلى الأرض، لذا ترى ‏احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ‎ ‎واحد‎.‎

ثمَّ يقولُ تعالى (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ‎ ‎عَدُوٌّ وَلَكُمْ ‏فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين)،‎ ‎فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا‎.‎

أمّا لو رجعنا‎ ‎إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ ‏تعالى(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا‎ ‎فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ ‏فِي الأَرْضِ‏‎ ‎مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض‎.‎

ثمَّ‎ ‎قالَ تعالى‎: (‎فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ‎ ‎عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‎)‎، أي بعدَ ‏هبوطِهِما تلقّى‎ ‎آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ‎ ‎هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط‎.‎

فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا‎ ‎ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ‎ ‎التَّلقّي؟‎
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية‎ ‎‏(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ ‏عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ‎ ‎التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك : (قُلْنَا اهْبِطُواْ‎ ‎مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي ‏هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ‎ ‎فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ‎ ‎وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ ‏أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا‎ ‎خَالِدُونَ) حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً،‎ ‎فاتَّحد ‏زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط‎.‎

فأقولُ‎: ‎الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم‎..) ‎على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط ‏السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ‎ ‎يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين‎.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا‎ ‎السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ ‏لآدمَ كانت في الجنَّة‎ ‎قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ‎ ‎اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ‎ ‎التوبةِ كانَت ‏بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ‎ ‎ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ ‏كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل‎ ‎اللازم بطلَ الملزوم‎.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا‎ ‎ظلمنا...) على ما حملته في سورة ‏البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا‎ ‎بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟‎
فنقولُ‎: ‎إنَّ‎ ‎آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ‎ ‎لحملِه على ‏خلاف الظاهر‎.‎

ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا‎ ‎بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، ‏مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ‎ ‎البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات ‏مباشرة، فحملُها‎ ‎على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار ‏الهبوط على‎ ‎أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ‎ ‎لذلك‎.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا‎...) ‎تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ ‏فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ‎ ‎هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما ‏قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم‎ ‎بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ ‏هبوطِهِما،‎ ‎فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في ‏حديثٍ‎ ‎طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد‎-:
‎(‎فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و‎ ‎طفقا يخصفان ‏عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل‎ ‎لكما: إن الشيطان ‏لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا‎ ‎لنكونن من الخاسرين ، ‏قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا‎ ‎موكولين إلى أنفسهما ‏في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما‎ ‎جبرئيل فقال لهما : ... ‏فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل‎ ‎إلى أرضه فسلا ربكما بحق ‏الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما،‎ ‎فقالا، اللهم إنا نسألك بحق ‏الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة‎ ‎عليهم السلام إلا تبت علينا ‏ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب‎ ‎الرحيم‎).‎

أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما‎ ‎وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ ‏اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما‎: (‎ربنا ظلمنا‎...).‎

‎ ‎

أقول بارك الله فيك أن كل ما ذكرته بالأعلى بغرض إثبات أمرين : ‏

‏(1) أن هناك توبتين : الأولى لم يتقبلها الله ، وهي التي كانت في الجنة ، والثانية : قبلها الله ‏
‏ تعالى وهي التي كانت على الأرض .‏

‏(2) أن قبول الله لتوبة آدم عليه السلام كانت بعد نزوله مع حواء للأرض .‏


وكلامك واستنتاجك يا أخي الفاضل – مع المعذرة – باطل ، والأدلة والاستنتاجات التي أوردتها ‏يعتريها التفكك .‏

وأقول ردًا على كلامك : بأن التوبة كانت في الجنة قبل الهبوط ، فإن الله قد تاب عليهما ثم ‏أنزلهما للأرض ، وأما الآيات التي تتحدث عن أدعيةٍ وكلماتٍ لهما تفيد ظلم النفس والتوبة ، فلا ‏تنافي ما سأذكره ، بل هي امتداد لتوبتهما في الجنة ، وتوبة الله عليهما...‏

وقولك واستنتاجك ينافي صريح القرآن الكريم ، فتأمل معي هذه الآيات من سورة طه...‏

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ‏لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ‏‏* إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ‏آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ ‏عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا ‏جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) ‏

فهذه الآيات الكريمة تثبت أن التوبة والهداية لآدم عليه السلام كانت في الجنة قبل الأمر بالهبوط ‏، وأن استنتاجاتك ليست في محلها .‏

والجمع يكون بين هذه الآية وآية التلقي : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، فيكون تلقي الكلمات ، والتوبة في الجنة ، قبل الهبوط للأرض .

وقد ذُكِرت الكلمات التي نطقا بها ولم يُذكر غيرها في القرآن الكريم : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‎ ‎وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ‎ ‎الْخَاسِرِينَ) ، لذا فإضافة أي كلمات على لسانهما لم يذكرها القرآن تحتاج لدليل من الكتاب وهو منتفٍ بالطبع ، أو دليلٍ صحيح من السنة وهو أيضًا منتفٍ .

فما الذي يجعل الله تعالى يذكر دعائهما وكلماتهما عن ظلم النفس ، ويعرض عن الأهم وهو التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟

الأمر واضح أخي الكريم بعيدًا عن التكلف الواضح في تفسير الآيات تفسيرًا باطنيًا بغير ما أريدت به .


أظنُّ أنََّ إشكالكَ هذا في محلِّه، فيبدو أنَّ اللهَ تابَ عليهِما في الجَنَّة، ثمَّ نزلا إلى الأرض وكانا يستغفران في الأرض أيضاً حتّى يغفِر الله لهُما، لكِن ما هُو مبهمٌ عندي هُو التّالي:
لِمَ استغفار النَّبي آدم (ع) حينَ يكون على الأرض بعدَ أن تاب الله عليه؟ ولِم الفصل بينهُما –أي بينَ آدم وحواء- حينما نزلوا إلى الأرض، وبعدَ قبول استغفارهما كما تذكر الرِّوايات عادا إلى بعضهما البعض، فيبدو أنَّ استغفارهُم مرَّ بعدَّة مراحِل، في إحدى المراحِل وهِي التي كانت في الجنَّة كان قولهما (ربَّنا ظلمنا أنفسنا..) وفي مراحِل أخرى كانَ قولهُما غير ذلك، وهُو ما ذكرناهُ لكِن حدَّدنا أنَّ الأساس الذي تاب عليه كانَ في الأرض، ويبدو أنَّه أيضاً الصَّحيح، حيثُ أنَّه على فرض مرور توبتهما بمراحل، فالمرحلة النِّهائية الامتدادية كانت بعد هبوطهم إلى الأرض.
فأنتُم أخي الفاضِل قد ضعَّفتُم حديث التوسُّل بالنبي (ص)، ولكن ذكرتُ أنَّ هناك أدعية أخرى وردت، مِنها: (لا إله إلا أنت سبحانك...)، ومِنها: (اللهم إنَّكَ تعلم سري وعلانيتي..)، فهَل كلُّ هذه الأدعية ستضعِّفُها، معَ أنَّك ذكرتَ أنَّ ابن كثير ضعَّف أن يكونَ قولهما (ربَّنا ظلمنا أنفسنا...)، وذكرتُ لكُم أنَّ الآية الموجودة في القرآن ليسَ بالضرورة أن نحمله على نفس هذه الألفاظ في كلِّ مرة، خصوصاً بهذا الكمّ مِن الأدعية الواردة غير التوسُّل وغير (ربنا ظلمنا...)؟ ولا أظنُّ أنَّ ابن كثير كانَ بسيطاً لهذه الدرجة لكي يترك النَّص الصَّريح للقرآن ويضعِّفَه!


إقتباس:
وقد استغربت أخي الكريم بأنك تضع الروايات دون معرفة صحتها من عدمها ، فها أنت تضع ‏رواية للاستدلال : ‏

إقتباس:
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال : "سألت النبي‎ ‎صلى الله عليه ‏وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله‎ ‎أهبط آدم بالهند ‏وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم‎ ‎البعير ومكث آدم ‏بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال‎ : ‎يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ‏ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك‎ ‎حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : ‏فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد‎ ‎أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك ‏بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر‎ ‎ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل ‏محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا‎ ‎وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، ‏اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد‎ ‎سبحانك‎ ‎لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ‏فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء‎ ‎الكلمات التي تلقى آدم‎".



ألم تقرأ بداية السند ؟

سأنقله لك :‏

وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال :.............‏

فالسند إذن (واهٍ) لا يصح .‏


كما ذكرتُ في البداية، لستُ أقولُ أنَّ هذه الأسناد صحيحة، بَل أعلمُ أنَّها ضعيفة، لكِنَّها لا تؤثِّر في المقام، خصوصاً أنَّنا نريد الجمع أوَّلا، وثانِياً هذه الرِّواية ليست أصل الرِّوايات التي توجَد في كتبكم لإثبات المرام، ولكن بما أنَّكُم طلبتُم التَّفسير من عندنا ذكرت لكَ ذلكَ، وأردتَ البحث سنداً فبحثتُ سندا، أمّا المتن فهُو بحثٌ متفرِّع على بحوث أخرى نستخرج منها القواعِد الأساسيّة، وهذا أعرضتُم عنه سابِقاً أخي الفاضِل.


واللهُ الموفّق للصَّواب مَن يشاء، وأعتذِر على طول الحديث أعلاه، ولكُم متَّسع من الوقت حتّى تجيبوا عليه، فأنتُم كما ذكرتُم قد لا تسمح ظروفكم بالمتابعة الدّائمة، خلافاً لشخصٍ متفرِّغٍ مثلي.

Saleen S281 غير متصل قديم 29-08-2006 , 04:53 PM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع
صفحة 4 من 4 < 1 2 3 4


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.