العودة سوالف للجميع > سوالف شخصيه وثقافيه ادبيه > سوالف الأدب والثقافة > ^^ناظم حكمت شاعر ..لأمة تنكرت له^^
المشاركة في الموضوع
صوت وصورة صوت وصورة غير متصل    
ملك الأدب  
المشاركات: 1,101
#1  
^^ناظم حكمت شاعر ..لأمة تنكرت له^^
ولد ناظم حكمت في العام 1901 لأبوين من عائلة عريقة في الثراء، هما حكمت ناظم بك، مدير المطبوعات العام في الدولة العثمانية، وعايشة جليلة خانم، الرسامة. وكان جده محمد ناظم باشا والياً على سورية أيام الحكم العثماني، ومن هنا جاء اهتمام العائلة بالأدب العربي. وقد تخرج شاعرنا من العديد من المدارس الراقية في اسطنبول، إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية "هيبلي" التي تركها هاجراً بذلك الحياة العسكرية بعد خمس سنوات من إصابته بمرض "ذات الجنب" للمرة الثانية، وكان أن تفرغ بعدها لإكمال طريقه مناضلاً وشاعراً.
وقد حمل ناظم قضية وطنه والإنسانية في قلبه، وقدم للعالم روائع الشعر الإنساني، الذي تغنى بالحب والسلام والحرية، وخط أروع القصائد في "منوّر" زوجته و "محمد" ابنه، اللذين افترق عنهما لزمن طويل، فجاءت هذه القصائد حانية، عذبة وملتهبة.
وكانت القضية الشعرية لديه رسالة حملها وقاوم وصمد لإيصالها، إيماناً منه بأن ما بعد الموت تأتي الحياة، وقد وعى قيمة التضحية والتصميم على الاحتراق لإنارة المستقبل. فالقضية الشعرية لديه هي التعبير عن التوق للمستقبل والدعوة لإنشاء عالم جديد، مدعوماً بالصمود في الوقت الحاضر.
فالثورة في القرن الماضي – على الصعيد السياسي – كان لا بد لها من أن تترافق مع ثورة أخرى – على الصعيد الفني والأدبي، وقد كان شاعرنا مجدداً في الشعر التركي، لا في الشكل فحسب، بل في المضمون واللغة والنظرة إلى الكون، وعلى يديه دبت الحياة في اللغة التركية.
انضم ناظم إلى حرب التحرير بقيادة أتاتورك، الذي أعجب بشعره، وساعده بإيفاده إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الاقتصاد السياسي.
ولكن حلم ناظم باستقلال بلاده وبتحولها إلى تركيا جديدة متحررة متقدمة اشتراكية، اصطدم مجدداً مع الفاشية الجديدة المدعومة بالرجعية، اللتين كانتا تعدان العدة للتلاحم مع النازية الألمانية.. فما لبث أن قبض عليه بتهمة "نشر المبادئ الهدامة" في صفوف الجيش، وسجن، ووصلت مدة العقوبات التي قضت بسجنه إلى ستة وخمسين عاماً، أمضى ما يقارب الثلاثة عشر عاماً منها في سجن انفرادي، فذابت قواه وأنهكه المرض، فأضرب عن الطعام في العام 1950.. واحتج العالم كله هذه المعاملة، ومورست أكبر الضغوط على الحكومة التركية إلى أن تمكن العالم من انتزاعه من يدها، ليجتاز الحدود التركية إلى الاتحاد السوفييتي، ويبقى إلى أن يموت في – ما عدّه هو – وطنه الثاني، ويدفن فيه، لأن بلاده رفضت أن يدفن على أرضها.
وقد التزم شاعرنا الكلمة التي نادى بها، وانسلخ عن طبقته البرجوازية، وهو حفيد الباشوات، وقاتل ضد الرجعية التي تنتمي عائلته إليها، وذلك لإدراكه أن التحرر الوطني لا بد له من أن يقترن بالتحرر الاجتماعي.
وعاش هذا الإنسان الجميل، ذو القامة الفارعة والعينين الزرقاوين الحياة شعراً، ولم يعش الشعر نزوة، فالفعل الشعري لديه يرتكز على التجربة والمعاناة ووضوح الرؤية، إضافة لنظرته الشمولية الإنسانية.
وجاءت النزعة البيئية بكل ما فيها من أساطير وحكايا وصور لترسخ واقعيته، ولتصبغها بالعفوية التي كان يتميع بها.
وقد امتزجت "الأنا" و "النحن" و "الكل" في شعره، امتزاجاً عضوياً في وحدة غير قابلة للإنفصام، عصية على الفصل بين الشكل والمضمون:
"فنحن، كما نعرف أن
نضحك بفم واحد،
نعرف أن نحيا
ونموت كواحد،
كلنا من أجل واحدنا
واحدنا من أجل كلنا."

ولكي يتغلب على قساوة الحاضر، كان يرى الأمل دائماً في المستقبل:
"أجمل البحار ذاك الذي لم نذهب إليه بعد،
وأجمل الأطفال من لم يكبر بعد،
وأجمل أيامنا تلك التي لم نعشها بعد،
وأجمل ما أريد قوله ما لم أقله بعد."

وأبرز ما يميز شعره، البساطة، الناتجة عن عفوية تداخل فيها الأصيل والمتشبع بالروح الشعبية بمحبته للناس غير المحدودة:
"على منضدتي
صورة شمسية
لصاحب القرنفلة
الذي أعدم رمياً بالرصاص
تحت الأنوار الكاشفة
في مدينة تعيش في الظلام
يده اليمنى تمسك بالقرنفلة
وكأنها شعاع من بلاد اليونان
وينظر صاحب القرنفلة
من تحت حاجبين أسودين كثيفين
بعيني طفل جسورين
وبدون حول ولا قوة
ويضحك،
والقرنفلة في يده تضحك،
من هذه المهزلة
ومن نذالة هذه الأيام."

وبإحساسه المرهف، أدرك أنه سيغيب عن الأرض قبل أن تنتصر قضيته، لذا جاءت وصيته تقول:
"يا رفاقي، إذا لم أتمكن
من رؤية ذلك اليوم،
أي إذا متّ قبل الخلاص،
فأحملوني إلى الأناضول،
وأدفنوني بمقبرة في إحدى القرى."

وتأتي قصيدته "منذ صرت داخل السجن" لتوضح فكرته السابقة:
"منذ سقطت في غياهب السجن،
دارت الأرض حول الشمس عشر دورات.
فإذا سألتموها قالت لكم:
"ليس من اسم لهذا الزمن القصير الذي لا يرى بالمجهر"
وإذا سألتموني أجبتكم:
"إنها سنوات عشر من عمري"

***

في العام الذي دخلت السجن،
كان معي قلم رصاص
وظلّ يكتب ويكتب ففني في أسبوع،
فإذا سألتموه قال لكم:
"إنها حياة كاملة"
وإذا سألتموني أجبتكم:
"إنه أسبوع، فيا أيها الإنسان، لا تبال".
المرأة.. هي أساس القضية.. هي الحرية.. هي الوطن.. ومنوّر (زوجته) تعلمت الانتظار، وهو تعلم أن ينام لكي يحلم بها.. ولولاها لما تمكن من احتمال سنوات السجن الطويلة.. كانت هي دائماً على الضفة الأخرى من السجن.. أي على الضفة الأخرى من العالم.. ونصف أشعاره كانت لها.. كان حبه لها حباً مكسواً بالجلال.. حب يتضمن أسمى المعاني.. وكان دائماً يتخيلها قادمة لزيارته:
"أهلاً بزوجتي أهلاً
تعبة أنت
فكيف أفعل؟
لو أردت غسل قدميك
فلا ماء عندي ولا طست
من ذهب
وأنت عطشى
ولا ماء مثلج أكرمك به
وأنت جائعة
ولا مائدة بغطاء كتاني
أمدّها لك
غرفتي مثل وطني
أسير وفقيرة
منذ وطئت قدماك غرفتي
أورق (البيطون) وصار أخضر
بعد أربعين عاماً
أورق (البيطون) وصار أخضر."

وصدق إحساسه وتوقعه، بأن السلطة الرجعية التي أسرته، وبقيت لسنوات تسلط حبل المشنقة على رقبته، قررت قتله بطريقة أخرى وحيداً في غياهب السجن وظلمته ورطوبته، مع التعذيب المنظم، فكتب أروع قصائده لزوجته منوّر:

"محال عليّ أن أضم خيالك،
الذي رسخ في ذاكرتي،
ومع ذلك، أنت هنا، معي،
في لحمي وعظمي،
حقيقة هما عيناك، وفمك الأحمر،
الذي مُنع عني شهده،
وتراخيك، كالماء المتمرد،
وبياضك الذي لا تبلغه شفتاي."
وتزداد الحملة العالمية ضد السلطات التركية، لاستمرارها في سجن شاعر الحرية، إلى أن تنجح في العام 1950 في انتزاعه من غياهب سجونها – كما ذكرنا سابقاً – ويسمح له بتخطي الحدود ليستقر في بلده الثاني الاتحاد السوفييتي، ويترك ليس فقط تركيا، بل الأصدقاء، ومنوّر ومحمد، أيضاً، ويقول لمنوّر في قصيدته "فراق":
"أخرجي من صندوقك،
الثوب الذي ارتديته يوم
لقائنا الأول
وبغدائرك،
علقي القرنفلة التي
أرسلتها إليك،
داخل مكتوب،
من السجن

***

البسي، وتغندري،
وتزيني كأشجار الربيع،
فليس هذا اليوم للرعب،
ولا هو للحزن،
أنا أدري بأيّ مناسبة،
في مثل هذا اليوم،
يلوح للأعداء،
جبين زوجة ناظم حكمت،
مرفوعاً إلى العلاء

***

أحبك
ولكن كيف؟
أشدّ بكفي على قلبي،
كآنية من بللور،
مدمياً أصابعي،
وهذا أجر جنونها،
أحبك،
مئة بالمئة،
وخمسة آلاف بالمئة،
ومئات لا عد لها بالمئة."

ويظل ناظم أحد عشر عاماً في منفاه، بعيداً عن منوّر ومحمد، اللذين منها من مغادرة تركيا والالتحاق به طوال هذه الفترة.. هذا الفراق الذي كان مصدر إلهام شعري لناظم حكمت، خط فيه أروع قصائده وأحلاها.. وقد أدركت السلطات التركية أن ذلك الفراق يغذي الحالة الشعرية للشاعر، فخططت لقتل الحلم الذي كان يدفعه للكتابة وللتغريد بحرية خارج السرب.. فمنحت بطريقة غير معلنة جواز سفر لمنوّر، وأيضاً سمحت لها بعبور الحدود إلى الاتحاد السوفييتي، لتلحق بزوجها.. كان هذا القرار مفاجئاً حتى لمنوّر وحكمت.. واحتفى ناظم بعائلته وفرح بها.. لكن منوّر الواقع لم تعد هي منوّر التي كانت قبل ربع قرن بعد أن عبثت أصابع الزمان بصورتها.
وأدركت منوّر الإنسانة المثقفة أن عيني ناظم يجب أن تظلا منطبقتين على الصورة التي رآها عليها في لقاءهما الأول.. فانسحبت بهدوء من حياته، وبحسها المرهف قدّرت أن الحلم يبقى حلماً لحين بحققه، فإذا لم ينشأ عنه حلم آخر لحظة بحققه أو قبلها، بهت الحلم القديم وذبل.. وذهبت منوّر للعيش في بولونيا مع ابنها محمد، حيث عملت أستاذة للغة التركية في جامعة فرصوفيا. وكتبت الكثير من الرسائل لناظم تطلب منه فيها أن لا يقلق عليها، وأن يهنأ بعيشه مع صديقته الروسية.. ولكن للأسف، لم تجد تضحية منوّر ولا رسائلها أو نصائحها مع شاعرنا، الذي اشتد المرض عليه ليفارق عالمنا هذا في العام 1963. وبقيت وصيته إلى الآن دون تحقيق، ولم يدفن في الأناضول وإنما في مقبرة العظماء في العاصمة السوفيتيية.

صوت وصورة غير متصل قديم 09-06-2007 , 01:39 PM    الرد مع إقتباس
افكر كثير افكر كثير غير متصل    
كاتب فعال جداً الكون - كوكب الأرض - قارة اسيا - الجزيرة العربية --------->  
المشاركات: 1,738
#2  

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لم اقرأ الموضوع لكنني قدمت لأقول :


مرحباً بملك الأدب فوالله انه يفرحنا عودتك فقد اشتقنا لإبداعك .

لي عودة لقرأة ما كتبت اخي الحبيب .

عوداً حميداً .

اخوك افكر كثير

افكر كثير غير متصل قديم 09-06-2007 , 02:58 PM    الرد مع إقتباس
افكر كثير افكر كثير غير متصل    
كاتب فعال جداً الكون - كوكب الأرض - قارة اسيا - الجزيرة العربية --------->  
المشاركات: 1,738
#3  

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لم اقرأ الموضوع لكنني قدمت لأقول :


مرحباً بملك الأدب فوالله انه يفرحنا عودتك فقد اشتقنا لإبداعك .

لي عودة لقرأة ما كتبت اخي الحبيب .

عوداً حميداً .

اخوك افكر كثير

افكر كثير غير متصل قديم 09-06-2007 , 02:58 PM    الرد مع إقتباس
صوت وصورة صوت وصورة غير متصل    
ملك الأدب  
المشاركات: 1,101
#4  




العزيز

أخي أفكر كثير

كما اشتقت هو كذلك شوقي .. لم يغب بصري عن سوالف ابدا بل غابت مشاعري
.. ولم أنسى أي أخ أو أخت .. بل هم بالقلب جميعهم ..

مرورك مفرح .. وتوقفك يثلج الصدر .. فما أجمل الربيع بصيف سوالف

صوت وصورة غير متصل قديم 09-06-2007 , 04:57 PM    الرد مع إقتباس
Um-Shahad Um-Shahad غير متصل    
عضو فائق النشاط الامارات  
المشاركات: 877
#5  

تسلم أخ صوت وصورة على سردك لهذه القصة


وأحلى شي النهاية المؤلمة

Um-Shahad غير متصل قديم 09-06-2007 , 10:57 PM    الرد مع إقتباس
صوت وصورة صوت وصورة غير متصل    
ملك الأدب  
المشاركات: 1,101
#6  



اختي ام شهد

شدتني كلمات هذا الشاعر والذي اقتبست بعض كلماته في توقيعي
.. ووجدت من الحق الكتابة عنه وعن قصته ...

لك التحية اختي ام شهد

صوت وصورة غير متصل قديم 11-06-2007 , 03:25 PM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.