العودة سوالف للجميع > سوالف شخصيه وثقافيه ادبيه > سوالف الأدب والثقافة > رواية الإيدز لـ عبدالباقي يوسف (3)
المشاركة في الموضوع
Um-Shahad Um-Shahad غير متصل    
عضو فائق النشاط الامارات  
المشاركات: 877
#1  
رواية الإيدز لـ عبدالباقي يوسف (3)
أقفلت باب الغرفة أودعت المفتاح في لوحة المفاتيح وخرجنا، صار عائد ينط على الدرج كالأطفال، نزلنا إلى قلب العاصمة، اتجهنا إلى الصالحية وإلى / أبو رمانة / 0
قال عائد: أتعرف قبل التعرف إليك كنت أنتظر الموت فقط الآن أحس بأنه يتعثر بخطواته وينتظر ذهابك لينهض ويهرع إلي، لا يمكن للإنسان أن يخسر كل شيء دفعة واحدة،،
قلت: لن أتركك… ما رأيك أن تقبل دعوتي لزيارتي في مدينتي وتترك الموت هنا؟
شدته عبارة / تترك الموت هنا / وقال: سأجيء
قلت: أنا مستعد

قال بجدية: وأنا أيضاً، وازداد وجهه تفتحاً.. كل ما فيه بدأ يشرق، إنه في عنفوان الشباب والمراهقة، ويلفت أنظار جميلات الصالحية بقدرة عجيبة ولكنه لا يأبه بهن، كلما يرى شاباً يهتف انظر يا عبد، إنه غير مصاب، ليتني كنته.
وما أقسى وقع هذه العبارة على سمعي، ويكررها بحسرة، وفي نهاية الشارع جلسنا في حديقة صامتة لا أحد فيها، استرخى عائد على الكرسي ولأول مرة تحدث بحكمة وقال وهو لا ينظر إلي: أتعرف يجب أن يصاب كل شخص بالإيدز ثم يشفى ليدرك قيمة عدم إصابته الثرية.
وبعد قليل قال: على كل شخص إذا أراد أن يستوعب الحياة أن يعيش هذا الشعور ثم يشفى، وصمت، نظر إلي، ثم عاد إلى / اللاشيء /
واسترسل: الإيدز خطوة الإنسان الأخيرة لولادة حياة أكثر نضجاً،
وقال: إن الله يحبنا جميعاً ..
ثم دفن وجهه في راحتي كفيه وتمتم كأنما يغني: لا أريد شيئاً سوى أن أحس للحظة واحدة بأنني لست مصاباً أن أعيش هذه اللحظة، متحرراً من هذا الشبح القاتل الذي يزداد ثقلاً على حركتي ورغبتي في العيش، لا أحد بمقدوره أن يتفهم الحياة بقدري في هذا اليوم البائس من حياتي إنني أمقت الإيدز، لو كان رجلا ً لتصديت له، أشعر بسفالته، بمكره مثل الماء الذي يتسرب تحت التبن،ليس بوسع مخلوق على وجه الأرض أن يتعلق بالحياة كالذي داهمه الإيدز الجبان، أنا أفهم تماماً بأنه جبان، وينظر إلى إنجازات البشر بحقد أعمى أكثر من زملائه إنني أعيش الموت لحظة بلحظة يا عبد،، الآخرون ربما ينسون هذا الإحساس المدمر، لأن الموت يبدو على البعد دوماً ولا يذكرهم، أما أنا فأتذكره كلما شاهدت شخصاً بدون إصابة , أعتقد بأن عدد سكاننا يتجاوز ستة عشر مليوناً وإنني واحد فقط من كل هؤلاء، هذا الإحساس يدمرني ويخنقني .الآخرون لايستوعبون هذا الرعب عندما يقولون : سنموت غدا , ولايدرون أي غد يعنون , إنها تخرج على صيغة نكتة , وقد لايعيشون هذا الواقع الأليم إلا لحظات الاحتضار الأخيرة , حتى الطبيب يرفض أن يضعهم في مواجهة رعب كهذا , أما أنا فأعيش حياتي كلها في احتضار دائم وكل يوم يصرخون في وسائل الإعلام وفي الشوارع والملصقات : لن تشفى 0 وتتعالى صيحات التهديد والوعيد وكأنني لست واحدا من بني البشر , وكأنهم بدون خطايا 0 ليتهم جربوا لحظة ألم واحدة من لحظاتي الجحيمية لمزقوا كل هذه الملصقات , ولتحدثوا بشيء من تكاتف إنساني 0 مع هذا اليأس0 أواصل حياتي وأعيش هذه الوخزات الروحية المؤلمة أياما متلاحقة لاتنتهي وأتمسك بها لتمكنني من العيش , وكلما تحققت أمنيتي في العيش أياما أخرى انتشر المرض في حواسي واحتل كل ذرة من جسدي0
كنت أتصور عودتي إلى قريتي الطيبة , وإلى أخوتي الصغار الذين ولدوا ولم أرهم بعد , ولا أعرف ملامحهم , قريتي أعظم من كل تلك البلاد , لا لن أرجع إليها حاملا الموت , لن أحمل إليها الدمار , كان علي أن أعود سليما مثلما خرجت , وأحمل إليها الحياة 0 أفضّل البقاء هنا , الموت هنا , وأحيانا أفكر بالانتحار في ظروف غامضة حتى لاينكشف مرضي , لقد مات كل شيء بالنسبة إلي , غربت شمسي في أولى إشراقتها ولن تشرق ثانية 0 وتغير لون عائد , ركبه شبح الموت , ماتت الحياة في نبرات صوته الخافتة التي بدت لي الأخيرة التي تصدر منه , وصار ينظر إلي ببؤس العالم : / أنا والحياة كلانا أخذ حقه من الآخر / 0 لن أستمع إلى موسيقاكم بعد الآن , لن أغني , لن أرتدي ثيابا جديدة , لن أرى خيوط الشمس الأولى , سارتمي في ظلمة أبدية ولايزور قبري أحد , لاأحد يزرع وردة , ولا أحد يتمهل للحظة واحدة بجانبي , هناك عندما تسلبني الحياة كل شيء , حتى هذه الأنفاس المتبقية الميتة 0 لن أضيف كلمة أخرى , أشعر بصداع في رأسي يفقدني كل لحظة توازن , هل ستأخذني إلى الفندق , أرجوك لاأريد أن أموت في الشارع , أريد أن يحدث ذلك وأنا بمفردي , أن يحدث ذلك بخفية تامة وأنا ممدد على سرير الموت دون أن يكون بوسع أحد أن يصوب النظرة الأخيرة إلى موتي 0 وأخذت عائد إلى الفندق والدموع تملأ عيني , إنه في أبأس لحظات حياته , لم يسبق لي أن شاهدت مبلغ هذا البؤس لدى مخلوق 0 وصلنا الفندق بسيارة وكأنها سيارة إسعاف , دخلنا غرفته , لم أتركه , كنت خائفا عليه , واستلقيت إلى جانبه في سريره حتى الصباح 0 استفقت رأيته نائما ولكن ملامح وجهه بدت هادئة مسترخية , وبعد قليل فتح عينيه عندما تركت السرير , ابتسم لي وصار يقبلني بحرارة أشد من حرارة ظهيرات تموز 0 همست له : انظر ياعائد , هناك من لايظفر سوى بسنتين من الحياة , ومن لايظفر سوى بشهرين , أنت ظفرت بخمس وعشرين سنة مجانية بدون مقابل , أي شيء آخر تريد , لنفرض أنك مت منذ ثلاث سنوات , أو أنك ستموت بعد عشرة أيام , ما الجديد في الأمر , يكون الأمر مؤلما عندما يترك المرء الحياة ويدرك أن هناك من لا يموت , الموت هومصبنا جميعا , وفي لحظة الموت يتساوى معك من عاش مائة سنة , يمكن لك أن تكتشف الحياة كلها في سنة واحدة من سنوات عمرك ما لم يكتشفها من عاش مائة سنة 0
خرجت هذه العبارات من فم السيد عبد الوهاب وهي محاولات أخيرة لتهدئة صديقه , وقد استجاب لبعضها , واقترح عليه السهر الليلة حتى الصباح في إحدى النوادي الليلية , وفي أمسية لن ينساها اتجها إلى ناد على نهر بردى , جلسا على مائدة عامرة تحت الأشجار واتفقا أن العمر كله كان تمهيدا لهذه الليلة وأما ما يأتي بعدها فلايهم إن طال أو قصر 0 أجل أيها السيد سأروي لك مرة أخرى وقائع إجازتي 0 لقد رجعنا إلى الفندق في الخامسة صباحا , , واستفقنا في الثانية ظهرا ...


.... يتبع

Um-Shahad غير متصل قديم 06-06-2007 , 11:11 PM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.