العودة سوالف للجميع > سوالف شخصيه وثقافيه ادبيه > سوالف الأدب والثقافة > .. العيد البعيد ..
المشاركة في الموضوع
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#1  
.. العيد البعيد ..
الغائبة الحاضرة ، المورقةُ أبداً في نبضي،

ذهبت إلى صاحب المصرف الوحيد في المدينة في الشهر الماضي، لابدّ أنّك تذكرينه ذلك الرجل الممتلئ الذي فتح لنا حساباً مشتركاً حين قصدناه ذات سنة، هذه أول زيارة أقوم بها إليه بعد رحيلك، ذُهلت حين ذكر لي ما لنا من مالٍ هناك تجمّع على مرّ السنين و كرُ الأيام، لقد أصبحنا أثرياء يا صغيرتي، تعالي نحقق أحلامنا التي قضينا ساعات و ساعات في تخطيطها و تنسيقها أملا في تنفيذها ذات يوم ، كنتِ تريدين حوضاً للسباحة بجانب بستان البرتقال في الباحة الخلفية للمنزل، و تريدين تغيير بيت البقرة العجوز لنأتي لها بمن يُؤنس وحدتها، كنتُ تشفقين عليها كثيراً من هذه الوحدة، الآن أنا مثلها وحيد و ما لي من يُشفق علىّ، أتُراك ستشفقين يوماً و تعودين، حين تتذكرين ما للوحدة من أنصال تغرسها عميقاً في الروح فتذبل و تموت، أنتظرك فلا تتأخري، فالأنصال قد أدمت الروح و لا أدري كم ستصمد الروح أمام الجروح و لكني واثق أن صمودها لن يدوم.


قال لي صاحب المصرف إن معظم المال هو أجرة المنزل الذي بنيناه عند أطراف المدينة و استأجره منّا ذلك الرجل الطيّب وأسرته الصغيرة، الطبيب والد الأطفال الثلاثة، لقد وافقت على تأجيره إكراماً لهؤلاء الأطفال الثلاثة الذين أحببتهم أول ما رأيتهم أيّتها الحنون، و قلتِ لي إنها بشارة خير لنا أن يقطن المنزل هؤلاء الأطفال، حتماً سيقطنه بعدهم أطفالنا السبعة، ثم انفجرت ضاحكةً أمام نظراتي المذهولة، تلك المرّة الأولى التي تخبرينني فيها أنّك توّدين إنجاب سبعة من الأطفال، آهٍ أيّتها الطفلة الصغيرة، كم تحملين من مفاجآت سارّة لكهلك العاشق، و كم أعشق منكِ تلك المفاجآت، إذاً سبعة هم أطفالنا، حين بنينا المنزل كنّا سنتركه لابن أو ابنة يخلّد اسمينا حين تنتقل بنا الحيّاة إلى مكان آخر، أتذكرين منزلنا ذاك ؟، كنت تحلمين أن يكون منزلاً لطفلنا الوسيم، أو لطفلتنا الجميلة، رحلتِ أنتِ وبقيتُ أنا، لن يكون لي أبداً طفلٌ وسيم، ولن أرى مطلقاً طفلتنا الجميلة، و لن نرى أطفالنا السبعة، إنّما ستبقين أنتِ، طفلتي التي حباني بها زمني الجميل وأيامي الحنونة، وتبقين أنتِ أبداً، غصناً مزهراً يورق في حياتي أملاً ولا أروع.

.

.

.

.. من رسائله إليها ..

لمياء غير متصل قديم 13-02-2007 , 11:04 PM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#2  

المنزل ما زال هناك في أطراف المدينة، والمستأجر الطيب يهتم بالبيت جيداً، ذهبتُ لأراه بعد زيارتي للمصرف، لقد زرع حديقةً جميلة سوّرها بأشجار البرتقال، يظهر أنه رآها في منزلنا فخمّن أنها شجرتنا المفضلة، في ركنٍ من الحديقة بنى بركةً صغيرةً لطيفة، تناثر البط و الأوز على أطرافها، أرجو ألا تغضبك تلك التغييرات، لا عليك يا أميرتي، إن لم تعجبك البركة سنردمها ،وسترجعين تخططين بيت طفلنا كما تشائين، وترسمين حديقة طفلك كما تشتهين، عودي فقط، ودعي الحياة تتفجر في هذا القلب من جديد.

أسمع صوتكِ الحنون يأتيني من بعيد يسألني "و ما الذي دفعكَ للذهاب إلى المصرف ؟" . لن أجيب، اسألي أكثر، فأنا في شوقٍ إلى صوتك العذب، لجنونه وهدوئه، لأعاصير غضبه وينابيع حنانه، أراك تتململين انتظاراً، حسنٌ سأجيب سؤالك، لكن لا تغضبي من عاشقك يا صغيرتي، فهو لا يستطيع إلا أن يجيبك، اغفري له هذيانه، فحمى الوحدة تنهشه، و الوحشة باتت أنيس أيامه.

ذهبتُ إلى المصرف لأنني تذكرت تلك الأسرة الفقيرة التي فقدت عائلها، وتكفلتِ أنتِ برعايتها منذ أن منّ الله علينا ووسع لنا في الرزق، منذ رحيلك ما عرفت من أخبارهم شيئاً، لم أرَ أحداً منهم و ما حملتني أقدامي على الذهاب إليهم، حين استعدت رباطة جأشي ووفاءً لكِ قررتُ أن أكمل مسيرتكِ معهم، أذكر أنهم كانوا يقطنون في الناحية الفقيرة من البلدة أو كما كنّا نطلق عليه "حيّ الفقراء" فيما أنتِ أيتها الأميرة تُصرين على تسميته بحىّ المودة، ما كنتُ أخالفك، شفافيتكِ تلك وحرصك على الرّقة في كل أمورك و اللطافة في أمور لا ينتبه لها الكثير ما كان يأسرني و يجعلني طوع يديك، و يُحيطك بهالةٍ من نور حيث تكونين، ما كنتِ متصنعة أيتها الرائعة أو مدّعية، كنت رائعة في كل أحوالك، في غضبك وحبورك، في لحظات الشجن، في أهازيج الفرح و في أعين النقاء كنتِ.

لمياء غير متصل قديم 14-02-2007 , 07:19 PM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#4  

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة إرث أحزان
هيه ... هيه .. !


مرحبا

لمياء غير متصل قديم 15-02-2007 , 11:18 PM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#5  

قلبّتُ صندوق أوراقك وعرفتُ اسم الأسرة التي كنتِ تتركينني من أجلها بداية عطلة كل شهر، أخذت مبلغاً من المال إليهم وقلت لهم إنه منك فاستغربوا في صمت مقالتي، لربما ظنوا أن بي مس من الجنون، لكن كانوا ممتنين لي ولك، تركتهم و أعينهم تشيّعني حتى غبتُ عن الأنظار، لم ألتفت إليهم إنّما كانت صلوات الامتنان تصلني منهم و تملأ الكون من حولي، تتردد في صدى فريد نادر، فأبتسم لكِ قرير العين.

إنها أيام العيد، الناس هنا تتأهب استعداداً له في سباق محموم بهيج، الزينة في كل مكان، و الفرحة تطغى على وجوه الكبار و الصغار، للعيد و أنتِ ذكرياتٌ و لا أجمل،كنتِ العيد الذي لا ينتهي، الفرح الصاخب في حياتي وسكينة نفسي، كنتِ العيد يا عيدي.

في العيد كنتِ تملأين بيتنا الريفي القديم بالبهجة، وترفرفين بي في عوالم ما عرفها البشر، أهازيج الأعياد كالقيثارة تدندنيها وأنت تضعين تلك الزينة وترفعين ذلك الطبق، تجهزين هدايا الصغار وتنسقين الزهور على الموائد،كفراشة ما إن تحل بمكان حتى تحوّله إلى بهجة من قوس قزح، و عيناي تحلقان معك مبهورتين بك، تحضنانكِ في فرح غامر وشعور عميق بسعادة لا توصف، لا توصف أيتها الغالية.

انطفأت شموعي بعدك، لما رحلتِ؟
أين أنتِ لتُشعليها من جديد؟
أين عالمي الذي أشتاقه؟
أين أنتِ يا مسكن الروح و موطن الحلم؟
إن لم تشائي العودة ، فدليني عليك ، أهاجر إليكِ أينما كنتِ ؟

قالوا لي، إنّك مع الريح تتواجدين، و أوصَوني، أن أتتبع الريح لأجدكِ، قالوا إنك من بصيص النور تأتين، و سنا أشعة الشمس تمتطين، وحين يأتي الربيع، حفيف أوراق الشجر تسكنين، و في الشتاء، حين يعربد الصقيع، تتألقين في ضوء المدفأة، في الشرارت المتدافعة، نوراً و دفئاً.

لمياء غير متصل قديم 15-02-2007 , 11:21 PM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#7  

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة إرث أحزان
معليش ندقق إملاء ونحو ؟


.. و لو .. خذ راحتك

لمياء غير متصل قديم 17-02-2007 , 12:53 AM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#8  

غاب عنهم أيتّها الراحلة أنك تسكنين قلبي، فنبضي عنوانك، سكنك وسكونكِ ، هو مأواكِ من عربدة الصقيع، إنّما الروح أيتها الصغيرة اشتاقت صوتك، و ابتسامتك، و أطياف النور التي تتبعك حيثما تكونين ، و تلك الموسيقى الخفية التي تملأ المكان حين تتواجدين، اشتاقكِ أنتِ، فدليني عليكِ و إن إلى قلبي هاجرتِ؟.

كنتِ أنتِ وكان الحلم طيراً يرفرف في قلبي سعادة، أنتِ طائر الفينيق أسطورةُ وهمٍ عاشتها أيامي، اشتهيتُ أن أرى فرحة الناس بالعيد بعد أن أظلم بيتي علىّ وانتهى عيدي، ذهبتُ إلى سوق المدينة الوحيد، وجلستُ في الركن المعتاد من المقهى ذاته المقهى الذي شهد بدايتنا، ذات المساء الجميل الذي وُلد به نبضنا، ذات الموسيقى، ذات التراتيل، ذاتَ المكان الذي انتظرت فيه بداياتنا الخجولة أن تولد، ذاتَ المكان الذي شهد بعد ذلك أيامنا السعيدة، حين كنتِ تتبضعين في السوق وأسأم أنا من كثرة الوقوف و التنقل بين المتاجر، حين لا يكون لي جلد على حفلات تسوقك النشيطة، أنتظرك في مقهى "الميلاد"، ميلاد حبنا، كما هى عادتك في تسمية الأماكن المحببة إليك بأسمائك الخاصة.

ما بال كل ركن في دنياي يذكرك؟
أركان المقهى تذكرك، و تذكر ميلاد البداية؟
تلك الزاوية الهادئة هناك أيضاً تذكرك ؟
حتى الشموع هنا تسألني عنك.
و الصمت إجابة.

جلستُ أرقبُ الناس وانشغالهم المحموم بالتبضع والتجوال في المتاجر، على الرُغم من وجوههم المشوبة ببعض التعب الجميل، و على الرُغم من انشغالهم بإرضاء الأطفال و المفاضلة بين البضائع و الانشغال بالاختيار و الانتقاء، كانت فرحة العيد تشّعُ من الوجوه بهجة و سعادة، و بعض الضحكات المرحة تنطلق من المكان بين فينة وأخرى، في المتجر الذي أمامي وقفت الأم تحاول جاهدةً إرضاء طفلتها الشقيّة و تحاول ترغيبها في هدية يظهر أنها أرخص ثمنا من أخرى أمسكت بها الطفلة بكلتا يديها متشبثة، كان متجر الهدايا هذا ضاجّاً بالحياة، يبدو أن الأطفال وجدوا أخيراً عالمهم المفقود.
.
.
.
.

لمياء غير متصل قديم 17-02-2007 , 12:55 AM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#9  

ضمّهما بهدوء ركن من المتجر ذاته، شابّان لم تترك الحياة آثارها عليهما بعدُ، كان يدور حولها يعلّق عليها ورق الزينة و هى تضحك ملء قلبها حبوراً، غبتُ عمّا حولي و رأيتنا فقط، أنت و أنا و فرحة العيد في هذين الشابين، رأيتنا فيهما يا صغيرتي، عندها لم استطع منع دمعة طفرت من عيني و أنا أرقب تلك النظرات العميقة سكوناً و سكينة في أعينهما، تلك السعادة التي لا تتركك إلا قرير العين، رضيّ النفس، أذكركِ، أذكرك يا راحلة و أذكر تلك النظرات التي سلبت مني الروح، و سكنتِ بهما العقل و القلب، فلا أرى في الوجوه إلاّك.

مكثتُ أرقب العاشقينَ زمناً و هما ذاهلان عمن حولهما، كدتُ أقوم من مقعدي و أتوجه إليهما أوصيه بها لولا أن تمالكتُ نفسي في اللحظة الأخيرة، أوصيه بأن يُرضيها و يصونها ، فلا يدري أي وقتٍ آتٍ سيخطفها منه، كما فعلتِ أنتِ و تركتني و ما استوعب العقل بعدُ متى رحلتِ، أين أنتِ ؟، من خطفكِ مني أيتها الراحلة؟، من فجعني بتلكما العينين الرائعتين فاختفا من حياتي و تركتاني للظلام ينهشني و يوحشُني؟.

في أيامنا التي خلت ، أهلّ علينا العيد و نحن في ضيق و عوز، كنّا في بداية حياتنا الجميلة، فكان حتى الضيق و الفقر في أعيننا جميلا هانئاً، كل أمورنا كانت تُشعرنا بالرضى لأننا معاً، ما كنتُ أحسُّ أنَّ شيئاً ما ينقصني على رُغم الكثير الذي ينقصني، و ما كنتُ أشعر بسخطك على رُغم معاناتك التي جاهدتِ في إخفائها عني، فأهنأ برضاكِ و بكِ و تقرّ عيني بهبة السماء لي فيك.
حين أتى العيد، أُسقطَ في يدي، لم أطق فكرة أن يمر عيدك بدون ذكرى تبقى لك منه، و تكون وصمة لهذا العوز يَصمُني بها إلى لأبد، تحذيراتك الدوؤبة والدائمة أن لا نهدر مالنا في الهدايا كانت تلاحقني دوماً، و كأنك كنتِ تشعرين بما أخطط له " سيأتي زمانٌ نشبع فيه من الهدايا، لا تشغلك هذه الأمور الآن، انتبه فقط لنفسك و عملك"، آهٍ يا غالية، أما كنتِ تعلمين أنّك هديتي الثمينة ، وأنك أروع ما امتلكته في أيامي الماضية و القادمة ، أما كنتِ تدركين أن بسمتك الحنون هى كل ما أتمنى و إِن دفعتُ لأجلها مال الدنيا كله، و إن ضحيتُ من أجلها بحياتي كلها، بالتأكيد كنتِ تدركين كل هذا، إنّما قلبك الطيب هو من يدفعك للحدب علىّ و الخوف من أن أتحمل ما لا أطيقه من مصاريف، كانت عبارتك السابقة ترافق صباحاتي و أنا ذاهبٌ إلى العمل و راجعٌ منه، تكررينها على مسمعي حتى لا " أتهور" كما تقولين و أضعنا باقي العام في موقف محرج بين الأهل و الأصحاب.
كان يُذكر العيد و مواسم الهدايا بين العمال ، فأتذكرك، و أتذكر قولك، فيزيد همي و يعظم كربي ،" لا تنس، نريد أن نسدد بقية الدين الذي علينا هذا العام، من أجلي يا حبيبي، لا تسرف في الإنفاق فيما ليس بضروري، نريد أن يُصبح البيت ملكنا بدون دين أو ديّان يذكرنا أنه لا زال له فيه نصيب، بعدها أيّها الحبيب، سيكون كلُّ يومٍ عيداً"، تواسيني يا صغيرتي الحنون بكلماتك الدافئة، تجاهدين في إخفاء أي طارئ يطرأ لكِ، تبالغين في الاقتصاد و التدبير الحكيم، و الغريب أنك كنتِ تديرين مملكتنا الصغيرة وبيتنا الذي يرزح تحت الديون و كأننا ملوكاً لا ينقصنا شئ، كنتُ أشعرُ بكل ذلك و أكتمُ غصّة تجرح دواخلي أني لا أملك ما أكللّك به أميرة لمملكتك الصغيرة، لبيتنا الريّفي الذي حولته إلى جنّة لنا على الأرض، ما كان لنا راحة إلا فيه، و ما كان لنا سكينة إلا فيه.
.
.
.
.

لمياء غير متصل قديم 17-02-2007 , 11:21 PM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#10  

كنتُ أسمع الجارات يثرثرن عمّا ابتعن أو جلبن معهن من ثياب أو عطور أو غيرها من حاجات النساء و تلوذين أنتِ بصمتٍ مهيب يجللك بالوقار ويجرحني بنواحٍ صامت يمزقني، يقتلني شعوري بالعجز عن أن ألبي لكِِ حاجاتك الصغيرة، كنتِ بارعة في إخفاء حالنا عن الجميع، ما عرف قط غيرُنا حاجتنا وعوزنا، كم كنت رائعة، و كم كنتُ أستمد من روعتك أنفاسي التي أعيش عليها في هذه الدنيا، لكني ما كنتُ سأسمح للعيد أن يمّر يا جنّتي و راحتي و سكينتي دون أن يبقى منه ذكرى تذكرك أنه عيدٌ قضيناه معاً.

ما كنت لا تعرفينه يا أغنية غرّد بها عمري الماضي و الآتي أنني طوال ثلاثة الأشهر التي سبقت العيد كنتُ أدخر المبلغ المخصص لمصروفي في المصنع و المبلغ المخصص لي بداية كل شهر بعد أن نوّزع دخلنا الشهري حسب الخطة الصارمة ليكفينا الحاجة طوال الشهر، كنتُ أستغني عن ذلك المبلغ و أدخره بعيداً عنك لأجلك يا غالية، أُخفيه و أتحجج بحجج واهية مطلع كل شهر لتزيدي من حصتي لأنني كنتُ أطمع في زيادة مبلغ الهدية، و تصطنعين الغضب لحججي الكثيرة الواهية و إن كان قلبك يرّق لي فتزيدين نصيبي و تبتسمين تلك الابتسامة الخصبة الجالبة للحياة أن ألا ضير من الترفيه عني قليلاً.

بعد ثلاثة أشهر من التقتير و الادّخار وتحمّل ساعات العمل جائعاً منهكاً لوقتٍ متأخر كل يوم، استطعت أن أوفر مبلغاً يُمَكنني من إهدائك ما يليقُ بكِ، جاءت لحظة احتفالي بكِ، تلك التي كنتُ أرسم تفاصيلها في مخيلتي طوال الليالي الماضيات، كم كنتُ أتأهب لتلك اللحظة مترسما طقوسها و متخيلاً ردّة فعلك الرائعة، تلك النظرة التي ستكلل محياك البهي، بعدها لا يهم يا رائعتي إن أغمضتُ عيني و متُّ، سأكون وقتها قد ملكتُ الدنيا و ما فيها.
.
.
.
.

لمياء غير متصل قديم 20-02-2007 , 01:13 AM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#11  

جاءت اللحظة الموعودة، في تلك الأمسية الصافية المقمرة، كان قد بقى على العيد ليالي معدودات قلّة، و كنّا قد انتهينا من أداء واجباتنا اليومية و لجأنا إلى الشرفة التي ضمت أجمل لحظاتنا نحتسي قهوة المساء، لم استطع الانتظار أكثر، ما استطعتُ حتى أن يهلّ يوم العيد، أذكر أنّكِ كنتِ تلبسين ثوبك الأبيض ذي الدانتيلا التي تزين أطرافه و حواشيه، تاركةً شعرك الليليّ منسدلاً على ظهرك الجميل، جلستِ قبالتي تُضاهين ذلك القمر المانح للسماء بهاءً و ضياء، تركتُ فنجاني جانباً و تحركتُ صوبك متكئاً على حافة الشرفة متظاهراً بتأمل الطبيعة الساكنة أمامي، قلتُ فجأة ببهجة و صخب كطفلٍ طرأت له فكرة مفاجئة:
- أريد أن نحتفل الليلة، حبيبتي. نظرتِ إلىّ ببسمة عميقة مطمئنة و كأنك تعودت من طفلكِ على تلك اللحظات المجنونة.
- وكيف تريدنا أن نحتفل؟ ، قلتها ضاحكة مستغربة و أنتِ تحاكين جنوني،
- أريد أن نرقص الليلة ، قلتُ لك ذلك و أنا أتشبثُ بيديك محاولاً استنهاضك للرقص.
- ما بك؟ يبدو أنّ نوبة جنونك غير عادية هذه الليلة!، قلتها و أنتِ تقومين واقفة إلى جواري،
- لقد سحرني القمر، كان يُغيظني طوال الوقت إنه لا يشبهه من البشر أحد و أنا أرّد معانداً له "بل أميرتي أجمل منك و أبهى"، هأنذا أثبت له أنّكِ الأروع في كل شئ ، أنظري كيف ينظر لنا في مغتاظاً.
عندها لا تتمالكين نفسك من الضحك لتقولي إنني طفلك ذو المخيلة الخصبة و الذي لا يكبر أبداً، فتنعشني الكلمات و تزيد من حماستي و أجاهد أن أكون أنا هو طفلَكِ الذي لا يكبر و الذي لا يأل جهداً أن يُرضيك فأكمل :
- إنّي يا أميرتي الليلة أعلنتك مليكة هذا القصر،و الرعيّة هو أنا، و هذا البيت الريفي القديم الدافئ بوجودك فيه، و زهيراتك في الحديقة، و القطة العجوز، و تتويجاً لكِ فإنني أقلدك هذه القلادة الصغيرة.
في حركة تمثيلية أحاول أن أخفي بها ارتباكي و ارتعاش يدَيّ، و أنا أنظر إلى عينيك المستغربتين ونظرتك المتسائلة، أخرج من جيبي قلادة ذات سلسلة مستدّقة و علاقة على شكل قلبٍ مزخرف بالورود متقنة دقيقة الصنع، يُفتح لتجدي في داخله صورتين متقابلتين ، إحداهما لكِ و الأخرى لي، و أقترب منكِ كي أعلّقه على جيدك الفضيّ لأرى الدهشة قد عقدت لسانك فما نطقت بكلمة.
- ما هذا؟، قُلتِها بصورة متقطعة و مترددة.
- كل عيدٍ و أنت عيدي يا مليكتي.
صمتنا كِلاْنا، فما من كلماتٍ كانت ستليق بتلك اللحظة الخالدة، لقد رأيتُ الجنّة في عينيك عندها، الكون كله يموج في صمت مهيب مشاطراً إيّانا لحظة من لحظات الخلود، و دمعتان كالجمان تدحرجتا من عينيك الجميلتين لتقولا بدون حاجة إلى كلام أكثر مما يقوله الكلام، فاكتفيتُ بضمّك إلىّ، و مشاطرتك الدموع، و غرقنا في ذهول عن كل ماحولنا.

لمياء غير متصل قديم 20-02-2007 , 11:20 PM    الرد مع إقتباس
لمياء لمياء غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 691
#12  

ما زالت تلك الليلة الفريدة بتفاصيلها حاضرة في بالي، ماثلة أمام ناظريّ، زاداً أستعين به على جفاف حياتي القاتل، أستدعيها كلمّا ضاقت علىّ الدنيا بما رحبت، و أعيشها من جديد، فلا تتركني إلا و قد رسمت ابتسامة راضية على وجهي المكدود، تلك لحظات حُفرت في ذاكرتي إلى الأبد لن تعود، و لن أنساها ما حييتُ يا طفلتي، هى النبع الذي يروي ظمأي واشتياقي إليكِ، و هى المعين إلى أن ألتقيكِ ذات فرح، فنستعيد ذكرياتنا و يصفو الزمان لنا كما كان دوماً.

الثالث عشر من تشرين الثاني 2003

لمياء غير متصل قديم 20-02-2007 , 11:21 PM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.