العودة سوالف للجميع > سوالف المميزة > إبــــــــداعـــــــــــــات > بين المذهبية واللامذهبية ؛؛؛
 
صفحة 2 من 2 < 1 2
weld-dubai weld-dubai غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 587
#26  

سابعاً:

وأعلم أن هذا الذي سقناه هو عمدة أدلة المجوزين للتقليد، وقد أبطلنا ذلك كله كما عرفت، ولهم شـُبَهٌ غير ما سقناه، وهي دون ما حررناه، كقولهم: أن الصحابة قلدوا عمراً في المنع من بيع أمهات الأولاد، وفي أن الطلاق يتبع الطلاق.



الجواب:

وهذه فرية ليس فيها مرية فإن الصحابة رضي الله عنهم مختلفون في كلتا المسألتين، فمنهم من وافق عمر [اجتهاداً لا تقليداً]، ومنهم من خالفه، وقد كان المُوافقون له يسألونه عن الدليل ويستروُوْنَهُ النصوص، وشأن المقلد أن لا يبحث عن دليل، بل يقبل الرأي ويترك الرواية، ومن لم يَكـُن هكذا فليس بمقلد.




ثامناً:

ومن جملة ما تمسكوا به أن الصحابة كانوا يفتون والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وهذا تقليدٌ لهم.


ويُجاب عن ذلك:

بأنهم كانوا يُفتونَ بالنصوص من الكتاب والسنة، وذلك رواية ٌمنهم، ولا يشك [من يفهم] أن قبول الرواية ليس بتقليد، فأن قبول الرواية هو قبول للحجة، والتقليد إنما هو قبول الرأي،


وفرقٌ بين قبول الرواية وقبول الرأي؛ فإن قبول الرواية ليس من التقليد في شيء بل هو عكس رسم المقلد، فاحفظ هذا

فإن مُجَوِّزي التقليد يُغالِطونَ بمثل ذلك كثيراً فيقولون مثلاً: أن المُجتهد هو مقلد لمن روى له السنة، ويقولون: أن من التقليد قبول قول المرأة أنها قد طهُرَت وقبول قول المؤذن أن الوقت قد دخل وقبول الأعمى لقول من أخبر بالقبلة، بل وجعلوا من التقليد قبول شهادة الشاهد وتعديل وجرح الجارح،

ولا يَخفى عليكَ أن هذا ليس من التقليد في شيء، بل هو من قبول الرواية لا من قبول الرأي، إذ قبول الراوي للدليل والمُخبر بدخول الوقت وبالطهارة وبالقبلة والشاهد والجارح والمزكي هو من قبول الرواية، إذِ الرَّاوي إنما أخبر المروى له بالدليل الذي رواه، ولم يُخبره بما يراهُ من الرَّأي، وكذلك المُخبر [بدخول الوقت] إنما أخبر بأنه شاهد علامة من علامات الوقت ولم يُخبر بأنه قد دخل الوقت برأيه، وكذلك المُخبر بالطهارة، فإن المرأة [مثلاً] أخبرت أنها قد شاهدت علامة الطهر [من القصة البيضاء ونحوها]، ولم تخبر بأن ذلك رأيٌ رأته، وهكذا المُخبر بالقبلة، أخبر أن جهتها أو عينها ههنا، حيثما تقتضيهِ المشاهدة بالحاسة، ولم يُخبر عن رأيه، وهكذا الشاهد فإنه أخبر عن أمر يعلمه بأحدِ الحواس، ولم يخبر عن رأيه في ذلك الأمر.

وبالجملة، فهذا أوضحُ من أن يخفى، والفرقُ بين الرواية والرأي أبيَنُ من الشمس ومن التبسَ عليه الفرق بينهما فلا يشغل نفسه بالمعارف العلمية فإنه بهيميُّ الفهم [وإن كان في مسلاخ إنسان].

قال ابن خويز منداد البصري المالكي: "التقليد معناه في الشرع: الرُّجوعُ الى قولِ لا حُجَّة لقائلهِ عليه، وذلك ممنوعٌ مِنهُ في الشريعة، والإتباع: ما ثبتَ عليه الحُجَّة، .." إلى أن قال: "والإتباعُ في الدين متبوعٌ، والتقليدُ ممنوعٌ"، وسيأتي مثل هذا الكلام لابن عبد البرِّ وغيره.

weld-dubai غير متصل قديم 24-01-2002 , 07:26 AM
weld-dubai weld-dubai غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 587
#27  

تاسعاً:

وقد أورد بعض أسراء التقليد كلاماً يؤيد به دَعواه الجواز، فقال ما معناه: لو كان التقليدُ غير جائزٍ لكان الاجتهاد واجباً على كل فرد من أفراد العباد، وهو تكليفُ ما لا يُطاق، فإن الطباع البشرية متفاوتة، فمنها ما هو قابل للعلوم الاجتهادية ومنها ما هو قاصر عن ذلك [وهو غالب الطباع]،

وعلى فرض إنها قابلة له جميعها؛ فوجوب تحصيله على كل فردٍ يؤدي إلى تبطيل المعايش التي لا يتم بقاء النوع بدونها؛

فإنه لا يظفر برتبة الاجتهاد إلا من جَرَّدَ نفسه للعلم في جميع أوقاته على وجهٍ لا يشتغل بغيره،

فحينئذ يشتغل الحُرَّاثُ والزُّرَّاعُ والنـُّسَّاجُ والعُمَّارُ ونحوهم بالعلم، وتبقى هذه الأعمالُ شاغرة مُعطلة، فتبطل المعايش بأسرها،

ويُفضي ذلك إلى إنحزام نظام الحياة وذهاب نوع الإنسان، وفي هذا من الضرر والمشقة ومخالفة مقصود الشارع ما لا يخفى على أحد.




ويُجاب عن هذا التشكيك الفاسد:

بأنا لا نطلب من كل فرد من أفراد العباد أن يبلغ رتبة الاجتهاد، بل المطلوبُ هو أمرٌ دون التقليد،

وذلك بأن يكون القائمون بهذه المعايش والقاصرون إدراكاً وفهماً كما كان عليه أمثالهم في أيام الصحابة [والتابعين وتابعيهم وهم خير القرون الذين يلونهم ثم الذين يلونهم].

وقد علم كل عالم أنهم لم يكونوا مقلدين ولا منتسبين إلى فردٍ من أفراد العلماء،

بل كان الجاهل يسأل العالم عن الحكم الشرعي الثابت في كتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيُفتيه به ويرويه له لفظاً أو معنىً،

فيعملُ بذلك من باب العمل بالرواية لا بالرأي [ولد دبي: وكذلك يُقال لمن قال بأفضلية التفقه بتقليد مذهب من تلك المذاهب، بل يتفقه طلبة العلم كما كان يتفقه أهل خير القرون، ولا يعني ذلك عدم الاستفادة من جهود اللاحقين، حاشا وكلا، إذ بين هذا وهذا كما بين السماء والأرض، فأهل خير القرون ما كانوا يجحدون جهود من سبقهم. فلا ينبغي [على أقل تقدير] أن يُفضَّل التفقه بالتقليد على التفقه بالاتباع، بل قصاراه أن يكون أحد الأساليب المفضولة].

وهذا أسهلُ من التقليد [ولد دبي: وصدق من قال: أهل السنة هم أعرف الناس بالحق وأرأف الناس بالخلق، وأقول: أرأفُ منهم الله الذي لم يكلف العباد بما يُعنِتهم ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان أرأف بهم من آبائهم وأمهاتهم]؛

فإن تفهُّمَ دقائق علم الرأي أصعبُ من تفهم الرواية بمراحل كثيرة،

فما طلبنا من هؤلاء العوام إلا ما هو أخف عليهم مما طلبه منهم المُلزمون لهم بالتقليد،

وهذا هو الهدى الذي درج عليه خيرُ القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حتى استدرج الشيطان [بذريعة التقليد] من استدرج،

ولم يكتف بذلك حتى سوَّلَ لهم: الاقتصار على تقليد فردٍ من أفراد العلماء وعدم جواز تقليد غيره،

ثم توسع في ذلك: فخيَّّلَ لكل طائفة أن الحق مقصورٌ على ما قاله إمامها، وما عداه باطل،

ثم أوقع في قلوبهم العداوة والبغضاء [حتى إنك تجد من العداوة بين أهل المذاهب المختلفة ما لم تجده بين أهل الملل المختلفة]، وهذا يعرفه كل من عرف أحوالهم.

فانظر إلى هذه البدعة الشيطانية التي فرَّقت بين أهلِ هذه المِلـَّة الشريفة وصَيَّرَتهُم على ما تراهُ من التبايُن والتقاطـُع والتخالف،

فلو لم يكن من شؤم هذه التقليدات والمذاهب المُبتدعات إلا مجرد هذه الفرقة بين أهل الإسلام [مع كونهم أهلَ ملة واحدة ونبي واحد وكتاب واحد] لكان ذلك كافياً في كونها غير جائزة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الفـُرقة ويُرشد إلى الاجتماع ويذم المتفرقين في الدين [حتى أنه قال في تلاوة القرآن [وهو من أعظم الطاعات] إنهم إذا اختلفوا تركوا التلاوة، وأنهم يتلون ما دامت قلوبهم مؤتلفة، وكذا ثبت ذم التفرق والاختلاف في مواضع من الكتاب العزيز معروفة]،

فكيف يَحِلُّ لعالمٍ أن يقول بجواز التقليد [الذي كان سبب فرقة أهل الإسلام وانتشار ما كان عليه من النظام والتقاطع بين أهله وإن كانوا ذوي أرحام]؟

weld-dubai غير متصل قديم 27-01-2002 , 01:18 AM
weld-dubai weld-dubai غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 587
#28  

عاشراً:

وقد احتجَّ بعض أسراء التقليد [ومن لم يخرج عن أهله وإن كان عند نفسه قد خرج منه] بالإجماع [ولد دبي: !] على جوازه.



الجواب:

وهذه دعوى لا تصدر من ذي قدم راسخة في علم الشريعة،

بل لا تصدر من عارف بأقوال أهل العلم،

بل لا تصدر من عارف بأقوال أئمة أهل المذاهب الأربعة؛ فإنه قد صحَّ عنهم المنعُ من التقليد.





بيان أقوال أهل العلم في إبطال التقليد وبراءة خير القرون منه:


قال ابن عبد البر رحمه الله أنه لا خلاف بين أئمة أهل الأعصار في فساد التقليد، وأورد فصلاً طويلاً في مُحاججه من قال بالتقليد وإلزامه بطلان ما يزعمه من جوازه،

فقال: "يُقال لمن قال بالتقليد: لِمَ قلت به وخالفت السلف في ذلك به [فإنهم لم يقلدوا]؟

فإن قلت: "قلدتُ لأن كتاب الله تعالى لا عِلمَ لي بتأويله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحصها، والذي قد قلدته قد عَلِمَ ذلك فقلدتُ من هو أعلم مني"، قيل له: "أما العلماء، إذا أجمعوا على شيء من تأويل كتاب الله أو حكاية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحقُّ لا شك فيه. ولكن قد اختلفوا [فيما قلـَّدتَ فيه بعضهم دون بعض]، فما حُجَّتـُكَ في تقليد بعضٍ دون بعض [وكلهم عالم، ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه]؟"،

فإن قال: "قلدته لأني علمتُ أنه صواب"، قلت له: "علمت ذلك بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع؟"،

فإن قال: "نعم"، فقد أبطل التقليد وطـُولِبَ بما ادعاهُ من الدليل، وإن قال: "قلدته لأنه أعلم مني"، قيل له: "فقـَلـِّد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد من ذلك خلقاً كثيراً، ولا تخص من قلدته إذ علمك فيه أنه أعلم منك"،

فإن قال: "قلدته لأنه أعلم الناس"، قيل له: "فهو إذاً أعلم من الصحابة؟"، وكفى بقوله مثل هذا قبحاً" اهـ ما أردتُ نقله من كلامه [وهو طويل].


وقد حكى في أدلة الإجماع على فساد التقليد، فدخلَ فيه الأئمة الأربعة دخولاً أوليّاً. [ولد دبي: وذلك إجماعٌ يحكيه ابن عبد البر، فمن تظن يدخل فيه إن لم يدخل فيه الأئمة الأربعة؟!]



وحكى ابن القيم عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحم الله الجميع أنهما قالا: "لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه"،

وهذا هو تصريحٌ بمنع التقليد؛ لأن من علم بالدليل فهو مجتهد [مطالب بالحجة] لا مقلد؛ فإنه [ولد دبي: أي: المقلد] الذي يقبل القول ولا يُطالب بحجة.


وحكى ابن عبد البر أيضاً عن معن بن عيسى [بإسنادٍ متصل به] قال: "سَمِعتُ مالكاً يقول: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلُّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكلُّ ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه""،

ولا يخفى عليك أن هذا تصريح منه بالمنع من تقليده؛ لأن العمل بما وافق الكتاب والسنة من كلامه هو عمل بالكتاب والسنة وليس بمنسوبٍ إليه، وقد أمر أتباعه بترك ما كان من رأيه غير موافق للكتاب والسنة.


وقال سند بن عنان المالكي في شرحه على مدونة سحنون [المعروفة بـ"الأم"] ما لفظه: "أما مُجرَّد الاقتصار على محضِ التقليد فلا يرضى به رجلٌ رشيد"،

وقال أيضاً: "نفس المُقلـِّد ليس على بصيرة ولا يتصف من العلم بحقيقة، إذ ليس التقليد بطريق إلى العلم بوفاق أهل الرِّفاق؛ وإن توزعنا في ذلك [ولد دبي: أي شرحنا ذلك] أبدينا برهانه، فنقول: قال الله تعالى: (فاحكم بين الناس بالحق)، وقال: (بما أتاك الله)، وقال: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم)، وقال: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، ومعلومٌ أن العلم هو معرفة المعلوم على ما هو به، فنقول للمقلد: إذا اختلفتِ الأقوال وتشعَّبَت، من أين تعلم صحة قول من قلدته دون غيره أو صحة قربة على قربة أخرى؟ ولا يُبدِرُ كلاماً في ذلك إلا انعكس عليه في نقيضه [سيما إذا عَرَضَ له ذلك في مزيةٍ لإمامِ مذهبه الذي قلده أو قربة يخالفها لبعض أئمة الصحابة]، .."

إلى أن قال: "أما التقليد فهو قبولُ قولِ الغير من غير حجة، فمن أين يحصل به عِلمٌ وليس له مُستندٌ إلى قطع؟ وهو أيضاً في نفسه بدعة مُحدثة، لأنـَّا نعلمُ بالقطعِ أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن في زمانهم وعصرهم مذهبٌ لرجلٍ مُعيَّن يُدرَكُ ويُقلـَّد، وإنما كانوا يرجعون في النوازل إلى الكتاب والسنة أو إلى ما يتمحض بينهم من النظر عند فقد الدليل، وكذلك تابعوهم أيضاً، يرجعون إلى الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا نظروا إلى ما أجمعَ عليه الصحابة، فإن لم يجدوا اجتهدوا، واختار بعضهم قول صحابيٍّ فرآه الأقوى في دين الله تعالى، ثم كان القرنُ الثالث، وفيه كان أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل [فإن مالكاً توفي سنة تسع وسبعين ومائة، وتوفي أبو حنيفة سنة خمسين ومائة، وفي هذه السنة وُلِدَ الإمام الشافعي، وولد ابن حنبل سنة أربع وستين ومائة]، وكانوا على منهاج من مضى لم يكن في عصرهم مَذهَبُ رجلٍ مُعيَّن يتدارسونه، وعلى قريب منهم كان ابتداعهم، فكم من قولةٍ لمالك ونظرائِهِ خالفه فيها أصحابه، ولو نقلنا ذلك لخرجنا عن مقصود ذلك الكتاب، ما ذاكَ إلا لجمعهم آلات الاجتهاد وقدرتهم على ضروب الاستنباطات، ولقد صدق الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، ذكر بعد قرنِهِ قرنين والحديث في صحيح البخاري [ولد دبي: اللفظ هذا ضعيف، والذي فيه: "خير الناس .." الحديث]، فالعجب من أهل التقليد! كيف يقولون: "هذا هو الأمرُ القديم، وعليه أدركنا الشيوخ"، وهو إنما حدث بعد مائتي سنة من الهجرة، وبعد فناء القرون الذين أثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم!" اهـ كلام سند بن عنان المالكي.


وقد عرفت بهذا:

أن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون ثم الذين يلونهم،

وأن حدوث التمذهب بمذاهب الأئمة الأربعة إنما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة،

وأنهم كانوا على نمطِ من تقدمهم من السلف [في هجر التقليد وعدم الاعتداد به]،

وأن هذه المذاهب إنما أحدثها عوامُّ المُقلدة لأنفسهم [من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين].


وقد تواترت الرواية عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال له الرشيدُ أنه يريد أن يَحمِلَ الناس على مذهبه، فنهاهُ عن ذلك، وهذا موجودٌ في كلِّ كتاب فيه ترجمة الإمام مالك [ولا يخلو من ذلك إلا النادر].

weld-dubai غير متصل قديم 31-01-2002 , 04:02 AM
weld-dubai weld-dubai غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 587
#29  

بيان أن العبرة في أقوال العلماء لا الجهلة




وإذا تقرَّرَ أن المُحدِث لهذه المذاهب والمبتدع لهذه التقليدات هم جملة المقلدة فقط؛ فقد عرفتَ [مما تقرَّر في الأصول] أنه لا اعتداد بهم في الإجماع،


وإن المعتبر في الإجماع إنما هم المجتهدون، وحينئذٍ لم يقل بهذه التقليدات عالِمٌ من العلماء المجتهدين،


أما قبل حدوثها فظاهر، وأما بعد حدوثها فما سمعنا عن مجتهدٍ من المجتهدين أنه يسوغ صنيع هؤلاء المقلدة [الذين فرقوا دين الله وخالفوا بين المسلمين]،


بل أكابر العلماء مُنكِرٌ لها وساكت عنها [سكوت تقية لمخافة ضرر أو لمخافة فوات نفع [كما يكون مثل ذلك كثيراً [لا سيما من علماء السوء]]]،


وكل عاقلٍ يعلم أنه لو صرَّح عالِمٌ من علماء الإسلام المجتهدين [في مدينة من مدائن الإسلام [في أيِّ محلٍ كان]] بأن التقليد بدعة محرمة لا يجوز الاستمرار عليه ولا الاعتداد به؛ لقام عليه أكثر أهلها [إن لم يقم عليه كلهم] وأنزلوا به الإهانة والإضرار بماله وبدنه وعرضه بما لا يليق بمن هو دونه [إذا سَلِمَ من القتل على يد أول جاهل من هؤلاء المقلدة ومن يعضدهم من جهله الملوك والأجناد]؛


فإن طبائع الجاهلين بعلم الشريعة متقاربة، وهم لكلامِ من يجانسهم في الجهل أقبل من كلام من يخالفهم في ذلك [من أهل العلم]، ولهذا طبقت هذه البدعة جميع البلاد الإسلامية وصارت شاملة لكل فردٍ من أفراد المسلمين،


فالجاهل يعتقد أن الدين ما زال هكذا [ولن يزال إلى الحشر]، ولا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً،


وهكذا من كان من المشتغلين بعلم التقليد، فإنه كالجاهل بل أقبح منه؛ لأنه يضمُّ إلى جهله [وإصراره على بدعة التقليد وتحسينها في عيون أهل الجهل] الازدراء بالعلماء المحققين والعارفين بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويصول عليهم ويجول، وينسبهم إلى الابتداع ومخالفة الأئمة والتنقص بشأنهم،


فيسمعُ ذلك منهم الملوك [ومن يتصرف بالنيابة عنهم من أعوانهم]، فيصدقونه ويذعنون لقوله، إذ هو مُجانِسٌ لهم في كونه جاهلاً [وإن كان يعرف مسائل قلد فيها غيره [لا يدري أهو حق أم باطل [لا سيما إذا كان قاضياً أو مفتياً!]]]؛


فإن العامي لا ينظر إلى أهل العلم بعين مُمَيِّزَةٍ بين من هو عالم [على الحقيقة] ومن هو جاهل، وبين من هو مقصر ومن هو كامل؛ لأنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهله،


وأما الجاهل فإنه يستدل على العلم بالمناصب والقرب من الملوك واجتماع المدرسين [من المقلدين] وتحرير الفتاوى للمتخاصمين، وهذه الأمور إنما يقوم بها رؤوس هؤلاء المقلدة في الغالب [كما يعلم ذلك كل عالم بأحوال الناس في قديم الزمن وحديثه]،


وهذا يعرفه الإنسان بالمشاهدة لأهل عصره وبمطالعة كتب التاريخ الحاكية لما كان عليه من قبله.

weld-dubai غير متصل قديم 05-02-2002 , 05:37 AM
weld-dubai weld-dubai غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 587
#31  

وخيراً جزاك الله أخي الكريم،


وأهلاً وسهلاً ومرحباً بك،

weld-dubai غير متصل قديم 08-02-2002 , 08:23 AM
weld-dubai weld-dubai غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 587
#32  

تعليل سكوت غالب العلماء المحققين عن إنكار بدعة التقليد



وأما العلماء المحققون المجتهدون: فالغالب على أكثرهم الخمول؛ لأنه لما كثر التفاوت بينهم وبين أهل الجهل؛ كانوا متقاعدين لا يرغب هذا في هذا ولا هذا في هذا.

ومنزلة الفقيهِ من السَّفيهِ : كمنزلةِ السَّفيهِ من الفقيهِ
فهذا زاهدٌ في حقِّ هذا : وهذا أزهَدُ منه فيهِ


ومما يدعو العلماء إلى مُهاجرة أكابر العلماء ومقاطعتهم؛ إنهم يجدونهم غير راغبين في علم التقليد الذي هو رأسُ مال فقهائهم وعلمائهم والمفتين منهم، بل يجدونهم مشتغلين بعلوم الاجتهاد،


وهي عند هؤلاء المقلدة ليست من العلوم النافعة،

بل العلوم النافعة عندهم هي التي يتعجلون نفعها بقبض جرايات التدريس وأجرة الفتاوى ومقررات القضاء.


ومع هذا؛ فمن كان من هؤلاء المُقلدة متمكناً من تدريسهم [في علم التقليد]؛ إذا درسهم في مسجد من المساجد أو في مدرسة من المدارس؛ اجتمعَ عليه منهم جمعٌ جمٌّ يُقارب المائة أو يُجاوزها

[من قومٍ قد ترشحوا للقضاء والفتيا، وطمعوا في نيل الرياسة الدنيوية، أو أرادوا حفظ ما قد ناله سلفهم من الرياسة وبقاء مناصبهم والمحافظة على التمسك بها كما كان عليه أسلافهم]،


فهم لهذا المقصد يلبسون الثياب الرفيعة، ويديرون على رؤسهم عمائم كالروابي،


فإذا نظر العاميُّ أو السلطان [أو بعض أعوانه] إلى تلك الحلقة البَهيميَّةِ المشتملةِ على العدد الكثير والملبوس الشهير والدفاتر الضخمة؛ لم يبق عنده شكٌّ أن شيخ تلك الحلقة ومُدَرِّسها أعلمُ الناس،


فيقبل قوله في كل أمر يتعلق بالدين ويؤهله لكل مشكلة ويرجو منه من القيام بالشريعة ما لا يرجوه من العالم على الحقيقة [المُبرِّزِ في علم الكتاب والسنة وسائر العلوم التي يتوقف فهمُ المعلمين عليها]،


ولا سيما غالب المبرزين من العلماء وتحت ذيول الخمول إذا درسوا في علم بين علوم الاجتهاد فلا يجتمع عليهم [في الغالب] إلا الرجل والرجلان والثلاثة؛


لأن البالغين من الطلبة إلى هذه الرتبة [المستعدين لعلم الاجتهاد] هم أقلُّ قليل؛


لأنه لا يرغب في علم الاجتهاد إلا من أخلص النية وطلب العلم لله عز وجل ورغب عن المناصب الدنيوية وربط نفسه برباط الزهد وألجم نفسه بلجام القنوع.


فلينظر العاقل أين يكون محل هذا العالم [على التحقيق] عند أهل الدنيا إذا شاهدوه في زاوية من زوايا المسجد [وقد قعد بين يديه رجل أو رجلان] من محلِّ ذلك المقلد الذي اجتمع عليه المقلدون؛


فإنهم ربما يعتقدون أنه كواحدٍ من تلامذة المقلد أو يقصر عنه [لما يشاهدون من الأوصاف التي قدمنا ذكرها]،


ومع هذا فإنهم لا يقفون على فتوى من الفتاوى أو سِجلٍّ من السجلات إلا وهو بخط أهل التقليد ومنسوب إليهم،


فيزدادون لهم بذلك تعظيماً ويقدمونهم على علماء الاجتهاد في كل اصدار وإيراد،


فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد [والحال هذه] بشيءٍ يخالف ما يعتقده المقلدة قاموا عليه قومة جاهلية،


ووافقهم على ذلك أهل الدنيا وأرباب السلطان،


فإذا قدروا على الإضرار به في بدنه وماله فعلوا ذلك،


وهم بفعلهم مشكورون عند أبناء جنسهم من العامة والمقلدة؛ لأنهم قاموا بنصرة الدين [بزعمهم] وذبوا عن الأئمة المتبوعين وعن مذاهبهم التي قد اعتقدها أتباعهم،


فيكون لهم بهذه الأفعال [التي هي عين الجهل والضلال] من الجاه والرفعة عند أبناء جنسهم ما لم يكن في حساب،


وأما ذلك العالم المحقق [المتكلم بالصواب] فبالأحرى أن لا ينجو من شرهم ويسلم من ضرهم،


وأما عرضه فيصير عرضه للشتم والتبديع والتجهيل والتضليل،


فمن ذا ترى ينصب نفسه للإنكارِ على هذه البدعة ويقوم في الناس بتبطيل هذه الشنعة [مع كون الدنيا مؤثرة وحب الشرف والمال يميل بالقلوب على كل حال]؟


فانظر إليها أيها المُنصف بعين الإنصاف، هل يُعَدُّ سكوت علماء الاجتهاد على إنكار بدعة التقليد [مع هذه الأمور] موافقة لأهلها على جوازها؟


كلا والله،


فأنه سكوتُ تقية لا سكوت موافقة مرضية.

weld-dubai غير متصل قديم 10-02-2002 , 06:23 PM
 
صفحة 2 من 2 < 1 2


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB غير متاح الإبتسامات غير متاح كود [IMG] غير متاح كود HTML غير متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.