العودة سوالف للجميع > سـوالـف الجمـيــــــــع > سـوالــف إســلامــيـة > ***مراسلة بين عالم وحاكم (صورة واقعية لعزة
المشاركة في الموضوع
النعمان النعمان غير متصل    
مبدع متميز جداً  
المشاركات: 4,062
#1  

***مراسلة بين عالم وحاكم (صورة واقعية لعزة العلماء )***
ذكر ابن بلبان و الغزالي وغيرهما أن هارون الرشيد لما ولي الخلافة زاره العلماء بأسرهم إلا سفيان الثوري فانه لم يأته وكان بينهما صحبه فشق عليه ذلك فكتب إليه الرشيد كتاباً يقول فيه:
(( **بسم الله الرحمن الرحيم **
من عبد الله أمير المؤمنين إلى أخيه في الله سفيان بن سعيد الثوري أما بعد:
يا أخي فقد علمت أن الله آخى بين المؤمنين وقد آخيتك في الله مؤاخاة لم أصرم فيها حبلك ولم أقطع منها ودك وأني منطو لك على أفضل المحبة وأتم الإرادة ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله تعالى لأتيتك ولو حبوا لمل أجد لك في قلبي من المحبة وانه لم يبق أحد من أخواني وإخوانك إلا زارني وهنأني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم المواهب السنية ما فرحت به نفسي وقرت به عيني وقد استبطأتك وقد كتبت كتاباً مني إليك أعلمك بالشوق الشديد إليك وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل زيارة المؤمن ومواصلته فإذا ورد كتابي هذا فالعجل العجل )).
ثم أعطى الكتاب لعباد الطاقاني وأمره بإيصاله وإليه وأن يحصي عليه بسمعه وقلبه دقيق أمره و جليله.
ليخبره به .
قال عباد :فانطلقت إلى الكوفة فوجدت سفيان في مسجده فلما رآني على بعد قام وقال :أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير !!.
قال : فنزلت عن فرسي بباب المسجد فقام يصلي ولم يكن وقت صلاة فدخلت وسلمت فما رفع أحد من جلسائه رأسه فبقيت واقفاً وما منهم أحد يعرض علي الجلوس وقد علتني من هيبتهم رعدة فرميت بالكتاب إليه فلما رأى الكتاب ارتعد وتباعد منه كأنه حيه عرضت له في محرابه فركع وسجد وسلم وأدخل يده في كمه وأخذه وقلبه بيده ورماه إلى من كان خلفه وقال : ليقرأه بعضكم فأني استغفر الله
أن أمس شيئاً مسه ظالم بيده .
قال عباد : فمد بعضهم يده إليه وهو يرتعد كأنه حية تنهشه ثم قرأه فجعل سفيان يبتسم تبسم المتعجب فلما فرغ من قراءته قال : اقلبوه واكتبوا للظالم على ظهره .
فقيل له : يا أبا عبد الله انه خليفة فلو كتبت إليه في بياض نقى لكان أحسن ؟؟
فقال : اكتبوا للظالم في ظهر كتابه فان كان اكتسبه من حلال فسوف يجزى به وان كان من حرام فسوف يصلى به ولا يبقى شيء مسه ظالم بيده عندنا فيفسد علينا ديننا .
فقيل له : ما نكتب له ؟
قال : اكتبوا له …………
(( ** بسم الله الرحمن الرحيم **
من العبد الميت سفيان إلى العبد الغرور بالآمال هارون الذي سلب حلاوة الإيمان ولذة قراءة القرآن ، أما بعد :
فأني كتبت إليك أعلمك أنى قد صرمت حبلك وقطعت ودك وإنك قد جعلتني شاهداً عليك بإقرارك على نفسك في كتابك بما هجمت على بيت مال المسلمين فأنفقته في غير حقه وأنفذته بغير حكمه ولم ترض بما فعلته وأنت ناء عنى حتى كتبت إلى تشهدني على نفسك فأما أنا فأنى قد شهدت عليك أنا وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك وسنؤدي الشهادة غداً بين يدي الله الحكم العدل.
يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم .. هل رضى بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في ارض الله والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل ؟؟ أم رضى بذلك حمله القرآن وأهل العلم يعنى العاملين ؟؟ أم رضى بفعلك الأيتام والأرامل ؟؟ أم رضى بذلك خلق من رعيتك ؟؟
فشد يا هارون مئزرك وأعد للمسألة جواباً وللبلاء جلباباً واعلم أنك ستقف بين يدي الحكم العدل فأتق الله في نفسك إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القرآن ومجالسة الأخيار ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً وللظالمين إماماً .
يا هارون قعدت على السرير ولبست الحرير وأسبلت ستوراً دون بابك و تشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك يظلمون الناس ولا ينصفون ويشربون الخمر و يحدون الشارب ويزنون ويحدون الزاني ويسرقون ويقطعون السارق ويقتلون و يقتلون القاتل أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس ؟؟
فكيف بك يا هارون غداً إذا نادى المنادى من قبل الله احشروا الظلمة وأعوانهم فتقدمت بين يدي الله ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك والظالمون حولك وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار ؟؟ وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق ووردت المساق وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلاء على بلاء وظلمة فوق ظلمة ؟؟
فاتق الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في أمته واعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك وكذلك الدنيا تفعل بأهلها واحداً بعد واحد فمنهم من تزود زاداً نفعه ومنهم من خسر دنياه وآخرته وإياك ثم إياك أن تكتب إلى بعد هذا فأني لا أجيبك ، والسلام ))
وألقى الكتاب منشوراً من غير طي ولا ختم فأخذته وأقبلت به إلى سوق الكوفة وقد وقعت الموعظة بقلبي فناديت :يا أهل الكوفة من يشتري رجلاً هرب إلى الله ، فاقبلوا إلى بالدراهم والدنانير فقلت :
لا حاجه لي بالمال ولكن جبه صوف وعباءة قطوانية.
فأتُيت بذلك فنزعت ما كان من علي من الثياب التي كنت أجالس بها أمير المؤمنين وأقبلت أقود الفرس الذي كان معي إلى أن أتيت باب الرشيد حافياً راجلاً فهزأ بي من كان على الباب ثم استؤذن لي فلما رآني على تلك الحالة قام وقعد وجعل يلطم رأسه ووجهه ويدعو بالويل والحرب ويقول : انتفع الرسول وخاب المرسل مالي وللدنيا والملك يزول عني سريعا فألقيت الكتاب إليه مثل ما دُفع إلى فأقبل يقرؤه ودموعه تنحدر على وجهه وهو يشهق ، فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين قد أجترأ عليك سفيان فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد وضيقت عليه السجن فجعلته عبرة لغيرة -1-.
فقال هارون : اتركوا سفيان وشأنه يا عبُيد الدنيا ، المغرور من غررتموه والشقي والله حقاً من جالستموه ، أن سفيان أمه وحده .
ولم يزل كتاب سفيان عند الرشيد يقرؤه دبر كل صلاة ويبكي حتى توفى رحمه الله تعالى .
*********************
-1- ولا تزال حاشية السوء وعبيد الدنيا تفسد الحرث والنسل وتكيد للعلماء ولا حول ولا قوه إلا بالله .
** المصدر : مجموعة الرسائل المنيرية المجلد الرابع ص 57**

النعمان غير متصل قديم 28-12-2000 , 05:12 AM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.