|
عضو نشيط جداً
|
|
المشاركات: 361
|
#5
|
سؤال عربي ـ فرنسي: كيف أنتج مشروع النهضة العربية أشخاصا من نوع بن لادن والظواهري وصدام حسين؟
غسان تويني وجان لاكوتير وجيرار خوري في كتاب مشترك عن حال العرب منذ الإمبراطورية العثمانية إلى الإمبراطورية الأميركية
هاشم صالح
هذا الكتاب مؤلف من قِبل ثلاثة أشخاص: الأول هو الصحافي الفرنسي المعروف جان لاكوتير، وهو أحد كبار المطلعين على شؤون العالم العربي بمشرقه ومغربه، فمعرفته به قديمة جداً وتعود إلى الخمسينات من القرن العشرين عندما كان يعيش في مصر مع زوجته ويقابل جمال عبد الناصر ويتابع أخبار الثورة المصرية، وقد اخرج أكثر من كتاب عن عبد الناصر والمجتمع المصري وبورقيبة وشؤون المغرب العربي.
أما الثاني، أي غسان تويني، فهو واحد من أشهر الصحافيين العرب في هذا القرن، وربما كان لا يقل أهمية عن محمد حسنين هيكل، إن لم يزد فيما يخص بعض النواحي، هذا بالاضافة إلى كونه رجل سياسة من الدرجة الأولى ومؤسس دار النهار الشهيرة في بيروت، ومعلوم أنها لعبت دوراً كبيراً ـ ولا تزال ـ في المناقشة الفكرية والسياسية العربية.
أما الثالث، أي جيرار خوري، فربما كان الأقل شهرة بين الثلاثة، لكنه لا يقل أهمية من حيث المعرفة العلمية والتخصص في شؤون لبنان والشرق الأوسط، وهو تلميذ للمدرسة التاريخية الفرنسية المعروفة باسم مدرسة «الحوليات»، وهي من أشهر المدارس التاريخية في العالم، إن لم تكن أشهرها. وقد وصل تأثيرها إلى اليابان والهند والصين وروسيا وبقية أنحاء العالم، انه تلميذ لأحد رموزها الكبرى: جورج دوبي. وقد اصدر عام 1993 كتاباً بعنوان «فرنسا والمشرق العربي»، وفي عام 1998 اصدر كتاباً مطولاً من الحوارات مع المستشرق المعروف مكسيم رودنسون تحت عنوان: «ما بين الإسلام والغرب».
* السؤال الذي يهيمن على هذا الكتاب هو التالي: لماذا فشل مشروع النهضة العربية الذي كان واعداً لحظة انبثاقه في النصف الأول من القرن التاسع عشر؟ ما الذي حصل حتى أُجهض هذا المشروع ووصل العرب إلى ما وصلوا إليه الآن من هزيمة وأصولية ووضع مأساوي ضائع أو تائه؟ هل يمكن أن ينتهي المشروع النهضوي الكبير إلى توليد أشخاص من نوعية بن لادن أو أيمن الظواهري أو صدام حسين؟!، لماذا نجحت تركيا في مشروعها النهضوي إلى حد ما، بل وحتى إيران على الرغم من أن المعركة لم تحسم بعد بين الأصوليين والإصلاحيين، وفشل العرب؟..
هذه هي بعض الأسئلة التي يطرحها الكتاب منذ البداية وحتى النهاية، فهل أجاب عنها يا ترى؟، هل نجح في تقديم تشخيص دقيق للوضع أم لا؟ هذا ما سنراه في خاتمة هذا العرض.
في الصفحات الأولى يحاول غسان تويني موضعة مشروع النهضة العربية داخل إطاره الزمني كرد على سؤال لجان لاكوتير، وذلك لأن الكتاب من أوله إلى آخره هو عبارة عن حوار بثلاثة أصوات، وإن كان غسان تويني هو الذي يجيب ويتدخل أكثر من غيره، يقول صاحب دار النهار وأحد كبار المراقبين للساحة السياسية والآيديولوجية العربية منذ أكثر من نصف قرن ما معناه:
في رأيي ان التاريخ الحديث للشرق الأوسط يبتدئ مع محمد علي الذي استوعب التأثير الفرنسي الناتج عن حملة بونابرت، وليس مع سقوط الامبراطورية العثمانية عام 1918 كما يرددون غالبا، فالإمبراطورية العثمانية كانت منغلقة على ذاتها وممنوعة على تأثير الغرب قبل ظهور محمد علي وإنجازاته وانفتاحه على العالم الحديث، ثم يستنتج غسان تويني ان الحدث الكبير الذي زعزع الامبراطورية العثمانية او هزها هزاً وأيقظها هو ظهور محمد علي وابنه ابراهيم باشا وفتح سورية ثم التحالف مع فرنسا، بعدئذ دخلت انجلترا على الخط لمنافسة فرنسا وإنقاذ الامبراطورية العثمانية، واخيرا ظهر التحالف بين القوى العظمى الخمس، أي: فرنسا، انجلترا، روسيا، النمسا، وألمانيا، ثم انضافت إليها لاحقا عام 1864 ايطاليا.
نفهم من كلام تويني ان الشرق النائم على التاريخ في ظل امبراطورية منهكة ومريضة لم يستيقظ من نومه إلا بتأثير من صدمة خارجية، أي صدمة الدول الأوروبية، التي كانت آنذاك في ذروة مجدها وحيويتها وانطلاقتها، هذه القوى العظمى، قوى الحداثة والتنوير والجشع الاستعماري في آن معا، هي التي أيقظت الشرق العتيق من نومة أهل الكهف في ظل امبراطورية لم تقدم أي إنجاز علمي أو فلسفي للبشرية طيلة أربعة قرون من تاريخها!.. ثم يضيف غسان تويني قائلا بأنه لكي نفهم سبب النهضة العربية أو أصولها، فإنه ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار المسائل التالية: تحديث اللغة العربية، الترجمات من الفرنسية والانجليزية بشكل خاص، ادخال المطابع الأولى، ثم المنشورات والكتب، وهذه الحركة الثقافية راحت تتصاعد طيلة القرن التاسع عشر.
ويعمّق جيرار خوري كلام تويني قائلا:
ينبغي التركيز على الدور الذي مارسه التأثير الفرنسي في مصر، فالأفكار الثورية، وأفكار المساواة، وبقية الأفكار التي نادت بها الثورة الفرنسية، أثرت حتماً على محمد علي وابنه إبراهيم باشا، ومعلوم ان بعض ممثلي الفلسفة الوضعية على طريقة سان سيمون، ذهبوا إلى مصر وعاشوا فيها ردحاً من الزمن، وبالتالي فقد ساهموا في تطوير الأفكار داخل مصر وداخل الامبراطورية العثمانية ككل..
على هذا النحو انتشرت الأفكار القومية وأفكار التقدم في المنطقة، يردف غسان تويني، والشيء اللافت للانتباه هو انفتاح العرب لأول مرة على العلم الحديث القادم من أوروبا، فقد أبدوا فضولاً معرفياً كبيراً تجاه المكتشفات والمخترعات الجديدة، وظهرت المجلات التي تلخص النظريات العلمية من فيزيائية وكيميائية وبيولوجية لأول مرة في اللغة العربية، وكانوا يتحدثون عن كيفية اكتشاف الكهرباء وكأنهم يتحدثون عن ولادة عالم جديد كليا (لا ريب في أن تويني يشير هنا إلى مجلة «المقتطف» ليعقوب صروف وسواها ولكن دون ان يذكرها بالاسم).
ويرى تويني ان جميع الأفكار التي كانت تتغذّى منها الحركات الأدبية في سورية ولبنان ومصر وبقية المشرق العربي هي أفكار الثورة الفرنسية، فالكتّاب والشعراء كانوا يتغنّون بسقوط الباستيل بصفته رمزاً لتحرير الشعوب.
ولا يناقضه جيرار خوري عندما يقول بأن المنطقة شهدت تياراً عقلانياً ناتجاً عن فلسفة التنوير الأوروبية، وقد انتشر هذا التيار في الامبراطورية العثمانية كما في مصر ولبنان، وبالتالي فإن ما يمكن ان ندعوه بـ «حركة العقل» كان مضاداً للهوية التقليدية العتيقة القائمة على الانتماء الديني او المذهبي فقط.
وعندئذ يطرح جان لاكوتير هذا السؤال: ولكن النهضة فشلت نسبياً فيجيبه غسان تويني ـ وهنا بيت القصيد ـ قائلا هذا الكلام المهم والأساسي:
لقد فشلت النهضة لأنه كان ينبغي ان تتوصل في نهاية المطاف إلى إصلاح ديني حقيقي، وهذا الإصلاح لم يحصل. وهنا تكمن العقبة الكأداء بالضبط، ويمكن التعليق على كلام تويني بالقول: وهكذا عدنا إلى نقطة الصفر من جديد، وبعد مائة وخمسين سنة على مشروع النهضة العربية لا نزال نراوح في مكاننا!، لقد عدنا إلى السؤال الأساسي الذي حاولنا تحاشيه أو لم نستطع مواجهته آنذاك، أقول ذلك وأنا اعتذر لكل النهضويين العرب من الطهطاوي، إلى خير الدين التونسي، إلى جمال الدين الافغاني، إلى محمد عبده، إلى علي عبد الرازق، إلى طه حسين، إلى عشرات غيرهم.. فهم لم يستطيعوا حسم المسألة.
لقد حاولوا وبذلوا كل ما في وسعهم، كل بطريقته الخاصة، لكن المحاولات لم تنجح في زحزحة الصخرة عن مكانها قيد أنملة!، وهكذا نعود نحن من جديد إلى «معالجة» الصخرة على طريقة سيزيف، فهل سننجح يوماً ما؟ لا ريب، لكن بعد زمن طويل ربما، فالمسألة عويصة، والحركات الأصولية المنغلقة لا تزال تتمتع بثقل سوسيولوجي كبير وتحظى بتأييد أعداد غفيرة من الجماهير الشعبية المهانة والمسحوقة في حياتها اليومية وفي كرامتها.
وبالتالي فهناك أسباب سوسيولوجية (اي اجتماعية واقتصادية) لفشل التنوير العربي أو النهضة العربية، ولا يكفي موضعة النقاش على المستوى الفكري أو النظري فقط كما يفعل المتحاورون في معظم الأحيان، لا ريب في أنهم ألمحوا إليها، لكن بشكل غير كاف. فالأفكار وحدها لا تقود العالم، وإنما تقوده ايضا الصيرورة الاجتماعية ـ الاقتصادية، وهذا شيء أصبح واضحا منذ كارل ماركس.
لكن ينبغي الاعتراف بأن السبب الثاني لفشل النهضة العربية لا يهمله المؤلفون وبخاصة غسان تويني، واقصد به المشروع الصهيوني الذي شغل المنطقة واستنفد طاقاتها على مدار قرن كامل ولا يزال، وهنا نلاحظ مدى التضاد بين وجهة النظر العربية ووجهة النظر الأوروبية، وهذا التضاد يعبر عنه جان لاكوتير على النحو التالي:
هناك اختلاف راديكالي في وجهات النظر بيننا نحن الأوروبيين وبينكم انتم الشرقيين فيما يخص المشروع الصهيوني، فبالنسبة للأوروبيين في تلك الفترة أي بعد الحرب العالمية الثانية والمحرقة والنازية فإن هذا المشروع كان يمثل الخير والتصحيح الضروري للمحرقة، واما بالنسبة لكم فكان يمثل الشر وانتهاك حرمة الوطن المقدس، كانت اوروبا كلها آنذاك متعاطفة مع عودة اليهود إلى فلسطين.
ولكن جان لاكوتير نفسه يعترف في مكان آخر من الكتاب بأن الغرب أجرم في حق اليهود ودفّع الآخرين الثمن!، فالشعب الفلسطيني دفع ثمن شيء لم يسمع به ولا علاقة له به على الاطلاق، وهذا من غرائب الامور وعجائب الاقدار.
ويموضع غسان تويني الامور ضمن منظورها الصحيح اذ يقول: بعض الاسرائيليين اصبحوا واعين لمخاطر السياسة الانتحارية التي تنتهجها الدولة العبرية. فهي تنهض كقلعة محصنة او معزولة وسط بحر من العرب والمسلمين، ويخشى هؤلاء الاسرائيليون الذين يفكرون الى ابعد من أنفهم بأن يتوصل العرب يوما ما الى مستوى اسرائيل من حيث الحضارة والسيطرة على التكنولوجيا العسكرية والمدنية، وهو مستوى توصلت إليه الدولة العبرية بدعم من الأوروبيين اولا، ثم الاميركيين ثانيا، وعندئذ يصبح وجود دولتهم في خطر، لذلك فبدون سلام راسخ الجذور فإن اسرائيل لا تستطيع ان تصمد وسط كل هذا المحيط المعادي، فالدعم الدولي قد لا يستمر الى الأبد، ومصالح الدول متقلبة، وقد تدور الدوائر على الدولة العبرية يوماً ما، وبالتالي فمن مصلحة اسرائيل وشعبها ان يحصل السلام على الرغم من انها اقوى من العرب جميعهم في هذه اللحظة، وعلى الرغم من ان الظروف لصالحها في هذه المرحلة، لكن الدهر دوار كما يقول الشاعر: من سره زمن ساءته أزمان..
فهل سيستمع التيار العقلاني داخل اسرائيل الى نداء السلام؟ ربما.. لكن بشرط ان تستغل الادارة الاميركية الوضع الحالي لفرض السلام على الطرفين فرضا، فهي الآن سيدة الموقف بدون منازع، وعندئذ يمكن للتيار العقلاني في الجهة العربية ان ينتصر على التيار المتطرف والغوغائي وتبتدئ مرحلة جديدة في منطقة الشرق الاوسط. وعندئذ يمكن لمشروع النهضة العربية ان ينطلق فعلا ويتفرغ لتحقيق المهام الأساسية التي عجز عن تحقيقها طيلة المرحلة الماضية بسبب انشغاله بمصارعة المشروع الصهيوني.
ان كل المفكرين ذوي النيات الطيبة في اوروبا واميركا والعالم العربي وحتى داخل اسرائيل ذاتها يحلمون بأن ينتصر صوت العقل أخيرا لكي يستتب السلام وتتفرغ شعوب المنطقة لمعركة التنمية والبناء النهضوي والحضاري.
في نهاية الكتاب هناك فصل مخصص لجريمة (11) سبتمبر واسبابها ومسؤولية التيار المتزمت في العالم الاسلامي عنها. وهناك تحليلات لا بأس بها وسؤال وجيه يطرحه جان لاكوتير على النحو التالي: هل يمثل بن لادن الاسلام حقاً؟ وبأي معنى؟ هل هو وريث ثلاثة ارباع القرن من العصر الاصولي الذي قضى على تحديث الاسلام على يد جمال الدين الافغاني ومحمد عبده؟
ويرد غسان تويني لافتا الانتباه الى التناقض الصارخ بين سيطرة بن لادن وجماعته على أحدث التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية من جهة، وعلى تخلفهم الآيديولوجي وعقليتهم القروسطية المتزمتة من جهة أخرى. وهو تناقض مدهش بالفعل، على الاقل للوهلة الأولى، ولكن كبار المفكرين كانوا قد نبهوا اليه عندما اكتشفوا ان الاصوليين يملأون ساحات الكليات العلمية والتكنولوجية والطبية في الجامعات العربية. هذا في حين ان عددهم أقل في كليات الآداب أو الفلسفة، أو العلوم الانسانية. وراحوا يطرحون هذا السؤال: كيف يمكن لشخص درس النظريات العلمية والفيزيائية ان يكون اصوليا متعصبا؟ ولماذا يتعلق المتزمتون عادة بكل المخترعات والآلات التكنولوجية التي يكتشفها الغرب، ويرفضون فلسفته وتقدمه على المستوى الفكري والانساني والحضاري؟ بمعنى آخر: ألا يوجد نوع من انفصام الشخصية في تعلقهم بجانب واحد من الحضارة الحديثة ورفض جانبها الآخر رفضا قاطعا؟
وجواب كبار المفكرين، ومن بينهم اركون، هو ان هذا التناقض الذي يصدمنا يعود الى عدم وجود فكر نقدي عن الظاهرة الدينية المتعصبة في العالم الاسلامي. فالجمود الفكري، فيما يخص هذه المسألة، سائد تاريخيا منذ عدة قرون: اي منذ هزيمة الفلسفة واقتلاع جذورها وحلول الفكر اللاهوتي الغيبي أو الصوفي أو الفقهي محلها. وبالتالي فلا ينبغي ان يدهشنا شيء له مبررات موضوعية في ارض الواقع. المثقف الفرنسي أو الاوروبي الحالي لا يعاني من ظاهرة التزمت أو الاكراه في الدين لسبب بسيط هو انه تقف وراءه شخصيات كبرى ليس أقلها: ابراسم، سبينوزا، لايبنتز، مالبرانش، جان جاك روسو، ايمانويل كانط، هيغل، ماركس، الخ.. اما المثقف العربي. فما الذي يقف وراءه؟ لا شيء تقريبا. جمود تاريخي او عطالة ذاتية لا تعرف كيف تنتهي، وصحراء شاسعة واسعة من الفكر أو اللافكر. على مدار الكتاب نلاحظ ان غسان تويني يضع يده على الجرح اكثر من مرة ويثبت انه مفكر تنويري عربي من الدرجة الأولى. وقد حاول اكثر من مرة اقامة مقارنة بين وضع الاصولية المسيحية في الغرب، ووضع الاصولية الاسلامية عندنا. ولكن الفرق هو ان النهضة عندنا فشلت في اخراج العالم العربي من العصر الاصولي، هذا في حين ان النهضة الاوروبية نجحت في ذلك. فالمذهب الكاثوليكي الروماني البابوي كان ايضا متعصبا، بل وينصب محاكم التفتيش ويشعل النيران لحرق الزنادقة!.. ولكنه استسلم في النهاية لحركة العلم والعصر وانفتح على الآخرين وجدد لاهوته القديم ونفض عنه الغبار بل وطرح منه اشياء وعقائد راسخة كانت أعز عليه من قلبه! وهكذا اصبح متسامحا حتى في اسبانيا والبرتغال حيث استمرت الاصولية المرتبطة بالاستبداد حتى سقوط فرانكو وسالازار.. بل واستمرت محاكم التفتيش هناك حتى القرن التاسع عشر، على الرغم من انها كانت قد انتهت في فرنسا، وهي بلد كاثوليكي بامتياز، منذ زمن طويل.
هذا يعني ان لكل بلد ظروفه التاريخية التي تعجل من عملية التحرير الفكري او تؤجلها، وانا افهم غضب غسان تويني ونفاد صبره عندما يقول: المسلمون لا يقتلون الآن المسيحيين. الاحصائيات تقول لنا بأن المسلمين يقتلون مسلمين آخرين. هنا تكمن مأساة الاسلام! (يشير الكاتب هنا الى قتل المثقفين والعلماء في الجزائر، أو مصر، أو ايران، أو باكستان، أو السودان، الخ..).
ثم يضيف تويني قائلا: الاسلام اليوم ينبغي ان يقفز قفزة واحدة مسافة ستة قرون لكي يخرج من ظلمات العصور الوسطى الى انوار العصور الحديثة. ينبغي ان ينتقل من ذلك الشجار العقيم بين السنة والشيعة الى شجار أوسع وأكثر خصوبة: أي صراع الماضي والحاضر. الاصولية والحداثة. ينبغي ان يطرح مسألة العلمانية في نهاية المطاف لكي نخرج من سجن الطائفية والمذهبية الذي ضاق علينا وكلفنا غاليا من دماء الحروب الاهلية.
بالطبع فقد ترجمت كلام تويني بتصرف كبير، ولكن لا اعتقد اني خرجت عن مضمون فكره. وفي نهاية المطاف سوف أقول ما يلي: لست موافقا على عنوان الكتاب. فهذا القرن لم يكن عبثا، لم يكن من أجل اللاشيء.
وذلك لأنه حتى الفشل له معنى ووظيفة. كان ينبغي ان نجرب أنفسنا، ان ننهض، ان نسقط، ان نتعثر، الخ.. فطريق التحرير طويل، وتجربة اوروبا اكبر شاهد على ذلك.
فرنسا ظلت حتى بعد الثورة الفرنسية بقرن كامل تتخبط في مسألة الاصولية الكاثوليكية وتنقسم الى قسمين، قسم يشد الى الوراء وقسم يشد الى الامام. ولذلك فإن إميل بولا، أحد كبار علماء الاجتماع الديني الف مؤخرا كتابا بعنوان: «الحرية، العلمانية، الحرب بين شطري فرنسا ومبدأ الحداثة». والعنوان بحد ذاته شديد الايحاء والدلالة ويشكل برنامجا كاملا للعمل. فالشطر الكاثوليكي ظل يعارض الشطر العلماني التحديثي حتى استسلم اخيرا بعد ان اقتنع بلا جدوى بمواصلة الصراع الى ما لا نهاية. وهكذا قبل بمبادئ الثورة والجمهورية الفرنسية بعد طول تلكؤ وعرقلة. وقد أخذ «فتوى» من بابا روما في نهاية القرن التاسع عشر بذلك. هذا من ناحية.
واما من ناحية أخرى فإذا ما نظرنا الى الفشل من زاوية فلسفة التاريخ الهيغيلية فإننا نجد ان له وظيفة ايجابية لا تقدر بثمن! فلولا الفشل لما كان النجاح، ولولا الخطأ لما اكتشفنا طريق الصح. ولا ينبغي ان تخدعنا المظاهر الحالية للعالم العربي والاسلامي. فوراء الأكمة ما وراءها، وربما كانت تعتمل في الداخل اشياء كثيرة سوف تعبر عن نفسها لاحقا. وبعد الانفجار الاصولي الذي شغلنا طيلة الثلاثين عاما الماضية اتوقع انفجارا معاكسا عما قريب. ولكن ينبغي التحضير له أو مواكبته بالطبع. ينبغي ان يظهر فكر جديد عن التراث الديني في الساحة العربية، فكر نقدي قادر على تدشين نهضة جديدة لا تقل أهمية عن نهضة القرن التاسع عشر ان لم تزد كما ألمح الى ذلك جيرار خوري. ولكن هذه المرة سوف تنجح النهضة، سوف تحسم الامر، ولن نسمح لها بأن تفشل على الاطلاق!.. فالتاريخ هو عبارة عن صيرورة جدلية بحاجة الى السلب لكي تصنع الايجاب. والتاريخ بحاجة الى تفريغ نفسه من الاحتقانات التاريخية المتراكمة على مدار القرون الانحطاطية. وهذا ما يحصل الآن في العالم الاسلامي. فلننتظر اذن حتى تنتهي مرحلة التفريغ وانفجارات الحمم والبراكين الصاعدة من الأعماق.
* قرن كامل من أجل اللاشيء! الشرق الأوسط العربي من الامبراطورية العثمانية الى الامبراطورية الاميركية.
|
|
19-01-2006 , 01:32 AM
|
الرد مع إقتباس
|