|
ضيف
|
|
المشاركات: n/a
|
#1
|
مفهوم الحياة بإنسانية بين الحقيقة والوهم
لو سئلت أصنافا مختلفة من البشر "ما معنى أن تعيش بإنسانية" لكانت إجاباتهم مختلفة بشكل عجيب:
- الهندي الفقير في وسط بومباي: أن امتلك الركشة*.
- العامل الباكستاني في دولة الإمارات: أن استلم مرتبي كاملا نهاية الشهر.
- الخادمة السيلانية في إحدى الدول الخليجية: أن يمر الشهر دون أن أصفع.
- الفلاح المصري: ان أتناول اللحمة هذه السنة.
- المواطن اليمني: توفر المبلغ الكافي لشراء القات بشكل يومي.
- المواطن السوري: أن يمر اليوم دون أن أبدي أي ضجر من الحكومة.
المواطن العراقي: أن يبقى صدام حسين حاكما علي.
المواطن الغربي: ان أحصل على المال الكافي لكي أعيش وأن اختاري رئيسي وأن أفعل ما أشاء وأن أبدي وجهة نظري بدون أدنى تهديد أو مضايقة.
والآن حينما تجلس مع أي مواطن خليجي يبصم لك بالعشر بأنه يعيش حياة إنسانية ، وأنه موفر لك جميع الأسباب التي تقنعه بأنه "إنسان" ، فتسأله مرة أخرى ، ما الأمور التي أقنعته لكي يعتقد أنه إنسان ، فيبدأ بالسرد:
1- مرتب محترم.
2- سيارة.
3- زوجة.
4- تأمين صحي.
5- منزل.
6- حرية العبادة.
ولنأتي إلى هذه الأمور ونقارنها بمعيشة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يأكل من الطعام ما لا يأكله في عصرنا هذا سوى الفقراء ، لم يكن لديه ذلك المركوب المتميز ، ويرفض أي واحد منا أن يعيش في منزل شبيه بمنزل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما دخل عليه الفاروق ورأى أثر الحصير على جنبه تذكر كسى وقيصر فكان رده صلى الله عليه وسلم أن لهم الدنيا ولنا الآخرة.
من أسوأ الأفكار الدخيلة أن يعتقد البعض أن مجرد الحياة المرفهة تعني أن تعيش بإنسانية ، ولكن هذه المعيشة وهمية ، فليس هناك شيء يظمن بقاء هذه الحالة ، أتذكر أني لما كنت في كلية الشريعة والقانون قدمت طلبا للتحويل لقسم الحاسب الآلي بكلية العلوم فقال لي الدكتور كلمة لا تزال ترن في أذني ، قال "فرق بين العلم الإنساني وعلم الحديد ، في العراق تطور علم الحديد على العلم الإنساني فكانت النتيجة ما تراه".
سؤالي لكل واحد منا ، هذه المعيشة التي نعيشها ، من الذي يحمينا في المستقبل من فقدانها؟ إن حياتنا ومعيشتنا ومستقبلنا تحدده الأراء الفردية لحكوماتنا ، فإذا رأت أي حكومة أن بقاءها رهين بالتضحية بهامش كبير من هذه الرفاهية فهي على أتم الاستعداد للتضحية به ، أما إذا كانت تهدف لمصلحة شعوبها ، ورأت أن بقاءها على سدة الحكم فيه مضرة للشعب فهي تتنازل مباشرة ، ولنا مثل واضح في صدام حسين الذي يستطيع أن يوقف مبررات ضرب الشعب العراقي بخلعه نفسه ووضع أحد أبناءه على الأقل أو وضع غيره ممن يحقق مصالحه ، ولكنه يأبى إلا أن يبقى على سدة الحكم ويزيد من معاناة الشعب العراقي ، على عكس حاكم جزيرة (لعلها تاهيتي أو غيرها) حاكم عسكري انقلب على الحاكم المنتخب فوجهة الولايات المتحدة قوة كبيرة إلى الجزيرة وحاصرتها وهدت بضربها ، الحاكم العسكري جند الشعب ووقف الشعب معه بدلا من الرئيس المنتخب وقفة واحدة ، ولكنه سرعان ما تراجع لما رأى أنه لا طاقة له بأمريكا وأرجع الرئيس المنتخب.
إن أهم عنصر من عناصر المعيشة الإنسانية هي توفر الحق للمواطن لاختيار من يمثله في البرلمان وأن يكون هذا البرلمان له قيمته وقوته ويستطيع أن يسائل الجميع من الموظف إلى رأس الدولة ، وعلينا أن لا نغتر بشيء من الرخاء جاءنا ومن الممكن أن يزول في أي لحظة.
أن ما نعيشه من رفاهية لا يحق لأحد أن يمن فيه علينا لأن المنة من عند الله ، ولأنه لا يوجد حاكم على وجه الأرض يملك عصا سحرية يضرب بها الأرض لتنشق عن بئر نفط أو عن منجم ذهب ، ولو كان هناك المزيد من حرية الرأي والمحاسبة والشفافية لكان الوضع أفضل مما نعيشه بكثير ، وعلينا أن لا نغتر بالمظاهر الخداعة التي بإمكان البعض سلبها متى أرادوا في حال أن يثبت أحدنا وجهة نظرة بصراحة وبدون أدنى مجاملة ، أو حتى يطالب بحق من حقوقه الإنسانية ، التي كفلها لها كونه عبدا من عبيد الله لا يخضع إلا لله.
علينا أن نستوعب كمال الاستيعاب أنه من غير المتقبل أن يمن علينا البعض بما رزقه الله لنا ، فالقطعة من الأرض ليست ملكا لحاكم بعينه يتوارثها وأبناءه ، إنما هي ملك للبشر والحاكم إنما يكون المنظم الرئيسي لتوزيع الثروات وتوزيع المسؤوليات وفق التوجيهات الربانية ، وتبقى المنة لله "وما بكم من نعمة فمن الله" وعلينا أن نستوعب أن الإغراق في الثناء على من ينظم توزيع الثروة هو نوع من رفعه إلى مقم الرزاق ، الله الذي لا شريك له ، فنقع في الشرك من حيث لا نشعر.
إن أكثر ما تحاول الحكومات الجائرة ليس المحافظة على مستوى المعيشة ، وليس مجرد ضمان الولاء الذي من الممكن أن يضمن بالقوة ، إنما تهدف أكثر ما تهدف إليه إلى نشر الفكر الانبطاحي وفكر الانهزامية ، والعبودية المطلقة لأصناف من البشر ، وتهدف إلى محاربة كل من يطرح فكرا تحرريا يدعو إلى أن يكون للإنسان حقه في المطالبة بالعدل والمساواة الحقيقية لا الوهمية وحقه في الشفافية والمحاسبة ، سواء كان هذا الذي يطالب بها مسلم أو ملحد ، وإن كان الحال أصعب تقبلا من صاحب التوجه الإسلامي لأن الشعوب تنقاد له أكثر وتثق فيه أكثر.
============
بعد هذه المقدمة اللطيفة الخشنة ، بقي أن نطرح مجموعة تساؤلات أتركها لمن يعي طرح الفكر السياسي المتحرر من العبودية لطائفة معينة أو فكر معين ، لا يحده ولا يقيده سوى العبودية المطلقة لله خالقنا ورازقنا.
(1) متى يحق للحاكم أن يمن على شعبه بالعطية التي لم يستخردها من جيبة ولم يكن وارثها من أجداده؟
(2) لأبناء الحكام وأحفادهم وأحفاد أحفادهم حق (عرفي وليس شرعي) في أموال البلد ويخلطون ما بين المال العام وأموال الشعب ، الهرم الأميري يزيد ، ويتكاثر أبناء الأمراء الذي لا يمكن أن يتنازلون بحال من الأحوال عن المستوى المعيشي الرغيد الذي يعيشونه ، هل تعتقد أن المستقبل كفيل بإلزامهم بشيء من التنازل أم أن الشعب هو من سيتنازل؟
(3) مثل هذه الحكومات التي تجلب الولاء بالمال أو بحد السيف ، هل تعيش لعقود؟ أم أن أعمارها قصيرة؟ ولماذا؟
=============
*الركشة: السيارة الثلاثية العجلات تستخدم لتوصيل الناس والتكسب.
[COLOR=red]ســـوالف الأصــــدقـاء[/COLOR]
|
|
19-08-2002 , 12:54 AM
|
|