العودة سوالف للجميع > سوالف المميزة > إبــــــــداعـــــــــــــات > حوارات مع المشاهير
 
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#1  
حوار مع الحجاج
لم يوحي منظر هذا الشخص بذلك الرجل الذي كان ذكره على كل لسان والذ كان ولازال الرمز للطاغية المتجبر ، سافك الدماء ...

فقد كان قصير القامة أصيفر اللون ضيق العينين ..

قد طل من عينيه الحقد والكره ..
..

بدأت بحواري معه ..

الطارق : بداية الأمر أشكر لك قبولك الحوار معي ،، وأحببت أن اسأل عن مولدك ونشأتك !!؟؟

قال والتبرم بين عليه ( الحجاج بن يوسف ) : ولدت سنة 40 للهجرة في الطائف .. كان آبائي ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحتفرون الآبار بأيديهم .. إلا أن والدي كان معلما بالطائف أسمه يوسف بن الحكم الثقفي .. وقد كنت معلما معه لفترة في الطائف حتى أنتقلنا للشام ومصر .. أما والدتي فهي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي .. كان زوجها الحارث ابن كلدة الثقفي طبيب العرب .. طلقها وتزوجها والدي ...
الطارق : نعم .. وكان سبب تطليقها هذه القصة :

(أن الحارث ابن كلدة دخل على امرأته وهي تتخلل أي تخلل أسنانها لتخرج ما بينها من أذى وكان ذلك في أول النهار فقال والله لئن كنت باكرت الغذاء إنك لرعينه دنية وإن كان الذي تخللين منه شيء بقى في فيك من البارحة إنك لقذرة فطلقها فقالت والله ما كان شيء مما ذكرت ولكنني باكرت ماتباكره الحرة من السواك فبقيت شظية في فمي منه فحاولتها لأخرجها ) وتزوجها والدك ..

الحجاج : أحسنت ..

الطارق : رويت قصص وحكايات حول مولدك وقيل أن اسمك أولا هو كليب ثم سميت بالحجاج .. أحببت أن توضح هذا الأمر ..
الحجاج : هذا من سخافات القصاصين .. والله كنت أود أن أعزر جميع هؤلاء القصاصين لكذبهم ونقلهم الأخبار الكاذبة .. لقد قيل عني ومن سخفهم أني لم أرتضع أياما حتى سقوني دم جدي ثم دم سالح ولطخ وجهي بدمه فارتضعت أول الأمر من ذلك الدم..وقيل أنه امتنعت عن قبول ثدي والدتي وأنهم ذبحوا جدياً أسود لذلك وحسب نصيحة شيطان الحارث بن كلدة .. وكل هذا ليبرروا قتلي للخارجين عن السلطان .. وسفكي لدمائهم ..

الطارق : إذا فهي روايات غير صحيحة ..

الحجاج : وهل يؤمن بهذا إلا من لا عقل له ..

الطارق : حسناً .. فلنبدأ ونكمل قصتك .. ماذا فعلت بعد ذلك ..

الحجاج : بقيت أعلم الصبيان في الطائف .. لم يعجبني الحال هذا .. حتى انتقلنا إلى دمشق .. ومصر وعين والدي لفترة قاضي في مصر ..
أما أنا فقد انتقلت إلى دمشق ...

الطارق : عفوا .. عفواً رويت قصة لك وأنت في مصر تدل على رأيك منذ الشباب في الفتن الحاصلة في عصرك وموقفك منها .. وهي هذه :

(أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه وقال له إني ذاهب إلى أمير المؤمنين فهل من حاجة لك عنده قال نعم تسأله أن يعزلني عن القضاء فقال سبحان الله والله لا أعلم قاضيا اليوم خيرا منك ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه يا أبة أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي فقال له يا بني والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله فقال والله ما على أميرالمؤمنين أضر من هذا وأمثاله فقال ولم يابني قال لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ولا يرونها شيئا عند سيرتهما فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ولا يرون طاعته والله لو خلص لي من الأمر شيء لأضر بن عنق هذا وأمثاله فقال له أبوه يا بني والله إني لأظن أن الله عز وجل خلقك شقيا ) .

الحجاج : نعم هذا حقيقة ... كنت غاضب من أولئك الذين يحرضون على السلطان ويثيرون الفتن بسردهم لقصص الخلفاء الراشدين ..
وكانت أتمنا ان يخلص لي الأمر لأجعلهم عبرة لمن يعتبر ..

الطارق : وتحقق ما أردت .. لكن كيف حدث هذا .. كيف بدأ بروز نجمك ..

الحجاج : نعم .. قدمت دمشق فلحقت بروح بن زنباع وزير عبد الملك
وكنت من عديد شرطته .. وأظهرت الكثير من قدراتي حتى رشحني روح بن زنباع عندما شكا أمير المؤمنين إلى روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحيله فقال روح لأمير المؤمنين عندي رجل توليه ذلك فولاني أمير المؤمنين أمر الجيش فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل حتى اجتزت في يوما من الأيام إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون فضربتهم وطوفت بهم وأحرقت الفسطاط فشكا .. روح ذلك إلى عبد الملك فقال لي لم صنعت هذا فقلت لم أفعله إنما فعله أنت فإن يدي يدك وسوطي سوطك وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه وبدل الغلام غلامين ولا تكسرني في الذي وليتني عليه ففعل ذلك وتقدمت عند أمير المؤمنين ..

الطارق : ولكن إلا تدل هذه القصة على نكرانك الجميل لروح ..

الحجاج : أن هذا عملي وواجبي الذي أمرت به .. ولم أعمل هذا إلا لنشر النظام في الجيش .. كما أني لم أرتفع إلا من نفسي ولم يكن أحد له فضل علي ..

الطارق : حسنا وماذا حدث بعد ذلك ..

الحجاج : ترفعت يوما بعد يوم لإخلاصي وقدراتي .. حتى تغلب أمير المؤمنين على مصعب بن الزبير في العراق سنة 73 هجرية .. وأصبحت جميع الولايات بيد أمير المؤمنين ما عدا الحجاز والذي قد حكمه الخارج عن الخلافة عبد الله بن الزبير ..

الطارق : وكيف وليت على حرب إبن الزبير ..

الحجاج : حدثت أمير المؤمنين أني رأيت في المنام أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته ... فأرسلني أمير المؤمنين لذلك مع ما عرفه مني من قدرة وسطوه ..

الطارق : وكيف غلبت على أبن الزبير ..

الحجاج : بداية الأمر نزلت إلى الطائف وكنت أبعث الجيوش ويبعث أبن الزبير جيوشه وتنتصر جيوشي .. حتى ضعف موقفه وتفرق من حوله مناصريه .. فكتبت لأمير المؤمنين أن يسمح لي بدخول الحرم ومكة وحصر ابن الزبير .. فأرسل طارق بن عمرو الذي سيطر على المدينة .. وقمت آنا بمحاصرة مكة في ذي القعدة من سنة 72 هجرية ..
الطارق : ورميت المنجنيق على مكة والسجد الحرام..

الحجاج : وما ذنبي أنا وأبن الزبير قد احتمى بها وأدعى أنه العائذ بها .. ألم يكن الأولى أن يخرج أبن الزبير من مكة .. ما باله قد أحتمي و تحصن بها .. ألم يكن الأولى أن يقبل بحكم السلطان فيه .. وهل ندع من من خرج عن السلطان أن يعيث فيها دون أن يخرج ولو بالقوة ..
ثم أني جمعت أهل مكة بعد نصري على أبن الزبير و أكبارهم ذلك وخطبتهم وقلت بعد حمد الله والثناء عليه :
(يا أهل مكة بلغني إكباركم قتل ابن الزبير ألا وإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازع فيها أهلها فنزع طاعة الله واستكن بحرم الله ولو كان شيء مانع العصاة لمنعت آدم حرمة الله إن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته واباح له كرامته واسكنه جنته فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على الله من ابن الزبير والجنة أعظم حرمة من الكعبة )

الطارق : حسنا .. وماذا حدث بعد ذلك ..

الحجاج : قتل ابن الزبير في جماد الآخر سنة 73 هجري .. ثم ولاني عبد الملك على مكة والمدينة والطائف ..بعد أن كنت واليا على مكة فقط .. في سنة 75 ولاني أمير المؤمنين على العراق أرض النفاق والشقاق و بعد أن توفي أخيه بشر بن مروان ...

الطارق : لا شك أن هذه ثقة كبيرة من عبد الملك بن مروان .. أن يوليك بعد أخيه .. مع ما عرفت به العراق من فتن وخارجين عن بني أمية ..

الحجاج : نعم .. كنت استحق ذلك .. وأعمالي في الحجاز تؤكد آني أفضل المرشحين لهذا المنصب الرفيع ..

الطارق : وكانت خطبتك الشهيرة في مسجد الكوفة ..

الحجاج : نعم .. لا أشك أني أرعبتهم وأخفتهم .. ولا أشك انهم جزعوا من ما ابتلوا به من مصيبة ..

الطارق : وقد أمرتهم بالخروج لنصرة المهلب ابن أبي صفرة لمحاربة الخوارج .. وكان قتلك عمير بن ضابئ وشريك بن عمرو قد زادهم رعبا وخوفاً ...

الحجاج : نعم .. حتى والله لقد تدافعوا على الجسر ليلحقوا ابن أبي صفرة ومات البعض منهم لآجل هذا التدافع ..

الطارق : ورغم هذا فقد خرج عبد الله بن الجارود عليك حتى كدت أن تفر إلى الشام لولا نصيحة البعض .. وكدت أن تهزم لولا مقتل ابن الجارود ..

الحجاج : نعم .. حدث هذا بالفعل .. ورغم هذا فقد انتصرت عليهم ورغم عددهم وعدتهم ..

الطارق : كان موقفك من أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتهديدك إياه لولا تدخل الخليفة بذلك ورسالته الشديدة لك ..

الحجاج : ورغم هذا فقد اعتذرت منه .. وصفح عني ..

الطارق : ابتليت في تلك الفترة بالخوارج .. وأشهرهم شبيب وأمرأته غزالة ..

الحجاج : ورغم هذا فقد .. انتصرت عليهم جميعا وقضيت على الفتن ..

الطارق : لكن هزمت جيوشك من شبيب وزوجته حتى حصرت في الكوفة .. لو لم ينجدك عبد الملك بن مروان ...

الحجاج : كان جند العراق ليسوا من المخلصين للنظام .. وكانوا أقل تدريبا وأشد جبناً .. وعندما أرسل إلي أمير المؤمنين جند الشام هزمت بهم أولئك الخوارج حتى قتل شبيب ومن معه ..

الطارق : قيل أنك كنت تخاف غزالة زوجة شبيب حتى قال الشاعر :

أسد علي وفى الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغا * بل كان قلبك فى جناحى طائر

الحجاج : كلام فاضي .. ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) وكيف يخاف مثلي امرأة ..

الطارق : وليت على العراق عشرون سنة أثناء حكم عبد الملك وأبنه الوليد .. ولكن كان أكبر خطر كان ثورة أبن الأشعث ..

الحجاج : نعم .. لقد أمرته بمحاربة رتبيل ملك الترك ولم يأخذ بأمري بل قام بتلك الفتنة ..

الطارق : وقد ناصره الكثير من من يبغضونك ويكرهون بني أمية وهزمت في سنة 82 هجري .. وانهزم من معك .. حتى دخل ابن الأشعث الكوفة واجتمع عليه الناس ..

الحجاج : نعم كدت والله أن أعزل من أمير المؤمنين ليرضي أهل العراق .. لولا أن قام هؤلاء بخلع الخليفة فجعلت الصلاحيات كلها بيدي ..حتى هزمناهم في دير الجماجم بعد أن كدنا أن ننهزم وأخرجنهم بعد ذلك من البصرة .. وفر ابن الأشعث إلى رتبيل ملك الترك ..

الطارق : وقتل بعد ذلك بإتفاقك مع ملك الترك ..

الحجاج : نعم ..

الطارق : وبنيت واسط بعدها .. ومنذ ذلك اليوم وقد استتب الأمر لك ..

الحجاج : نعم .. ولم يخرج أي خارج بعدها .. بل وفتحت بسببي بلاد الهند والسند وبخارى وغيرها من البلاد ..

الطارق : ورغم هذا فسيرتك سيئة لمن أتى بعدك وقد لعنك الكثير من الخلق .. وأصبحت رمزاً للطغيان ..

الحجاج : أنما يذكر هؤلاء المساوئ أو ما تعلم أني أول من ضرب درهما عليه ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام .. وأن امرأة من المسلمين سبيت في الهند فنادت يا حجاجاه ، فصل لي خبرها فقلت : لبيك لبيك وأنفقت سبعة آلاف ألف درهم حتى أنقذ المرأة !!

الطارق : اتهمك البعض في دينك !؟

الحجاج : وكيف هذا وأنا عندما أذكر القبر فما ازال أقول إنه بيت الوحدة وبيت الغربة حتى أبكى وأبكى من حولي ..

الطارق : كانت وفاتك سنة سنة 94هجرية لك من العمر أربعة خمسين سنة أو ما يقاربها ..

الحجاج : نعم وفي خلافة الوليد بن عبد الملك ..

الطارق : وكان أخر من قتلت سعيد بن جبير الفقيه العالم .. وكنت إذا نمت رأيته في حلمك وهو يتهددك..

وأطرق الحجاج ولم يعلق

الطارق : لم يبقى إلا شيء نختم به اسألننا .. جرت العادة أن يختم أي مقابلة وحديت بذكر موقف طريف حدث لك .. فلو ذكرت لنا ذلك كنا ممتنين لك ..

الحجاج : ولما لا ... لما فرغت من ابن الزبير وقدمت المدينة لقيت شيخا خارجا من المدينة فسألته عن حال أهل المدينة فقال بشر حال قتل ابن حواري رسول الله صلى الله عليه سلم فقالت ومن قتله فقال الفاجر اللعين الحجاج عليه لعائن الله وتهلكته من قليل المراقبة لله فغضبت غضبا شديدا ثم قلت له : أيها الشيخ أتعرف الحجاج إذا رأيته قال نعم فلا عرفه الله خيرا ولا وقاه ضرا فكشفت عن لثامي وقلت ستعلم أيها الشيخ الآن إذا سال دمك الساعة فلما تحقق الشيخ الجد قال والله إن هذا لهو العجب يا حجاج لو كنت تعرفني ما قلت هذه المقالة أنا العباس بن أبي داود أصرع وأجن كل يوم خمس مرات وهذه ساعة صرعتي وجنوني فقال الحجاج انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه ...

الطارق : شكرا ....



الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:08 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#2  
حوار مع أبو العيناء


ما أن دخلت قاعة الحوار حتى اتضح لي ذلك الشخص الذي

سأحاوره ..

كان أكثر ما يميزه أنه ضرير لا يبصر .. مع لحيه تميل إلا

الاحمرار

و لأم بين واضح على وجهه ..

سلمت عليه في البداية ووضعت أوراقي على طاولة تفصل بيني

وبينه ..

الطارق : حيا الله الأديب والشاعر والأخباري المعروف أبو العيناء

أبو العيناء : أهلا ومرحباً بك ..

الطارق : بداية الأمر نود أن نتعرف على أسمك الكريم ..

أبو العيناء : أسمي محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سليمان الهاشمي

بالولاء وكنيتي أبو عبد الله المعروف بأبي العيناء ( 1 ) ..

الطارق : تعود في أصولك إلى اليمامة !!؟؟

أبو العيناء : نعم .. كان جدي خلاد أحد الرقيق الذين يباعون في اليمامه ..

وقد طلب الخليفة أبو جعفر المنصور بوابين له .. فكتب إلى السري بن عبد

الله الهاشمي وكان واليا على اليمامة أن يشترى بعض الرقيق .. ففعل هذا

واشترى مائتي غلام من اليمامة وكان جدي خلاد أحدهم وبعثهم للخليفة

..فختار بعضهم وصيرهم بوابين وبقى الباقون ومنهم جدي خلاد ( 2 )..

الطارق : وقد أختار الخليفة المنصور جدك خلاد لمهمة سرية .. أحببنا أن تحدثنا عنها ..

أبو العيناء : نعم .. لقد دعا المنصور جدي خلاد وأمره بالسير إلى المدينة على أنه من شيعة عبد الله بن الحسن وأبنه محمد ومداخلتهم في الأمر .. وكتابة أخبارهم .. وقد علم عبد الله بن الحسن بذلك فدعا على جدي ونسله بالعمى .. وكان سبب ما ترى هذه الدعوة ( 3 ) ..

الطارق : وقيل أن سبب ذلك دعوة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جدك الأكبر لإساءته المخاطبة معه ( 4 ) ..

أبو العيناء : قيل كذلك ..

الطارق : حسنا أحببنا أن تعرفنا بمولدك ونشأتك ؟

أبو العيناء : ولدت في سنة 191 هـ في الأهواز .. ونشأت في البصرة .. وأخذت العلم من أبي عبيدة معمر بن المثنى وأبي سعيد الأصمعي وأبي زيد الأنصاري ومحمد بن عبيد الله العتبي وغيرهم وكنت من أحفظ الناس وأفصحهم ( 5 ) ..

الطارق : وعرفت بصغرك بأبي العيناء لقصة حدثت معك مع أبو زيد الأنصاري ..

أبو العيناء : نعم ... قلت لأبي زيد الأنصاري : يا أبا زيد كيف تصغر عينا ؟ فقال عييناً يا أبا العيناء .. فلحقت بي من منذ ذاك ( 6 ) ..

الطارق : ورغم ذلك فقد كنت مبصراً في ذلك الزمن ..

أبو العيناء : نعم لم يكف بصري إلا بعد أن بلغت الأربعين .. ورغم ذلك فقد كنت أحول حتى قال في رشيد الرياحي :

نسب لابن قاسم ما تراث **** فهو للخير صاحب وقرين
أحول العين والخلائق زين**** لا احولال بها ولا تلويـن
ليس للمرء شائنا حول العيـ**** ـن إذا كان فعله لا يشين ( 7 )..

الطارق : لم تكن من البارين بوالديك

أبو العيناء : نعم حتى أني أول من أظهر العقوق في البصرة ولي قصة في ذلك مع والدي ( 8 ) ..

الطارق : لم تشتهر إلا بعد الأربعين من عمرك .. بعد أن خرجت من البصرة .. وكان سبب ذلك قصة طريفة حدثت لك مع غلام مملوك ..

أبو العيناء : نعم ...وها هي القصة :

( سبب تحولي من البصرة أني رأيت غلاما ينادى عليه بثلاثين ديناراً يساوي ثلاثمائة دينار فاشتريته وكنت أبني داراً ، فأعطيته عشرين ديناراً لينفقها على الصناع ، فأنفق عشرة واشترى بعشرة ملبوسا له فقلت ما هذا ؟ فقال : لا تعجل فإن أرباب المرواءت لا يعتبون على غلمانهم هذا ؟ فقلت في نفسي : أنا اشتريت الأصمعي ولم أدر
ثم أردت أن أتزوج امرأة سرا من بنت عمي فاستكتمته ودفعت إليه ديناراً
يشتري به حوائج وسمكا هازبا فاشترى غيره فغاظني فقال : رأيت بقراط يذم الهازبا فقلت : يا ( ..... ) لم أعلم أني اشتريت جالينوس ، فضربته
عشر مقارع فأخذها وضربني سبعاً وقال : يا مولاي الأدب ثلاث ، وإنما
ضربتك سبعاً قصاصاً . قال : فرميته فشججته ، فذهب إلى بنت عمي . وقال : ( الدين النصيحة ) ومن ( غشنا فليس منا ) . أن مولاي قد تزوج واستكتمني فقلت لا بد من تعريف مولاتي الخبر فضربني وشجني .
فمنعتني بنت عمي دخول الدار حالت بيني وبين ما فيها ومازالت كذلك حتى طلقت المرأة ، وسمته بنت عمي الغلام الناصح ، فلم يمكني أن أكلمه
فقلت : أعتق هذا وأستريح ، فلما أعتقته لزمني . وقال : الآن وجب حقك علي ، ثم إنه أراد الحج فزودته فغاب عشرين يوما ، ورجع وقال : قطع الطريق ورأيت حقك قد وجب .. ثم أراد الغزو فجهزته ، فلما غاب بعت مالي بالبصرة وخرجت منها خوفاً أن يرجع ( 9 ) ..

الطارق : هاهاهاهاهاهاي ..

أبو العيناء : ما أسخف هذه الضحكة !!

الطارق ( وبحرج ) : أحم أحم .. طيب .. نكمل حوارنا ... ورويت قصة

أخرى في سبب خروجك من البصرة ..

أبو العيناء : نعم .. اعتقلت في عصر الواثق لاجتماع الجهلاء لكلمة ذكرتها حدث فيا سوء فهم .. ورفع أمري للسلطان وحملت إلى سامراء ولم ينجيني إلا اتصال خبري بأبي عبد الله بن أبي دؤاد فتكفل بأمري حتى خلصني ( 10 ) ..

الطارق : وكان هذا بداية معرفتك بأحمد بن دؤاد وزير الواثق ..

أبو العيناء : نعم وكان ذلك سنة 231 هـ أو ما يقاربها ...

الطارق : وفي هذه الفترة اعتلت عيناك وعميت .. ومن بعدها سكنت بغداد ( 11 ) ..

أبو العيناء : نعم ... وتعرفت من بعدها في مجالس أحمد بن أبي دؤاد على

أدباء ذلك العصر وعلمائها ..

الطارق : واشتهرت .. حتى أشتهى المتوكل منادمتك ..

أبو العيناء : نعم .. لولا أنه أزعج من أني ضرير فقلت : إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة ، ونقش الخواتيم فأني أصلح ( 12 ) ..
.. ومن بعدها أصبحت أحد منادميه وجلسائه ...

الطارق : وغيره من الخلفاء .. وعرفت بردودك المسكته مع الكثير من الوزراء و الأدباء ومعارفك ..

أبو العيناء : نعم .. حتى سألني المنتصر يوما : ما أحسن الجواب ؟ فقلت :
ما أسكت المبطل ، وحير المحق .. ( 13 )..

الطارق : وقد قدرك الخلفاء وجعلوا لك أرزاق تأخذها ..

أبو العيناء : نعم .. وأن تأخرت أرزاقي أحياناً .. وهذا كله من وزراء وكتاب السوء ..

الطارق : تقصد عبيد الله بن سليمان وزير المعتضد

أبو العيناء : هو وغيره كأبن المدبر وأبي صقر إسماعيل بن بلبل الوزير

وهابط بن مخلد ..

الطارق : تقصد صاعد بن مخلد ...

أبو العيناء : نعم .. وكان وزير الموفق .. وقد استوزره عقب إسلامه ..
ذهبت إليه فقيل حجابه أنه يصلي فعدت مرة أخرى فقيل يصلي فقلت
: معذور .. لكل جديد لذة ( 14 ) ...

الطارق : وكانت لك عدوات مع بعض الأدباء والكتاب ..

أبو العيناء : نعم كابن الخصيب و ابن ثوابة وابن الجهم .. لكن دوما كنت أغلبهم بلساني ...

الطارق : وتوفيت سنة 282هـ بالبصرة .. وقبلها حدث لك حادث كدت أن تموت بسببه ..

أبو العيناء : نعم .. وكان ذلك أبلغ ردا على من عيرني بالعمى ..فقد خرجت من بغداد أريد البصرة في سفينة فيها ثمانون نفساً من المبصرين فغرقت فما سلم منها غيري .. فلما صرت إلى البصرة
مت بها .. ( 15 ) ..

الطارق : لم يبقى إلا شيء .. أحببت أن تقص لنا موقف طريف حدث لك ؟؟

أبو العيناء : حسنا ...... وقف بجواري رجل ,, ولما شعرت به .. قلت من هذا ؟؟ . قال : رجل من بني آدم ، فقلت : مرحباً بك أطال الله بقاءك ..
، ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع ( 16 ) ..

الطارق : شكر .....

-----------------------------


المراجع :

( 1 ) ( معجم الأدباء : 18/ 286 ) .
( 2 ) ( تاريخ بغداد : 3/171 ) ..
( 3 ) ( تاريخ بغداد : 3/171 )..
( 4 ) ( معجم الأدباء : 18 / 289 )..
( 5 ) ( تاريخ بغداد : 3/170 )
( 6 ) ( تاريخ بغداد : 3/ 172 ) ..
( 7 ) ( معجم الأدباء : 18/ 290)
( 8 ) ( راجع معجم الأدباء : 18 / 299 ) ..
( 9 ) ( معجم الأدباء : 18/ 302 )
( 10 ) ( تاريخ بغداد : 3/173 )
( 11 ) ( وفيات الأعيان : 4/347 )
( 12 ) ( تاريخ بغداد : 3/174 )
( 13 ) ( تاريخ بغداد 3/177 )
( 14 ) ( معجم الأدباء 18/293 )
( 15 ) ( تاريخ بغداد : 3/179 )
( 16) ( وفيات الأعيان : 4/344 )


الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:15 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#3  
حوار مع جحا
سلمت على محاوري صاحب الوجه الباسم والابتسامة الظريفة واللحية الطويلة

الذي لم يقبل بإجراء هذا الحوار إلا بعد أن طلب مشاركة حماره في هذا الحوار

وقد أزعجنا بنهيقه وصياحه :

الطارق : أهلا ومرحبا بظريف العرب الشهير جحا ...

جحا : أهلا وسهلا بك .. وحيا الله جحوتك ( أ )

الطارق : بداية الأمر أحببت أن تعرفنا بأسمك ؟!

جحا : والله لا أدري من أنا ،، وما أسمي ،، كيف يسأل عن اسمه من حدثت له هذه القصة : ( اجتمعت يوما بشخص لم تسبق لي معرفته ، فأخذ ت أحادثه كأنه صديقا لي منذ زمن ، ولما هم الرجل بالانصراف سألته : عفوا يا سيدي إني لم اعرف حضرتك فمن أنت ؟ قال الرجل : وكيف تحدثني بدون تكلف كأن بيننا معرة سابقة ؟
فقلت : اعذرني فقد رأيت عمامتك كعمامتي وقفطانك كقفطاني فخيل لي أنك أنا ) ( 1 )
فبلله هل يسأل مثلي حدثت له هذه القصة عن أسمه ،،

الطارق ( وقد غلبني الضحك ) : ههههه ... حسنا .. حسنا .. معذور والله .. وقد ورويت لك مثل هذه القصة مع أبو مسلم الخرساني صاحب الدولة العباسية ؟!

جحا : نعم ... فعندما ورد أبو مسلم صاحب الدولة الكوفة قال لمن حوله :

أيكم يعرف جحا فيدعوه إلي ؟ فقال يقطين : أنا أدعوه ... فدعاني .. فلما دخلت عليه ، لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين .. فقلت يا يقطين ، أيكما أبو مسلم .. ( 2 )

الطارق : هاهاهاهاها ... والله لقد سمعت بهذه القصة من قبل لأحد الحمقى مع أحد العلماء وزوجه ...

حسنا ... لقد قيل أنك أبو الغصن دجين بن ثابت الكوفي الفزاري ، وكانت أمك خادمة لأم أنس بن مالك وكنت موجود بالكوفة في إبان ثورة أبي مسلم الخراني ( 3 )

جحا : والله لا أدري أن كنت هو أم لا ... لكني كآني قد سمعت به من قبل .. ثم نظر لحماره وقال : لعل حماري يعرف أن كان هذا هو أنا أم لا ... آيه يا أبو صابر هل تعرف أبو الغصن دجين بن ثابت ... فنهق الحمار نهقة طويلة .. فلتفت إلى جحا وقال : يقول الحمار لم يحصل له الشرف !!

الطارق : هاهاهاهاي .. روويت لك قصة مع حمارك .. قيل ( انه جاء رجل يطلب حمارك فقلت له أني ذاهب للحمار استشيره فعساه يقبل . ثم دخلت الاصطبل وعدت فقلت لجارك : استشرت الحمار فلم يرض لأنه يزعم أنك سوف تضربه ضربا مبرحا وتشتمه هو وصاحبه ) ( 4 )

جحا : حدث ذلك فقد كان والله الحمار عزيز علي حتى حزنت عليه عند موته اكثر من حزني على موت امرأتي ( 5 )

الطارق : نعود إلى الجد ... ذكرنا أن اسمك دجين بن ثابت أبو الغصن الكوفي الفزاري المعروف بجحا .. وقيل أن هناك شخص أخر يحمل مثل هذا الاسم وهو محدث من أهل البصرة و اسمه دجين بن ثابت اليربوعي وكنيته أبو الغصن وقال ابن حجر في ( لسان الميزان ) ونفى أن يكون هذا الشخص أنت ( 3 )
كما ذكر ابن صلاح في مقدمته في علم الحديث أن الأصح أنك ليس المحدث الذي روي عنه ( 6 ) ...
جحا : نعم وروي عنه هذا الحديث : (دثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو سعيد حدثنا دجين أبو الغصن بصرى قال:

-قدمت المدينة فلقيت أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت: حدثني عن عمر فقال: لا أستطيع أخاف أن أزيد أو أنقص كنا إذا قلنا لعمر رضي الله عنه حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخاف أن أزيد حرفا أو أنقص إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي فهو في النار ) ( 7 )
لكني ليس بهو ...كما ذكر الجميع ..

الطارق : حسنا .. فإن لم تكن أنت هو .. فقد ذكرك عمر بن أبي ربيعة وقال :

دلهت عقلي ، وتلعبت بي *** حتى كأني من جنوني جحا ( 3 )

وهذا يثبت أنك كنت مشهور وقبل أن يتوفى عمر بن أبي ربيعة سنة 93 هـ على الأقل ( 8 )
جحا : لا يعنيني أن كنت في ذلك الزمن أم لا .. لكن أزعجني كيف يتهمنى ابن أبي ربيعة بالجنون فقد كنت والله فاضلا متماجنا .. وأنم الناس قد عملوا عني قصصا وروايات كما عملوا على لسان المجنون ( 9 )

الطارق : ورغم هذا فقد اشتهرت بالغفلة حتى قيل ( أحمق من جحا ) ورويت عن حمقك قصة وهي : ( أن عيسى بن موسى الهاشمي مَرَّ به وهو يَحْفر بظهر الكوفة مَوْضِعاً، فقال له: مالَكَ يا أبا الغُصْن؟ قال: إني قد دَفَنْتُ في هذه الصحراء دراهمَ ولستُ أهتدي إلى مكانها، فقال عيسى: كان يجب أن تجعل عليها عَلاَمة، قال: قد فعلتُ، قال: ماذا؟ قال: سَحَابة في السماء كانت تُظِلها، ولستُ أرى العلامة ) ( 10 )

جحا : أنم هذا تماجنا وظرفا ليس إلا ..

الطارق : حسنا .. وقد كان هذا عيسى بن موسى واليا على الكوفة من قبل السفاح في سنة 132 هـ وقد توفي سنة 167 هـ ( 11 )
يدل هذا على أنك في الكوفة في ذلك الوقت ..
وقد ذكر أنك توفيت في خلافة المهدي العباسي الذي ولى الخلافة في ذو الحجة من سنة 158 هـ إلى المحرم من سنة 169 هـ ( 12 )
جحا : نعم ..

الطارق : ولو ثبت ما قاله فيك ابن أبي ربيعة وقد ولد ابن ربيعة سنة 23 من الهجرة وقطعا لم يقل الشعر إلى بعد العشرين من عمره أي بعد سنة 43 هجري وقد علمنا آن وفاتك في خلافة المهدي أي قبل سنة 167 هجري فيدل هذا على أنك قد كنت معروف بين هذه الفترتين تقصر أو تطول ...

جحا : أحسنت أحسنت ... ولو أني لم أفهم شيء ... أليس كذلك يا أبو صابر .. ونهق الحمار مؤيدا صاحبه ..

الطارق : وقد اشتهر ذكرك بعد ذلك حتى قال أبو العتاهية :
دلهني حبها وصيرني *** مثل جححا شهرة ومشخلة ( 3 ) ، ( ب )
وكان أول من ذكرك من الكتاب هو الجاحظ في رسالة عن علي والحكمين وكتاب البغال للجاحظ أيضا ( 3 ) وقد قص لك قصة ماجنة مع حمصي لا يسمح المراقبين بذكرها ( 13 )

جحا : هاهاهاها ... أعرفها وأذكرها جيداً ، وسأذكرها لك ..

الطارق : لا لا لا .. أرجوك وإلا قذف بي خارج السوالف ..

وقد أظهر جحا امتعاضه من هذا ونهق حماره محتجا ...

فما كان مني إلا أن قلت : وقد اشتهر ذكرك في العالمين وأصبحت أحد المشاهير وآلف كتابا لنوادرك يسمى ( نوادر جحا ) ذكره في الفهرست ( ابن النديم ) ( 3 ) ... عرفت شخصيتك عند الأتراك وظهر في عصر تيمورلنك شخصا آخر اسمه الخوجة نصر الدين اشتهر بين الأتراك بجحا و قد نحله الأتراك الكثير من قصصك وقد عرفت بعض الشعوب الأخرى جحا ولكن بأسماء متشابهة فهو في أسيا الوسطى ( هودجا ) وفي مالطا ( جيهان ) وفي بلادالسكسون
( جوكا ) ( 9 ) .
بل وقد ألفت كتب عن حكاياتك حتى في بلاد الأنجليز والفرنسيس ( 14 )

جحا : رائع .. رائع .. لم أكن أعلم أني مشهور لهذه الدرجة .. لكن هل ذكر حماري معي ؟! ونهق الحمار مستفسرا بدوره ..

الطارق فقلت وأنا أنظر للحمار : طبعا طبعا .. ولا يذكر جحا إلا ويذكر حماره .

لم يبقي شيء إلا أن اذكر أن الكتاب الموجود والمعروف ( بنوادر جحا ) والذي طبع بمصر وبيروت ليس هو الكتاب الذي ذكره ابن النديم أنما هو كتاب مترجم عن التركية عن جحا الترك المعروف بخوجة نصر وأن دخلت فيه حكايات من نوادر جحا العربي ( 3 ) .
وما أن أنهيت هذا حتى تبينت على جحا الانزعاج فقلت .. أرجو أن لا أكون قد أزعجتك بحواري هذا فقال وهو يتصنع الابتسام : أبداً أبدا ...
فجأة نهق الحمار بأعلى صوت مؤيد شكوكي ومعلنا عن انزعاجه هو وصاحبه من هذا الحوار..

فقلت : أرى الحمار منزعج .. ويبدو أن الحمار سر صاحبه ودليل على انزعاج صاحبه

فقال : وهل تصدق الحمار وتكذبني !!

فضحكت وقلت : حسنا حسنا .. و شكر لك وللحمار .....
======

معاني الكلمات :

( أ ) : أي طلعتك لسان العرب : برنامج المحدث / مادة جحا .

( ب ) : والله لا أدرني ما معنى مشخلة فقد بحثت في القواميس ولم أجدها .. فإن كانت كلمة طيبة فكان بها وأن كانت كلمة خارجة فيا ويلي ويلاه من المراقبين .. وأن كان معنى البيت قريب لما ذكره ابن أبي ربيعة ....

المراجع :

( 1 ) نوادر جحا الكبرى .. ص9
( 2 ) قول على قول : ج1 / ص166 ..
( 3 ) الأعلام : ج2 / ص112
( 4 ) نوادر جحا الكبرى : ص 15
( 5 ) نوادر جحا الكبرى : ص25
( 6 ) مقدمة ابن صلاح في علم الحديث : برنامج المحدث
( 7 ) مسند الإمام أحمد : ( برنامج المحدث ) .
( 8 ) البداية والنهاية : ج 9 / ص92
( 9 ) الأعلام : ج 2 /ص 113
( 10 ) مجمع الأمثال : برنامج المحدث
( 11 ) الأعلام : ج5 / ص109 ، 110
( 12 ) مروج الذهب : ج3 / ص 319
( 13 ) رسائل الجاحظ : ج2 / ص 239،240
( 14 ) قول على قول : : ج 1 / ص 167



الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:17 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#4  
حوار مع الجاحظ ( 1-3 )

لو يمسخ الخنزير ثانيا ** ما كان إلا دون قبح الجاحظ
رجل ينوب عن الجحيم بنفسه ** وهو القذى في كل طرف لاحظ

انطبقت صورة هذا الشعر على محاوري الذي كان جاحظ العينين بارزهما
مشوه الوجه ، يميل وجه إلى السواد .
ورغم هذا فقد أعجب به عظماء عصرة وأجلوه رغم قبحه حتى قال أحد الشعراء في رثاءه :

ولقد رأيت الظرف دهـ ** ـراً ما حواه اللافظ
حتى أقـــــام طريقه ** عمرو بن بحر الجاحظ
ثم انقضى أمد به ** وهو الرئيس الفائظ

سلمت على شيخنا وشيخ الأدب العربي أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
وأعلنت فخري واعتزازي قبطتي لمحاورة هذا العلم الشامخ في تاريخ الأدب العرب والعالمي ، فشكرني على هذا الحوار :

الطارق : بداية الأمر .. أحببنا شيخنا الفاضل أن تعرفنا بنفسك اختصارا ؟!

أبو عثمان الجاحظ : حسنا .. أنا أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الكناني الليثي ، وعرفت اختصار بذلك الاسم الشهير الجاحظ .
كبير أئمة الأدب ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ( 1 )

الطارق : حسنا .. شيخنا الفاضل .. أحببنا أن نتباحث قضية أثارت جدل في نسبك فقد قيل أنك مولى وقيل أنك عربي الأصل ؟!

الجاحظ : نعم .. فقد قيل أن جدي فزارة كان مولى لأبي القلمس عمرو بن قلع بن عباد بن القلمس الكناني الفقمي .
و أن جدي فزارة كان أسود اللون وكان جمالا لعمرو بن قلع هذا ، أي أن أصولي ترجع إلى الجنس الإفريقي الذي اختلط بالعرب بعد الإسلام ( 2 )

الطارق : إلا أن البعض يدعي أنك من أصل عربي ويدعي أن الرواية التي تذكر أنك ذو أصل أفريقي مختلقة ومنحولة إذ لم ترد من مصدر موثوق به ، كما أنه لم يعيرك أحد من الشعراء بالرق ولا بإنك مولى لأحد .
كما أنك في الكثير من كتبك ورسائلك صرحت بإنك من العرب ( 2 ) ؟!

( وهز الجاحظ رأسه مبتسما ) وأكملت أنا حديثي :

الطارق : بل وما يدل على أنك عربي قول الجماز فيك :

قال عمرو مفاخراً ** نحن قوم من العرب
قلت في طاعة لربـ ** ـك أبليت ذا السب ( 3 )
ورغم هذا فقد ألفت أيضا رسالة في مدح السود ( فخر السودان على البيضان ) وقد تدل هذه الرسالة على أنك ليس بالعربي ؟!

الجاحظ : وألفت رسالة في مناقب الترك ، فهل تعني هذه أني تركي !!

الطارق : حسنا .. حسنا .. أحبنا أن تخبرنا عن سنة مولدك ؟!

الجاحظ : حسنا .. ولدت بالبصرة سنة 150 هـ ، فقد ولدت قبل أبي نواس بسنة ، ولدت في أول سنة خمسين ومائة وولد أبو نواس في آخرها ( 4 ).

الطارق : ويقال أنك ولدت سنة 163 هـ ( 1 ) ويقال أيضاً أنك ولدت سنة 159 هـ ( 5 ) وهو ما يأخذ به الكتاب المعاصرون وربما لقصة تروى عند مرضك عندما أصابك الفالج ( الشلل ) عندما وصفت حالك في تلك الفترة وقلت ( وأشد ما علي ست وتسعون سنة ) ( 6 ) فجزموا أن هذه القصة حدثت في أخر سنة من حياتك أي سنة 255 هـ .

الجاحظ : لقد قلت لك من قبل أني ولدت سنة 150 هـ .. لا أدري لما لست مقتنع بأني ولدت في تلك السنة ... لربما لا تصدق أني قد بلغت من العمر 105 سنة !!

الطارق : حسنا .. ليس يهمنا أن كنت قد بلغت كل هذا العمر أو أقل .. أحببنا أن تحدثنا عن نشأتك ؟!

الجاحظ : ولدت في البصرة كما قلت عن أبوين فقيرين .. وسريعا ما توفي والدي وأنا صغير .. وربتني والدتي بعد ذلك .. ودخلت في صباي الكتاب لأتعلم القراءة والكتابة وأخذت أتردد على حلقات العلم في مسجد البصرة الجامع وأذهب إلى المربد للعلم وتلقف الفصاحة .. كما كنت أبيع الخبز والسمك عند نهر سيحان بالبصرة ..( 7 )

الطارق : وقد كانت والدتك تغضب من انصرافك للعلم ، وتركك العمل ؟!

الجاحظ : نعم .. إلى درجة أنها قدمت إلي الكراريس عندما طلبت منها الطعام ، فقلت : ما هذا ، فقالت : هذا الذي تجيء به .
فخرجت مغموما وجلست في جامع البصرة فرآني يونس بن عمران ( أ ). مغموما فسألني ما شأني فأخبرته بخبري فأعطاني خمسين دينار وعدت إلى والدتي التي عجبت من هذا وسألتني من أين لك هذا ، قلت : من الكراريس التي قدمتها لك ( 7 ) .

الطارق : حسنا .. أحببنا أن تخبرنا عن الأدباء والعلماء الذين أخذت منهم العلم ؟!

الجاحظ : نعم .. أخذت العلم من القاضي أبي يوسف والسري بن عبدويه والحجاج بن محمد وحماد بن سلمة البري وصالح بن جناح اللخمي ويزيد بن هارون وعبد الله بن عون وشعبة بن الحجاج وحماد ابن زيد بن درهم الأزدي ، وسيبويه وعمرو بن كركرة والنضر بن شميل وقطرب والأصمعي وأبي عبيدة معمر بن المثنى والأخفش الأوسط وأبي اسحاق النظام وثمامة بن أشرس .. وكان هذين الأخيرين هم أحد أهم أساتذتي وشيوخي ( ب ) ...
كما أخذت عن الأعراب الفصحاء كأبي المهدي وأبي خيرة ويزيد بن كثوة وأبي الربيع الغنوي وأبي المنتجع بن بنهان وعبيد الكلابي وغيرهم ( 8 )

الطارق : وقد عرفت في شبابك وحياتك بإقبالك على الكتب حتى كنت تبيت في دكاكين الوراقين للقراءة والنظر ، وشهد أحد أصدقائك بحبك للكتب ؟!

الجاحظ : نعم .. حتى سخر مني أصدقاء لي عندما رأوني أشتري أوراق مقطعة فقلت لهم : ( أنتم حمقى والله أن فيها ما لا يوجد إلا فيها ولكنكم جهال ، لا تعرفون النفيس من الخسيس ) ( 9 )
فقد كنت والله مولعا بالقراءة حتى أنه لم يقع بيدي كتاب إلى استوفيته بالقراءة كائنا من كان ( 10 ) .

الطارق : وكان أكثر من أثر فيك شيوخ المعتزلة ؟!

الجاحظ : نعم فقد شغفت بالاعتزال وقد لزمت في تلك الفترة أبو هذيل العلاف وحلقة مشاهير الاعتزال في ذلك العصر ومن أهمهم النظام الذي كان له دورا كبير في حياتي ( 11 ) .

الطارق : أحببنا أن تحدثنا عن بداية تأليفك ، فقد قيل أنك لاقيت الكثير ممن الإهمال في كتاباتك الأولى مع العلم أن زملائك وأساتذتك من المعتزلة يعلمون بفضلك ؟!

الجاحظ : نعم والله .. حتى كنت ألف الكتب وأنسبها لكتاب مشاهير كعبد الله بن المقفع و والخليل والعتابي وسلم صاحب بيت الحكمة فيروج الكتاب ويأخذ مني ( 12 )

الطارق : وقد كان بروز اسمك بعد تولى المأمون الخلافة سنة 198 هـ وكان لأساتذتك الفضل الأول في ذلك ؟!

الجاحظ : نعم .. فقد تولى المأمون الخلافة سنة 198 هـ بعد خلع الأمين .. وفي سنة 204 هـ استقر المأمون في بغداد بعد رجوعه من مرو .. وشًغل بعدها بعقيدة الإمامة ومستحقيها فعرض عليه شيخ المعتزلة ثمامة بن الأشرس ( ج ) أن ألف كتابا في هذا الموضوع فأمرني بذلك ، فألفت كتابي في ( الإمامة ) فأعجب به المأمون وكان ذلك فاتحة عهد جديد لي ،
وتحولت من بعدها من البصرة إلى بغداد وأصبح لي مرتبا منذ ذلك التاريخ ( 12 )

الطارق : وقد عينت لفترة رئيس لديوان الرسائل نيابة عن إبراهيم بن عباس الصولي قد كان هذا المنصب من المناصب المهمة في الدولة .. إلا أنك لم تبقى إلا ثلاثة أيام فقط ؟! ( د )

الجاحظ : نعم .. فلم أقبل هذا المنصب إلى على كره مني ، ولم أبقى فيه إلا مدة ثلاثة أيام .
فقد أبيت أن تستعبد نفسي الحرة حياة الوظيفة وقيودها ، كما كنت كارها للكتاب ودسائسهم ولم أرضى أن أتعامل معهم ( 13 )
وكذلك لرتابة العمل الإداري الذي لا ينسجم مع نفسيتي ، وحسد الحاسدين ومكائد وجو القصور المشحون بالتنافس والبغضاء ( 14 ) كل ذلك جعلني أفر من هذا المنصب .

الطارق : وكان من حسن حظ الكتاب في ذلك العصر أنك لم تبقى في ذلك المنصب أو كما قال سهل بن هارون : ( إن ثبت الجاحظ هذا الديوان ، أفل نجم الكتاب ) ( 14 ) .
حسنا .. وقد تحسنت حالتك المادية في تلك الفترة ؟!

الجاحظ : نعم .. فقد اغتنيت بما ألفت .. فقد أقتنيت ضيعة تنسب لي ومالا وبيتا وأقتنيت العبيد من من سبق أن خدم الملوك ورحلت إلى دمشق أنطاكيا ( 15 )
هذا غير رحلاتي في صحاري جزيرة العرب والروم والشام والجزيرة وغير ذلك التي قمت بها سوء من قبل أو بعد ( 16 )



الهوامش :

( أ ) لدى الجاحظ صديق اسمه مويس بن عمران كان ذو ثراء وجاه يذكره في كتبه لا أدري أن كان هذا هو وقد حدث تصحيف في هذا الاسم من مؤلف كتاب أبو عثمان الجاحظ أم هو أخ له أم غيره .

( ب ) هذا ما يذكره صاحب كتاب أبو عثمان الجاحظ ,, ويقول ياقوت الحموي أنه ( سمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري أخذ النحو عن الأخفش أبي الحسن وكان صديقه ، وأخذ الكلام عن النظام ، وتلقف الفصاحة من العرب شفاهاً بالمربد [ معجم الأدباء : ج16 / ص74 ] وكان الفضل الأكبر في علمه لأبو اسحاق النظام معلمه وأستاذه وأحد شيوخ المعتزلة في ذلك الوقت ، كما كان لثمامة الفضل الكبير في تقريبه من الخلافة في عهد المأمون وفي إبراز شخصيته .

( ج ) كان لثمامة دور كبير في عصر المأمون يقول محي الدين اللاذقيني : ( ويجمع مؤرخو ذلك العصر أن ثمامة كان أكثر من مستشار للمأمون ، فقد صار منذ أن اعتنق الخليفة الاعتزال ، وجعله مذهب الدولة الرسمي ، يختار للمأمون بطانته ، وينظم مجالس النشاط العقلي التي ازدهرت في عهد ذلك الخليفة المتنور ، ويرشح كبار موظفي الدولة بما فيهم الوزراء ، ومن ذلك الموقع أدخل معظم المعتزلة إلى الدواوين ، ورشح الجاحظ لمنصب رئيس ديان الكتاب ) [ طواحين الكلام : جريدة الشرق الأوسط / العدد 6631 / بتاريخ 23/1/1997 م ] .

( د ) تذكر المراجع الأدبية أن أبو العيناء زار الجاحظ و في ديوان الرسائل مع العلم أن الجاحظ ولي في هذا المنصب في عصر المأمون في ما بين سنة 204 هـ وسنة 215 هـ إذا صحت مقولة سهل بن هارون المتوفي سنة 215 هـ ، وقد ولد أبو العيناء سنة 191 هـ أي أنه حتى تلك الفترة كان يبلغ الرابعة العشرين من عمره ، وقد ذكرت جميع المراجع التي ذكرتها في حواري مع أبو العيناء أن أبو العيناء لم يخرج من البصرة إلا بعد أن بلغ الأربعين من عمره وأنه لم يشتهر إلا في عصر الواثق ، فلا أدري هل رواية زيارة أبو العيناء للجاحظ رواية مختلقة وغير صحيحة ، أم أن أبو العيناء كان معروف في تلك الفترة وحسبما ذكره صاحب كتاب ( قول على قول ) الذي يدعي أن أبو العيناء كان يحضر مجلس المأمون وأنه أعمى في ذلك الزمن [ قول على قول : ج1 / ص387 ] ، أم أن الجاحظ قد عين على ديوان الرسائل في عصر الواثق أو المتوكل .
الذي أرجحه أن تلك الرواية كانت مختلقة فقد كان أبو العيناء صغير السن في ذلك الوقت كما أن معرفة الجاحظ بأبو العيناء لم تتم إلى في عصر الواثق ولم يشتهر أبو العيناء إلا في زمن الواثق ولم يخرج من البصرة إلا بعد الأربعين من عمره أي بعد سنة 231 هـ ( قد توفي المأمون سنة 218 هـ ) وقد أصاب العمى بعد ذلك كما تذكر جميع المصادر التي تحدثت عنه .
كما لم تذكر جميع المصادر التي تحدثت عن الجاحظ أنه ولي مرة أخرى في ديوان الرسائل إلا مرة واحدة ولمدة ثلاثة أيام في عصر المأمون .


المصادر :

( 1 ) الأعلام / الزركلي (– دار العلم للملايين – الطبعة الحادي عشر –1995 ) : ج5 / ص74
( 2 ) أبو عثمان الجاحظ / الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي (–دار الكتاب اللبناني – بيروت –1982 ) : ص 53 ، 54 ،55
( 3 ) معجم الأدباء / ياقوت الحموي ( دار الفكر – الطبعة الثالثة –1400/ 1980) : ج16 / 83
( 4 ) معجم الأدباء : ج16 /ص74 .
( 5 ) ( سلسلة أعلام الفكر العربي ) الجاحظ دائرة معارف عصره / الدكتور فوزي عطوي ( دار الفكر العربي –بيروت –الطبعة الثانية –1998 ) : ص12
( 6 ) وفيات الأعيان / ابن خلكان ( تحقيق إحسان عباس – دار الفكر –بيروت ) : ج3 / ص 473
( 7 ) أبو عثمان الجاحظ : ص 56 ، 57
( 8 ) أبو عثمان الجاحظ : ص58 ، 59.
( 9 ) أبو عثمان الجاحظ : ص 60 ،61
( 10 ) ضحى الإسلام : ج1 / ص387
( 11 ) تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الثاني ) / شوقي ضيف ( دار المعارف – الطبعة الثانية – مصر ) : ص 589
( 12 ) تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الثاني ) : ص590
( 13 ) أبو عثمان الجاحظ : ص68
( 14 ) الجاحظ دائرة معارف عصره : ص14
( 15 ) ضحى الإسلام / أحمد أمين ( دار الكتاب العربي – الطبعة العاشرة ) : ج1 /ص387 ، 388
( 16 ) أبو عثمان الجاحظ : ص64


الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:30 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#5  
حوار مع الجاحظ ( 2 - 3 )

الطارق : بعد وفاة المأمون وخلافة المعتصم سنة هـ 218 تتصل بالوزير محمد بن عبد الملك الزيات الذي ولى الوزارة سنة 220 هـ والذي ترتبط معه بصداقة حميمة وتتوثق الصلة بينك وبينه بعد أن تتحول الخلافة إلى سامراء سنة 221 هـ ؟!

الجاحظ : نعم ..فقد اتخذت سامراء دار مقام ، وتعمقت الصلة بيني وبين محمد بن عبد الملك الزيات ( 12 ) وقد بلغت في عصر المعتصم منزلة ومجد نفوذ كبير إذ قربت من عرش الخلافة وأصبحت ذو حظوة عند الخليفة ورجال دولته ، وكان من أكثر الناس حبا لي محمد بن عبد الملك الزيات ( 17 )

الطارق : وقد تعرفت في هذه الفترة على الكثير من الأدباء ، وخاصة من أصحاب الفكاهات والنوادر من أمثال أبو العيناء والجماز وغيرهم ( 12 ) وأن كنت اعتقد أنك لم تتعرف على أبو العيناء إلى في عصر الواثق أي بعد سنة 227 هـ .
وقد ألفت في عصر المعتصم الكثير من الرسائل أحبببنا ذكر بعضها ؟!

الجاحظ : نعم .. ألفت رسالة ( صناعة القواد ) و ( فضل هاشم على عبد شمس ) وغيرها من الرسائل ( 18 )

الطارق : وقد سببت صلتك بالزيات أن تقف ضد خصمه أحمد بن أبي دؤاد قاضي القضاء نتيجة العداء الذي بينهم ( 12 ) ؟!

الجاحظ : نعم ... حدث هذا بالفعل ..

الطارق : وفي عصر الواثق تزداد مكانتك وتبلغ منزلة من النفوذ عظيمة حتى رويت لك قصة أحببنا ذكرها ليتبين للجميع مقدار منزلتك ؟!

الجاحظ : حسنا .. دخل علي أحدهم وقال لي : يا أبا عثمان كيف حالك ؟ فقلت له سألتني على الجملة فاسمعها مني واحداً واحداً . حالي أن الوزير يتكلم برأيي ، وينفذ أمري ، ويؤثر الخليفة الصلات إلي ، وأكل من لحم الطير أسمنها وألبس من الثياب ألينها ، وأجلس على ألين الطبري ، وأتكئ على هذا الريش ثم أسير على هذا حتى يأتي الله بالفرج .
فقال الرجل : الفرج ما أنت فيه ؟ فقلت بل أحب أن تكون الخلافة لي ، ويعمل محمد بن عبد الملك بأمري ، ويختلف إلى ، فهذا هو الفرج ( 19 )

الطارق : ورغم هذا فربما تسوء علاقتك بمحمد بن عبد الملك الزيات بسبب الوشاة وأدل من ذلك رسالتك الشهيرة والعنيفة التي كتبتها للزيات( في الجد والهزل ) ( هـ ) .

الجاحظ : حدث هذا بالفعل .. وأن كانت صلتي به دوما طيبة ؟!

الطارق : حتى تولي المتوكل الخلافة سنة 232 هـ في ذو الحجة منها ، وكان المتوكل ناقما على الزيات لموقف حدث منه عندما كان وليا للعهد فأعتقله في صفر من سنة 233 هـ وعذب في التنور الذي أقامه الزيات لتعذيب المخالفين ، وقد فررت أنت بنفسك ؟!

الجاحظ : نعم ..فقد كنت من أسبابه وناحيته ، وأحد المقربين إليه فهربت بنفسي إلى البصرة وسألت لما هربت فقلت : خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور ( 20 )

الطارق : حسنا .. ورغم هذا فقد اعتقلت ؟!

الجاحظ : نعم .. فقد أمر ابن أبي دؤاد أن يجاء بي من البصرة ، فجيء بي مقيد الرجلين ، مغلول العنق بسلسلة ، فأدخلت على القاضي ابن أبي دؤاد وأخذ يعنفني فرددت عليه وقلت : ( خفض عليك ، فوالله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك ، ولأن تحسن وأسئ أحسن في الأحدوثة من أن أحسن وتسئ ، ولأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل بك من الانتقام مني )
فعفى عني وفك قيدي وأجلسني في صدر مجلسه ( 20 )

الطارق : حسنا .. وقبل أن ننتهي من قصتك مع الزيات .. أحببنا أن أعرض عليك استنتاج عن تأليف كتابك كتاب ( الحيوان ) .
فقد قيل أنك أهديته لمحمد بن عبد الملك الزيات ( 21 ) ويؤكد هذا مقدمة الكتاب والانتقاد الشديد من قبل الجاحظ لشخص المهدى له الكتاب وهي تشبه لحد كبير رسالة ( الجد والهزل ) المرسلة للزيات.. وعند قراءتي لكتاب الحيوان وجدت ذكر للمتوكل كخليفة في هذا الكتاب ، وذلك عند رواية الجاحظ لقصة عن شخص أسمه عبويه حدثه عن شخص أسمه السوداني أنه كان يربى ذئب كان يصيد به الظباء و الثعالب ، قال الجاحـــــظ : (وحدثني بهذا الحديث في الأيام التي قــــام بها أمير المؤمنين المتوكل على الله ) .
الجاحـــــظ : (وحدثني بهذا الحديث في الأيام التي قــــام بها أمير المؤمنين المتوكل على الله ) ( 22 )
وهـــذا يعني أن الكتـــــاب ألف بعد تــولي المتوكل للخــلافة مع العلم أن المتوكل تولى الخلافة في ذو الحجة من سنة 232 هجري وقد قام المتوكل باعتقال الزيات في صفر من سنة 233 هجري أي بعد شهرين من تولي المتوكل للخلافة ، ومات الزيات تحت تأثير التعذيب في ربيع الأول من سنة 233 هجري فهل هذا يعني أنك أنتهيت من تأليف الكتاب وأهديته للزيات في الفترة من ذو الحجة من سنة 232هـ إلى صفر من سنة 233 هـ .

الجاحظ ( ابتسم الجاحظ ولم يعلق )

الطارق : حسنا .. نكمل قصتك ، فقد أصبحت من جلساء ابن أبي دؤاد واحد المقربين له ، بل وأخذت تمدحه بشعرك أو بشعر غيرك تدعيه لنفسك ( 23 ) ، ثم ألفت له كتاب ( البيان والتبيين ) ( 21 ) واستمرت علاقتك به حتى فلج ( أصابه الشلل ) وقد خلفه أبنه أبو الوليد الذي لزمته حتى انصرف عن القضاء ( 24 ).
إلى أنه وفي عصر المتوكل تتعمق علاقتك بالفتح بن خاقان وزير المتوكل ؟!

الجاحظ : أحسنت .. فقد تعمقت علاقتي بالفتح بن خاقان وأصبحت وثيق الصلة به وأهديت رسالتي ( مناقب الترك وعامة جند الخلافة ) ، كان الفتح يثني علي عند الخليفة المتوكل ويأخذ لي منه الجوائز . ( 24 )
حتى ذكرت للمتوكل لتأديب وتعليم بعض ولده فلما رآني استبشع منظري ، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني ( 24 ) ، ( 25 )

الطارق : ورغم هذا فقد عظمت شخصية في نظر المتوكل ووزيره لعلمك ومعرفتك حتى طلب منك وأنت بالبصرة أن تكتب كتاب ( في الرد على النصارى ) ( 26 )
الجاحظ : نعم .. قد كان يستعجلني في كتابة هذه الكتاب ( 26 ) الذي ألفته على الأغلب في سنة 235 هـ ( 27 )

الطارق : الحقيقة من الغريب أن يهتم بك المتوكل كل هذا الاهتمام مع أن المتوكل هو من أمر بترك النظر والجدل وأنهى محنة القول بخلق القرآن وأزال سيطرة المعتزلة بعد سيطرتهم في عصر المأمون والمعتصم والواثق ،ورفع من قدر أهل السنة ، وأنت أحد شيوخ المعتزلة ؟!

الجاحظ : لا أجد هذا من الغريب فقد كنت عالم أديب أريب أعجب أهل عصري بكتبي وعلمي وأدبي ..
وبلغت شهرتي الأفاق وحتى الأندلس والصين.. وبلغت من الشهرة والمجد أن يشرف من يأخذ العلم عني ويتتلمذ علي عند ملوك الأندلس وغيرهم ( 28 ) وقد بلغ من شهرت كتبي ورسائلي أن تحاشى أبو هفان أن يهجوني وقد نددت به وسأل عن سبب ذلك فقال : أمثلي يخدع عن عقله والله لو وضع رسالة في أرنبة أنفي لما أمست إلا الصين شهرة ( 29 ) ، ويحق له ذلك وكيف لا وقد فضحت من قبله أحمد بن عبد الوهاب الكاتب في رسالتي الشهيرة ( التربيع والتدوير ) ، فما أن ألف الكتاب حتى تسير به الركبان إلى أقصى المعمورة ( 30 ).
وكان لزاما أن أعيش في هذا عصر المتوكل في ثراء وجاه ونفوذ عريض بسبب كتبي وعلمي وتقدير مشاهير ذلك العصر وكبار رجلاته حتى دخل علي صديق أسمه ميمون بن هارون وأنا البصرة وقال بعد أن رأى ما أنا فيه من ثراء وجاه : ألك ضيعة بالبصرة ؟ فتبسمت وقلت : إنما أنا جارية لي وجارية تخدمها ، وخادم ، وحمار ، أهديت كتاب ( الحيوان ) إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأعطاني خمسة آلاف دينار ، وأهديت كتاب ( البيان والتبيين ) إلى أحمد بن دؤاد فأعطاني خمسة آلاف دينار ، وأهديت كتاب ( الزرع ) إلى إبراهيم بن العباس الصولي فأعطاني خمسة آلاف دينار فانصرفت إلى البصرة ، ومعي ضيعة لا تحتاج إلى تجديد ولا تسميد ( 26 ) ، ( 21 ) .
فلم أتزوج ولم أرزق بالأولاد أنا هما جاريتان ، والقليل من المال يسد حاجتي ( 27 )

الهوامش :

( هـ ) يقول الجاحظ في بداية رسالته ( في الجد والهزل ) : ( ليس من أجل اختياري النخل على الزرع أقصيتني [ رسائل الجاحظ - تحقيق محمد عبد السلام هارون – ج1 / ص231 ] ) وقد ألف الجاحظ كتاب ( الزرع والنخل ) لإبراهيم بن العباس الصولي الذي أعطاه خمسة آلاف دينار في خلافة الواثق على الأرجح لأنه ذكر هذه الرسالة في مقدمة كتاب الحيوان أيضا الذي أغلب الظن أنه ألف في بداية حكم المتوكل ، وقد كانت العلاقة بين محمد بن عبد الملك الزيات والصولي سيئة فقد غضب الزيات - مع أنه كان صديقا له -على الصولي وعزله من ولاية معونة الأهواز وخراجها واعتقله بسبب اتهامه بدعوا أن أموالا كثيرة لم تؤدى إلى بيت الخراج واتامه بالتلاعب بأموال الدولة وخراجها ولم ينجو من عقاب الزيات إلى بعد تدخل الخليفة الواثق الذي أمر الزيات برد حريته إليه وجعله من حاشيته ، فبسط الصولي لسانه في غريمه ( الزيات ) ونظم فيه الأشعار ذاما وهاجيا ( تاريخ الأدب العربي : العصر العباسي الثاني / ص575 ).. وكان طبيعيا أن يغضب الزيات على الجاحظ لإهدائه كتاب ( الزرع والنخل ) للصولي نتيجة للعداوة التي بينهما .

المصادر :

( 17 ) أبو عثمان الجاحظ : ص71
( 18 ) أبو عثمان الجاحظ ص72
( 19 ) تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ( دار الكتب العلمية –بيروت ) : ج12 / ص219
( 20 ) أبو عثمان الجاحظ : ص76 ، 77
( 21 ) معجم الأدباء : ج16 / ص106
( 22 ) الحيوان / الجاحظ ( تحقيق فوزي عطوي – دار صعب –بيروت – 1402/1982 ) : مج 2 / ص674
( 23 ) معجم الأدباء : ج16 / ص81
( 24 ) أبو عثمان الجاحظ : ص78
( 25 ) مروج الذهب / المسعودي ( تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد – المكتبة الإسلامية – بيروت ) : ج4 / ص97
( 26 ) أبو عثمان الجاحظ : ص79 ؟!
( 27 ) تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الثاني ) : ص 79


الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:32 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#6  
حوار مع الجاحظ ( 3 - 3 )
الطارق : وقد اصبت في عصر المتوكل بالفالج بجانبك الأيسر ( الشلل ) والنقرس بجانبك الأيمن ( الروماتزم ) ؟!

الجاحظ : نعم فقد بلغت في عصر المتوكل من العمر 73 سنة على الأقل .
وقد دخل علي رسل المتوكل وأنا بسامراء في منزلي وقد طلب حضوري فقلت لهم : وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل ولعاب سائل ؟ ثم أقبلت على جلسائي ، وقلت: ما تقولون في رجل له شقان أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس والشق الأخر يمر به الذباب فيغوث ( أي يصيح ) وأكثر ما أشكوه الثمانون ( 31 )

الطارق : وتذكر كثير من المراجع كابن خلكان وصاحب تاريخ بغداد وابن العماد في شذرات الذهب والسندوبي غيرهم أن هذا المرض حدث لك في أخر خلافة المعتصم ( 32 ) ؟!

الجاحظ : أصبت بالفالج في وقت مبكر من ذلك ولكنه لم يقعدني عن الحركة ولا الكتابة فقد ألفت كتاب الحيوان وأنا مفلوج وكذلك البيان والتبيين والزرع والنخيل وأصابني النقرس وكنت محتفظا بقواي حتى بعد سنة 243 هـ فقد صحبت الفتح بن خاقان لدمشق .. حتى اشتد علي المرض فعدت إلى البصرة وأمضيت بقية حياتي بها ( 27 ) ... حتى أن المتوكل وجه في السنة التي قتل فيها أن أحمل إليه من البصرة ، فقلت لمن أراد حملي : وما يصنع أمير المؤمنين بامرئ ليس بطائل ، ذو شق مائل ولعاب سائل ...وعقل زائل ولون حائل ( 33 )

الطارق : وبقيت بالبصرة وأنت بهذا الحال في خلافة المنتصر ( 247 – 248 ) والمستعين ( 248 –252 ) والمعتز ( 252 – 255 ) .

الجاحظ : نعم .. فقد كبرت في العمر والأيام تضعضع من عمري والمرض يشتد علي ، وقد لزمت بيتي ، ورغما هذا فقد ظللت حافظا على قواي الفكرية العقلية ، قد هرع الأدباء والعلماء إلي من كل مكان للاطمئنان علي ( 34 ) .

الطارق : وفي خلافة المعتز في المحرم من سنة 255 هـ توفيت ، ولما وصل نعيك إلى قصر الخلافة في بغداد وسامراء أسف المعتز بالله أشد الأسف وقال ليزيد بن محمد المهلبي : يا يزيد ورد الخبر بموت الجاحظ فقال يزيد : لأمير المؤمنين البقاء ، ودوام النعمة ، فقال المعتز : لقد كنت أحب أن أشخصه إلي وأن يقيم عندي ، فرد عليه يزيد : إنه كان بل موته عطلا بالفالج ( 35 )
وقد ادعى البعض أنك توفيت نتيجة سقوط أكداس الكتب عليك فقضت عليك ( 35 ) بينما ، جميع التراجم التي لدي لم تتحدث عن هذا . ( و )
ويبدوا أن وفاتك كانت طبيعية نتيجة الكبر والمرض ..
لم يبقى إلا شيء أحببنا أن نذكر أنك ألفت الكثير من الكتب والتي تزيد عن 250 كتاب في مختلف صنوف العلم كان من أهمها :
كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين وكتاب البخلاء رسالة التربيع والتدوير .وغيرها من الكتب العظيمة التي تعتبر مصدرا من المصادر المهمة لمعرفة ذلك العصر ، وحسبنا أن نقول ما قاله المسعودي في كتبك قال في مروج الذهب : ( ولا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر كتب منه .... وكتب الجاحظ ... تجلو صدأ الأذهان ، وتكشف وضاح البرهان ، لأنه نظمها أحسن نظم ، ورصفها أحسن رصف ، وكساها من كلامه أجزل لفظ ، وكان إذا تخف ملل القارئ ، وسآمة السامع خرج من جد إلى هزل من حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة ، وله كتب حسان : منها كتاب البيان والتبيين هو أشرفها ، لأنه جمع فيه بين المنثور المنظوم ، وغرر الأشعار ومستحسن الأخبار ، وبليغ الخطب ، ما لو اقتصر علي مقتصر لاكتفى به ، وكتاب الحيوان ، كتاب الطفيليين وكتاب البخلاء وسائر كتبه في نهاية الكمال ، مما لم يقصد منها إلى نصب ولا إلى دفع حق ، لا يعلم ممن سلف لا خلف من المعتزلة أفصح منه ) ( 36 )
تعتبر كتبك من أحد أه المصادر في معرفة الحالة الإجتماعية والثقافية والسياسية في ذلك العصر ، قد برزت شخصيتك بوضوح في كتبك بعكس المعصارين لك من الكتاب ، وتعتبر أحد عباقرة الكتاب في تاريخ الأدب العربي العالمي وشيخ الأدباء العرب بلا منازع ..
وقد أطنب الكثير في شخصيتك وعلمك وفصاحتك وأدبك وكتبك وعلموا مقدار عظمتك ومنهم النظام وأبو هفان أبو العيناء الحسن بن داود الخطيب البغدادي والمبرد و أبو القاسم الإسكافي وابن دريد والمرزباني وابن العميد وأبو حيان التوحيدي وياقوت الحموي والمسعودي ابن خلدون طه حسين وأحمد أمين وغيرهم الكثير والكثير ..
ويكفي أن تفخر البصرة بكتابين من مؤلفاتك هما الحيوان والبيان والتبيين من أربعة كتب وثالثهما كتاب العين للخليل وكتاب الكتاب لسيبويه وأن يعتبر كتابك البيان التبيين أحد أصول فن الأدب أركانه من بين أربعة كتب أخرى كما قال ابن خلدون وأن يبلغ الأمر وأن يقول أحد العلماء : رضيت في الجنة بكتب الجاحظ عن نعيمها ( 37 )
و أن يقول ثابت بن قرة وهو أحد كتاب الصابئة لا أحسد هذه الأمة العربية إلى على ثلاثة : عمر بن الخطاب في سياسته ويقظته .. ودينه ... والحسن البصري في العلم والتقوى .. والجاحظ خطيب المسلمين وشيخ المتكلمين ومدره المتقدمين والمتأخرين ... ( 38 )

لم يبقى من شئ شيخنا الكريم شكرا لك ....


الهوامش :

( و ) لم تذكر وفاة الجاحظ بسبب سقوط الكتب عليه في المصادر التي لدي فكتاب وفيات الأعيان وهو من أهم كتب التراجم لم يذكر هذه القصة ، وكذلك كتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي الذي أخذ جميع معلوماته أو معظمها من كتاب ( تقريظ الجاحظ ) لأبو حيان التوحيدي وكذلك كتاب تاريخ بغداد .. وهي من أهم المصادر في تراجم الأدب العربي .. قد كنت اعتقد أن هذه القصة قد اختلقت ربما لتظهر مدى تعلق الجاحظ بكتبه الذي عرف به واشتهر من معاصريه ومن كتاباته ( كمقدمة كتاب الحيوان ) وارتباطه بها وحتى وفاته بسببها . لكن أطلعت في كتاب أبو عثمان الجاحظ للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي قوله : ( وفي أمسية من أمسيات شهر المحرم كان جالسا ( أي الجاحظ ) في حجرة كتبه ومطالعته العزيزة عليه ، الحفي بها ، فانهالت عليه أكداس الكتب فقضت عليه ) ( 35 ) وفي هامش هذا الكتاب وفي صفحة 259 ذكر المصدر ( مروج الذهب ) المجلد الثاني صفحة 122 . كان من حسن الحظ أن يكون لدي نفس هذا الكتاب ونفس الطبعة التي بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد والتي أخذ عنها المؤلف .. رجعت إلى هذه الصفحة من كتاب مروج الذهب ( أي المجلد الثاني ، صفحة 122 ) فذهلت أني لم أجد ذكر للجاحظ في هذه الصفحة أبدا ... وقد ألف خفاجي كتابه هذا قبل سنة 1967 م ( ص 246 ) ولا أدري أن كانت هذا الخطأ الذي وقع فيه هذا الكاتب هو بداية قصة وفات الجاحظ بسبب كتبه أم لا فقد ذكر الزركلي هذه القصة في كتابه ( الأعلام ) الذي أتم أكمال كتابه بطبعة الرابعة قبيل وفاته سنة 1976 م ولم يذكر من مصادرة هذا المؤلف ( أبو عثمان الجاحظ ) ولا أدري هل أخذ قصة سقوط الكتب على الجاحظ من مصدر أخر أم لا .. على العموم .. جميع المصادر التي لدي مثل ضحى الإسلام لأحمد أمين و تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الثاني ) لشوقي ضيف ومقدمة ( كتاب الحيوان ) ( تحقيق فوزي عطوي – دار صعب ) - وأن ذكر قصة سقوط الكتب على الجاحظ في كتيب ( الجاحظ دائرة معارف عصره ) - ومقدمة كتاب البخلاء ( تحقيق : علي جارم بك ، أحمد العوامري ) لا تتحدث عن تسبب الكتب في وفاة الجاحظ ، بل معظمها تذكر أن وفاته كانت بسبب المرض .... وبذلك أرجح أن تكون قصة سقوط الكتب مختلقة وفي عصرنا هذا ...

المصادر :


( 28 ) معجم الأدباء : ج16 / ص104
( 29 ) معجم الأدباء : ج16 / ص99
( 30 ) معجم الأدباء : ج16 / ص90
( 31 ) معجم الأدباء : ج16 / ص103
( 32 ) أبو عثمان الجاحظ : ص83
( 33 ) أبو عثمان الجاحظ : ص83
( 34 ) أبو عثمان الجاحظ : ص80 ، 84
( 35 ) أبو عثمان الجاحظ : ص259 ، 260
( 36 ) مروج الذهب : ج4 ص195
( 37 ) أبو عثمان الجاحظ : ص264
( 38 ) معجم الأدباء : ج16 / ص95


الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:39 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#7  
حوار مع أشعب

أشعب يا أشعب يا أشعب .. ماذا
************* يا بطنا أوسع من ملعب .. هذا

وقد أخذ مطربنا الأحول ذو العين الزرقاء والرأس الأقرع و اللحية الخفيفة ، يرقص ويغني ويهز بطنه ذات اليمين وشمال ، وقد فصل بيننا مأدبة طويلة قد حملت ما لذ وطاب من أطايب الأكل ، بينما كنت أصفق بيدي حتى انتهى من غناءه ..

الطارق : أهلا ومرحبا بظريف العرب ورمز الطمع في الأدب العربي ،،

( وبينما كنت أرحب بمحاورنا هذا ، وإذ به ينقض على هذه المائدة الممتدة والعامرة ويخوض بيديه في أطايبها ، وينهش ما لذ منها وطاب )

أشعب وبصوت يكاد لا يفهم بسبب امتلاء فمه بالأكل : مرحبا بك مرحبا بك .. وأشكرك على هذه المأدبة الفاخرة ..

الطارق : أحببنا ، أن تعرفنا عن نبذة مختصرة عن نفسك ؟!

أشعب : أما تراني مشغول الآن في هذا الجهد !! أحسب أنك جمعت عني معومات ، أنا في حالي هذا وموقفي لا أكاد أستطيع
أن أفقهها !! فما عليك إلا أن تعرضها وأنا أهز لك رأسي سلبا أم أيجاباً ، ودعني أخوض وأُركز في معركتي هذه ،،

الطارق : ولكن .. قد دعوناك لتحاورنا .. لا لأسرد معلومات عنك فحسب !!
أشعب ( وقد أخذ ينفض ما عليه من أكل محاولا القيام ) : والله .. قد مللت منك .. ما أسوء أن يذل شخصا لأجل بعضا من الطعام .. أعدني لمقبرتي التي أخرجتني منها ..

الطارق ( وقد أخذت اهدأ من غضبه ) : أسف .. أسف .. لم أقصد أن أضايقك .. أعذرني و لك ما تريد ..

أشعب ( وقد عاد لمجلسه ) : حسنا .. أقبل عذرك .. ليس لشيء إلا شفقة عليك من أن أُضيع جهدك وما جمعت من معلومات عني ..
( واستدرك ) على أن لا تزعجني بمحاورتك ، وأن لا تشغلني في معركتي هذه ..
( وأخذ يخوض معركته هذه )

الطارق : حسنا .. حسنا لك ما تريد ..
حسنا نبدأ باسمك ، فأنت أشعب بن جبير ، ويقال أن اسمك شعيب وكنيتك أبو العلاء وقيل أبو إسحاق .
وقيل أنك مولى عثمان بن عفان ، وقيل مولى سعيد بن العاص ، وقيل مولى عبد الله بن الزبير ، وقيل مولى فاطمة بن الحسين . ( 1 )

أشعب : أمممم (وأخذ يهز رأسه موافقا لقولي ، وقد امتلأ فمه بالأكل )

الطارق : إلا أن الرواية الأرجح أنك مولى لآل الزبير من قبل أبيك وكانت أمك مولاة ة لعائشة بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه
( 2 )
وقد خرج أبوك مع المختار بن أبي عبيد وقد أسره مصعب فضرب عنقه ( 3 )
وقد كان أسم والدتك جعدة ويقال أنها مولاة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ويقال أن أسمها أم حميدة بضم الحاء وقيل بالفتح ( 4 )
وقيل يقال لها أم الخلندج وقيل بل أم جميل وأسمها حميدة ( 3 )

( وأخذ أشعب يهز رأسه الأصلع علامة الموافقة على قولي )

( وقد خفت أن أحدثه عن سوء أخلاق أمه فيغضب على ويطلب أرجعه لمقبرته ) ( راجع الأغاني ( 3 ، 2 )

الطارق : وقد أدركت زمن عثمان رضي الله عنه ، ونشأت بالمدينة وقد كفلتك وربتك عائشة بنت عثمان ( 5 )

( وأخذ أشعب يحرك رأسه علامة الإيجاب وقد وضع في فمه عرقوب وهو ينهش فيه )

الطارق : قد طلبت العلم ورويت الأحاديث عن سالم بن عبد الله وعكرمة وغيرهم ( 6 )

ورغم هذا فقد دفعت بك عائشة بن عثمان لسوق البزازين ( بائعي الثياب ) ولم تفلح في عملك ولم تتقنه ( 7 )

( فقاطعني أشعب وأشار إلى دجاجة ) وقال : لقد رأيت رجل يسخن دجاجة ، ثم بردت فسخنت ، ثم بردت فسخنت فقلت : دجاج هذا
الرجل كآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشياً ( 8 )... وأحسب أن دجاجتكم هذه كتلك ..

الطارق ( قد أزعجني حديثه عن الأكل ) : أحم أحم .. وقد كنت جميل الصوت وقد أخذت الغناء واللحن عن معبد بل حتى قال معبد فيك : عليكم بأشعب فأنه أحسن تأدية للحن مني ( 9 )
ورغم هذا فكنت من القراء للقرآن وقد نسكت وغزوت ، وكنت حسن الصوت بالقرآن ربما صليت بهم القيام ( 10 )

( ولا زال أشعب يواصل معاركه ، ولا أجد منه إلا هز الرأس )

الطارق : ورغم هذا فقد اشتهرت بطمعك وحرصك ورويت الكثير من نوادرك كما كنت بارعا في الرقص ، قادرا على اثارة الضحك بما تجريه على وجهك وجسدك من تغييرات غريبة ( 11 ) مع ما تدلي من تعليقات لبقة ورددا سريعة فصرت بذلك نديما ومسليا لأشراف والخلفاء ، قادرا على استخراج أموالهم حريصا على حور مآدبهم حتى عرفت بالطمع ( 12 )

( ولم ألقى من رد إلا هز الرأس بينما امتلأ فمه بالأكل )

وقدمت إلى بغداد في أيام جعفر بن منصور واجتمع عليك فتيان بني هاشم وغنيتهم فطربوا منك ( 9 ) وزعم أبو عثمان الجاحظ أنك قدمت إلى بغداد في أيام المهدي ( 13 )

( فهز رأسه موافقا )

الطارق : وقد خرجت من عند الربيع وزير أبو جعفر المنصور في بغداد ووصلت إلا المدينة فلم تلبث أن توفيت بها سنة
154 هـ ( 5 ) في خلافة أبو جعفر المنصور ..

( فهز أشعب رأسه مؤيدا كلامي كعادته )

الطارق : قد رويت لك الكثير من القصص مع مشاهير ذلك العصر كعبد الله بن عمر وابنه سالم بن عبد الله وعكرمة مولى عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والقاسم بن محمد بن أبي بكر والحسن بن الحسن بن علي وسكينة بن الحسين و أبان بن عثمان والخليفة الأموي الوليد بن يزيد و جرير وجعفر بن المنصور ووالي المدينة في عهد أو جعفر المنصور زياد بن عبد الله الحارثي ووالي مصر في عهد أبو جعفر المنصور يزيد بن حاتم المهلبي
وغيرهم ...

( فجأة أنهى أشعب طعامه وقد حسبت أنه لم ينتهي منه أبداً ، وأخذ يحمد الله )

الطارق : هني وعافيه .. لم يبقى إلا أن تروي لنا بعض القصص عن طمعك ؟!

أشعب : حسنا ... خرج سالم بن عبد الله بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه، وبلغني الخبرُ، فوافته الموضع الذي هم به ، فصادفت البابَ مُغْلقاً فتسوَّرتَ الحائط، فقال له سالم: وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي ؟ فقلت: لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجَّهَ إلي من الطعام ما أَكلتَ وحَمَلتَ إلى منزله ( 14 )

وعبث الولدان يوما بي فقالت لهم إن ههنا أناسا يفرقون الجوز لأطردهم عني فتسارع الصبيان إلى ذلك فلما رأيتهم مسرعين قالت لعله حق فتبعهم ( 15 )

الطارق : ههههههههه ... وما بلغ من طمعك !!!

أشعب : نعم .. والله ما رأيت اثنين يتساران قط إلا كنت أراهما يأمران لي بشيء ( 16 ) الأغاني : ج19 ص162
ومازفت عروس بالمدينة إلا رجوت أن تزف إلي فأكسح داري وأنظف بابي واكنس بيتي ( 15 )

الطارق : لا شك أن ليس لك مثيلا في الطمع !!

أشعب : بلا وربي ... أسوء مني أمي فقد وَهِبَ لي غلامٌ، فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء والغلام، فقالت أمي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت عليها من أن أقول: وهب لي، فتموت فرحا، فقلت: وهب لي غين، فقالت: وما غين؟ قلت: لام، قالت: وما لام ؟ قلت: ألف، قلت: وما ألف ؟قلت: ميم، قالت: وما ميم؟ قلت: وهب لي غلام، فغشى عليها فَرَحاً، ولو لم أقطع الحروف لماتت
( 14 )
وأطمع مني كلبا يتبعني أربعة أميال على مضغ العللك ( 16 )

الطارق : ههههههه .. حسنا لم يبقى شيء إلا أن نشكرك على تشريفك لنا !!

أشعب : بل أنا أشكرك على هذه المأدبة اللذيذة ،، شكرا لك ...


المصادر :
( 1 ) تاريخ بغداد : ج7/ ص 37
( 2 ) الأغاني : ج19/ ص146
( 3 ) الأغاني : ج 19 : ص144
( 4 ) وفيات الأعيان : ج2 : ص472
( 5 ) الأغاني : ج19 / ص145
( 6 ) تاريخ بغداد : ج7/ص 38 ، 39
( 7 ) الأغاني : ج19:ص148 ، 149
( 8 ) تاريخ بغداد : ج7 / ص41 ( 9 ) تاريخ بغداد : ج7 / ص38
( 10 ) الأغاني : 19 / ص147
( 11 ) الأغاني : ج19 / ص170
( 12 ) الموسوعة العربية الميسرة : ج1 / ص166
( 13 ) تاريخ بغداد : ج7/ ص37
( 14 ) مجمع الأمثال : برنامج المحدث
( 15 ) البداية والنهاية : برنامج المحدث
( 16 ) الأغاني : ج19 /ص169



الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:41 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#8  
حوار مع الحصري القيرواني



سلمت على محاوري الضرير الذي لا يبصر ورحبت به

وبدأت بسؤالي التالي :

الطارق : أحببنا أن تعرفنا بنفسك ؟!

الحصري القيرواني : أسمي علي بن عبد الغني الفهري الحصري القيرواني ، كنيتي أبو الحسن ، وقد اشتهرت بالشعر والأدب وكنت عالما بالقراءات وطرقها وأقرأت الناس القرآن الكريم ... ( 1 ) واشترت بقيدة الغزلية الراعة التي مطلعها ( يا ليل : الصب متى غده )

الطارق : الحقيقة أن هناك شخص من أقرباءك قد عرف بهذا الأسم ( الحصري القيرواني ) وقد خلط بعض الأدباء * بينك وبينه ؟!

الحصري : نعم فذاك هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي التميم ، وهو أبن خالتي وهو مؤلف كتاب ( زهر الأدب وثمر الألباب ) ( 2 )

الطارق : أحببنا أن تعرفنا عن مولدك ؟!

الحصري القيرواني : نعم ... ولدت بالقيروان عام أربعمائة وعشرين الهجرة وقضيت فترة من صباي وشبابي في القيروان .. ( 3 )

الطارق : وغادرتها لسببا ما ، أحببنا أن تذكره ؟!

الحصري : نعم .. خرجت من القيروان بعد نكبتها وخرابها بسبب
انقضاض قبائل بني هلال وبني سليم على القيروان نتيجة الخلاف الذي
نشب بين الفاطميين والمعز بن باديس وتوجيه الفاطميين لهذه القبائل لحرب ابن باديس وكان ذلك سنة أربعمائة تسعة أربعين للهجرة وقد استقريت لفترة بسبتة ( 3 )

الطارق : وقد دخلت الأندلس بعد سنة 450 هـ ؟!

الحصري : نعم .. وقد مدحت ملوكها ومن أشهرهم المعتمد بن عباد وغيره من ملوك الطوائف بالأندلس .. ( 4 )

الطارق : قرأت في وفيات الأعيان أن سبب دخولك الأندلس دعوة بعثها المعتمد بن عباد إليك في القيروان !!

الحصري : قرأت هذا وعجبت من قول صاحب وفيات الأعيان قوله ( بعث المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية ....) ( 5 )
فلم يحكم المعتمد بن عباد إشبيلية إلا سنة 461 هـ بعد أبيه المعتضد وقد كان دخولي الأندلس سنة 450 هـ كما ذكرت من قبل ..

الطارق : هل يعني هذا أن ما ذكره ابن خلكان في كتابه ليس بصحيح ؟!

الحصري : حسبي ما قلت ..

الطارق : حسناً ... وقد مدحت المعتمد بن عباد عند موت أبيه العتضد سنة 461هـ ؟!

الحصري : نعم قلت فيه :
مات عباد ولكن
********** بقى النجل الكريم
فكأن الميت حي
********** غير أن الضاد ميم ** ( 6 )

الطارق : وقد تهاداك الملوك فمدحت الكثير من ملوك الطوائف كالمعتصم بن صمادح صاحب المرية وغيرهم ( 6 )

الحصري : أحسنت ... فقد تهادتني الملوك تهادي الرياض بالنسيم ، تنافسوا في تنافس الديار في الأنس المقيم ( 7 )

الطارق : ولم تكتفي بالشعر فقد كنت عالما بالقراءات وطرقها وأقرأت الناس القرآن الكريم بسبته ؟!

الحصري : نعم .. والحمد لله ، ولي قصيدة نظمتها في قراءة نافع عدد أبياتها مائتان وتسعة ( 7 )

الطارق : وقد استقريت بطنجة بالمغرب بعد زال حكم الطوائف وخلعهم من قبل ابن تاشفين سنة 484هـ حتى توفيت سنة 488 هـ ( 7 )

الحصري : نعم ...

الطارق : وقد ألفت عدة كتب أحببنا أن تذكرها ؟!

الحصري : ألفت من الكتب :

( المستحسن من الأشعار )
( اقتراح القريح واجتراح الجريح ) : في رثاء ولد لي
( والقصيدة الحصرية ) : في القراءات
( معشرات الحصري ) : في الغزل والنسيب
وديوان شعر لي ( 8 )

الطارق : أخيرا لك قصيدة تعتبر من روائع الغزل في تاريخ الأدب العربي
عارضها الكثير من الشعراء كنجم الدين القمراوي و ناصف الدين الأرجاني و أحمد شوقي وإسماعيل صبري وغيرهم ( 9 )
كما اعتبرها فاروق شوشة أحد أحلى 20 قصيدة حب في تاريخ الشعر العربي وغنتها فيروز .. أحببنا أن تلقيها علينا .

الحصري : نعم .

القصيدة :

يا ليل : الصب متى غده ؟
***************** أقيام الساعة موعده
رقـــد السمار فأرقــه
***************** أسف للبين يردده
فبكاه النجم ورق له
***************** مما يرعاه ويرصده
كلِف بغزالٍ ذي هيفٍ
***************** خوف الواشين يشرده
نصبت عيناي له شركا
***************** في النوم فعز تصيده
وكفى عجباً أني قنِص
***************** للسرب سباني أغيده
صنم للفتنة منتصب
***************** أهواه ولا أتعبده
صاح ، والخمر جنى فمِهِ
***************** سكران اللحظ معربده
فيريق دم العشاق به
***************** والويل لمن يتقلده
كلا ، لا ذنب لمن قتلت
***************** عيناهُ ولم تقتل يدُه
يا من جحدت عيناه دمي
***************** وعلى خديه تورده
خداك قد اعترف بدمي
***************** فعلام جفونك تجحِدهُ
إني لأعيذك من قتلي
***************** وأظنك لا تتعمده
بالله هب المشتاق كرى
***************** فلعل خيالك يسعده
ما ضرك لو داويت ضنى
***************** صب يضنيك وتبعده
لم يبقى هواك له رمقاً
***************** فليبك عليه عُوده
وغداً يقضي أن بعد غدٍ
***************** هل من نظرٍ يتزودهُ
يا أهل الشوق لنا شرقٌ
***************** بالدمع يفيض مُوردهُ
يهوي المشتاق لقاءكمو
***************** وصروف الدهر تبعده
ما أحلى الوصل أعذبه
***************** لولا الأيام تنكده
بالبين وبالهجران ، فينا
***************** لفؤادي .. كيف تجلده !

الطارق : رائع ... لم يبقى من شيء إلا شكري لك ...



الهوامش :

* خلط حسن الكرمي صاحب كتاب ( قول على قول ) بين الاثنين فقد سأل عن ما هي قصيدة : يا ليل الصبُ متى غده
فقال : ( أنها للشاعر ( أبي الحسن ) علي بن عبد الغني الضرير المتوفي بالقيروان المعروف ( بأبي اسحاق ) الحُصري القيرواني جامع كتاب ( زهر الأدب ) اهـ
والعجيب أنه قال في البداية ( أبي الحسن ) ثم قال ( أبي اسححاق ) ورغم هذا لم ينتبه لها !!

** أي لم يفرق ا عدى الحرفين من المعتضد إلى المعتمد

المصادر :

( 1 ) وفيات الأعيان : ج3 / ص331 ، 332 .
( 2 ) وفيات الأعيان : ج1 / ص 54
( 3 ) أحلى 20 قصيدة حب : ص188
( 4 ) معجم الأدباء : ج14 : ص41
( 5 ) وفيات الأعيان : ج3 / ص333
( 6 ) معجم الأدباء : 14 / ص 40
( 7 ) وفيات الأعيان : ج3 / ص 332 ، 334
( 8 ) الأعلام : ج 4 / ص 301
( 9 ) قول على قول : ج9 / ص 76 ، 77


الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:52 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#9  
حوار مع المعتمد بن عباد



سلمت على محاوري ووضعت أوراقي على طاولة كانت تفصل بيني وبينه .
كان مطرق برأسه إلى الأرض وهو يتفكر بما جرى له من الأمر .
وقد دار في ذاكرتي قول الشاعر مادحا محاورنا قوله :

جمالٌ وإجمالٌ وسبق وصولة
****************** كشمس الضحى كالمزن كالبرق كالرعد ( 1 )

وبدأ حاورنا هذا :

الطارق : مرحبا بك في حوارنا هذا ...بداية الأمر أحببنا أن تذكر لنا نبذة مختصرة عن شخصكم الكريم ؟!

المعتمد بن عباد : أشكر لك استضافتي وترحيبك هذا .. ( وأخذ نفسا عميق ثم قال : )
أنا محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي ، أبو القاسم ، المعتمد على الله ابن عباد ، صاحب إشبيلية وقرطبة بالأندلس في عصر الطوائف ( 2 )

الطارق : حسنا .. ليس يعنينا من الأمر تاريخ أسرتك وحكمها لأشبيلية .. إلا أننا نختصر هذا أنه برز نجم أسرتك عقب زوال الخلافة الأموية على يد جدك الثاني إسماعيل ابن عباد الذي اعتلى منصب القضاء في أواخر عصر الدولة الأموية وبرز أسمه أكثر بعد انهيار الدولة الأموية وقد ولى ابنه محمد القضاء وقصر هو على رياسة البلد حتى وفاته سنة 414 هـ وكان أول من حكم أشبيلية من أسرتك القاضي محمد إسماعيل ابن عباد الذي أزداد نفوذه منذ سنة 414هـ حتى وفاته سنة 433 هـ وقد أنشأ مملكة كانت هي الأقوى بين ملوك الطواف بالأندلس وورث هذه المملكة والدك عباد بن محمد المعروف بالمعتضد ( 3 )

المعتمد بن عباد : أحسنت .. قد ولدت في عهد جدي محمد بن إسماعيل وذلك سنة 431 هـ في باجة بالأندلس ( 2 )

الطارق : قد ولدت في فترة من الحروب بالأندلس بين ملوك الطوائف وأخص بالذكر والدكم الذي حدثت بينه وبين بني الأفطس ملوك بطليوس وصاحب قرمونة محمد ن عبد الله البرزالي وحروبه مع البربر وسيطرته على حصونهم وثغورهم وغدره بهم بل ومخالفة ابنه إسماعيل عليه وقتله من قبل والدك ( 4 ) ؟!

المعتمد بن عباد : حسنا .. حقيقة حدث هذا من والدي .. إنما أراد والدي أن يسيطر على هذه المناطق والممالك ليقيم دولة قوية بالأندلس ..

الطارق : لكن ألم يكن الأولى لوالدك أن يحارب ملك قشتالة فردلند بدلا من محاربة ملوك الطوائف ، بل على العكس كان يطلب الصلح من الملك القشتالى ويتعهد بدفع الجزية لهذا الحاكم بينما يتفرعن على ملوك الطوائف ؟! ( 5 )

(ولم أجد من المعتمد من رد ممتنعاً عن التعليق .. وخاصة أنه قد ابتلي بهذه السياسة بعد أبيه )

الطارق : وقد سيطر والدك على بأونية وشلطليش التي كانت تحت حكم عبد العزيز البكري والذي تخلى عنها نتيجة ضغط والدك سنة 443 هـ وقد ولاك عليها والدك ، ثم استولى على شلب من ابن المظفر ( 6 )

المعتمد بن عباد : نعم .. وقد انتقلت إليها واتخذتها دار إمارة . وضم والدي
شنت برية إلى إمارتي .

الطارق : قد ملك والدك الكثير من الحصون والمدن كمرسية ومرثلة كما كانت لوالدك حروب مع ملوك غرناطة إلى أن هلك سنة 461 هـ وتوليت الملك ؟!

المعتمد بن عباد : نعم .. وكنت أبلغ من العمر الثلاثين من عمري .. وقد امتلكت في عصري قرطبة سنة 461 هـ وأعدت الاستيلاء على مرسية وضممت بلنسية ( 7 )

الطارق : وقد كان سبب امتلاكك قرطبة استغاثة عبد الملك ابن جهور بك لما حاصره ابن ذي النون حاكم طليطلة فأمديته بجيشك ونصرته على عدوه وداخلت أهالي قرطبة وغدرت به وخلعته واعتقلته بشلطليش إلى أن هلك سنة 472 هـ !؟ ( 8 )

المعتمد بن عباد : لعلك تقصد مقارنة ما حدث لحاكم قرطبة بما حدث لي ؟!

الطارق : نعم .. وكما تدين تدان !!

المعتمد بن عباد : حسنا .... ولكن كان هذا الحاكم ظالما أساء السيرة وكرهه شعبه فحدث له هذا جريرة ظلمه .. ولم أكن يوما ظالما لشعبي فقد كنت حسن السيرة عفيفا بعيد عن القسوة ، شهد لي العلماء بالفضل الشجاعة والعقل والجود والسخاء وكنت عفيف السيف والذيل .. ( 9 )

الطارق : رغم هذا فقد عاديت ملوك الطوائف بالأندلس بينما كنت تدفع ضريبة سنوية لملك قشتالة ؟!

المعتمد بن عباد : نعم .. ولكن أنا من دعا واستنجد بيوسف بن تاشفين ملك المرابطين للأندلس وذلك لمحاربة الأذفونش ( ألفونس السادس ) ملك قشتالة وقلت مقولتي الشهيرة ( رعي الجمال عندي خير من رعي الخنازير ) .

الطارق : لم يحدث هذا إلا بعد أن استولى الأذفونش على طليطلة سنة 478 هـ وبعد أن رد الأذفونش ضريبتك السنوية وأرسل إليك يهددك ويدعوك إلى النزول له عما في يدك من الحصون .. فكتبت إلى يوسف بن تاشفين بعد ذلك ( 2 ) .
كما أن مشايخ الإسلام وفقهاؤه ومطالب الناس قد جعلتك تقبل بالاستعانة بالمرابطين ( 10 )

المعتمد بن عباد : كيف هذا .. لقد قتلت رسول الأذفونش عند تبليغه رسالته لي .. وقبل أن يجتمع علي العلماء .
وبعد اجتماعي بالقاضي عبيد الله بن محمد بن أدهم أمرته ورغم امتناعه بأن يجتمع بيوسف بن تاشفين .. أرسلت ليوسف بن تاشفين أخبره بصورة الحال وأرسلت القاضي للقاء ابن تاشفين بسبتة ( 10 ) بل وحين اجتماعي بالعلماء قلت مقولتي الشهيرة ( رعي الجمال خير من رعي الخنازير ) ( 11 ) .
ويكفيني فخرا ما قدمت في حرب الزلاقة سنة 479 هـ من شجاعة حتى اعترف بهذا جميع المؤرخين ( 12 )
فما بال ابن تاشفين قد غدر بنا ؟!

الطارق : حسنا .. لقد كان لك موقف مشرف في هذه المعركة التي انتصر فيها جيشكم وجيش المرابطين المتحالف على النصارى .. وهذا مما يحسب لك ..
لكن سريعا ما عادت خلافاتكم إلى الظهور مرة أخرى وترددت الفتاوي من بعض الفقهاء العلماء من المشرق مثل أبو حامد الغزالي وأبو بكر الطرطوشي بإنجاد الأندلس من ملوك الطوائف من بينهم أنت ؟! ( 13 )

المعتمد بن عباد : بل غدر بنا يوسف بن تاشفين ، وأول من بدأ به عبد الله بن بلكين حاكم غرناطة واستولى على قصره ، وقد أعجبه حسن بلاد الأندلس وبهجتها ، وقد أطمعه فيها خواصه الذين عظموا بلاد الأندلس في عينيه وحسنوا له أخذها وأغروا قلبه علي بأشياء نقلوها عني فتغير علي وقصدني ، وجهز عساكره بقيادة سير بن أبي بكر الأندلسي لحصاري واعتقالي !!!

الطارق : وقد اعتقلت وأهلك وكان ذلك سنة 484 هـ ، قد قتل لك ولدان هما المأمون والراضي ، وقيدت وحملت عبر السفن ، ثم حملت إلى مراكش
فأمر يوسف بن تاشفين بإرسالك إلى مدينة أغمات ( 14 )

المعتمد بن عباد : نعم .. وقد سجنت في تلك المدينة وأهلي وفعل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أفعال لم يسلكها أحد من قبله فقد سجننا ولم يجري علينا ما يقوم بنا حتى كان بناتي يغزلن للناس بأجرة ينفقونها على أنفسهن ( 15 ).. حتى أن إحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمتي وأنا سلطان على إشبيلية ( 16 ) .

الطارق : وتوفيت في السجن بأغمات وأنت مقيد بساقيك في شوال من سنة 488 هـ
قد نودي في جنازتك بالصلاة على الغريب ، بعد أن كنت عظيم السلطان ( 17 )

المعتمد بن عباد : نعم .. وقد اجتمع عند قبري جماعة من الشعراء الذين كانوا يقصدوني بالمدح أبان حكمي في الأندلس وقد رثوني بقصائد مطولات وأنشدوها عند قبري وبكوني بها ( 17 )

الطارق : الحق يقال أنك تستحق هذه المراثي من هؤلاء الشعراء فقد كنت محط الرحال يقصدك الشعراء والعلماء ، وما أجتمع في باب أحد من الملوك في عصرك ما كان يجتمع في بابك من أعيان الأدباء أبان حكمك .. ( 2 ) ويكيف فخرا تلك المقولة الشهيرة التي قلتها ( رعي الجمال خير من رعي الخنازير ) والتي من النادر أن يؤمن بها أحد من الملوك وأخص بالذكر زماننا هذا .

أشكرك على هذا الحوار ..

المصادر :


( 1 ) وفيات الأعيان : ج5/ص27
( 2 ) الأعلام : ج/ ص181
( 3 ) التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة : ص387-389
( 4 ) تاريخ ابن خلدون : ج4 / ص 188
( 5 ) التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة : ص389
( 6 ) تاريخ ابن خلدون : ج4 / ص189
( 7 ) الموسوعة العربية الميسرة : ج 2 / ص 1718
( 8 ) تاريخ ابن خلدون : ج4 / ص 191
( 9 ) التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة : ص390
( 10 ) وفيات الأعيان : ج5/ ص28
( 11 ) التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة : ص392
( 12 ) الكامل في التاريخ : حوادث سنة 479 هـ
( 14 ) وفيات الأعيان : ج5 / ص32
( 13 ) التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة : ص422
( 15 ) الكامل في التاريخ : حوادث سنة 484 هـ
( 16 ) وفيات الأعيان : ج5 ص35
( 17 ) وفيات الأعيان : ج5 / ص37



الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 07:55 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#10  
حوار مع ياقوت الحموي


سلت على محاوري ووضعت أوراقي على طاولة تفصل بيني وبينه
وبدأت بسؤالي الأول عن أسمه وشهرته وما عرف به :

ياقوت الحموي :أسمي ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله ، شهاب الدين ، مؤرخ ثقة ومن أئمة الجغرافيين ومن العلماء باللغة والأدب ( 1 )

الطارق : من المعروف أنك تعود في أصولك إلى بلاد الروم ، فأحببنا أن توضح كيف نسبت إلى حماة مع أنك رومي الأصل ؟!

ياقوت الحموي : حسناً .. ولدت سنة 574هـ تقريباً ، وكان أصلي من الروم وأسرت في صغري وابتاعني ببغداد تاجر اسمه عسكر بن إبراهيم الحموي فرباني وعلمني ونسبت له ( 1 )

الطارق : حسنا .. أحببنا أن تحدثا عن نشأتك وعلاقتك بمولاك عسكر ؟!

ياقوت الحموي : حسنا .. كان مولاي عسكر لا يحسن الخط لا يعلم شيئا سوى التجارة فجعلني في الكتاب لينتفع بي في ضبط تجارته ،
ولما كبرت قرأت النحو واللغة وقد كان أحد أهم شيخ لي والذي به تخرجت وعليه قرأت المبارك بن دهان الضرير المعروف بالوجيه وقد أخذت عنه العلم ( 2 )... فشغلني مولاي بالأسفار في متاجره فكنت أتردد إلى كيش ( جزيرة بالخليج ) وعُمان وتلك النواحي وأعود إلى الشام .. ( 3 )

الطارق : وقد أعتقك مولاك في سنة 596هـ واستغنى عن خدماتك !!

ياقوت الحموي : حدث هذا بالفعل وقد اشتغلت في هذه الفترة بنسخ الكتب بالأجرة إلا أن عطف علي مولاي وأعطاني شيئا من المال وسفرني إلى كيش للتجارة ،، ولما عدت كان مولاي قد مات فحصلت شيئا مما كان معي من تجارته وأعطيت أولاد مولاي وزوجته حتى أرضيتهم * وجعلت من ما أخذته رأس مال وأخذت أتاجر بالكتب ( 4 )

الطارق : وأخذت تسافر من بلد لأخر !؟

ياقوت الحموي : نعم ... فقد كنت في سنة 612هـ في مصر ( 5 ) و توجهت إلى دمشق سنة 613 هـ وقعدت في بعض أسواقها ..

الطارق ( وقد قاطعته ) : وحدث لك موقفا في دمشق كدت أن تهلك بسببه ؟!

ياقوت الحموي : لعلك تقصد مناظرتي لأحد المتعصبين لعلى رضي الله عنه !؟

الطارق : هو ذلك ،،

ياقوت الحموي : حسناً .. حدث ذلك فقد ناظرت أحد المتعصبين لعلي رضي الله عنه ، جرى بيننا كلام أدى إلى ذكر علي رضي الله عنه بما لا يسوغ - وكان هذا والله نتيجة قراءتي لكتب الخوارج وأن كنت قد تبت عن هذا وترى ذلك في كتبي - فثار الناس علي وكدت أن أهلك والله لولا أن لطف الله علي وخرجت من دمشق هاربا من الناس والي البلد ، ووصلت إلى حلب خائفاً مترقبا .... ( 6 )

الطارق : وتعرفت على الوزير الأكرم في تلك الفترة ؟!

ياقوت الحموي : نعم .. وكان يشتري الكتب مني فلم أر مع اشتمالي على الكتب وبيعي لها وتجارتي فيها أشد اهتماما منه بها ولا أكثر حرصا منه على اقتنائها ( 7 )

الطارق : حسنا ولم تبقى كثيرا في حلب ؟!

ياقوت الحموي : نعم ..فقد خرجت من حلب في جماد الثاني من سنة 613 هـ . و وصلت إلى الموصل ومن بعدها إربل وسلكت من بعدها إلى خرسان وأقمت بها وأعمل بالتجارة واستوطنت مدينة مرو مدة ، ثم خرجت إلى نسا وخوارزم ... ( 8 )

الطارق : وكان ذلك سنة 616هـ وقد صادف وصولك إلى خوارزم هجوم التتر ( المغول ) ؟!

ياقوت الحموي : نعم .. وقد هربت بنفسي وتركت كل ما أملك وقاسيت في الطريق من المضايقة والتعب ما لى حد له ووصلت إلى الموصل وأقمت بها مدة مديدة وقد تقطعت بي الأسباب وأوعزني القوت وكتبت رسالة للوزير الأكرم اصف ما جرى لي وفراري من التتر ( المغول ) وقد كتبتها من الموصل سنة 617هـ ( 9 )
ثم انتقلت إلى سنجار وارتحلت من بعدها إلى حلب وأقمت في ظاهرها في الخان إلى أن توفيت سنة 626 هـ ( 10 )

الطارق :حسناً ..أحببنا أن تذكر لنا بعض كتبك ؟!

ياقوت الحموي : ألفت الكثير من الكتب والتي تعد أحد أهم الكتب في تراث المسلمون فقد ألفت :

( معجم البلدان ) : وهو كتاب في البلدان وكان الباعث لتأليفي هذا الكتاب أني سُئلت بمرو في سنة 615هـ عن سوق حباشة في الحديث أهو بضم الحاء أو فتحها فقلت أنها بضم الحاء قياسا على أصل هذه اللفظة في اللغة ، لأن الحُباشة : الجماعة من الناس من قبائل شتى ، فنبرى لي رجل من المحدثين وقال إنما هو حباشة بالفتح ، صمم على ذلك وكابر ، من غير حجة فأردت قطع الاحتجاج بالنقل من الكتب فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب
وكان موافقا لما قلته ، فألقي حينئذ في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطا بالاتقان وتصحيح الألفاظ بالتقييد مخطوطا فألفت هذا الكتاب ( 11 )
وهو في خمسة مجلدات وقد طلب بعض الطلاب اختصار هذا الكتاب مرارا فأبيت وأهديت نسخة من كتابي هذا للوزير الأكرم ( 12 ) **

الطارق : ( الكتاب خلاصة وافية للجغرافية الفلكية والوصفية واللغوية الرحلات التي تجمعت خلال القرون الستة الأولى للهجرة )
وقد وزعت اهتمامك على كل جهات العالم المعروف وتميزت بذكرك للمصادر التي استقيت معلوماتك منها وقد حفظت لنا الكثير من أسماء الكتب التي فقدت ( 13 ) حسنا نكمل كتبك الآخرة ،،

ياقوت الحموي : نعم :
( إرشاد الأريب أو الكتاب المعروف بمعجم الأدباء ) : وفيه الكثير من تراجم الأداء والمشاهير

المشترك وضعا والمفترق صقعا : وهو كتاب في البلدان ،
المقتضب من كتاب جمهرة النسب و( المبدأ والمآل ) و( كتاب الدول ) و ( أخبار المتنبي ) و( معجم الشعراء ) ( 14 )
وقد وقفت كتبي على أحد مساجد بغداد وسلمتها للشيخ والمؤرخ الشهير عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير فحملها إلى هناك ( 15 )

الطارق : حسنا لم يبقى شيء ،،، شكرا لك ،،

الهوامش :

* تحدث ياقوت الحموي عن هذه القصة في معجم البلدان وقال أن أحد قضاة بغداد أن كنت أذكر قد أنصفه في هذه القضية ولا أذكر في أي موضع من معجم البلدان لأعود له

**( يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان المجلد الأول ص15 أنه شرع في تبييض الكتاب في ليلة إحدى وعشرين من محرم سنة خمس وعشرين وستمائة ، و يقول في المجلد الخامس ص457 وكان فراغي من هذه المسودة في العشرين من صفر سنة 621 هـ بثغر حلب )


المصـــادر

( 1 ) الأعلام : ج8 /ص131
( 2 ) معجم الأدباء : ج17/ص 59
( 3 ) وفيات الأعلام : ج6/ص127
( 4 ) وفيات الأعيان : ج 6 / ص127
( 5 ) معجم الأدباء : ج1 : ص199
( 6 ) وفيات الأعيان : ج6 / ص128
( 7 ) معجم الأدباء ج15/ص 179 ، 188 .
( 8 ) وفيات الأعيان : ج 6 : ص128
( 9 ) وفيات الأعيان : ج6/ ص 129-138
( 10 ) وفيات الأعيان : ج6/ص128
( 11 ) معجم البلدان : ج1 / ص10
( 12 ) معجم البلدان : ج1 / ص 13-15
( 13 ) تاريخ العلوم عند العرب : ص 276
( 14 ) الأعلام : ج8 : 131
(15 ) وفيات الأعيان : ج6/ص139


الطارق غير متصل قديم 16-08-2001 , 11:04 PM
البحاري البحاري غير متصل    
مبدع فائق التميز السعودية  
المشاركات: 6,857
#11  

صباح الخير .. الطارق

رحلة سياحية ثقافية جميلة .. تعودنا ان تاخذنا فيها دائما

تحياتي :)

البحاري غير متصل قديم 17-08-2001 , 02:28 AM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#12  
جعل الله أيامك خير وسعد
تسلم أخوي البحاري :)

تحياتيـ:):):)

الطارق غير متصل قديم 17-08-2001 , 07:35 AM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#13  
حوار مع أحمد أمين ( 1-3 )



الطارق : أرحب بك في حوارنا هذا .. وأبدأ بسؤالي الأول بالتعريف بنفسك اختصارا ؟!

أحمد أمين : أسمي أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ ، عالم بالأدب ومن كبار الكتاب في عصر العرب الحديث ( 1 )

الطارق : بداية الأمر أحببت أن أوضح أن أسمك هو أحمد أمين وأسم والدك إبراهيم ، وقد لا يعلم الكثير بهذه المعلومة ؟!

أحمد أمين : هذا صحيح فأسمي مركب من هذين الاسمين وهما أحمد وأمين ...

الطارق : حسنا .. أحببنا أن تخبرنا عن مولدك ونشأتك ؟!

أحمد أمين : نعم .. ولدت سنة 1295هـ الموافق لـ 1878 م في القاهرة بحي المنشية في حارة أسمها حارة العيادية .
وكانت حالتنا المادية جيدة فقد كان والدي مدرسا في الأزهر ومدرسا في مسجد الأمام الشافعي وأمام مسجد ويتقاضى من كل ذلك مبلغا لا بأس به .
وقد كان والدي مولعا بالكتب في مختلف العلوم قد مكنه عمله مصححا في المطبعة الأميرية أن يقتني الكثير مما طبع فيها ، وقد كانت هذه المكتبة التي لدى والدي أكبر متعة لي في صباي ، واتخذتها نواة لمكتبتي فيما بعد ( 2 )

الطارق : أهتم والدك بتعليمك تنشئتك نشأة دينية ؟!

أحمد أمين : نعم ، وقد كنت رابع أبنا لوالدي ، ولم يهتم بتعليم أخواني كاهتمامه بي ، وكان طبيعيا أن أربى تربية دينية ووالدي من درس في الأزهر ، مع شدة وحزم من والدي في تربيتي ( 3 ) .

الطارق : أحببنا أن تذكر رؤية رأتها والدتك في منامها تنبأت بنجاحك في حياتك ؟!

أحمد أمين : نعم .. رأت والدتي في ليلة في منامها أني كنت بجانبها أسير معها ، فدخلنا بيتا فتح لنا فيه كنز ، وإذا غرف مملوءة ذهبا فأمرتني أن أملأ حجري منه على عجل ، فقال لها الملك الموكل بالكنز : لا تعجلي فكل هذا لابنك هذا ، ففرحت والدتي بهذا الحلم واستبشرت به ( 4 )

الطارق : حسنا ، أحببنا أن تخبرنا عن بدياتك التعليمية ؟!

أحمد أمين : نعم .. كعادة التعليم في ذلك الزمن بدأت في الكتاب ، قد عانيت الكثير من الكتاب بل وكرهت طريقة التعليم هذه مما لقينا منها من ضرب ( الفلقة ) وغرابة أطوار سيدنا معلم الكتاب ، ورغم هذا فقد استمريت في الكتاتيب مدة خمس سنوات ( 5 )
ثم أدخلني والدي مدرسة ( أم عباس ) وكانت مدرسة فخمة وقد استمريت في دراستي في هذه المدرسة حتى السنة الرابعة فأخرجني والدي من هذه المدرسة وأدخلني إلى الأزهر ( 6 )

الطارق : ومع هذا فقد أهتم الدك بتعليمك في هذه الفترة وتدريسك بنفسه ؟!

أحمد أمين : نعم .. وقد وضع لي جدول مرهق عجبت من تحملي آيها ( 6 )

الطارق : حسنا .. وقد تعلمت في الأزهر بعد ذلك ؟!

أحمد أمين : نعم .. وقد كنت أبلغ من العمر الرابعة عشرة وقد قرأت لمدة قصيرة في الأزهر حتى قرأت أعلانا في أحد الجرائد عن حاجة الجمعية الخيرية الإسلامية إلى مدرسين للغة العربية بمدارسها وقدمت نفسي وامتحنت ونجحت وعينت بطنطا وكان عمري في السادس عشر ( 7 )

الطارق : وكانت هذه أول تجربة لك في السفر ؟!

أحمد أمين : نعم .. فلم أركب القطار في عمري ، ولا رأيت الأهرام ، ودنياي هي بيتي والأزهر .
وحزمت متاعي وذلك بعد موافقة والدي ، ونزلت محطة طنطا حائرا مرتبكا لا أدري ماذا أصنع بيت أدرس مدة من الزمن في طنطا حتى مللت ذلك وحاولت أن أنقل من طنطا للقاهرة فلم استطع فاستقلت ورجعت إلى الأزهر مرة أخرى ( 8 )

الطارق : حسنا .. وماذا جرى بعد ذلك ؟!

أحمد أمين : بقيت في الأزهر مدة من الزمن وتفوقت في دراستي ، وكان ذلك بفضل والدي الذي استفدت من علمه ووجهني للكثير من الكتب المهمة وحببني للقراءة في مكتبته ، وقد تفوقت بسبب ذلك .
ورغم هذا فلم أكن مرتاحا لدراستي في الأزهر ، وقد رأيت بعض زملائي يقدمون في مدرسة دار العلوم فقدمت مثلهم ، لكن كان من السوء أن لا يقبل أحد إلا بعد الكشف الطبي وكان من السوء أني قصير النظر ومنذ صغري ، ورثت هذا عن والدتي فذهبت إلى أكبر طبيب إنجليزي وكتب إلي أضخم نظارة تناسب عيني ، ورغم هذا فقد فشلت في الامتحان ( 9 )
وفي الثامنة عشر من عمري اطلعت على إعلان في وزارة المعارف تطلب في مدرسين فتقدمت للامتحان ونجحت ، وكان من نصبي التدريس في مدرسة بالإسكندرية أسمها مدرسة راتب باشا .
وقد بقيت فيها مدة سنتين ، وكان أعظم ما كسبته بها تعرفي بشخص أثر في هو الشيخ عبد الحكيم بن محمد وقد كان تأثيره كبيرا في تلك المرحلة من حياتي كما تأججت عاطفتي الوطنية بعد حادث دنشواي الشهيرة سنة 1906 م . ( 10 )

الطارق : وقد عينت بعد ذلك في مدرسة ( أم عباس ) بعد سعاية والدك في ذلك ؟!

أحمد أمين : نعم … وقد فرحت بهذا فرحا شديد وكان عودتي لها بعد غيبة ستة سنوات ، وقد توسعت وكبرت هذه المدرسة .
وقد مرضت في تلك السنة بحمى التيفود وكدت أن أهلك ، ونجوت بأعجوبة . ( 11 )
ولم أمكث في هذه المدرسة إلا سنة في سنة 1907 م فقد تقرر فتح مدرسة القضاء الشرعي وتقدمت للدراسة في هذه المدرسة ولم أقبل إلا بشق الأنفس وسبب هذا ضعف نظري الذي ابتليت به .. ( 12 )


المصادر

( 1 ) الأعلام ( الزركلي ) : ج1 /ص101
( 2 ) حياتي ( أحمد أمين ) : ص56-61
( 3 ) حياتي : ص63-64
( 4 ) حياتي : ص254
( 5 ) حياتي : ص 81 ، 82
( 6 ) حياتي : ص 85-89
( 7 ) حياتي : ص90 ، 99 – 101
( 8 ) حياتي : 101 –103
( 9 ) حياتي : ص103 ، 104
( 10 ) حياتي : 105 –112
( 11 ) حياتي ص 113 ، 114
( 12 ) حياتي : ص114 ، 115


الطارق غير متصل قديم 31-08-2001 , 02:01 AM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#14  
حوار مع أحمد أمين ( 2-3 )


الطارق : وكان ناظر ( مدير ) المدرسة عاطف بك بركات ، الذي كان له دور في حياتك ؟!

أحمد أمين : نعم .. فقد كنت اعتبره الأب الروحي الثاني بعد والدي .
قد عيني بعد تخرجي معيدا في هذه المدرسة ، واختارني معيدا معه في دروس الأخلاق وقد كان هذا سببا في اتصالي وتعلقي به سنين ( 13 )

الطارق : وقد أخذت العلوم في هذه المدرسة من مشاهير ذلك العصر في القاهرة ومن المستشرقين ؟!

أحمد أمين : نعم .. مثل الشيخ الخضري و الشيخ المهدي أحمد فهمي العمروسي بك وعلي بك فوزي ومحمد بك زكي وأحمد بك أمين وناظرنا عاطف بك بركات ومن المستشرقين الأستاذ نللينو وغيرهم ( 14 )

الطارق : وقد حدث في أثناء دراستك فاجعتان في حياتك في تلك الفترة في ما يخص أسرتك ؟!

أحمد أمين : نعم .. فد توفي أخوي في تلك الفترة فقد توفي أخي الأصغر الذي يبلغ من العمر ستة عشر نتيجة الحمى التيفودية ، وقد أصاب أهلي الحزن بسب هذه الحادثة .
ثم توفي أخي الأكبر في الخامسة والثلاثين من عمره من شلل أصابه بعد انفجار في المخ ولم يبقى طويلا حتى توفي ( 15)

الطارق : حسنا .. هي الدنيا هكذا ... نكمل موضوعنا .. تخرجت من مدرسة القضاء وعينت معيدا كما ذكرنا من قبل .. نود أن تكمل ماذا حدث بعد ذلك ؟!

أحمد أمين : نعم بقيت مدرسة في هذه المدرة مدة سنتين من الزمن .. كما أني أخذت أتعلم في تلك الفترة الفرنسية لم أتقنها ، وكنت في تلك الفترة مدرس ولكني لست ثابتا على وظيفتي فد عينت ( ظهورات ) أي مستخدما في اصطلاحاتكم وليست لي ضمانات في بقائي في الوظيفة إذ يكفي إشارة من الرئيس بالاستغناء عني فيستغنى وكان سبب ذلك أني لم أنجح في الكشف الطبي لقصر النظر ، ففكر عاطف بك ولمصلحتي أن أعين قاضيا لمدة قصيرة وهذا لا يحتاج إلى كشف طبي ، فإذا عينت قاضيا كنت مثبتا ، فإذا انتقلت إلى مدرسة القضاء نقلت مثبتا ، وكذلك كان ، لكن من سوء الحظ أني نقلت قاضيا في الواحات الخارجة ( 16 )

الطارق : وبقيت فيها ثلاثة أشهر من سنة 1913 ، وقد كتبت مذكرات يومية في تلك الفترة ؟!

أحمد أمين : نعم .. ربما سبب ذلك الفراغ .. وقد ملأت فراغي بشيئين هما الرحلات إلى الآثار الموجودة بالخارجة و قراءتي الكتب ( 17 )
وعدت إلا مدرس القضاء مرة أخرى وفي هذه الفترة بدأت أحس بحاجتي لتعلم اللغة الإنجليزية وتعلمتها ( 18 )

الطارق : وفي سنة 1914 م أنشأت أنت وعدة متخرجين من الشباب يحملون ثقافة متنوعة أنشأتم عدة لجان لدراسة مصر من نواحيها المختلفة وبالفعل وفُعلت اللجان ولكن عصف الرياح باللجان ولم يبقى إلا لجنة ( التأليف والترجمة والشر ) التي كنت أنت على رأسها ؟!

أحمد أمين : نعم .. وقد طبعت من الكتب أكثر من مائتي كتب ، وقد لبثت طوال حياتي رئيسا لهذه اللجنة يعاد انتخابي كل سنة .. أزداد عدد أعضاءها ، وأسست لها مطبعة خاصة ، وأسست مجلة أسمها الثقافة استمرت أربعة عشر عاما حتى أوقفتها سنة 1953 م قد شغلت هذه اللجنة جزءاً كبيرا من حياتي ( 19 )

الطارق : وكنت هناك لقاءات مع نخبة من المثقفين من بينهم الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر فيما بعد ومنصور والأستاذ فهمي وعزيز مرهم والأستاذ محمد كامل البنداري والدكتور محمد عزمي وكامل بك حسين الأستاذ عبد الحميد حمدي غيرهم ؟!

أحمد أمين : نعم .. وقد كان جميع هؤلاء ممن يحمل ثقافة إنجليزية أو ثقافة فرنسية ، وكنا نتدارس الأحوال الاجتماعية ، ونتجادل في قضايا السفور والحجاب وكانت تلك القضية تثير الكثير من الجدل في زماننا ، وكان لا يخلو الأمر من حضور بعض السيدات الفرنسيات زوجات بعض المصريين .
وكنا نجلس يوما مع نخبة من هذه الجماعة كان أحدها يصدر جريدة أسمها ( السفور ) يدافع فيها عن رأي قاسم أمين فدعانا أن نساهم معه فقبلنا العرض وكنا نجتمع يومين أو ثلاثة في الأسبوع ونقرأ ما حرره كل منا من مقالة ، وجهدت أن أكتب مقالة كل أسبوع فكان ذلك أول عهدي بالصحافة والكتابة ، وكان ذلك سنة 1918 ( 20 )

الطارق : حسنا سنتحدث عن حياتك .. فقد تزوجت سنة 1916 م وكنت في التاسعة والعشرين من عمرك ؟!

أحمد أمين : نعم .. ولم أشاهد زوجتي إلا حين زواجي بها .. وقد حمدت الله على ما وهب فرزقت ولله الحمد بعشرة أبناء مات منهما اثنان في الطفولة وهم ستة أبناء بنتان ..

الطارق : كان من رأيك الإقتصار على ولد أو ولدين .؟!

أحمد أمين ( رد ضاحكا ) : زوجتي لم ترى هذا الرأي ، وقد نصحتها بعض قريباتها بالمثل المشهور ( قصيه لئلا يطير ) ( 21 )

الطارق : في تلك الفترة أثناء الحرب العالمية الأولى ، كان الوضع مضطرب في مصر فقد خلع الخديوي عباس وأعلنت بريطانيا الحماية على مصر وولي الأمير حسين كامل سلطان مصر ، وقد ربى هذا الشعور الوطني في قلوب الكثير من الشعب المصري ، وقد أثر فيك هذا وكان لك مواقف .. أحببنا ذكرها ؟!

أحمد أمين : نعم .. فما أن انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1918 م حتى طالب الكثير بجلاء بريطانيا من مصر وخاصة أنها وعدت بذلك بعد الحرب ، إلا أنه خاب أملنا من ذلك فقد بقت الأحكام العرفية تطبق كما تدهورت الحالة الاقتصادية واحتكرت بريطانيا محصول القطن ، فاتجهت أفكار بعض الزعماء إلى مطالبة الإنجليز بالوفاء بوعدهم وتألف الوفد بقيادة سعد زغلول .
فقبض عليه وعلى بعض من أصحابه فثارت المظاهرات في مصر
واشتدت الحركة الوطنية في كل مكان .
كما أن جمعيتنا الثقافية والتي كانت تخرج جريدة ( السفور ) انتدبت اثنين كنت أحدهما لمقابلة سعد زغلول على أن لنا ممثل في الوفد إلا أنه كان مشغولا عنا فقابلنا أحمد لطفي السيد الذي عر اقتراحنا على سعد زغلول الذي اختار الشيخ مصطفى عبد الزاق الذي اعتذر بعد ذلك بعد أن شاور أسرته .
ولما شغلت ثورة 1919م كنت من المتصلين بعبد الرحمن فهمي سكرتير الوفد فأختارني للإشراف على عملين هما إلقاء الخطابة السياسية وكتابة المنشورات .
كما كنت شديد الصلة بسكرتير سعد باشا زغلول و كامل بك سليم فلما أطلق سراح سعد زغلول وذهب كامل بك مع الوفد إلى باريس كان علي أن أصف الحالة في مصر من حين إلى لآخر وأرسل بذلك تقارير إلى سكرتير سعد باشا ليطلع عليها ، وكانت هذه سببا في معرفة سعد باشا بي فكثر اتصالي به ( 22 )

الطارق : وقد اشتدت الحركة الوطنية حتى في مدرسة القضاء ، وكان هذا سبب في استقالتك منها ؟!

أحمد أمين : نعم .. فقد افلت زمامها من يد عاطف بك واشتدت المظاهرات فيها ، فاتهم عاطف بك بأنه مدبر للمظاهرات وقرر في مجلس الوزراء أثناء وزارة نسيم باشا وقد كانت وزارته ليس على وفاق مع سعد باشا إحالة عاطف بك على المعاش .
وعين للمدرسة ناظر جديد ، وكانت علاقتي مع عاطف بك متميزة كما ذكرت من قبل فلم استقبل الناظر الجديد ولم اقطع علاقتي بعاطف بك ، فكرهني هذا الناظر أشد الكره ، وساءت حالتي بالمدرسة ، وحدث أن قرر جلس الإدارة يوما تعيين متخرج من مدرسة القضاء مدرسا بالمدرسة بشرط أن ألا يدرس الفقه ، فرأيت أن هذا القرار لا يجوز لأنه يمس مدرسة القضاء في الصميم ، فتحدثت بذلك مع المدرسين والطلبة وترتب على ذلك أن هاج الطلبة لما سمعوا كلامي ، وبلغ ذلك الناظر الجديد فلتقى بوزارة عدلي باشا وأبان أنه لا يستطيع العمل معي فأصدر أمره بنقلي إلى القضاء فعينت قاضيا في محكمة قويسنا ( 23 )

الطارق : وقد قضيت حوالي 15 سنة ما بين طالب ومدرس في هذه المدرسة ، قطعا ليس هذا بالسهل أن تغادرها ؟!

أحمد أمين : نعم لا شك في ذلك فقد قضيت فيها زهرة العمر ، نلت فيها أكثر ثقافي وجربت فيها الكثير من التجارب ولقيت فيها أكبر الشخصيات التي أثرت في نفسي ، وطبعت فيها بطابع لازمني طوال حياتي ، دخلتها مغمض العينين وخرجت منها أخر ، لذلك بكيت عليها كما أبكي على فقد أب أو أم أو أخ شقيق ومما آلمني أني تركت التدريس وهو ما أحبه إلى القضاء وهو ما لا أحبه ( 23 )

الطارق : وبقيت في القضاء أربع سنين سنة في قوسينا ، وسنة في طوخ وسنتين في محكمة الأزبكية .. وقد توفي في تلك الفترة والدك ؟!

أحمد أمين : نعم فقد توفي وكنت قاض في قويسنا وكان يبلغ ممن العمر ثمانين سنة رحمة الله ، فقد كان له دورا كبير في تعليمي منذ الصغر ( 24 )

المصادر :

( 13 ) حياتي : ص138
( 14 ) حياتي : ص119 –125
( 15) حياتي : ص134 –137
( 16 ) حياتي : ص141 ،142
( 17 ) حياتي : ص150
( 18 ) حياتي : 153 – 159
( 19 ) حياتي : ص 165 ، 166
( 20 ) حياتي : ص 172 ،173
( 21 ) حياتي : ص 177 –181
( 22 ) حياتي : ص185-187
( 23 ) حياتي : ض188 ، 189
( 24 ) حياتي : 190 ، 193


الطارق غير متصل قديم 31-08-2001 , 02:05 AM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#15  
حوار مع أحمد أمين ( 3-3 )
الطارق : وفي سنة 1926 م عينت مدرسا بكلي الأداب ؟!

أحمد أمين : نعم .. فقد اتصل بي صديقي الدكتور طه حسين وأنا قاضي بمحكمة الأزبكية وطلب مقابلتي .. فذهبت إليه وعرض على أن أكون مدرسا بهذه الكلية ، فترددت قليلا ثم قبلت ، وأخذت أدرس الأدب والنحو .
وكنت الوحيد المعمم من بين جميع أساتذة الكلية ، حتى أزحت عمامتي بعد ذلك بعد محاورة بيني وبين صديق لي ( 25 )
وفي هذه المرحلة ألفت سلسلة كتبي الشهيرة في دراسة الحياة الإسلامية قد اتفقت أنا وطه حسين وعبد الحميد العبادي لمشروع واسع ندرس فيه الحياة الإسلامية من نواحيها الخاصة بالحياة الأدبية ويختص بها طه حسين ويختص العبادي بالحياة التاريخية بينما اختص أنا بالحياة العقلية .
وقد بدأت بتأليف كتابي هذا وهو فجر الإسلام الذي أنهيته سنة 1928 م وقد لقيت من استحسان الناس وتقديرهم ما دفعني لإكمال هذه السلسلة فأخرجت ضحى الإسلام في ثلاث أجزاء في نحو سنتين ( 26 )

الطارق : وفقد هيأت لك الجامعة فرص السفر والترحال وكان لك عدة رحلات خارج صر ؟!

أحمد أمين : ننعم .. فقد كانت أول سفرة لي لاستنبول بتركيا وكان ذلك سنة 1928 م ، ثم رحلة للشام وكان ذلك سنة 1930 م ، وقد آلمني ما رأيت في فلسطين من تنازع الأحزاب على المصالح الشخصية ونرى مستعمرات الصهيونية ونستمع إلى بعض الأحاديث عن منشآتهم في مستعمراتهم ، فنستشعر الخوف من المستقبل ، ونزور المسجد الأقصى والبحر الميت وسوريا ودمشق وحلب ومعرة النعمان حيث أبي العلاء المعري ومن ثم حماة ، من ثم بيروت ونعود على الباخرة إلى الإسكندرية .
رحل أخرى إلى سوريا والعراق وقد دعانا فيها ملك العراق في ذلك العهد الملك فيصل . ( 27 )

الطارق : وقد نقم عليك شيعة العراق في كتابك عن الشيعة في فجر الإسلام ؟!

أحمد أمين : نعم وقد نقدوا على في هذه الرحلة بعد تأليفي ذلك الكتاب ، وقد نقموا علي أني لم أخذ بمصادرهم وأني استندت في ما كتبت على كتب خصومهم ، لما ألفت كتاب ضحى الإسلام ونقدت بعض آرائهم نقدا عقليا نزيها مستندا على كتبهم غضبوا أيضا ( 28 )

الطارق : حسنا نكمل رحلاتك ؟!

أحمد أمين : نعم .. سافرت إلى الحجاز سنة 1937 م مع بعثة الجامعة المصرية ، كما زرت أوروبا وذلك بعد أن اختارتني الجامعة للمشاركة في مؤتمر المستشرقين الذي عقد في ليدن بهولندا كما زرت فرنسا سنة 1932 م وبريطانيا
كما رحلت مرة أخرى سنة 1938 م فقد اختارتني الجامعة أيضا عضو في مؤتمر المستشرقين في بروكسل عاصمة بلجيكا وزرت إيطاليا وفرنسا وسويسرا ( 29 )

الطارق : عينت سنة 1939 م عميد لكلية الآداب ؟!

أحمد أمين : نعم .. وقد بقيت فيها مدة سنتين رغم أن العمادة تمتد ثلاث سنين ، إلى أنه حدث خلاف بين وبين وزير المعارف طه حسين فقدمت استقالتي من العمادة ، وفي تتلك الفترة أكملت سلسلتي عن الحياة العلية بكتاب ظهر الإسلام ( 30 )

الطارق : قد توفيت والدتك سنة 1936 م ( 31 )

أحمد أمين : نعم ... رحمها الله ..

الطارق : واشتركت في إخراج مجلة الرسالة الشهيرة سنة 1933 م مع الأستاذ أحمد حسن الزيات مع بعض أصدقائك من لجنة التأليف ( 32 ) وكنت تكتب مقالا أسبوعيا في هذه المجلة .. حتى عينت مديرا للإدارة الثقافية بوزارة المعارف ؟!

أحمد أمين : نعم .. وكان ذلك سنة 1945 م ، وكان أعظم إنجاز قمت به هو إنشاء الجامعات الشعبية ، ونجحت الفكرة وانتشرت في جميع الأقاليم ..

الطارق : وفي سنة 1946 م أحلت على المعاش بعد أن بلغت الستين من العمر ، ورغم هذا بغيت رئيس للجة التأليف ، إلا أنه عينت مديرا للإدارة الثقافية بالجامعة العربية ؟!

أحمد أمين : نعم .. وقد قمنا بإنشاء معهد للمخطوطات ، وعملنا على أن نصور كل المخطوطات القديمة في العالم على أفلام صغيرة ، ونصور أهم المخطوطات في دار الكتب وفي الجامعة المصرية وفي بلدية الإسكندرية وسوهاج ، ونضع خططا للتعاون الثقافي .
وقد تم تحضير لمؤتمر ثقافي يبحث في مناهج اللغة العربية ومؤتمر أخر للآثار الشرقية ، وعقد هذا المؤتمر في بيت مري في لبنان في سنة 1947 م ومؤتمر الآثار في دمشق ( 33 )

الطارق : وفي سنة 1948 م منحت الدكتوراه الفخرية ولقبت بالدكتور أحمد أمين ومنحت جائزة فؤاد الأول ، في نفس هذه السنة عدت للتدريس ؟!

أحمد أمين : نعم .. فقد أنشأ في الجامعة نظام ( الأستاذ غير المتفرغ ) فعينت أستاذ غير متفرغ مع من عين في كلية التربية ( 34 )

الطارق : في سنة 1954 م الموافق لـ 1373 هـ كانت وفاتك بالقاهرة ، وقد ألفت العديد من الكتب أحببنا ذكرها في النهاية ؟!

أحمد أمين : أحسنت .. ألفت عدة كتب هي :

-كتاب ( في الخاطر ي مجموع مقالاتي في المجلات والصحف ولا سيما مجلة ( الرسالة ) و ( الثقافة ) وهو في عشر مجلدات .
و ( فجر الإسلام ) و ( ضحى الإسلام ) و ( ظهر الإسلام ) و ( يوم الإسلام )
( النقد الأدبي ) جزآن
( زعماء الإصلاح في العصر الحديث )
و ( إلى والدي ) و ( حياتي ) و ( قاموس العادات )
و ( الصعلكة والفتوة في الإسلام ) و ( مبادئ الفلسفة ) وهو كتاب مترجم .

الطارق : حسنا لم يبقى شيء إلا أن نشكرك على هذا الحوار ...
شكر لك ….

المصادر :

( 25 ) حياتي : ص199 ، 200
( 26 ) حياتي : ص202 ، 203
( 27 ) حياتي : ص 205 –234
( 28 ) حياتي ص229 ، 230
( 29 ) حياتي : 232 –240
( 30 ) حياتي : ص248 ، 249
( 31 ) حياتي : ص253
( 32 ) حياتي ص256
( 33 ) حياتي : 261-270
( 34 ) حياتي : ص282 ، 283


الطارق غير متصل قديم 31-08-2001 , 02:07 AM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#16  
حوار مع ابن خلدون ( 1-5 )
ما أن دلفت على محاوري ذو اللباس المغربي والوجه الوسيم علامات

الذكاء والنبوغ البينة على عينيه حتى سلمت عليه ورحبت به

وأعلنت له افتخاري بهذا اللقاء

فرحب بي بدوره وشكر لي ضيافتي له ..

الطارق : أحببنا أن تعرف لنا جزاء مختصر من تاريخ أسرتك العريقة الذي كان لها دورا في التاريخ ؟!

ابن خلدون : نعم .. يعد نسب أسرة ابن خلدون إلى أصل يماني حضرمي ويعود نسبها في الإسلام إلى وائل بن حجر وهو صحابي معروف وفد إلى الرسول صلى الله وعليه وسلم بسط له الرسول رداءه وأجلسه عليه وقال : ( اللهم بارك في وائل بن حجر وولده وولد ولده إلى يوم القيامة )
و بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم مع معاوية إلى اليمن يعلمهم القرآن والإسلام ( 1 )

وقد اشتهرت آسرتنا بالأندلس .. وكان أول من دخلها خالد بن عثمان وقد عرف بخلدون ( 2 )

الطارق : لا يعرف متى دخل ابن خلدون هذا الأندلس ،، فيتضح من ما ذكره ابن حزم في كتاب عن أسرة ابن خلدون انه حدث هذا في بداية الفتح الإسلامي للأندلس في سنة 92 هـ ،، إلا أن بعض الباحثين العرب يذكر أن هذا لم يحدث إلا في القرن الثالث الهجري ؟! ( 3 ) .

ابن خلدون : الحقيقة أني شككت في هذا .. فما بيني وبين ابن خلدون هذا أن كان قد دخل الأندلس في سنة 92 هـ أكثر من سبعمائة سنة ولا اذكر من النسب إلى خلدون هذا إلا عشر هم عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون ،، ويستحيل أن يتسلسل عشر آباء فقط في كل هذه المدة الطويل ، ،، وكنت اعتقد أن قد سقط من نسبي مثلهم في العدد ( 4 )

الطارق : وما يثبت أن خلدون هذا لم يدخل الأندلس إلا في القرن الثالث الهجري وليس زمن الفتح الإسلامي أن حفيدين من حفدة خلدون هذا هما كريب بن عثمان بن خلدون أخوه خالد قد شاركا في ثورة في إشبيلية على الحكم الأموي وحدث ذلك في نهاية القرن الثالث الهجري ( 5 )

ابن خلدون : صحيح وقد حدثت هذه الفتنة في إشبيلية سنة 280 هـ في حكم عبد الله بن محمد الأموي ( 6 )

الطارق : حسنا نعود إلى خلدون هذا فقد ذكرنا أنه قطعا دخل الأندلس وسكن مدينة قرمونة واستقر بها ثم نزح بني خلدون إلى إشبيلية وحدثت ثورة كريب وأخيه خالد واستبد كريب بحكم بإشبيلية ثم حدثت عدة ثورات انتهت بقتله ( 7 )

ابن خلدون : حدث هذا بالفعل .. وقد كان سبب هذه الثورة تعصبه وتحامله على الرعية ،، ولم يزل بني خلدون بإشبيلية سائر أيام بني أمية إلى زمان الطوائف حتى علا كعب ابن عباد بإشبيلية فاستوزرهم وحضروا معه وقعة الزلاقة مع ابن تاشفين على ملك الجلاقة ( قشتالة ) فستشهد فيها طائفة كبيرة من بني خلدون ( 8 ) .
وقد كان لنا اتصال بولاة الموحدين وحليفهم بإشبيلية وغرب الأندلس أبا حفص وقد استعاد أجدادي في عصرهم بعض من العزة والرياسة ..

الطارق : وقد هاجر أجدادك من الأندلس لظرفا ما ؟!

ابن خلدون : أحسنت .. فعندما ضعفت دولة الموحدين وأخذت الأندلس تسقط لملك قشتالة .. ترك بنو حفص إشبيلية ونزحوا إلى أفريقيا ( تونس ) سنة 620 هـ استولوا على قسم كبير من البلاد وتبعهم أجدادي وقد عطف عليهم بني حفص وولي جدي الثاني شئون دولتهم بتونس حتى قتل من أحد الخارجين وولى جدي الأول شئون الحجابة لحاكم بجاية حتى غلب على تونس زعيم الموحدين الأمير يحي بن اللحياني الذي ثبت جدي على الحجابة لفترة ثم اعتزل الحياة العامة وتوفي سنة 737هـ ( 9 )

الطارق : ولم يكن والدك مهتما بالسياسة والوظائف الكبيرة في الدولة ؟!

ابن خلدون : نعم .. فقد كان والدي أبو عبد الله محمد قد عزف عن السياسة واثر الدرس و العلم فقرأ وتفقه وكان مقدما في صناعة العربية وله بصر بالشعر وفنونه
وتوفي في سنة 749 هـ وكنت حين ذاك في الثامنة عشر من العمر ( 10 )


المصادر :

( 1 ) عبقريات ابن خلدون : ص 21
( 2 ) كتاب العبر : ج7 / ص 452
( 3 ) عبقريات ابن خلدون : ص 22-23
( 4 ) العبر : ج7 / ص451
( 5 ) عبقريات ابن خلدون : ص 25
( 6 ) العبر : ج7 / ص453
( 7 ) عبقريات ابن خلدون : ص25
( 8 ) العبر : ج7 / ص 454
( 9 ) عبقريات ابن خلدون : ص 27
( 10) عبقريات ابن خلدون : ص 28



الطارق غير متصل قديم 01-09-2001 , 08:32 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#17  
حوار مع ابن خلدون ( 2-5 )
الطارق : حسنا نبدأ الآن في سيرة حياتك .. أحببنا أن تحدثنا عن مولدك ونشأتك ؟! وقبل هذا أحببنا أن تذكرنا باسمك الكريم ؟!

ابن خلدون : حسنا .. أسمي أبو زيد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون ( 1 )

ولدت في تونس في غرة رمضان سنة 732 هـ ( 27 مايو سنة 1332 )
وأخذت العلم من والدي منذ صغري وحفظت القرآن ودرست العلوم الشرعية من تفسير وتوحيد وحديث وفقه على المذهب المالكي ودرست العلم والعربية والمنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضيات فيما بعد وأخذت العلم من محمد بن سعد الأنصاري ومحمد بن العربي الحصايري ومحمد بن الشواش الزرزالي ومحمد بن بحر ومحمد بن عبد المهيمن الحضرمي ومحمد بن إبراهيم الآبلي وعبد الله بن يوسف بن رضوان وغيرهم ( 2 )
الطارق : وقد درست عنهم بعض الكتب المهمة ؟!

ابن خلدون : نعم كلامية في القراءات والرائية في رسم المصحف للشاطبي والتسهيل في النحو لابن مالك وكتاب الأغاني للأصفهاني والمعلقات وكتاب الحماسة للأعلم وطائفة من شعر أبي تمام ومعظم كتب الحديث وبعض كتب الفقه المالكي ( 3 )

الطارق : وفي الثامنة عشر من عمرك انقطعت عن التلمذة ، أحببنا أن تبين لنا سبب ذلك ؟!

ابن خلدون : نعم كان سبب ذلك الطاعون الجارف والمشهور في العالم أجمع والذي انتشر في سنة 749 هـ في معظم أنحاء العالم وقد هلك فيه أبوي ومن جميع من أخذت العلم عنهم وهجر معظم العلماء ممن نجى من هذا الطاعون من تونس إلى المغرب .. وقد كنت أود أن اذهب معهم لولا أخي الأكبر محمد الذي منعني من ذلك ، فما كان مني إلى وقد دخلت في سلك الوظائف الحكومية .. ( 4 )

الطارق : حسنا وقبل أن ندخل في معمة مغامراتك السياسية في تلك الفترة أحببنا أن نوضح للسادة القراء أن هناك ثلاث دولة مهمة كانت تسيطر على المغرب العربي كانت الأولى هي دولة بني حفص بإفريقيا ( تونس وجزء من الجزائر ) والثانية دولة بني عبد الواد في المغرب الأوسط ( معظم بلاد الجزائر ) وقاعدتها تلمسان ، والثالثة وهي الأقوى دولة بني مرين بالمغرب الأقصى وقاعدتها فاس .. وقد سيطر أبي الحسن سلطان المغرب على جميع تلك الدول في سنة 747 هـ وسنة 748 هـ ومحى دولتي بني حفص وبني عبد الواد لكن سريعا ما عاد بني حفص للحكم بعد مغادرة هذا السلطان تونس سنة 750 هـ ( 5 )

ابن خلدن : أحسنت .. وكان ذلك عن طريق السلطان الفضل بن يحي الحفصي واستوزر آبا محمد بن تافراكين الذي عزل هذا السلطان وعين بدلا منه أخو للفضل يدعى أبا اسحق وأستبد هذا الوزير بالحكم .. ( 6 )

الطارق : وفي عهده عينت في أحد الوظائف ؟!

ابن خلدون : نعم وعينت في وظيفة ( كتابة العلامة ) وتحتاج هذه إلى شيء من الإنشاء والبلاغة ،، لكن لم يستمر هذا طويلا ففي سنة 753 هـ زحف أمير قسنطينة أبو زيد الحفصي على تونس وحدثت بينه وبين ابن تافراكين عدة معارك هزم فيها ابن تافراكين ففرت إلى بسكرة في بلاد الجزائر بالمغرب الأوسط ..

الطارق : وتزوجت في هذه الفترة ؟!

ابن خلدون : نعم وكان ذلك في حوالي سنة 754 هـ من أسرة من بلدة قسنطينة ( 7 )

الطارق : وفي تلك الفترة كان يحكم أبو عنان دولة بني مرين بعد والده وقد كان يعد العدة لاسترداد ما سيطر عليه والده ؟1

ابن خلدون : نعم وقد سعيت للقاء بهذا السلطان بعد أن استولى على تلمسان سنة 753 هـ وحدث هذا بالفعل وعينت عضوا في مجلسه العلمي بفاس ..
وقدمت إلى فاس سنة 755 هـ ( 8 )

الطارق : ولم ترضى بالوظائف التي عينت فيها ،، وتآمرت مع حاكم بجاية الأمير عبد الله بن محمد الحفصي الذي كان أسيرا بفاس ؟!

ابن خلدون : حدث ذلك بالفعل .. وكان ذلك سنة 758 هـ وقد علم أبو عنان بذلك فسجنت لمدة أنا والأمير وأخرج الأمير بعد ذلك وبقيت أنا لمدة سنتين ،، ورغم تضرعي وشفاعة الشافعين إلا أنه لم يُطلق سراحي إلا بعد سنتين وحدث ذلك بعد وفاة أبو عنان وتولي الحكم أبنه السعيد وقد كان المستبد بالحكم وزيره الحسن بن عمر الذي أطلق جماعة من المعتقلين ومن بينهم أنا .. ( 9 )

الطارق : ولكن سريعا ما أقصي هذا الوزير وتولي الحكم منصور بن سليمان ،، وفي هذه الفترة أخذ أحد أخوة أبو عنان وهو أبو سالم بن أبي الحسن يسعى لاسترداد الحكم فعبر من الأندلس إلى المغرب وبعث إليك الفقيه ابن مرزوق سرا للدعوة له وتحريض الشيوخ على منصور بن سليمان

ابن خلدون : حدث هذا بالفعل وقد دعوت الكثير من الشيوخ وكبار المسؤولين وقد استجابوا لدعوة أبو سالم ففر منصور بن سليمان وجلس أبو سالم على العرش سنة 760 هـ وعينت كاتب سره ومخاطباته وجعلني موضع ثقته كما عينت فيما بعد في ( خطة المظالم ) ( 10 )

الطارق : لم يستمر هذا السلطان في الحكم فقد ثار رجال الدولة عليه بزعامة وزيره عمر بن عبد الله وخلع السلطان وعين أخيه تاشفين سلطانا مكانه
ابن خلدون : نعم ،، وكنت في تلك الفترة أود أن أكون أحد الحجاب أو الوزراء .. وكانت علاقتي بهذا الوزير جيدة وكنت أرجو أن يرفع من منزلتي فلم يحقق طموحي فاستقلت فتوجس من الوزير فآثرت الرحيل إلى الأندلس ( 11 )

الطارق : وكان ذلك سنة 764 هـ وقد احتفي بك سلطان غرناطة ووزيره !!
ابن خلدون : نعم فقد كان سلطانها محمد بن يوسف بن الأحمر وكان وزيره الأديب الشهير ابن الخطيب وكانت بيننا صحبة منذ أن كانوا لاجئين لدى السلطان أبي سالم وقد قدمت الكثير من الخدمات لهم عندما كنت كاتبا للسر ( 12 )

الطارق : وقد عشت في تلك الفترة في رغد وطمأنينة قد استقدمت آسرتك من قسطنطينة وبعثت في سفارة لملك قشتالة سنة 765 هـ

ابن خلدون : أحسنت ..

الطارق : ولم تبقى في الأندلس ورغم رضى السلطان واقتطاعك ؟!

ابن خلدون : نعم ، فقد أفسد أهل السعايات بيني بين الوزير وأخذ يسعى الوزير لدى الملك وقد تأثر الملك لذلك ،، وحدثت جفوة بيني وبين الملك ..
ووافق ذلك أن أبا عبد الله محمد الحفصي أمير بجاية الذي أنزله السلطان
أبو عنان عن ملكه والذي سجنت بسبب مداخلتي آيه قد استرد ملكه واستولى على عرش بجاية منذ سنة 765 هـ .. وقد استدعاني ليوليني أمر حجابته ( 12 )

الطارق : ورحلت عن الأندلس إلى بجاية ؟!

ابن خلدون : واستقبلت استقبالا حفيا من أميرها وأهلها وكان ذلك سنة 766هـ ووليت الحجابة وكان هذا أعلى منصب في الدولة ..

الطارق : حسنا إلى هنا وننهي هذا الحوار في جزءه الثاني وسنواصل في

الجزء الثالث بقية الحوار .... شكرا لك ،،

-----

المصادر :

( 1 ) ابن خلدون ( سلسلة المشاهير من علماء العرب والإسلام ) : ص 30
( 2 ) عبقريات ابن خلدون : ص30، 31
( 3 ) عبقريات ابن خلدون : ص32
( 4 ) عبقريات ابن خلدون : ص 39 ، 40
( 5 ) عبقريات ابن خلدون : ص 41 ، 42
( 6 ) عبقريات ابن خلدون : ص42
( 7 ) عبقريات ابن خلدون : ص43
( 8 ) عبقريات ابن خلدون : ص44
( 9 ) عبقريات ابن خلدون : ص47 ، 48
( 10 ) عبقريات ابن خلدون : ص48 ، 49
( 11 ) عبقريات ابن خلدون : ص51
( 12 ) عبقريات ابن خلدون : ص54



الطارق غير متصل قديم 01-09-2001 , 08:35 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#18  
حوار مع ابن خلدون ( 3-5 )
الطارق : تحية لجميع الأخوة الكرام .. وتحية إلى ضيفنا الكريم العالم المشهور ابن خلدون .....

ابن خلدون : أهلا ومرحبا بك ..

الطارق : حسنا .. سنكمل حوارنا في جزءه الثالث ...
وصلنا في حوارنا في الجزء الثاني إلى استقبال أمير بجاية وأهلها لشخصكم الكريم .. وقد وليت الحجابة من قبل أميرها ،،،

ابن خلدون : نعم ..

الطارق : حسنا .. لكن هذا لم يدم طويلاً !!

ابن خلدون : نعم .. فقد حدث خلافا بين الأمير عبد الله أمير بجاية وابن عمه السلطان أبي العباس أحمد صاحب قسنطينة فهاجم هذا الأخير سنة 767 هـ على بجاية وانتصر على أبا عبد الله وقتله وحاصر المدينة فلم يكن مني إلا أن سلمت المدينة له ،،

الطارق : رغم أنه قد عرض عليك البعض القيام بالأمر وان تدعوا لصبي
من أبناء السلطان فرفضت ..

ابن خلدون : نعم وقد تفاديت ذلك .. وقد أكرمني أبو العباس وولاني الحجابة حينا لكنه سريعا ما ارتاب في فتوجست منه ففرت إلى بسكرة ( 13 )

الطارق : وقد كان الأمير أبو حمو سلطان تلمسان وصهر أبو عبد الله يطمح لفتح بجاية ؟!

ابن خلدون : نعم .. وقد استعان بي السلطان أبو حمو لبث دعوته في القبائل والتأليب على أبي العباس بل و قد دعاني ليوليني الحجابة لكني رفضت تولي الحجابة ورشحت أخي يحي الذي عين حاجبا لأبو حمو وأن كنت قد استجبت له في بث الدعوة في القبائل لصالحه..

الطارق : وما سبب امتناعك من الحجابة ؟!

ابن خلدون : نعم .. فقد مللت أمور السياسة ،، وغواية الرتب ،، وبعثت الهمة على المطالعة والتدريس .. ( 14 )

الطارق : ورغم هذا فقد شاركت في سنة 771هـ مع جيش أبو حمو لمحاربة أبو العباس ؟!

ابن خلدون : نعم فقد خرجت مع صاحب بسكرة وباقي الزعماء الذين استملتهم لنصرة جيش أبو حمو ولكن هزمنا فارتددت إلى بسكرة وأخذت احشد القبائل في جانب أبو حمو .. وبعدها بعام وفدت إلى أبو حمو وذلك لتدبير خطة لمهاجمة أبو العباس فأكرمني وبقيت لديه مدة ..

في تلك الفترة كان السلطان أبو فارس عبد العزيز من بن مرين سلطان المغرب الأقصى قد خرج في جيوشه يزمع تلمسان .. فخفت على نفسي من هذا فاستأذنت أبا حمو في السفر إلى الأندلس ..

الطارق : فأذن لك !!

ابن خلدون : نعم .. وقد أشرف سلطان المغرب أبو فارس على تلمسان فغادرها أبو حمو إلى الصحراء واعتقلت أنا في مرسى ( هنين )
وعنفني السلطان عن انسلاخي عن بني مرين فاعتذرت له بما حدث بيني وبين الوزير عمر بن عبد الله فصفح عني .. ( 15 )

الطارق : وقد عمدت إلى أحد الأربطة ونزلت بجواره وقد أثرت العلم والانقطاع له ؟!

ابن خلدون : رغم هذا فقد استدعيت من السلطان أبو فارس وبعد أن استولى على تلمسان وطلب مني أن أحشد القبائل ضد أبو حمو فقبلت ذلك ..

الطارق : وانقلبت على أبو حمو !!

ابن خلدون : نعم .. وأخذت أسعى لحشد القبائل وانتظمت في سلك بعثة للسلطان لمطاردة أبو حمو وقد داهمناه في الصحراء ومزقنا جيشه شر ممزق ( 16 )

الطارق : وقد أديت في تلك الفترة عدة مهمات للسلطان بين القبائل .. لكن
سريعا ما توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز سنة 774 هـ وتولى ابنه السعيد وقد كفله الوزير ابن غازي و تحول البلاط من تلمسان إلى فاس وانقلبت الظروف ؟!

ابن خلدون : نعم .. فقد استرد أبو حمو تلمسان فحاولت الفرار إلى فاس ولم ينسى أبو حمو انقلابي عليه فحرض أشقياء من بن يغمور فانقضوا علي في الصحراء ونهبوا متاعي ولم أنجوا منهم إلا بشق الأنفس .. ووصلت إلى فاس وعوضني الوزير ابن غازي ( 17 )

الطارق : ولم يدم هذا طويلا ،، كالعادة فقد حدث انقلابا جديد أقصى السلطان السعيد ونحي الوزير ابن غازي ،، واعتقلت من الحكومة الجديدة ؟!

ابن خلدون : وكان ذلك سنة 776 هـ اعتقلت لفترة ثم أفرج عني .. وقد شعرت أن قصور المغرب قد سدت في وجهي وأصبحت موضع ريبة من جميع أمراءها فتركت أسرتي بفاس وجزت إلى الأندلس وشخصت إلى غرناطة فاستضافني ابن الأحمر وكان ذلك سنة 776 هـ

الطارق : ولكن بلاط فاس توجس شرا من استقرارك بالأندلس وقد رفض أن تلحق أسرتك بك !! بل وطلب من سلطان غرناطة أن يتم تسليمك لهم خوفا من دسائسك ؟!

ابن خلدون : نعم .. رفض السلطان ذلك فطلبوا منه أن أجيز إلى عدوة تلمسان فأجابهم لذلك .. ( 18 )

الطارق : وحدث ذلك ؟!

ابن خلدون : نعم .. وركبت البحر إلى المغرب ووصلت إلى مرسى هنين وأنا لا أعلم أين سأذهب وقد فكرت أن أقصد تلمسان وفيها أخي يحي في خدمة أبو حمو .. فلجأت إلى بعض ذوي الشان ليشفعوا لي عند أبو حمو فشفعوا لي حتى عفا عني ووصلت إليها في عيد الفطر من سنة 776 هـ

الطارق : قد عقدت العزم أن تترك السياسة وأن تنقطع للقراءة والتأليف ؟!

ابن خلدون : نعم .. ولكن لم يدم ذلك كثيرا فقد ندبني أبو حمو للطواف بأرجاء المملكة ليدعو القبائل فتظاهرت بالقبول وقد عزمت أن لا أعود للسياسة .. فلم أغادر تلمسان حتى وليت وجهي إلى جهة يتاح لي فيها التأليف والتفرغ للقراءة ووقع اختياري على منازل أصدقائي بني عريف وقد أكرموا مثواي جزاهم الله خيرا وتوسطوا لدى السلطان ليعفوا عن مخالفة أمره وأن يقبل بلحاق أسرتي بي فقبل وساطتهم وأنزلوني مع أسرتي في قصورهم في ( قلعة ابن سلامة ) من بلاد توجين ( 19 )

الطارق : فقضيت مع أهلك في ذلك المقر المنعزل مدة أربعة سنين نعمت فيه بالاستقرار والأمان .. وألفت كتابك الشهير ( كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) المعروف بتاريخ ابن خلدون ،، ومقدمته الشهيرة ؟!

ابن خلدون : نعم وقد كنت في ذلك الوقت في حوالي الخامسة والأربعين من عمري وقد نضجت معارفي واتسعت دائرة اطلاعي وارتقى فكري وقد استفدت من جميع مشاهداتي وتجاربي السياسية والاجتماعية بعد أن قضيت حوالي ربع قرن في غمار السياسة .. ( 20 )

الطارق : ستحدث عن تأليفك للكتاب فيما بعد ، ولكن دعنا نكمل قصتك ففي سنة 780 هـ اعتزمت العودة إلى مسقط رأسك ( تونس ) لتنقيح كتابك
وكان حاكم تونس في ذلك الوقت أبو العباس وقد ذكرنا من قبل تحالفك مع أبو حمو وتحريضك القبائل ضد هذا السلطان .. فما هو موقفه منك ؟!

ابن خلدون : نعم .. كنت احتاج للكثير من المراجع في تونس وما بها من مكتبات غنية .. فكتبت إليه أرجوه الصفح والأذن .. فرد السلطان بالقبول
ثم قصدت السلطان فلتقيته بسوسة فحياني السلطان أجمل تحية وبالغ في إكرامي وبعثني إلى تونس وأصدر أمره بتوفير ما ينبغي توفيره لراحتي
من مصادر ومعاش واستقدمت عائلتي وأقمت في أمن وسلام وكان ذلك سنة 780هـ وظللت في تونس أعكف على البحث والتدريس لطلبة العلم حتى أتمت مؤلفي ونقحته وأهديت نسخة للسلطان في أوائل سنة 784 هـ فتقبلها السلطان أبو العباس . ( 21 )

الطارق : وفي سنة 784 هـ غادرت تونس إلى مصر لقضاء فريضة الحج ؟! ....... ولكن ..
وقبل أن نكمل سؤالنا سنؤجل الإجابة على هذا السؤال إلى الجزء الرابع بإذن الله ،، وشكرا لك ..

المصادر :

( 13 ) عبقريات ابن خلدون : ص61 ،62
( 14 ) عبقريات ابن خلدون : ص62 ، 63
( 15 ) عبقريات ابن خلدون : ص64 ، 65
( 16 ) عبقريات ابن خلدون : ص65 ،66
( 17 ) عبقريات ابن خلدون : ص 66 ، 67
( 18 ) عبقريات ابن خلدون : ص 68 ، 69
( 19 ) عبقريات ابن خلدون : ص71 ، 72
( 20 ) عبقريات ابن خلدون : ص 72 ، 73
( 21 ) عبقريات ابن خلدون : ص76 ، 77


الطارق غير متصل قديم 01-09-2001 , 08:37 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#19  
حوار مع ابن خلدون ( 4-6 )
الطارق : ذكرنا في الجزء الثالث من حوارنا أنك غادرت تونس إلى مصر لقضاء فريضة الحج ؟! فهل سمح السلطان أبو العباس بذلك ؟!

ابن خلدون : نعم .. فقد توسلت للسلطان أن يسمح لي بذلك فأذن لي ..
ووصلت إلى الإسكندرية سنة 784 هـ في عيد الفطر وأقمت بها شهرا وانتقلت على القاهرة .. وكانت منارة العلم في ذلك الوقت وحاضرت الدنيا .. وأخذت أدرس في الأزهر الفقه المالكي وقد أعجب بي الكثير

وأكرم وفادتي سلطان مصر السلطان الظاهر برقوق ودرست في أحد المدارس وفي سنة 786 هـ عينت قاضي قضاة المالكية ( 22 )

الطارق : وكان يسود القضاء في ذلك الوقت الفساد ؟!

ابن خلدون : نعم .. وحرصت على العدالة والمساوة بين جميع الناس أمام القانون ولم أحابي أحد وكنت صارما في ذلك فكثرت في السعاية والوشايات عند السلطان ورغم هذا فقد صمدت لذلك حتى أصابتني نكبة كبيرة في أهلي فقد هلكت زوجتي وأولادي ومالي وذلك بعد أن كنت انتظرهم بعد أن سمح لهم سلطان تونس بالالتحاق بي فغرقت سفينتهم على ساحل الإسكندرية ومات جميع أهلي واشتد هذا الحادث علي حتى أعفيت من القضاء وكان ذلك سنة 787 هـ ( 23 )

الطارق : ورجعت إلى التدريس ؟!

ابن خلدون : نعم وقد عينت أستاذ للفقه المالكي في المدرسة الظاهرية البرقوقية في سنة افتتاحها سنة 788هـ ثم أعفيت منها بسبب الوشاة ، وأديت فريضة الحج سنة 789 هـ ( 24 )

الطارق : وفي سنة 791هـ عينك السلطان برقوق في منصب كرسي الحديث بمدرسة ( صرغتمش ) واضيفت لك وظيفة أخرى وهي شيخ لخانقاه بيبرس غير أنك فقدت وظائفك بسبب الثورة على السلطان برقوق سنة 791 هـ ؟!

ابن خلدون : نعم .. وانتهت هذه الثورة بخلع برقوق وفقدت مناصبي وأرزاقي ولما عاد برقوق إلى الحكم أعاد إلي مناصبي وما أجرا لي من نعمة ( 25 )

الطارق : و قد عزلت عن وظيفة شيخ خانقاه بسبب سعاية خصومك وأثارتهم السلطان برقوق عليك ؟!

ابن خلدون : نعم ،، فقد أرغمت على التوقيع من قبل بلبغا الناصري وأتباعه على التوقيع على فتوى إقصاء السلطان برقوق وأحضرت نسخة للسلطان برقوق بعد عودته للسلطنة وأقصيت من هذه الوظيفة ( 26 )

لكن عينت في سنة 801 هـ قاضي قضاة المالكية وتوفي في هذه السنة السلطان برقوق وخلفه أبنه الناصر فرج فأبقيت على منصبي هذا ..
حتى عزلت عنه سنة 803 هـ ( 27 )

الطارق : وفي سنة 803هـ التقيت بتيمورلنك الذي انقض على الشام ، أحببنا أن تبين كيف حدث هذا ؟!

ابن خلدون : نعم .. استولى تيمورلنك على حلب ووصلت الأنباء أنه قادم إلى دمشق وكانت دمشق تابعة لسلطان المماليك فأسرع السلطان الناصر فرج لصد التتر وأخذ جملة من العلماء ومن بينهم أنا واشتبك الجيشان وثبت المصريون لولا خلاف حدث في معسكر الناصر فرج فغادر بعض الأمراء خفية لمصر ليدبروا مؤامرة لخلعه فترك السلطان دمشق لمصيرها وعاد إلى دمشق وكنت حين ذلك بدمشق فخفت على نفسي فتدليت من السور إلى عسكر التتر ( المغول )

الطارق : والتقيت بتيمورلنك ؟!

ابن خلدون : نعم .. وحدثته عن حياتي وعن بلاد المغرب ومصر ، قد طلب مني تيمورلنك أن أكتب هذا فكتبته له في عدة كراريس

الطارق : وأخذت تتقرب منه وتكيل له المديح ويبدوا أنك عدة لمغامراتك الطموحة ورغباتك السياسية القديمة ؟!

ابن خلدون : حسناً ،، لا أخفي آني كنت أطمح أن أكون أحد مقربيه ،، لكن
أخفقت في ذلك والله وخسرت على هذا بغلة كانت لي أهديتها له ولم انتفع منه بشيء .. فما كان مني إلا وقد استأذنت منه وعدت إلى مصر ( 28 )

الطارق : لم يبقى شيء إلا أنك وليت على القضاة ثلاثة مرات وبعد عودتك إلا مصر وكان ذلك من سنة 804 ـ إلى سنة 806 هـ ونحو شهرين من سنة 807 هـ وأخرها سنة 808 هـ في شعبان وتوفيت في تلك السنة في السادس والعشرين من رمضان سنة 808 هـ ( 29 )

ابن خلدون : صدقت ..

-----

المصادر :

( 22 ) عبقريات ابن خلدون : ص 81 – 86
( 23 ) عبقريات ابن خلدون : ص 88 ، 89
( 24 ) عبقريات ابن خلدون : ص 93 ، 94
( 25 ) عبقريات ابن خلدون : ص 94 - 96
( 26 ) عبقريات ابن خلدون : ص96
( 27 ) عبقريات ابن خلدون : ص 98 ، 99
( 28 ) عبقريات ابن خلدون : ص 99 – 104
( 29 ) عبقريات ابن خلدون : ص106


الطارق غير متصل قديم 01-09-2001 , 08:39 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#20  
حوار مع ابن خلدون ( 5-6 )
الطارق : حسناً .. سنتحدث الآن عن أثارك وأعمالك العظيمة ، بداية الأمر نود أن نتعرف على الكتب التي ألفتها ؟!

ابن خلدون : نعم ألفت عد كتب منها :
1-شرح قصيدة البردة
2-تلخيص مجموعة من كتب ابن رشد
3-تلخيص محصل الإمام فخر الدين الرازي
4-وكتاب في الحساب
5-تعريف مفيد في المنط
6-وشرعت في شرح الرجز لصديقنا ابن الخطيب
7- وشفاء السائل لتهذيب المسائل
8- لباب المحصل في أصل الدين
9- لكن أهم مؤلفاتي هو العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم البربر ومن عاصرهم من السلطان الأكبر ( 1 )

الطارق : حسنا وسيكون مجال حديثنا كتاب العبر المعروف بتاريخ ابن خلدون ، أحببنا أن نعرف متى بدأت في تأليفه ؟!

ابن خلدون : بدأت في تأليف الكتاب سنة 776هـ بعد أن ندبني أبو حمو للطواف بإرجاء المملكة لدعوة القبائل وكنت قد مللت السياسة وما حدث لي بسببها فتظاهرت بالموافقة فذهبت إلى منازل أصدقائي من بني عريف الذين أضافوني في قلعة ابن سلامة وتوسطوا عند السلطان ليعفوا عني ، قد ذكرت هذا من قبل في حوارا ..

الطارق : نعم .. نعم

ابن خلدون : وكانت في ذلك الوقت في الخامسة والأربعين من عمري فبدأت ألف هذا الكتاب ، وقد شرعت في تأليفه في أواخر سنة 776 هـ وانتهيت من تأليف كتاب العبر في أواخر سنة 780هـ أي مدة أربعة سنين وقد شرعت في كتابة المقدمة بعد فراغي من تأليف الأقسام التاريخية من كتاب العبر وانتهيت منها في منتف سنة 779هـ وقد استغرقت في كتابتها مدة خمسة أشهر ( 2 )

وقد أتممتها في قلعة ابن سلامة وكل تلك المدة ، ثم احتجت لتنقيح هذا الكتاب الاستفادة من المراجع والكتب في تونس فاستأذنت سلطان تونس أبو العباس فأذن لي وغفر لي ذنبي رحمه الله بل ووفر لي الراحة ومصدر العيش حتى أتممت مؤلفي ونقحته وهذبته ورفعت نسخة للسلطان أبو العباس وكان ذلك سنة 784 هـ ( 3 )

الطارق : وقد استمريت في تنقيح كتابك حتى وفاتك سنة 808هـ بعدة أشهر ( 4 )

ابن خلدون : نعم .. وقمت بإهداء نسخة للسلطان برقوق ولسلطان المغرب
السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي الحسن وكان ذلك حوالي سنة 799هـ ( 5 )

الطارق : حسناً سنتحدث الآن عن الكتاب أود أن تعرفنا على أقسام الكتاب ؟!
ابن خلدون : حسنا .. يتكون الكتاب من ثلاث كتب :
الكتاب الأول : المقدمة وهي التي عليها المعول في تقويم شخصيتي
والكتاب الثاني : خصصت بأخبار العرب ودولهم من مبدأ الخليقة حتى عصري تناولت بالحديث الأمم المعاصرة لهم كالسريان والفرس واليونان والروم والترك
الكتاب الثالث : ويشمل على أخبار البربر في أصولهم وأجيالهم وملوكهم بعامة ..

الطارق : حسنا لوحظ أن أهم ما في الكتاب هو المقدمة كما أن مستوى هذا التاريخ الخاص بالشرق أدنا مستوى في التاريخ في المغرب والبربر ( 6 )

ابن خلدون : نعم .. لأنه لم يسبقني أحد في تأليف مثيلا للمقدمة كما أن معرفتي بتاريخ المغرب والبربر أوسع من معرفتي بتاريخ المشرق

الطارق : حسناً سنتحدث عن المقدمة لأنها سبب عبقريتك وشهرتك ..ولأنك أنشأت بسببها علم جديد هو علم العمران ( الاجتماع )

ابن خلدون : تفضل ..

الطارق : حسنا أحببنا أن توضح لنا ما احتواه كتابك من تقسيم ؟!

ابن خلدن : بدأت بخطبة الكتاب وافتتاحيته وقد عرضت فيها بعد حمد الله
لبحوث المؤرخين من قبلي ووجوه النقص في بحوثهم وشرحت أسباب تأليفي الكتاب وختمتها بإهداء النسخة .
ثانيا : ثم كتبت مقدمة في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلمام لما يعرض للمؤرخين من أغلاط . ( 7 )



الطارق : وقد انتقدت الكثير من الأخطاء الأغلاط التي وقع بها المؤرخين العرب كالمسعودي والطبري وغيرهم وأعدت هذه الأخطاء لأسباب أحببنا أن تذكرها ؟!

ابن خلدون : نعم .. من بين الأسباب .. التشيع للآراء المذاهب الثقة بالناقلين الذهول عن المقاصد وتوهم الصدق والجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع ما يقوم به البعض المتملقين من نشر الأخبار الكاذبة وأهمها هو أن المؤرخين لم يحاولوا دراسة المجتمعات و ما يسودها من قوانين و نزعة المبالغة عند الناس خلال نقل الأخبار و وأن يقيس المؤرخ الذي ينقل الأخبار عن الأعصر الماضية بالأخبار الحاضرة .. ( 8 )

الطارق : حسنا نكمل فصول الكتاب ..

ابن خلدون : حسنا .. ثالثا : الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ونحوها ( 7 )

الطارق : وهو القسم الرئيسي للمقدمة ؟!

ابن خلدون : نعم .. وقد اهتممت بهذا الفصل لأن من أهم أسباب أخطاء المؤرخين نجمت عن عدم اهتمامهم بدراسة المجتمعات البشرية واستخلاص القوانين لها .... ( 9 )

وقد شمل هذا على ما يأتي :

1- تمهيد تكلمت فيه عن التاريخ وموضوعه وأسباب الخطأ في رواية حوادثه ..

2- وستة بحوث رئيسية أو أبواب تدرس ظواهر الاجتماعي الإنساني وهي :
الباب الأول : في العمران البشري على الجملة : ويشتمل على ست مقدمات : المقدمة الأولى في أن الاجتماع الإنساني ضرورة ، والمقدمة الثانية إلى الخامسة في بحوث جغرافية وأثر البيئة الجغرافية في ألوان البشر وأخلاقهم وطرق معاشهم ، والمقدمة السادسة في الوحي والرؤيا وفي أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو الرياضة وفي حقيقة النبوة والرؤيا والكهانة والعرافين .. ( 7 )

الطارق : قد ذكرت في هذا الباب أن الاجتماع الإنساني ضرورة وأن الإنسان مدني بالطبع ؟!

ابن خلدون : نعم .. فضرورة الاجتماع ناتجة عن ضرورة التعاون بين الناس لتأمين حاجتي الغذاء والدفاع عن النفس ، فبالحصول عليهما تتم الحياة ويستمر البقاء وبدونهم تزول الحياة ويفنى البشر .. ( 10 )

الطارق : وقد تحدثت عن تأثير البيئة الجغرافية في شئون الاجتماع .. وقد أخذ عليك البعض مبالغتك لهذا التأثير ؟!

ابن خلدون : قد يختلف البعض معي في هذا الأمر .. وقد قد أكون بالغت في الأمر .. رغم هذا فإن للبيئة تأثير مهم في شئون الاجتماع .. ( 11 )

الطارق : حسنا .. نكمل بقية فصول المقدمة ..


ابن خلدون : حسنا ..الباب الثاني : في العمران البدوي والأمم المتوحشة والقبائل : ويشتمل على تسعة وعشرين فصلا فرعيا ، تشمل الفصول العشرة الأولى للشعوب البدوية ونشأتها بعض شئونها الاجتماعية وأصول المدنيات
وتعرض الفصول التسعة عشر الأخيرة لطائفة من نظم الحكم والسياسة المتعلقة بالشعوب البدوية وغيرها .. ( 7 )

الطارق : وقد ذكرت أن أحوال الأمم تتبدل وتتطور بتبدل الأعصار ؟1

ابن خلدون : نعم فالمجتمع كائن حي يتطور تدريجيا عبر مراحل النشوء والنمو والشباب ثم يميل إلى الكهولة والاضمحلال ، والمجتمع إبان تطوره يمر بطورين : الطور البدوي ، الطور الحضري ...

الطارق : وما الفرق بينهما ؟!

ابن خلدون : نعم البدو هم الذين يقتصرون على الضروريات في معيشتهم ويعجزون عما فوق ذلك من الكماليات ، أما الحضر فهم من تكون مكاسبهم أنمى وأرفه من أهل البدو لأن أحوالهم زائدة على الضرورة ومن ينعمن بالترف والكماليات فلذا فالعمران الحضري هو الامتداد الطبيعي للعمران البدوي .. ( 12 )

الطارق : وقد ذكرت عدة خصائص للعمران البدوي ؟!

ابن خلدون : نعم .. فأهم خاصية هي أنه أقدم من العمران الحضري كما أن أهل البدو اقرب للخير من أهل الحضر وأزهد نفسا وأشد شجاعة ويتميزون بالرحلة وعدم الاستقرار ..
ومن أهم مقوماتهم الأساسية هي العصبية وهي خاصة مميزة بالبدو ( 13 )

الطارق : حسنا نكمل مقدمتنا وفصولها .. ولكن ي الجزء السادس بإذن الله ..

-------

المصادر :

( 1 ) سلسلة المشاهير من علماء العرب والإسلام : ابن خلدون ص54 –56
( 2 ) عبقريات ابن خلدون : ص 74 ، 75
( 3 ) عبقريات ابن خلدون : ص 76 ، 77
( 4 ) عبقريات ابن خلدون : ص 107
( 5 ) عبقريات ابن خلدون : ص 108
( 6 ) المشاهير من علماء العرب والإسلام : ابن خلدون : ص 58
( 8 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 282- 285
( 9 ) دراسات غفي تاريخ الفلسفة العربية : ص 287
( 10 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 292
( 11 ) عبقريات ابن خلدون : ص 256
( 12 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 298 – 299
( 13 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 303 – 304


الطارق غير متصل قديم 01-09-2001 , 08:43 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#21  
حوار مع ابن خلدون ( 6-6 )
الطارق : سنكمل مقدمتنا وفصولها ؟ّ!

ابن خلدون : حسناً ... الباب الثالث : في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية :
ويشمل على أربعة وثلاثين فصلا .
الباب الرابع : في البلدان والأمصار وسائر العمران : ويشمل على اثنين وعشرين فصلا فرعيا تعرض لنشأة المدن الأمصار ومواطن التجمع الإنساني وما تمتز به المدن عن غيرها من مختلف الوجوه العمرانية والاجتماعية والاقتصادية واللغوية .

الطارق : تحدثت في هذا الباب عن الدولة بتوسع .. وقد ذكرت أن اتساع الدولة مرتبط بقوة العصبية ؟!

ابن خلدون : نعم .. فكلما ازدادت عصبية الدولة اتسع نطاقها وانتشرت على رقاع جغرافية أوسع .. فالعامل الأساسي لنشوء الدولة قوة العصبية ( 14 )

الطارق : وقد ذكرت أن للدولة عمرا طبيعيا كما الأشخاص وأن عمرا لا يعدو ثلاثة أجيال .. أحببنا أن تذكر هذه الأجيال .. ؟!

ابن خلدون : نعم .. قبل أي شيء أحببت أن أوضح أن مدة الجيل أربعين سنة ..
الجيل الأول : هم من لا زالوا على خلق البداوة وخشونتها ووحشيتها من شطف العيش والبسالة الافتراس والاشتراك في المجد فلا تزال بذلك سرة العصبية محفظة فيهم .

الجيل الثاني : تحول حالهم بالملك والترف من البداوة إلى الحضارة ومن الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به ، ومن عز الاستطالة إلى ذل الاستكانة .

الجيل الثالث : فينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم في من ملكة وقهر ويبلغ الترف غايته ... فبذلك يكون عمر الدولة 120 سنة
الطارق : ولكن عرفت هناك دولة أمتد تاريخها أكثر من هذه المدة وبكثير .. كما أن ذ النتاج لا تنطبق إلا على الدويلات البدوية وملوك الطوائف الصغيرة ؟!

ابن خلدون : أنم يحدث هذا في الغالب وليس دوما ،، كما أن هناك ظروفا تزيد من طول الدولة وهي :

الأولى : إذا تخير صاحبها في الجيل الأخير شيعة وأنصارا ممن تعودوا الخشونة واتخذه جندا ..
الثانية : إذا عمد صاحب الدولة إلى تغيير القوانين الفاسدة ، وكأن بذلك أنشأ دولة أخرى وجدد ملكا . ... ( 15 )

الطارق : حسناً و قد ذكرت أطوارا للدولة مخلفة أحببنا ذكرها ؟!

ابن خلدون : نعم .. هي خمسة أطوار هي
1- هو طور الظفر وتأسيس الدولة ويتم ذلك بقوة العبية
2- هو طور الاستبداد والإنفراد بالملك ويلجأ صاحب الدولة إلى إبعاد أهل عصبيته عن شؤون الدولة لينفرد بالمجد
3- هو طور الفراغ والدعة ينصرف فيه صاحب الدولة إلى تحصيل ثمار الملك من جمع المال وتخليد الآثار
4- هو طور القنوع والمسالمة سلما لأنظاره من الملوك مقلدا للماضين من سلفه منصرف للتنعم والرفاههية .
5- هو طور الإسراف والتبذير وانهيار الدولة .. ( 16 )
6-
الطارق : حسنا نكمل فصول المقدمة ..


ابن خلدون : حسنا ...الباب الخامس : في المعاش وجوهه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال ، ويشمل على ثلاثة وثلاثين فصلا فرعيا

الطارق : وذكرت أن الأسعار ترتفع عندما يزداد الطلب وهذا القانون و ما عرف بقانون العرض والطلب ؟!

ابن خلدون : نعم .. فالمصر الكثير العمران يكثر فيه الترف وتكثر حاجيات ساكنيه من أجل الترف .... وتصير الأعمال كلا مع ذلك عزيزة والمرافق غالية بازدحام الأغراض عليها من أجل الترف .. ويعظم الغلاء في المرافق والأقوات والأعمال ، فتكثر لذلك نفقات ساكنه كثرة بالغ ، على نسبة عمرانه ..

كما أن مستوى المعيشة يتطور مع مستوى الضارة فالمدينة الأكثر تضرا في أكثر في مستوى المعيشة ..

الطارق : وقد اكتشفت العلاقة التي ينبغي أن تتوفر بين العوامل الاقتصادية والعوامل السياسي ؟!

ابن خلدون : نعم .. فرجال الاقتصاد في حاجة إلى النفوذ الجاه للدفاع عن أملاكهم .. لا بد لصاحب المال والثروة الشهيرة في العمران من حامية تذد عنه ، وجاه ينسحب عليه من ذي قرابة الملك .. ( 17 )

الطارق : ......


ابن خلدون : الباب السادس : في العلوم وأصنافها ، والتعليم وطرقه سائر وجوهه وما يعر في ذلك كله من الأحوال يشتمل على واحد وستون فصلا .. ( 18 )

الطارق : وقد تحدثت في عن أنواع العلوم وأصنافها .. ثم عن التعليم وطرقه وانتقدت في التعليم عدة جوانب أحببنا ذكرها ؟!

ابن خلدون : نعم انتقدت :
- كثرة المواد وكثافتها
- تنوع الكتب
- اختلاف المصطلحات
- التوسع في الشرح والحواش
- الإسهاب في اختصار متون الكتب

وقد أشرت لعدة مقترحات في هذا الجانب لإصلاح الخلل هي :
1- ضرورة إجمال المسائل في البداية
2- الاعتماد على الأمثلة الحسية
3- الانتقال من الأمثلة الحسية تدريجيا إلى التعاريف والقوانين
4- عدم التوسع في العلوم الآلي ( هي اللغة وقواعدها والمنطق )

كما لم أنسى في السياسة التربوية الأطفال فأدعو إلى الرأفة بهم ويجب الابتعاد عن الشدة عليهم فلهذه الشدة الكثير من المفاسد الخلقية والاجتماعية التي تنجم عن أخذهم بالعنف ..
فالقهر والعسف مما يقضي على انبساط النفس ونشاطها ، ويدعو إلى الكسل ويحمل على الكذب والخبث والمكر والخديعة مما يفسد معاني الإنسانية .. ( 19 )

الطارق : رائع .. رائع ... أرشحك وزيرا للتعليم بدلا من الرشيد ..

ابن خلدون : ومن و الرشيد !!!

الطارق : ما علينا ما علينا .. لم يبقى إلا أن اعتب عليك على تحاملك على العرب في مقدمتك ؟!

ابن خلدون : ههههه .. وكيف أتهجم العرب وأصولي عربية !!
لعلك تشير لعناوين هذه الفصول التي ذكرتها في المقدمة :
فصل : أن العرب لا يتغلبون إلا على البسطاء
فصل : فصل أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب
فصل : أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية ...
فصل : في أن العرب أبعد الناس عن السياسة والملك
فصل : في أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الفساد إلا في الأقل
فصل : في أن العرب أبعد الناس عن الصنائع .

الطارق : نعم

ابن خلدون : لم أقصد من كلمة العرب في هذه الفصول الشعب العربي ، أنم استخدم هذه الكلمة بمعنى الأعراب أو كان البادية الذين يعيشون خارج المدن ... ( 20 )

الطارق : لم يبقى إلا شيء .. لقد اتهمك أحد الكتاب المعارين منذ عدة سنوات بأنك سرقت ما توصل إليه أخوان الصفا ادعيته لنفسك ؟!

ابن خلدون ( قد بدا عليه الغضب ) : كيف هذا .. كيف هذا .. لقد مضيت ربع قرن في حبائل السياسة .. وكتبت كتابي وأنا معتزل العالم إلا من بعض المراجع .. وقد شهد جميع من كان معاصرا لي من أصدقاء وأعداء بعقليتي من ابن الخطيب إلى ابن حجر إلى غيرهم .. وبعد ذلك أتهم بهذا الاتهام ..

الطارق : شكرا لك ...

-------

المصادر :

( 14 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 306 ، 307
( 15 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 312 – 314
( 16 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 314 – 316
( 17 ) دراسات في تاريخ الفلسفة العربية : ص 320 – 323
( 18 ) عبقريات ابن خلدون : 199-202
( 19 ) ابن خلدون ( المشاهير من علماء العرب والإسلام ) : ص86 – 89
( 20 ) عبقريات ابن خلدون : ص 262 ، 263

الطارق غير متصل قديم 01-09-2001 , 08:46 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#22  
حوار مع عبد القدوس الأنصاري
رجل معتدل القامة ، أقرب إلى الطول منه إلى القصر معتدل الجسم ، أقرب إلى النحافة منه إلى الامتلاء ، شديد اسمرار ، عالي الجبين واسع العينين ، عظيم الشفتين ( 1 ) .
كانت هذه صفة محاوري الذي بدأت بطرح سؤالي التالي عليه :

الطارق : أحببنا أديبنا الفاضل أن تعرفنا بشخصكم الكريم ؟!

عبد القدوس الأنصاري : أنا عبد القدوس الأنصاري كاتب وأديب وشاعر وصحفي ومن أحد أهم أدباء وكتاب المملكة العربية السعودية ومن أهم كتاب الجزيرة العربية في العصر الحديث ، ومؤسس مجلة المنهل المجلة الشهيرة في الأدب والثقافة .

الطارق : حسنا .. بداية الأمر أحببنا أن تعرفنا عن مولدك ونشأتك ؟!

عبد القدوس الأنصاري : نعم .. بداية الأمر أسمي عبد القدوس بن القاسم بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي ( 2 ) .
ولدت سنة 1324 هـ في المدينة المنورة كان والدي يعمل مدرسا بالحرم النبوي الشريف ( 1 ) .
وقد توفي والداي ولم أبلغ السابعة من عمري فقد توفيت والدتي وعمري نحو أربع سنوات وتوفي والدي وعمري ست سنوات فكفلني عمي ( خال أبيه ) الشيخ محمد الطيب الأنصاري .. ( 2 )

الطارق : وكان لهذا الشيخ دورا كبير في بداية حياتك ؟!

عبد القدوس الأنصاري : أحسنت .. فقد كان هذا أحد علماء المدينة المنورة الأفاضل ، ومن وجوه العلماء بالمدينة المنورة وله رياسة علمية بمدرسة العلوم العلوم الشرعية التي أنشأها السيد أحمد الفيض أبادي ، وقد خصني برعايته واهتمامه ومحبته والتحقت بتلك المدرسة عند افتتاحها سنة 1341 هـ بعد أن مهد لي بدراسة ابتدائية تشمل متون النحو والفقه وشذورا من قضايا البيان والبديع والتفسير والحديث ( 3 ) ، ( 2 ) ، ( 4 )

الطارق : عرفت في صغرك بإقبالك على العلم ،وتعلقك بدروسك وجدك في التحصيل ، وبعدك عن اللهو، حتى نلت رضى معلميك ( 3 ) ؟!

عبد القدوس الأنصاري : نعم .. وقد درست القرآن الكريم والسير النبوية ودرست علم النحو مبتدئا بالأجرومية ، ثم قواعد الاعراب لابن هشام ثم " الدرة الثمينة في علم النحو " تأليف شيخنا محمد الطيب الأنصاري ثم " شذور الذهب " لابن هشام ثم " الفية ابن مالك " ثم كتاب : التوضيح على شرح الألفية " و" الأشموني على حاشية الألفية " وأخيرا " المغني " لابن هشام .
ودرست " الجوهر المكنون " في علم المعاني والبيان ، وحفظت المعلقات العشر وديوان النابغة الذبياني وديوان زهير بن أبي سلمى ودواوين أخر ( 2 )

الطارق : كان جل اطلاعك على الأدب العربي القديم الذي جعلت منه الحذو الذي تسير عليه في بداية كتاباتك ؟!
عبد القدوس الأنصاري : نعم … ولكن صلتي بصديق صباي وزميلي في حلقة الشيخ " الطيب الأنصاري " السيد عبيد مدني – رحمه الله – قد فتحت لي المجال للإطلاع على الأدب الحديث فقرأت دواوين شوقي وحافظ والزهاوي وسامي البارودي ..
كما قرأت مؤلفات المنفلوطي والرافعي فتفتحت أمامي الآفاق لأسلك هذا الطريق ( 5 ) وتحولت من الأدب القديم إلى الأدب الحديث بفضل المرحوم السيد عبيد مدني ( 6 ) .

الطارق : حسنا .. وقد تخرجت من تلك المدرسة عام 1346 هـ ، وعينت موظفا في ديوان أمارة المدينة المنورة ؟!

عبد القدوس الأنصاري : نعم .. وقد كان سبب ذلك أن الاختبارات العامة الأخيرة تتولها لجنة يرأسها أمير المدينة ، قد أعجب الأمير عبد العزيز بن إبراهيم ( 1346 هـ – هـ1355 ) بإجاباتي فقال لمدير المدرسة : ( أريد أن ينتقل هذا الولد –مشيرا إلي – الى امارة المدينة ليكون موظفا لدي ) ( 2 ) .

الطارق : وقد تقلدت عدة مناصب في تلك الفترة !؟

عبد القدوس الأنصاري : نعم .. وقد عينت أول الأمر بوظيفة مأمورية أوراق ديوان إمارة المدينة المنورة ، ثم رقيت إلى عمل وظيفة مأمور أوراق
، وعينت بعد ذلك نائباً لرئيس سكرتير مجل الإدارة ، وسكرتير للجنة تسوية الديون ، ولجنة الإسعاف الطبي ، ولجنة الصدقات ، فأستاذا للأدب العربي بمدرسة العلوم الشرعية – وهي المدرسة التي تخرجت منها - ، ثم معاونا لرئيس الديوان بالمدينة ( 1 ) .

الطارق : حتى انتقلت إلى مكة المكرمة لرئاسة تحرير جريدة " أم القرى " الحكومية ؟!

عبد القدوس الأنصاري : هذا صحيح .. فقد انتقلت إلى مكة المكرمة عندما صدر الأمر الملكي برقيا من جلالة الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – إلى سمو نائبه ( بالحجاز ) إذ ذاك – الأمير فيصل بن عبد العزيز – بنقل عبد القدوس الأنصاري لتحرير جريدة " أم القرى " ( 1 )
و كتب الأمير فيصل إلى الأمير عبد الله السديري أمير المدينة المنورة ( 1355 هـ – 1379 ) أن يتم إرسالي لأتولى تحرير هذه الجريدة

الطارق : ولم تكن راضي عن هذه المهمة ؟!

عبد القدوس الأنصاري : ( أبتسم وقال ) : نعم .. فلم أمارس من قبل رئاسة تحرير جريدة رسمية حكومية فلم أرأس إلا مجلة ( المنهل ) هي مجلة
أدبية ثقافية .. تجمع المقالات وتنشرها .. وموضوعها بسيط ومنهجها سهل بالنسبة إلى جريدة " أم القرى " الرسمية ومسئوليتها الكبيرة ..
وقد طلبت من الأمير عبد الله السديري إعفاءي من هذه المهمة الشاقة ، فقال لي هذا الأمير : " أذهب وتوكل على الله .. فسيفتح الله عليك ما دمت مؤمنا .. واحمد الله على أن الملك عبد العزيز وضع ثقته الغالية فيك " فصدعت بالأمر وذهبت إلى مكة ( 6 ) وقد توليت رئاسة تحريرها من سنة 1359 هـ إلى سنة 1361 هـ ، وفي وقت وزمن حرج .. زمن حرب عالمية ضارية ( 6 )

الطارق : وماذا بعد ذلك ؟!

عبد القدوس الأنصاري : نقلت بأمر سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز النائب العام لجلالة الملك إلى ديوان سموه .
وتقلدت من بعد ذلك في ديوان سموه عدة مناصب منها : سكرتير مجلس الوكلاء ، فمدير شؤون المشاريع والأنظمة للدولة ، فمدير الشؤون المالية للمملكة بالديوان ، فمستشار بديوان رئاسة مجلس الوزراء ، وفي أثناء ذلك عينت عوا بمجلس المعارف في عهد الشيخ " محمد بن مانع " مدير المعارف العام .
كما ساهمت في العديد من المؤتمرات واللجان الحكومية وانتدبت إلى الرياض في عهد المغفور له مؤسس المملكة لتنظيم شؤون التابعيات الإحصائيات والإقامة لسكان مدينة الرياض ، على رأس مختارة من مختلف الوزارات والدوائر الرئيسية
وبعد ذلك تفرغت لأعمالي ، ولمجلة المنهل التي أصدرتها عام 1355 هـ ولمؤلفاتي وكتبي ( 1 )

الطارق : الحقيقة ما أن يذكر عبد القدوس الأنصاري إلا وتذكر مجلة المنهل الأدبية والثقافية والتي كان لها دور كبير في الثقافة العربية في العصر الحديث ، وتعتبر من أهم المصادر لدراسة الأدب السعودي ، أحببنا أدبينا الفاضل أن تعرفنا كيف بدأت فكرة هذه المجلة وكيف خرجت إلى النور ؟!

عبد القدوس الأنصاري : كان بداية ذلك إطلاعي على بعض الجرائد والمجلات الأدبية والثقافية التي كانت تصل من مصر أيام وصول الري من مصر كل مرتين في الشهر وعلى ظهور الجمال !!
ثم بدأت اتصل بكثير من الأدباء والكتاب من مكة المكرمة والذين لم أكن أعرف عنهم شيء ..
وقد بدأت الحركة الأدبية والثقافية تنشط وتتسع ، وأراد بعض الكتاب إنشاء صحف في المدينة المنورة إلا أن العائق الكبير كان عدم وجود مطبعة في المدينة ..
وفي عام 1349 هـ غامر السيدان علي حافظ وعثمان حافظ وأحضروا مطبعة إلى المدينة من مصر ..
ففكرت في إصدار مجلة ثقافية باسم ( المنهل ) ثم بدأت عملي الاستعداد لإصدارها غير أنه لم يكن هناك مال يساعد على إصدارها فكتبت عريضة في تلك السنة لوكيل أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبد العزيز بن إبراهيم أعرض عليه الأمر وأطل منه رفعه لسمو الأمير فيصل، فأعجب هذا الأمير وفرح لذلك ورفع الأمر إلى ديوان النائب العام ، وعادة المعاملة بعد إحالتها لمجلس الشورى الذي وافق على الفكرة مبدئيا ..
وفي تلك الفترة اتصلت بالصحافة الخارجية مثل " المقطم " و " المقتطف " و " الهلال " و " المرشد العربي " و " الأهرام " في مصر و المرشد العربي " في سوريا ( 6 ) .
و " المرشد العربي " بظفار " و " مجلة العالم الإسلامي " بسومطرة ( 4 )
ولم تصدر مجلة " المنهل " إلا في سنة 1355 هـ بسبب إجراءات الدوائر الرسمية ، وبعد توسط فؤاد حمزة الذي كان في منصب وكيل وزارة الخارجية في ذلك الوقت ..
وتمت موافقة الأمير فيصل على صدور هذه المجلة على أن لا تتعدى أمور الأدب !
مع دفع كفالة قدرها خمسون جنيها ذهبية لدى المالية ! وكانت عقبة شديدة لولا مساعدة صديقي الكريم السيد أحمد الخياري
وانتهت هذه العقبة وغيرها من الإجراءات الأخرى وسمح لي بإصدار المجلة ( 6 ) .

الطارق : وبدأت إصدار هذه المجلة في المدينة المنورة ومن بعد ذلك انتقلت طباعتها إلى مكة المكرمة وأخيرا إلى جدة حيث لا زالت تصدر حتى الآن ؟!

عبد القدوس الأنصاري : أحسنت ..

الطارق : أديبنا الفاضل ، أحببنا أن تذكر لنا بعض من الكتب التي ألفتها ؟!

عبد القدوس الأنصاري : نعم ، ألفت عدة كتب هي :

1- تاريخ مدينة جدة : وقد صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1384 هـ
وهو دراسة شاملة عن مدينة جدة
2- الملك عبد العزيز في مرآة الشعر : هو دراسة لشخصية الملك عد العزيز آل سعود من خلال الشعر الذي قيل فيه مدحا ووصفاً ..
3- بين التاريخ والآثار : وهو دراسة تاريخية مستخلصة من الآثار والمشاهدات للآثار القائمة والباقية .
4- طريق الهجرة النبوية : والكتاب دراسة ومتابعة للأماكن التي وردت في السيرة النبوية . 1398 هـ
5- بنو سليم : دراسة عن قبيلة بني سليم .
6- الصيام وتفسير الأحكام : مجموعة أحاديث حول الصيام أذيعت من إذاعة نداء الإسلام بمكة المكرمة في شهر رمضان عام 1391 هـ .
7- الأنصاريات : ديوان شعر . 1384 هـ
8- آراء في اللغة .
9- مع ابن جبير في رحلته : تأملات وملاحظات في رحلة ابن جبير .
01- التوأمان : عام 1349 هـ ، وهي أول قصة وتعتبر من البدايات القصصية في الحجاز .
11- آثار المدينة المنورة : طبع سنة 1353 هـ ، دراسة لآثار المدينة
21- إصلاحات في لغة الكتاب والأدب : صدرت الطبعة الأولى سنة 1353 هـ
31- تحقيق أمكنة في الحجاز و تهامة : عام 1379 هـ
41- تاريخ العين العزيزية بجدة ولمحات عن مصادر المياه في المملكة العربية السعودية : 1389 هـ
51- الأجوبة المعدة في حتمية ضم جيم جدة – بالاشتراك مع الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين والشيخ أبو تراب الظاهري .. ( 7 ) .
وغيرها من الكتب
الطارق : قد أثريت المكتبة السعودية بكتبك ، حتى تعد كتبك من أهم المراجع وأصدقها ، وتعتبر مؤلفاتك بالفعل موسوعة أدبية وتاريخية ..
لم يبقى من شيء أديبنا الفاضل إلا أن نذكر أنك كنت عضو في المجمع اللغوي العراقي ، وحزت على براءة رائد من رواد الأدب في المملكة العربية السعودية من جامعة الملك عبد العزيز " بجدة " .
وكان لك السبق في اقتراح جائز الملك فيصل العالمية ( 1 ) ..
شكرا لك ..
توفي الأديب والرائد الكبير عبد القدوس الأنصاري سنة 1403 هـ بعد كفاح عظيم في مجال الأدب والثقافة وكان له الدور الكبير في بروز الكثير من الأدباء في المملكة العربية السعودية ، رحمه الله ،،،،

-------------------------------------------------------

المصادر :

( 1 ) عبد القدوس الأنصاري من رواد الأدب والفكر العربي الإسلامي : / ص 11 ، 12 (أكرم جميل قنبس - دار الفرائد للطباعة والنشر التوزيع ( دمشق – 1996م )
( 2 ) " الكتابة والتاريخية عند عبد القدوس الأنصاري " / ( أحمد سالم باعطب ) : مجلة المنهل (ص 122 ) العدد ( 553 ) في ( جماد الأخر ورجب ) .
( 3 ) " عبد القدوس الأنصاري .. علم النهضة الفكرية .. في الجزيرة العربية " ( شمس الدين الحاج يوسف ) : ( مجلة المنهل ) العدد ( 492 ) جمادى الأولى والأخرة لعام 1412 هـ .
( 4 ) " عبد القدوس الأنصاري في ذكراه السابعة " ( د . محمد رجب البيومي ) : ( مجل المنهل ) العدد ( 477 ) جماد الآخر 1410 هـ .
( 5 ) عبد القدوس الأنصاري من رواد الأدب والفكر العربي الإسلامي : / ص 20 (أكرم جميل قنبس - دار الفرائد للطباعة والنشر التوزيع ( دمشق - 1996 م )
( 6 ) "عبد القدوس الأنصاري ، رائد الصدق والالتزام " ( عبد الكريم عبد الله نيازي ) : ( مجلة المنهل ) العدد ( 520 ) رجب ، شعبان 1415 هـ
( 7 ) موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين ( أعداد : أحمد سعيد بن سلم ) : الجزء الأول / ص 32 ) .

الطارق غير متصل قديم 09-09-2001 , 02:21 AM
dr.okaz dr.okaz غير متصل    
عضو نشيط جداً  
المشاركات: 268
#23  
ما شاء الله لا قوة الا بالله
ما شاء الله قربت من تكوين كتاب متكامل...

هكذا تكون المواضيع....

و انا في انتظار المزيد...

dr.okaz غير متصل قديم 15-09-2001 , 06:13 PM
الطارق الطارق غير متصل    
مبدع  
المشاركات: 2,307
#24  

أخي الفاضل الدكتور عكاظ
أشكر لك تعقيبك هذا الذي أسعدني كثيرا
وزادني حماسا في إكمال هذه الحوارات بإذن الله
عزيزي ،،
ما هذا الموضوع إلا محاولة متواضعة للتعريف
بأعلام عظام في تاريخنا العربي العظيم ، يستحقون
الكثير من الجهد لتعريف بهم !
وأدعو من الله عز وجل أن يعينني في إكمال هذه الحوارات
في أقرب فرصة بإذنه تعالى ،،
وسيكون شخصيتي القادمة الخليفة العظيم ( هارون الرشيد )

أشكرك أخي مرة أخرى ،،،
وتحياتي وتقديري ،،

الطارق غير متصل قديم 16-09-2001 , 04:59 PM
 


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB غير متاح الإبتسامات غير متاح كود [IMG] غير متاح كود HTML غير متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.