|
مبدع
|
|
المشاركات: 2,307
|
#31
|
حوار مع بشار بن برد :
كان محاوري جاحظ الحدقتين ، تغشاهما لحم أحمر ، ضخم عظيم الخلق والوجه مجدرا طويلا [ وفيات الأعيان : ج1 ص272 ]
كان هذا هو شاعر المحدثين وأشعر المولدين على الإطلاق في العصر العباسي كان هذا هو بشار بن برد أبو معاذ العقيلي الشاعر المشهور ...
أنا : بدا الأمر أحييك ، شاعرنا الكبير ، وأرحب بك في حوارنا هذا ..
بشار بن برد [ وبضجر ] : أهلا بك .. ولتعجل بأسئلتك ..
أنا [ وقد علمت طبعه الذي يغلب عليه التبرم ، حتى كان يقول : الحمد لله الذي ذهب ببصري .. لئلا أرى من أبغض [ الأغاني : ج3 / ص133 ] : حسنا .. حسنا .. سنبدأ بسؤالنا الأول :
أحببنا أن تحدثنا عن نسبك ومولدك ونشأتك ؟!
بشار بن برد : نعم .. أنا بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاءه ..
وجدي يرجوخ من طخارستان ممن سباهم المهلب بن أبي صفرة والي خراسان (79-81هـ) ، لذا نشأ والدي على الرق وكان والدي في عداد رقيق خيرة القشيرية امرأة المهلب ، ثم وهبته لامرأة من بني عقيل ..
وفي ملكها ولدت على الرق، ثم لم تلبث العقيلية أن أعتقت أبي فأصبحت من الموالي [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 )]
وقد لدت سنة 95 هـ [ الأعلام : ج2/ص52 ]
أنا : حسنا ،، حسنا لا أود مقاطعتك .. لكن تنتسب في أحد قصائدك إلى الروم من جهة أمك تقول في:
وقيصر خالي إذا ** عددت يوما نسبي [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]
بشار بن برد : وهل تشك في هذا ؟
أنا : حسنا .. حسنا .. دعنا من هذا .. ولتحدثنا عن نشأتك ؟!
بشار بن برد : ولدت أعمى .. وكان والدي طيانا يعيش من ضرب اللبن معيشة تقوم على الشظف ، وكان لي أخوين هما بشر وبشير ...
أنا : الغريب في أمرهما أنهم كانا سويين إذ كان أحدهما أعرج والأخر أبتر اليد ، وأنت أعمى ؟! [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]
بشار بن برد [ بغضب ]: ويحك هل تسخر منا ؟!
أنا : عفوا .. عفوا .. إنما أذكر ما يذكره المؤرخون عن شخصكم العظيم ؟! فرغم هذا فقد نبغتم نبوغا عظيم حتى بغى ذكركم وحتى زماننا هذا !
بشار بن برد [ وقد هدأ بعض الشيء ] : حسنا .. هذا صحيح .. .. ولكن إصابتي بالعمى وحال عائلتي لم يمنع من أن أخذ العلم في المساجد والمربد وأنهل من حلقات العلم والشعر .. بل أن نشأتي في بني عقيل جعلتني أجيد الفصاحة العربية [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]
أنا : وقد كان مولدك بركة على والدك كما صرح والدك بذلك ؟!
بشار بن برد : نعم .. كان يقول عني ما رأيت أعظم بركة منه ، ولقد ولد وما عندي درهم فما حال الحول حتى جمعت مائتي درهم [ الأغاني : ج3 / ص204 ]
أنا : يقال أنك وفي العاشرة من عمرك بدأت تنظم الشعر ؟
بشار بن برد : نعم حدث هذا وكنت .. أهجو الناس وكانوا يشكون إلى أبي فيضربني حتى رق من كثر ضربه لي وكانت أمي تخاصمني وكنت أقول له قل لهم ( ليس على الأعمى حرج ) فجأة يشكون لأبي على هجائي فذكر لهم هذا فقالوا : فقه برد أغيض علينا من شعر بشار [ج 7/ص113 ]
بل أني وفي صغري اعترضت جرير وهجوته فاستصغرني وأعرض عني ولو أجابني لكنت أشعر أهل زماني [ الاغاني ج3 / 136 ]
أنا : حسنا .. أديبنا في تلك الفترة ذهبت إلى البادية ، فأقمت بها فترة لتنهل من فصاحة الأعراب ، ثم رجعت إلى البادية لتكثر من الاختلاف إلى حلقات المتكلمين ومجالسهم ؟!
بشار بن برد : نعم وقد كنت أكثر من النظم في المديح وغير المديح ، وكانت أقدم مدائحي في عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والي العراق لسنة 126هـ [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ]
أنا : وفي تلك الفترة اصطدمت بالمعتزلة وكبيرهم واصل بن عطاء الذي كانت قبل ذلك علاقتك به جيدة كثير المديح له حتى فضلته على خالد بن صفوان وشبيب بن شيبه والفضل بن عيسى عندما خطبوا عند عبد الله بن عمر والي العراق حتى قلت فيه :
أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ** من خطبة بدهت من غير تقدير
وإن قولا يروق الخالدين معاً ** لمسكت مخرس عن كل تحبير ؟! [ البيان والتبيين ) ج1 / ص37 ]
بل ويذكر في الأغاني أنك كنت تجلس مجالسه وتستمع إلى محاورته مع مذاهب الثنوية والمجوسية والدهرية والهندية [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / ص202 ) ] فكيف انقلب مديحك إلى عداء وكره ؟!
بشار بن برد ( وقد اضطرب من هذا ) : إنما هو عداء لا أساس له ..
أنا : ولكن يقال أنك تأثرت بهذه المذاهب ، وأصبحت تدين بالرجعة ، وتكفر جميع الأمة ، بل وقلت بيت شعر تشيد بعبادة النار :
الأرض مظلمة والنار مشرقة ** والنار معبودة مذ كانت النار
بل وتماديت حتى فضلت إبليس المخلوق من النار على آدم عليه السلام المخلوق من الطين :
أبليس أفض من أبيكم ** فتنبهوا يا معشر الفجار
النار عنصره وآدم طينة ** والطين لا يسمو سمو النار [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول / 203 ، 204 ) ]
فطردك واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد من البصرة ؟!
بشار بن برد : كذبوا والله ، إنما هذا ما ينسب لي دون حقيقة .. وقد فتشوا كتبي ولم يجدوا شيء من يرمي بي ، بل وجدوا لي كتاب ( رسالة ) أقول فيها : ( إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم [ وفيات الأعيان : ( ج1 / 273 ) ]
أنا : حسنا .. بعد أن تمطردك من البصرة رحلت إلى حران حيث مدحت سليمان بن عبد الملك وكان هذا أول خليفة تمدحة ؟!
بشار بن برد : نعم وقد وصلني بخمسة لاف درهم ، فلم أرضها وانصرفت عنه مغاضبا ، ورجعت إلى العراق حيث يزيد بن عمرو بن هبيرة والي العراق وكان هذا يتعصب لقيس وكنت موالي لبني عقيل من قيس فأخذت أمدحه فكانت وكان يبرني لمدحي قيس وافتخاري بهم و يصلني بالعطايا حتى ارتفع ذكري [ الأغاني ج3 / ص 216 ، 234 وأنظر تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204].
أنا : وفي تلك الفترة تنهار الدولة الأموية أمام جحافل العباسيين ، الذين يعتمدون على الموالي بشكل كبير ؟!
بشار بن برد : كان هذا حق ، ورغم هذا فلم أفد على السفاح والمنصور ، ولكني أخذت أمدح خالد بن برمك الذي استوزره ثم ولاه ولاية فارس ، فأخذت أمدحه وكان يجزل لي العطاء والإكرام [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204، ص205 ، والغاني ج3 / ص149 ] ..
أنا : وقد بدأت في هذه الفترة تتغنى بشعوبيتك وتفخر بقومك [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204، ص205 ، والغاني ج3 / ص149 ] !!
بشار بن برد : وما شأنك أنت ؟
أنا : حسنا .. حسنا .. لا شأن لي .. ولنكمل مسيرتك تقول المصادر الأدبية أنك في تلك الفترة عدت إلى البصرة بعد وفاة عمرو بن عبيد [ ت 144 ] ، وقد حدثت ثورة العلويين بزعامة إبراهيم بن عبد الله سنة 145هـ والتي هددت العباسيين ، فمدحت إبراهيم بميمية رائعة ، ثم سريعا ما يقمع أبو جعفر المنصور تلك الثورة ، فغيرت في القصيدة وجعلتها مدح له [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص204، ص205 ، والغاني ج3 / ص149 ] ...
بشار بن برد : حدث هذا بالفعل .. وكان هذا سببا في عدم وفودي إلى أبي جعفر المنصور ، وكنت في تلك الفترة أمدح ولاة البصرة وخاصة سلم بن قتيبة الباهلي ( والي البصرة من سنة 145-146) وعقبة بن سلم الهنائي الأزدي الذي وليها لأربع سنوات من سنة 147 إلى سنة 151 هـ . (12 ) [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]
أنا : وكنت في تلك الفترة تشبب بالنساء وتتغزل بهن بغزل مكشوف ، ثم تصدم بحماد عجرد وتنشب بينكما معارك هجاء حامية الوطيس [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]
[ يقول حماد عجرد :
ويا أقبح من قرد ** إذا ما عمي القرد
وقد أوجع هذا البيت بشار كثيراً ]
بشار بن برد ( وقد تغير لونه وبعد ذكري حماد عجرد ) : حدث هذا بالفعل ..
أنا : وقد توفي المنصور سنة 158 هـ ويتولى الخلافة المهدي ، فترغب في الوفود إليه ؟!
بشار بن برد : نعم ..وقد طلبت من يزيد بن مزيد الشيباني إيصالي للمهدي ، إلا أنه لم يفعل فيصلني به روح بن حاتم ، فأصل للمهدي وأمدحه ويكرمني .. [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]
أنا : ورغم هذا فقد فمنع المهدي من التشبب بالنساء والغزل الفاضح ، وأمرك بالكف عن هذا الغزل ..
بشار بن برد : نعم .. وقد كففت عن هذا ، وأخذت أردد في أشعاري تركي للغزل والنسيب ونزولي على أمر الخليفة [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 205 ]
أنا : وفي تلك الفترة من سنة 166 هـ يتعقب المهدي الزنادقة ويقتل منهم خلقا كثير ، فتلزم أنت البصرة اشفاقا على نفسك ، إلا أنك لا تصمت بل تأخذ في رثاء أصدقائك الذين يقتلون على الزندقة ؟! [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 206 ]
حتى تتعرض للقتل على الزندقة سنة 168 هـ وعلى يد المهدي ، وتكون هذه نهايتك وعلى الزندقة [ تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) ص 206 ]
؟!
بشار بن برد : بل قتلني المهدي ظلما وعدوانا ..
أنا : بل شهد شهود أنك على الزندقة ..
بشار بن برد : كذب وعدوان .. ولا أساس لهذا .. لقد هجوت وزير المهدي يعقوب بن داود فقلت فيه :
بني أمية هبوا طال نومكم ** إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ** خليفة الله بين الزق والعود
وقد حرض هذا الوزير على المهدي فما أن سمع بهذا حتى نزل إلى البصرة فقط لقتلي لقولي هذا الشعر [ الاغاني : ج3 / 241 ]
أنا : ولكنه وجدك وأنت سكير تؤذن فقتلك على هذا بالسيط ( نفس المصدر ]
بشار بن برد : بهتان وكذب .. كيف هذا وقد بعث المهدي وبعد وفاتي ليبحث عن دليل على زندقتي فلم يجد إلا رسالة هي هذه :
بسم الله الرحمن الرحيم
أني أردت هجاء آل سليمان بن علي لبخلهم فذكرت قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم إجلالا له صلى الله عليه وسلم ..
فلما قرأ هذا المهدي بكى على قتلي وقال لا جزى الله يعقوب بن داود خيرا فإنه لما هجاه لفق عندي شهود علة أنه زنديق فقتلته [ الأغاني : ج3 / ص246 ]
أنا : حسنا .. الله أعلم بهذا الأمر هو الأعلم في كل هذا وهو الذي يحكم في يوم الدين بين البشر سبحانه وتعالى ما اجله ..
لم يبقى إلا أن نذكر بعض الشيء عن شعرك فقد اتفق جميع النقاد على أنك زعيم الشعراء المحدثين ويقول الجاحظ ليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه [ الحيوان : ج4 / ص454 ] وقال في البيان والتبيين : كان بشار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وسجع ورسائل وهو من المطبوعين أصحاب الإبداع والاختراع المفتين في الشعر القائلين في أكثر أجناسة وضروبه [ الأاغاني : ج3 / 137 ]..
وكان الأصمعي يقول يقول : بشار خاتمة الشعراء ، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كير منهم [ الأغاني : ج3 / ص135 ]
حتى قال أحدهم : عهدي بالبصرة وليس فيها غزل ولا غزله إلا يروي من شعر بشار ولا نائحة ولا مغنية إلا تتكسب به ، ولا ذو شرف إلا يهابه ويخاف معرة لسانه [ الأغاني : ج3 / ص142 ]
بل حتى قلت : هجوت جريرا فأعرض عني واستصغرني ولو أجابني لكنت أشعر الناس [ نفس المصدر ]
بشار : بل أنا أشعر الشعراء ـ لي اثنا عشر ألف بيت عين جيدة ، وهذا ما لم يصنعه أحد [ الأغاني : ج3 / 136 ]
|
|
15-11-2002 , 01:12 AM
|
|