ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ماتبين لهم الهدى الشيطان سول لهم واملى لهم
47:26 ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا مانزل الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم اسرارهم
47:27 فكيف اذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم
47:28 ذلك بانهم اتبعوا مااسخط الله وكرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم
47:29 ام حسب الذين في قلوبهم مرض ان لن يخرج الله اضغانهم
47:30 ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم اعمالكم
إن الذين ارتدوا على أدبارهم ـ من بعد ما تبين لهم الهدى ـ الشيطان سول لهم وأملى لهم. ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر. والله يعلم إسرارهم"..
والتعبير يرسم معنى رجوعهم عن الهدى بعد ما تبين لهم. في صورة حركة حسية، حركة الارتداد على الأدبار. ويكشف ما وراءها من وسوسة الشيطان وتزيينه وإغرائه. فإذاً ظاهر هذه الحركة وباطنها مكشوفان مفهومان! وهم المنافقون الذين يتخفون ويتسترون! ثم يذكر السبب الذي جعل للشيطان عليهم هذا السلطان، وانتهى بهم إلى الارتداد على الأدبار بعد ما عرفوا الهدى وتبينوه:
"ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر"..
واليهود في المدينة هم أول من كرهوا ما نزل الله؛ لأنهم كانوا يتوقعون أن تكون الرسالة الأخيرة فيهم، وأن يكون خاتم الرسل منهم، وكانوا يستفتحون على الذين كفروا ويوعدونهم ظهور النبي الذي يقودهم ويمكن لهم في الأرض، ويسترجع ملكهم وسلطانهم. فلما اختار الله آخر رسله من نسل إبراهيم، من غير يهود، كرهوا رسالته. حتى إذا هاجر إلى المدينة كرهوا هجرته، التي هددت ما بقي لهم من مركز هناك. ومن ثم كانوا إلباً عليه منذ أول يوم، وشنوا عليه حرب الدس والمكر والكيد، حينما عجزوا عن مناصبته العداء جهرة في ميادين القتال؛ وانضم إليهم كل حانق، وكل منافق، وظلت الحرب سجالاً بينهم وبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أجلاهم في آخر الأمر عن الجزيرة كلها وخلصها للإسلام.
وهؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم قالوا لليهود: "سنطيعكم في بعض الأمر".. والأرجح أن ذلك كان في الدس والكيد والتآمر على الإسلام ورسول الإسلام.
"والله يعلم إسرارهم".
وهو تعقيب كله تهديد. فأين يذهب تآمرهم وإسرارهم وماذا يؤثر؛ وهو مكشوف لعلم الله؟ معرض لقوة الله؟
ثم التهديد السافر بجند الله، والمتآمرون في نهاية الحياة:
"فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم"!
وهو مشهد مفزع مهين. وهم يحتضرون. ولا حول لهم ولا قوة. وهم في نهاية حياتهم على هذه الأرض. وفي مستهل حياتهم الأخرى. هذه الحياة التي تفتتح بضرب الوجوه والأدبار. في لحظة الوفاة، لحظة الضيق والكرب والمخافة. الأدبار التي ارتدوا عليها من بعدما تبين لهم الهدى! فيا لها من مأساة!
"ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله، وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم"
فهم الذين أرادوا لأنفسهم هذا المصير واختاروه. هم الذين عمدوا إلى ما أسخط الله من نفاق ومعصية وتآمر مع أعداء الله وأعداء دينه ورسوله فاتبعوه. وهم الذين كرهوا رضوان الله فلم يعملوا له، بل عملوا ما يسخط الله ويغضبه.. "فأحبط أعمالهم".. التي كانوا يعجبون بها ويتعاجبون؛ ويحسبونها مهارة وبراعة وهم يتآمرون على المؤمنين ويكيدون. فإذ بهذه الأعمال تتضخم وتنتفخ. ثم تهلك وتضيع!
http://www.qudsway.com/Links/almujahed/355/355-3.htm