|
مبدع فائق التميز
|
الشـــرقيــة
|
المشاركات: 7,757
|
#1
|
خيمة العزلة
`في السابق كان بعض الأدباء يضربون على أنفسهم خيمة العزلة ويقيمون علاقاتهم مع الأشياء بعد أن تجمدت علاقاتهم الإنسانية ، فنراهم يعبرون عما يشعرون به نحو أشيائهم كالجدار .. النافذة .. الباب .. القمر .. الشجر ... وكل ما هو لصيق بهم وبجوارحهم ليتحدث عن أعباء وجدانهم ، فينطقون أوراقهم ويبكون رماحهم . قال الشاعر :
تذكرت من يبكي علي فلم أجد سوى السيف اليف والرمح الرديني باكيا
وهكذا تحتوي الجوامد أحاسيسهم وتمتزج الحرقة والأمل ليشكلا نسيج العلاقات الحميمة التي يحاورنونها.
عالم وحيد معزول تفرضه الحساسية المفرطة والشفافية المضطرمة تجاه تأملاتهم في الحياة ، وينتهي بهم المطاف نحو إبداع ، وموت وحيد .. !!
واليوم يعيش كل منا عزلته – بطريقة الأدباء – ولكن هذه المرة عزلة مفروضة وليست مختارة ، عزلة صنعها التلفاز والسيارة ، فلا نكاد نختلي بأنفسنا أو حتى نجلس مع الآخرين في العمل أو في المنزل أو مع الأصدقاء إلا ويدور الحديث عن المسلسل الفلاني وبرامج القناة العلانية ، وآخر موديل سيارة وصراع الموضة .. وتسطح العلاقات الإنسانية لنجد أنفسنا ندور في دوامة العمل والعزلة إلا من القنوات المفتوحة على العالم البعيد والمغلقة على بيئتنا والقريبين منا. وقد نقرر فيما بين أنفسنا أن نزور أحد المرضى المعروفين لنا والقابعين في المستشفى منذ أسابيع ولكن تمر أسابيع وأخرى ولا نفعل .. وقد نتمنى أن نعيد تجديد صداقاتنا مع من نعرف بزيارته وتمر الأيام ولا نتمكن حتى من الإتصال هاتفيا عليه، وما يزيد الطبن بله هذه الأيام أن مناسبات مثل الأعياد والتعازي نقوم بتأديتها عبر الفاكس أو البريد الالكتروني نرسل من خلالهما تهانينا أو تعازينا وقد نبتسم وربما نفرح ونشارك الآخرين عبرهما . وأي مشاركة !! فلا وقت نضيعه في ثرثرة هاتفية أو زيارة أسرية ، ونظل نردد في أنفسنا : الوقت .. الوقت !. ليت في اليوم ثمان وأربعين ساعة بدل أربع وعشرين ساعة ؟!
|
|
23-12-2000 , 06:01 PM
|
الرد مع إقتباس
|