|
عضو شرف
|
السعودية
|
المشاركات: 8,153
|
#2
|
خطبة الشيخ سعود الشريم عن حقوق الإنسان الزائفـة
إننا لنعلم بالضرورة أنه لا يجوز للناس أن يتخذوا غير الله ربا أو حكما ، وأن من فعل ذلك أو هم به فهو جاحد للحق خائن للنعمة ، وكذا من اتبع غير ما شرعه الله ، أو حكم بغير ما أنزل الله ، إنما هو مهمل للتشريع الإلهي ، ومعتنق للقوانين البشرية ، في عبث شائن وجاهلية منكرة ( أفغير الله ابتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً ) [سورة الأنعام:114].
إنها لم تترك أحكام الله إلا ببواعث الهوى ، غير أنه منظم مزويق ، كأنه منطق العقل الشديد ، وهدي المصلحة الزائفة ، التي لا تتصل بحنايا القلوب (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين )[سورة يونس:94]. ( إن الحكم إلا لله ) [سورة يوسف:40] . (له الحكم وإليه ترجعون ) [القصص:70].
إن الشريعة الإسلامية ضمان للصالح العام ، وهي مبنية على الرحمة والعدل ، والخير الذي يأمر الله عباده به – وما يأمر إلا بخير – تعود غايته لإسعاد الناس في عاجلهم وآجلهم ، والشر الذي نهاهم عنه – وما ينهي إلا عن شر – ليس إلا وقاية لهم ، من أذى قريب أو بعيد ، أو من سوء مغبة جلية أو خفية ؛ ولذا سما الإسلام بالإنسان روحا وجسدا ، وعقلا وقلبا ، لم يضع في عنقه غلا ، ولا في رجله قيدا ، ولم يحرم عليه طيبا ، كما أنه لم يدعه كالكرة تتخطفها مضارب اللاعبين ، فتتهادى في كل اتجاه ، بل خاطبه ربه خطابا صريحا :( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك ) [سورة الانفطار:6-8]. ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) [سورة الانشقاق:6].
يقول ابن القيم رحمه الله : اعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه ، بأن كرمه وفضله وشرفه ، وأنزل إليه وعليه كتبه ، وأرسله وأرسل إليه ، فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات .
ومن ثم عباد الله ، فإن الناس في هذه القضية طرفان ، فالماديون التحرريون قالوا : إن الإنسان يعيش لنفسه ومتاع الدنيا ، فإذا كان الأحمق منهم يعيش ليأكل ، فإن العاقل منهم يأكل ليعيش .
وأما المؤمنون الموحدون فقالوا : إنما يعيش الإنسان لربه الأعلى ، ولحياته الباقية الأخرى ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ) [سورة المؤمنون:115].
بيد أن أهل الكفر – عباد الله – قد بذلوا غاية وسعهم في الدعوة إلى قضية كبرى ، وراءها ما وراءها من الخطورة على الفكر ، والوعورة في المسلك ، ألا وهي ما أسموها : ((مبادئ حقوق الإنسان )) ، وجعل الحريات حسب مفهومهم العلماني ، الرافض للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها سببا يبيحون به تدمير الأخلاق ، ويشيعون به فوضى الغرائز في ديارهم ، والبلاد التي تشبهها أو تقتدي بها ، حتى تلتبس بلباس العلمانية ، المخيط من جراء التحررمن الدين وتنحيته عن واقع الحياة .
وهم يزعمون أنها مبادئ الحضارة والتقدم والرقي ، من خالفها وكابر فيها رموه بأنه مخالف لمبادئ حقوق الإنسان ، وليست من الحق في ورد ولا صدر ، ولا هى من بابته حيث أن حلوها مر وسهلها صعب ودماثتها دميمة.. ولقد صدّقوا ظنهم فاتّبعهم أغرار ولهازم من مفكرين وكتاب في العلوم السياسية والاقتصادية والقانونية ، وعلم الاجتماع ، وأخذوا في الدعوة إلى حقوق الإنسان على ما يريده الغرب الحاقد، ومن عامة الناس أشياع لهذه الدعوات ولدات ، ويتنكرون لأصول دينهم ، إبان سنة من ذوي الإصلاح والتوجيه ، ويظنون في مبادئ حقوق الإنسان ، النضج والخروج من المأزق ، وأن ما يأتي من ديار الإسلام قديم بال ، حتى وقعت مواقع بين الطرفين ، وكان سلاحها من أولئك ، قذائف الزندقة والكفر ، ومن أولاء دروع الاستكانة والتخاذل عن القيام بالواجب .
هذه المبادئ التي أرادوهاتمثلت بشعار الحرية والمساواة والإخاء ،,, ويالله ،,, إلى أي مدى بلغت هذه المبادئ من تضليل الشعوب ، بيد أن الجميع غير قادرين على أن يصلوا إلى نقطة ارتكاز ينبثق منها هذا المبدأ المزعوم ، فماذا تعني عندهم كلمة الحرية والمساواة والإخاء ، أهي في الفكر ؟ أم الاقتصاد؟ أم الصحافة ؟ أم الاجتماع ؟! .
وإذا سّلمنا جدلا أنها تعني هذه المعايير كلها ، فمن الذي يحدد نسب هذه الحريات وحدودها؟ أهو السلطان؟ أم الشعوب؟ أم الشعار نفسه؟! .
والواقع المشاهد عباد الله ،أن منشئي معاني هذه المبادئ لم يصلوا إلى تحديد الوجهة ، ولا زالوا يعانون من مشكلات هذه الطروحات ، والحق أن من كان خصب الحدس واسعه ، علم أن هذا كله كان ألفاظا ورسوما لمقررات اليهود وحكمائهم والتي قالوا فيها :كنا أول من اخترع كلمات الحرية والمساواة والإخاء والتي أخذ العميان يرددونها في كل مكان دون ترو ، بل إنها جلبت لنا أعوانا من جميع أنحاء الدنيا،,,, والحق عباد الله أنه مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا .
أيها المسلمون:
إن الكثيرين يسمعون ويشاهدون في صحف العالم تارة ، وفي المنتديات المقنعة تارات ، لغطا جهولا ، مصحوبا بقلم متعثر ، وفكر في كل واد منه شعبة ، حول قسوة القيود ، التي جاء بها الشارع الحكيم ، ورميها بأحدّ العبارات المسفهة ، ودهماء الناس مشغولون بالجدل والحوار حول ما يثيرونه ، ويتوهمون أنها مشكلات حقيقية ، لابد لها من حلول ، فيقدحون في التشريع، ويهوشون في الحدود ، ويفتحون ملف المرأة على أنها مهضومة الحق ، أسيرة الكبت، لا حظ لها في العب من الفوضى ، ولا قدم لها في المنتديات أو الدوائر المكشوفة ، وأنها متى رغبت في أخذ حقها المزعوم ، أو التعبير عن رأيها الفاضح ، فليس لها إلا أن تتسلل لِواذاً على تخوف لا يزيله إلا تقادم الأيام ومر الليالي .
ونظن أن خطورة مثل هذه القضية قد تبدت خطوطها ، ولا يُظَن بالطبع أن ما بقي من ألوانها ورسومها بمعجزنا أن نتخيله ، فمواقعوها صنف من الناس يتمددون بالحرية ، وينكمشون بالإسلام ، وكفاكم من شر سماعه ، وتلكم شمالةٌ نعيذكم بالله من غائلتها ، يشوشون حق المرأة، ويطلبون إنصافها ، فطبّوا بذلك زكاما ، في حين أنهم ما أحدثوا إلا جذاما ، وحللوا بزعم منهم عقدا ، وبالذي وضعوه زادت العقد .
ولا غرو أن يحصل هذا عباد الله ، إذا نطقت الرويبضة ، ولا جرم ألا يصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا ، ومن يثني الأصاغر عن مرادهم إذا جلس أكابرهم في الزوايا ؟! .
إني أسائلكم عباد الله : ما هذه الحرية التي يطبلون لها ويزمرون ، ويجعلون الاعتداء عليها أو التطرق لنقدها كفرا بها وبالديمقراطية ، ما هذا كله ؟ أهي حرية المرأة في أن تخلع جلبات حيائها ، وتكشف من جسدها ما تريد ؟ أو هي حرية الفسوق والعصيان اللذين كرههما الله إلى السلف الصالح ( وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون * فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ) [سورة الحجرات:7-8].
إنهم بين أمرين لا ثالث لهما : إما انهم يهرفون بما لا يفقهون ، وإما انهم يتسترون بالألقاب والمسميات الخلابة ، من حرية وإخاء ، وفِكاك من إصر وأغلال ، والله أعلم بما يوعدون ، والمثل السائد : ((تحت الرغوة اللبن الصريح )) ، وإلا فأي أمة تصنع هذا الصنيع ، وهي تريد أن تكون ممن يرد حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ، أتريد أن تكون بدعا من الأمم ، تأخذ من كل أمة شر ما عندها ، وتدعو إلى أن تبدأ حياتها الاستقلالية بهذه الأخلاط من الشرور ، المركبة تركيبا مزجيا يمنعها من الصرف والعدل ، إنه والله طريق الموت الحاضر لا طريق الحياة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى )) قالوا : من يأبى يا رسول الله ؟ قال : ((من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى )) رواه البخاري .
ولكن من مبلغ عنا الرعاع من بني قومنا ، أن دعاة حقوق الإنسان وأبواقهم قد رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، وخافوا بذلك أن تفوتهم حظوظ من الدنيا ، بانقطاع لذائذهم ، وانتشال علائقهم ، فتقدموا حاقدين ، ضامرين الغدر ناسين أن الله سميع بصير ، وأنه خير حافظا وهو أرحم الراحمين ، كما أنه كتب على نفسه أنه سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يدع بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الاسلام وذلا يذل به الكفر , ولمثل هذا فليبك الباكي حسبكم باليهود من هلاك .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ؛ يهودي ، ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )) رواه مسلم .
ومن هنا برزت لنا حقوق الإنسان على ما أراده الشارع الحكيم ، في مثل خطاب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )) ، وقد ترجم البخاري في صحيحيه بابا يقول : ((ظهر المؤمن حمى إلا من حدٍّ أو حق )) ، وتفسير هذه القاعدة يتمثل في أن حقوقه محمية إلا إذا ارتكب ما يوجب العقوبة عليها ، كما أنها تعني كذلك : وجوب تطبيق الحدود ، والغيرة على حرمات الله ، لقول عائشة رضي الله عنها : ((والله ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله )) رواه البخاري .
ومن معاني القاعدة أيضا : المساواة أمام العقوبات بين الشريف والوضيع ؛ لأن الغاية هي المحافظة على حقوق الجميع ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : ((إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركونه على الشريف ، والذي نفسي بيده لوأن فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها )) رواه البخاري .
كما أن من معاني تلكم القاعدة العظمى : المحافظة على حقوق أهل الذمة ، وهم الكفار الذين يدخلون في ذمة المسلمين ، فإن دخلوا تحت أحكامهم حفظوا لهم حقوقهم ما داموا في ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا عليهم الحدود ، فيما يعتقدون تحريمه ؛ كالزنا ونحوه ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : مُرّّ على يهودي محمما مجلودا ، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ((هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم )) قالوا : نعم ، فدعا رجلا من علمائهم فقال : ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ )) قال : لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجده الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا فقلنا : إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، قلنا : تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فجعلناه التحميم والجلد مكان الرجم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه )) ، فأمر به فرجم ، فأنزل الله : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. . ) [سورة المائدة:41]. رواه مسلم .
إننا عباد الله من هذا المقام ، لنذكر المصلحين من أمتنا ، بوجوب الدفاع عن الشريعة الإسلامية ، من منطلق عقدي صحيح ، وبيان مقاصد الشريعة في حدودها ، وما تنطوي عليه من حفظ للدين والنفس والعقل والعرض والمال ، كل حسب طاقته وسعته ، مع كشف الجوانب المظلمة ، التي تضمنتها مبادئ حقوق الإنسان ، والرد على من أسموا أنفسهم بالمفكرين أو المتنورين ، الذين انخدعوا بتلك الشعارات ، وخدعوا الأمة الإسلامية بها ، وما طرحنا لهذه القضية ، إلا كنفثة مصدور ، ولابد للمصدور أن ينفث .
والمشاهد عباد الله أن الكأس تفيض عند امتلائها ، كما أنه ينبغي التنبيه إلى أمر مهم ، قد يخفى على البعض منا ، وهو أن من مستلزمات الأخذ بمبادئ حقوق الإنسان هو الجلوس على موائد أهل الكفر المستديرة في ندواتهم ومقرراتهم ، والتي مفادها هدم ركن ركين ، وأصل أصيل من أصول الإسلام ألا وهو ركن الولاء والبراء , أعني الولاء للمؤمنين ، والبراء من الكافرين ، الذي هو من لوازم كلمة التوحيد : ((لا إله إلا الله محمد رسول الله )) ، ذلك اللازم المؤكد في مثل قوله تعالى :( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين )[سورة آل عمران:28]. وفي مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي لما بايعه على الإسلام حين قال له : ((أن تنصح لكل مسلم ، وتبرأ من الكافر )) رواه أحمد .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، العالم المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر : ((فأما صفة الكفر بالطاغوت : فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله ، وتتركها وتبغضها ، وتكفر أهلها ، وتعاديهم )).
وذكر رحمه الله من نواقض الإسلام : ((من لم يكفر المشركين ، أو يشك في كفرهم ، أو يصحح مذهبهم كفر )) . وقال رحمه الله : ((ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كفر ، والدليل قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )[سورة المائدة:51
|
|
20-12-2000 , 07:52 AM
|
الرد مع إقتباس
|