من عجيب ما قرأت أن رجلاً كان له ابن ، وكان يحب هذا الابن حباً جماً ،
وكان لشدة حبه إياه ، يكثر من الحديث عنه مع كل أحد ، وفي كل مجلس
وحيثما كان ، مع الصغار والكبار ، مع من يعرف ومع من لا يعرف ..!!

ذات يومٍ لم يجد أحداً ليحدثه عن ابنه الحبيب ، فالكل مشغول عنه بشؤونه الخاصة
فما كان من الرجل إلا أن ذهبَ إلى حيثُ يتجمع الأجراء _ الذين يعملون بالأجرة اليومية _

وسأل أحدهم : كم تريد لعمل يوم كامل ..!؟
قال : ثلاثة دراهم وطعام هذا اليوم ؟
فأشار إليه أن يتبعه ..!

ولما دخل به منزله ، أحضر له طعاماً ، وناوله ثلاثة دراهم مقدماً ،
وسط دهشة الأجير ..فما تعود مثل هذا الصنيع ..!

ثم قال له :
اجلس الآن لأحدثك .. وعليك أن تهز رأسك إعجاباً كلما حدثتك !!
طوى الأجير شفتيه وهز منكبيه ، وجلس ،
وشرع الرجل يتحدث عن ولده ، بكل حماس وفرح !!
والأجير يتابع في دهشة ..!!

ومضتْ ساعة والرجل لا يزال يتحدث ويتحدث في نشوة وبهجة ، لا يكل ولا يمل !
والأجير بين يديه يحرك رأسه إعجابا وتعجباً مما يسمع ويرى !!

ثم مضت ساعة أخرى ، ولم يطق الأجير صبرا ، فقال :
_ يا سيدي ، إذا كان لك عمل فدعني أقوم به ، فإن اليوم يمضي ولم أعمل شيئا !
فقال الرجل :
إن هذا هو عملي معك فقط .. فواصل استماعك إليّ حتى ينقضي النهار !!
= = = =
أقول :
لا شك عندي أن القصة رمزية ، ولكنها تتضمن دروسا وعبراً
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
فإن لم تخرج منها بدرس وعبرة ..
فإني أنصحك أن تعيد قراءتها بعين جديدة ، وتقلب نظرك فيها ، لعلك تصل إلى درس قوي ينفعك الله به .. !

وأعطيك مفتاحاً يوصلك إلى درس كبير فيها :
انظر ماذا فعل الحب بهذا المسكين ... حتى أنه استأجر إنسانا ، ليسمع منه سيرة محبوبه !!
والسؤال الكبير لي ولك :

ترى هل نستطع أن نصل بحبنا لله ورسوله إلى قريب من هذه الصورة ..!؟
بمعنى:
أن لا نجد راحتنا وأنس قلوبنا ، ومتعة أرواحنا ، وسعادة نفوسنا :
إلا ونحن نتحدث عن الله ورسوله حيثما كنا ومع كل من نجد ، وفي كل مكان !!
فإن لم نجد أحداً يصغي إلينا ... بذلنا له المال من أجل أن يستمع إلينا ..!!!!!
وفي الختام :
إذا كان حب هذا المسكين لولده أوصله إلى هذا الحد ، فإن الله يقول :
( والذين آمنوا أشد حباً لله .. ) ....

نسأل الله أن يملأ قلوبنا بمحبته جل في علاه .. وأن يجعل حبه أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ الشديد ..
اللهم آمين