لقد أورد الدكتور مصطفى الجوزو هذه الحادثة في كتابه المشهور:
"من الأساطير العربية والخرافات"!! ص 35ـ
37.واعتبرها من الخرافات الواضحة التي اختلقها القصاصون ليبيعوا بضاعتهم على الناس ويسوقوها ويشوقوا الناس لها!
واعتبرها نموذجاً للأسطورة أو الخرافة التي يحلي نثرها شعرها قلت: وتعجن عجناً فلا يعرف بطنها من ظهرها!! ويبدو أن مؤلف المسلسل راقت له هذه الأسطورة ـ كنوع من التسويق والتشويق ـ فأثبتها ودمغ بها الزير سالم أمام عيون الملايين!!
وهي كذبٌ صراح!
وقد يقبل الأمر في الخرافات والأساطير ولكنه في السير والتأريخ لا يقبل..
وفي العمل الفني (كهذا المسلسل) يتطلب النقد الأدبي من المؤلف أن يختار أصدق الروايات في تصوير الواقع والتلاؤم مع الشخصية التاريخية، والرواية التي اختارها مؤلف المسلسل هي أكذب الروايات، وهي أبعدها عن التلاؤم مع شخصية الزير سالم، فحين تروي قصة (حاتم الطائي) مثلاً ثم تزعم أنه أصابه البخل واللؤم والنذالة والأنانية فلن يصدقك أحد وسوف تكون روايتك ساقطة بالمفهوم الفني قبل المفهوم التاريخي، كذلك حين تروي عن الزير سالم ـ كما فعل المسلسل ـ انه جبن وخار وانخلع قلبه وذل وغدر بصديقه.. بعد كل تلك البطولات المشهرة لواحد من أبطال العصر الجاهلي المعروفين على مرِّ العصور والذي شهرتُهُ في الشجاعة لا تقل عن شهرة حاتم في الكرم..
حين تتجرأ على رواية تلك الخرافة فإنها ساقطة بالمعنى الفني قبل المعنى التاريخي.. فهي لا تتناسب بأي حال مع شخصية ذلك البطل كما يعرفه الناس والتاريخ وكما صوره المسلسل نفسه في أكثر حلقاته!!
إنها دعوى عريضة تحمل في طياتها بطلانها:
وما أعجبتني قطُّ دعوى عريضةٌ
وإن قام على تصديقها ألفُ شاهد!!
فكيف وشهود هذه الدعوى هم فقط الشعوبيون الكارهون للعرب، والعدو لا تُقبل شهادته في عدوه، وقد كان المهلهل سيد ربيعة وجد عمرو بن كلثوم وخال امرئ القيس. وقبيلته من كبار قبائل العرب التي يمقتها الشعوبيون..
قل موتوا بغيظكم!!
> > >
أما نهاية المهلهل الحقيقية والتي تتناسب مع شخصيته وماضي حياته فقد رواها ابن عبدربه في العقد الفريد 221/5والبكري في كتابه (معجم ما استعجم 1363/4وملخصها أن مهلهلاً بعد أن حارب بكراً أربعين عاماً وأفنى منهم خلقاً كثيراً وقُتل جساس ذهب إلى أخواله بني يشكر في الشام كارهاً لذكريات الحرب وفقدان الأحباب وأماكنها بنجد، فعاش هناك مهاباً مكرماً حتى مات في حدود سنة 530م.
> > >
لقد أعادني هذا المسلسل إلى القراءة البحثية إن صح التعبير، وهي قراءة جميلة فيها لذة الاستكشاف والظفر، وأتمنى شخصياً أن أجد دائماً فيما أشاهده ما يبعثني على القراءة والبحث قدر استطاعتي كهذا المسلسل.
فالمشاهدة استراحة واسترخاء..
والقراءة إبحار واستكشاف.. لذة ودهشة ومتعة ظلت ـ وستظل ـ صامدة.
المصدر :
http://server1.alriyadh.com.sa/writ...art=1708&ka=105