^1
.......................................... الامارات: إطلالة تاريخية ........................................
التاريخ نقل أمين ودقيق للحقائق المجردة عبر مختلف المراحل والعصور. وبالنسبة لتاريخ دولة الإمارات العربية وجدنا أن النقل عن بعض ما جاء في الإطلالة التاريخية التي أعدها مجموعة من أساتذة جامعة الإمارات، في كتاب (دراسات في مجتمع الإمارات) الذي أصدرته الجامعة هو المدخل المناسب لدراسات وبحوث مستفيضة في هذا الجانب.
تبوأت منطقة الخليج العربي مركزا حضاريا هاما عبر عصور التاريخ. فقد كان لموقع الخليج دور حيوي في حركة الملاحة والتجارة منذ أقدم العصور. فعلى ضفتيه نشأت حضارات، ومراكز عمرانية كثيرة، كما نشأت مدن ومراكز تجارية كانت تفد مختلفة في العراق والشام ومناطق حوض البحر المتوسط. وقد عكف علماء الآثار والمؤرخون فيعصرنا الحالي على دراسة تاريخ المنطقة بهدف إبرازه والتعريف به.
ففي الإمارات كشفت التنقيبات الأثرية عن وجود مستوطنات بشرية منظمة سكنت المنطقة في النصف الأول من الألفالثالث قبل الميلاد. وتشير المخلفات الأثرية، العائدة لتلك الحقبة التاريخية، والتي تم الكشف عنها في موقع أم النار،حفيت، القطارة، هيلي، مليحة والدور وغيرها، إلى قيام حياة حضارية مستقرة والى وجود تأثيرات حضارية خارجية قادمة من المناطق المجاورة، وخاصة من وادي السند، ووادي الرافدين وإيران. الأمر الذي يؤكد أن أهالي المنطقةعملوا في التجارة، وكانوا بمثابة وسطاء في نقل البضائع وإعادة تصديرها. إضافة إلى ذلك فقد تفننوا في صناعة الفخاروالأواني الحجرية، كما مارسوا حرف الزراعة والرعي وصيد الأسماك. إلا أن هذا الازدهار ما لبث أن أصابه الركودفي الألف الثاني قبل الميلاد وخاصة في النصف الثاني منه، وذلك لأوضاع لا نعرف عنها إلا القليل، وكان لها تأثير سلبيعلى معظم مناطق الخليج العربي، وربما تعود إلى أسباب تتعلق بالمناخ.وبعد انقضاء الألف الثاني ، عادت الحياة الاقتصادية لتنتعش مرة أخرى في الألف الأول قبل الميلاد في منطقة الإمارات بشكل لافت للنظر. فقد دلت الحفريات على وجود قرى كبيرة وبيوت مبنية من الطين بطريقة معمارية على جانب كبير منالدقة، وشاع استخدام أنواع عديدة من الفخار الذي امتاز بطابعه المحلي الصرف. وعرف أهلي الإمارات كذلك الأختاموالعقود التجارية التي تشير إلى وجود حياة اجتماعية واقتصادية منظمة.
ويُرجع علماء الآثار سبب هذا الانتعاش الاقتصادي في تلك الحقبة الزمنية إلى ابتكار أهالي الإمارات نظام الأفلاج، الذي طور كثيرا الزراعة، ووسع استعمالها. ومن المعروف أن هذا النظام ظل شائعا بين الفلاحين والمزارعين إلى وقتنا
الحالي.
تاريخ الإمارات هو جزء لا يتجزأ من تاريخ العرب والإسلام، فالترابط والتلاحم بين عرب الخليج والشعوب العربيةالإسلامية كان السمة الغالبة على العلاقات بينهما. فالقبائل العربية التي استوطنت الخليج منذ القدم، هاجرت من مواطنمختلفة من جزيرة العرب وخاصة من جنوب الجزيرة العربية وغربها. ومن هذه القبائل "الأزد" التي قدمت إلى المنطقةفي مطلع المسيحية، وكانت مواطنهم الأولى ارض السراة واليمن. كما هاجرت إلى منطقة الخليج قبائل عبد القيس وبكروتميم وذلك قبل ظهور الإسلام بمئات السنين، وكانت تسكن قبل ذلك الحجاز ونجد. وعند ظهور الإسلام، كانت هذه القبائلمنتشرة في المنطقة الواقعة من مسقط جنوبا إلى جنوب العراق شمالا. وكانت تربطها علاقات وطيدة بالقبائل العربية الأخرى، وكانوا يمارسون جميع الشعائر الدينية والاجتماعية آنذاك. كما شارك عرب الخليج في مواسم الحج‘ والمواسم التجارية. وكانوا يشكلون حلقة الوصل في حركة التجارة بين الخليج العربي وبلاد نجد والحجاز. وقد استمرت حركة التواصل بين عرب الخليج، والقبائل العربية الأخرى طوال الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، وتعززت بوصولالإسلام إلى المنطقة، واعتناق أهلها له.
فبعد انتشار الإسلام في الحجاز، أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رسله إلى رؤساء القبائل العربية والى الحكام والأمراء خارج جزيرة العرب، داعيا إياهم إلى الإسلام. ومن هؤلاء الذين وصلتهم رسائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حكام منطقة الخليج العربي. لقد أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العلاء بن الحضرمي إلى حاكم البحرين المنذر بن ساوى التميمي، وأرسل أبا زيد الأنصاري وعمرو بن العاص إلى حاكمي عمان جيفر وعبيد (عبد) ابنيالجلندي الأذريين، يدعوهما إلى الإسلام.
وتؤكد الروايات التاريخية أن حكام منطقة الخليج العربي استجابوا للدعوة الإسلامية دون أي تردد . وقبل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أرسل عرب الخليج عدت وفادات إلى المدينة، أهمها وفادة عبد القيس، ووفادة أزد عمان. وهناك التقوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخذوا عنه تعاليم الإسلام. وهكذا انضم عرب الخليج إلى الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتخلصوا من تسلط الفرس الساسانيين.
وخلال الفترة ما بين سقوط الدولة الأموية 750م إلى قدوم البرتغاليين إلى سواحل الخليج سنة 1507م شهدت منطقة الخليج بما فيها الإمارات تغيرات وتقلبات سياسية كثيرة. فبعد ضعف الدولة العباسية (750-1258م) شهد الخليج العربي نشوء إمارات عربية مستقلة، كان من أهمها، إمارة العيونيين التي أسسها عبد الله بن علي العيوني، وإمارة العصفوريين ومؤسسها عصفور بن راشد من بني عامر، وإمارة الجبور ومؤسسها زامل بن جبر من بني عامر. وقد حكمت هذه الإمارات العربية منطقة الخليج قرابة أربعة قرون ونصف، شهدت خلالها المنطقة ازدهارا كبيرا في الملاحة والتجارة، وسيطر خلالها العرب على الملاحة فيالمحيط الهندي واشتهر منهم كثير من الربابنة والملاحين ولم يكن احمد بن ماجد إلا واحدا من عشرات الملاحين العرب الآخرين الذين لمعت أسماؤهم في تلك الفترة.
أما فيما يخص منطقة الإمارات فقد كانت هناك بعض المراكز التجارية التي أشار إليها الجغرافيون والرحالة العرب مثل دبا وكلبا وخورفكان والفجيرة على الساحل الشرقي، وجلفار وربما مدن أخرى قد تغيرت أسماؤها على الساحل الغربي للإمارات. هكذا كان حال التجارة والملاحة في الخليج في فترة العصور الوسطى، ولم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من النشاط والازدهار لولا البحارة والربابنة المهرة الذين قادوا تلك السفن العظيمة عبر بحار وخلجان المحيط الهندي، وبلغوا شأوا لا يستهان به .في مجال الملاحة وعلم البحار
ومن هؤلاء البحارة احمد بن ماجد العامري والذي ينتمي إلى قبيلة بني عامر بن صعصعة، تلك القبيلة التي سيطر كثير من فروعها على مجريات الأمور في الخليج عبر العصور.
عاش ابن ماجد في القرن الخامس عشر الميلادي، وقضى أيام حياته في الحل والترحال، متنقلا بين موانئ ومرافئ الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر وسواحل الهند والصين. كان عالما بالفلك وبفن الملاحة، فقد درس قياسات
النجوم ومواقعها، وأعاد التحقيق والتدقيق فيما كتب قبله في هذا المجال، وعكف على دراسة كتب بطليموس وغيره من
جغرافيي اليونان، ثم أتى على كتب الجغرافيين العرب وألم بما جاء فيها من دقائق الأمور وتفاصيلها. وقد شرع
بعد هذه الدراسة الشاقة والطويلة في تصنيف علم جديد هو الملاحة البحرية، وطبق فيه أصول علم الفلك، فصارت ملاحته فلكية، بيّن فيها مواقع النجوم ومنازل القمر وطريقة الاهتداء بها في البحر، وتواريخ طلوعها وغروبها محسوبة بالسنة الشمسية وله من المصنفات في هذا العلم الكثير معظمها جاء على شكل أشعار وأراجيز عرفت بحاويات ابن ماجد، وكان ذلك غاية ما وصلت إليه الكتابة العربية في الملاحة. ولقد انتشرت تصانيف ابن ماجد انتشارا واسعا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وترجم الكثير منها إلى عدة لغات شرقية وأوربية كالتركية والروسية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، ثم تناولها الباحثون وخاصة المستشرقون بالدرس والتمحيص في العصر الحديث}.

: (من أحد المواقع : نقل بتصرف من كتاب دراسات في مجتمع الامارات)
مع تحياتي ..
<<< شمعة >>>