وهنا عمر الفاروق:
كان "عمر بن الخطاب" نموذجًا فريدًا للحاكم الذي يستشعر مسئوليته أمام الله وأمام الأمة، فقد كان مثالا نادرًا للزهد والورع، والتواضع والإحساس بثقل التبعة وخطورة مسئولية الحكم، حتى إنه كان يخرج ليلا يتفقد أحوال المسلمين، ويلتمس حاجات رعيته التي استودعه الله أمانتها، وله في ذلك قصص عجيبة وأخبار طريفة، من ذلك ما روي أنه بينما كان يعس بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلا قاعدًا فاقترب منه وسلم عليه، وسأله عن خبره، فعلم أنه جاء من البادية، وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد، فانطلق عمر إلى بيته فقال لامرأته "أم كلثوم" ـ هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت فانطلقت معه، وحملت إليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام، فدخلت على المرأة، وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته، والرجل ينظر إليه متعجبًا وهو لا يعرفه، فلما ولدت المرأة نادت أم كلثوم "عمر" يا أمير المؤمنين، بشر صاحبك بغلام، فلما سمع الرجل أخذ يتراجع وقد أخذته الهيبة والدهشة، فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كل ويحك فإنك قد سهرت الليل.
وكان "عمر" عفيفًا مترفعًا عن أموال المسلمين، حتى إنه جعل نفقته ونفقة عياله كل يوم درهمين، في الوقت الذي كان يأتيه الخراج لا يدري له عدا فيفرقه على المسلمين، ولا يبقي لنفسه منه شيئا.
---------
قوة الحق :
كان قويا في الحق لا يخشىفيه لومة لائم ، فقد استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله -صلى الله عليهوسلم- وعنده نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ،فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -صلى اللهعليه وسلم-، فدخل عمر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك ، فقال عمر : ( أضحك الله سنك يا رسول الله )
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )
فقالعمر : ( فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ) ثم قال عمر : ( يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
فقلن : ( نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
فقال رسول الله -صلىالله عليه وسلم- : ( إيه يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غيرفجك )
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن علىمسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم : ( من أرادأن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ) فلم يجرؤ أحد علىالوقوف في وجهه
--------
هَيْـبَتِـه و تواضعه :
وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوهوهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة
-----------------------
فعلا لنا في الخلفاء الراشدين أسوة حسنة فقد اكملوا بنيان الامة وأدوا الامانة التي استأمنّاهم عليها.
اسكنهم الله الفردوس الاعلى وجعل منازلنا معهم في الانبياء والصديقين والشهداء ورزقنا بصحبة نبيه واوردنا حوضه الموعود.