|
عضو نشيط جدا
|
دبي
|
المشاركات: 845
|
#1
|
سيدة أبكاها التاكسي
مشهد من أغرب المشاهد التي يصادفها الإنسان. خاصة عندما يكون بعيداً عن شاشات الفضائيات أو ما تحمله وسائل الإعلام المختلفة مشهد لا يمكن لإنسان أن يتخيله أو يصدق الأسباب التي آلت إليه.
مشهد في الحياة اليومية في الشارع أمام المارة علي مرأي ومسمع الجميع، مشهد حاولت أن أستوعبه، حاولت أن أصدقه، حاولت أن أفهمه، حاولت أن أعيشه أو أتعايش معه، حاولت وحاولت وفي النهاية اقتنعت أن أسبابه منطقية لأن ما حدث أمامي لم يكن مجرد صدفة، ولم يأت من فراغ.
ولم يكن هذا المشهد سوي تعبير عن معاناة ذاتية. معاناة داخلية، معاناة يومية خلفت وراءها هذا الكم من الآلام وهذا الحجم من القهر، معاناة استطاعت أن تضع صاحبة المشهد المذكور في خانة الأحادية التي لا تعين ولا تعيل صاحبها، معاناة جعلت صاحبتها في موضع لا يمكن تحمله، ولا يجب السكوت عليه، معاناة تتطلب منا وقفة أمامها لشرح أسبابها المتعددة.
هذه الأسباب ربما لم تعان منها فقط هذه السيدة، بل من المؤكد أنها تشمل العديد من الذين يشكون قلة حيلتهم وهوانهم علي الناس.
القصة يا سادة حدثت منذ أيام لسيدة مقيمة تخرج يومياً في الصباح الباكر ببناتها الأربع لتوصيلهن إلي مدارسهن فهي لا تمتلك وسيلة مواصلات تعينها علي ذلك، كونها كون العشرات ممن لا يملكن هذه الوسيلة. ويعتمدن كلياً علي التاكسي في هذا الخصوص.
فبينما كنت ماراً في أحد الشوارع العامة وإذ بي أشاهد سيدة تقف علي رصيف الشارع وبيدها أربع بنات تتراوح أعمارهن ما بين الثامنة والثانية عشرة، ولكن الغريب في الأمر هو أن هذه السيدة وجدتها وهي تجهش بالبكاء، بصورة غير طبيعية، لفت المشهد انتباهي وترقبت ذلك لبضع دقائق وجدت الحالة تزداد سوء اقتربت منها للاستفسار عن سبب هذا البكاء فسألتها ما بك سيدتي؟ ماذا حدث؟ هل فقدت شيئاً هل من خدمة أستطيع أن أقوم بها؟ فلم تجب علي أي من الأسئلة بسبب الانخراط في البكاء.
لم أتمكن في تلك اللحظة معرفة أي شيء عن أي شيء، ولكن شكوكي أن يكون حدث لها مكروه مما دفع فضولي إلي البقاء بجانبها. خاصة أنها سيدة تبكي في الشارع وبناتها الأربع الصغار. يبكين لبكائها، حتي الآن لم أعرف الأسباب: وسألتها مرة ثانية وثالثة ورابعة، لكن حياءها كان غالباً علي البوح مما تعاني منه، توسلت إليها أن تذكر لي وتخبرني عما أصابها. وحين رأت أنه لا فائدة من سكاتها وكتمانها آلامها، بل ربما أيضاً إصراري علي معرفة ما أصابها.
بدأت تروي قصتها والحروف تتلعثم في فمها حيث قالت: كل صباح أستيقظ من نومي مبكرة لأجهز أطفالي لمدارسهم، ونخرج من البيت أيضاً في ساعة مبكرة أملاً في الحصول علي تاكسي لتوصيلهم إلي مدارسهم، وأنا إلي عملي، ولكن في كل يوم أواجه معاناة فظيعة في هذا الأمر، منذ السادسة والنصف صباحاً وحتي الثامنة، فعلي سبيل المثال اليوم خرجت كعادتي مبكراً ووقفت علي هذا الرصيف حتي هذه اللحظة ولم أحصل علي تاكسي أو أي وسيلة مواصلات، وكل يوم علي هذا الحال. أنا أذهب إلي عملي متأخرة، وبناتي أيضاً مدرساتهن تشكين من تأخرهن يومياً، شرحت للجميع القصة اليومية التي أعاني منها، ولكن لا أحد يقدر ظروف الآخر، فقلت لها يا سيدتي ألم تحصلين علي تاكسي منذ ساعة ونصف.. قالت أقسم بالله العلي العظيم أن هذا يحدث لي يومياً. والأسباب كالآتي، سيارات التاكسي الجديدة كروة تمر أمامي فارغة لا أحد بها ولا تقف! وسيارات التاكسي القديم تمر أيضاً أمامي فارغة ولا تقف وإذا وقف أحدهم سألني إلي أين طريقك أقول لهم عن الطريق الذي أقصده فيقول لا لا.. وها أنا علي هذا الحال يومياً فماذا أفعل؟ والله العظيم وحق هذا الشهر الفضيل إن أقدامنا تتورم من الوقوف، ولم أجد أمامي سوي البكاء علي حالي وحال أطفالي فماذا نفعل غير العودة بهم إلي المنزل؟ علي الفور تفهمت معاناتها ودعوت الله أن يكون في عونها وعون كل من يعاني معاناة هذه السيدة التي أبكاها التاكسي.
|
|
31-10-2005 , 09:32 AM
|
الرد مع إقتباس
|