|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 5,287
|
#2
|
التعليـــق ...
لو وُجدتْ تقوى الله في قلب الإنسان ، فيستحيل أن يكونَ من هذا الصنف من الناس ،
فتقوى الله وخشيته ورقابته هي ضابط أمثال هؤلاء ، بل هي عامل حاسم في ضبط العالم كله
لو افترضنا أن ( أكثر ) من في هذا العالم التزمها وتحقق بها !
ذلك أن من تعمر قلبه تقوى الله لا يعنيه سوى الله سبحانه !
وكل ما عدا الله لا يعنون له شيئا البتة ..!
فهو يتعامل مباشرة مع الله جل في علاه ،
ومن ثم : سواء رآه الناس أم لم يروه ، عرفوا دوره أم لم يعرفوا ، اطلعوا على جهده أم لم يطلعوا ،
لا يعنيه ذلك في قليل ولا كثير ، هاجسه الذي يملأ عليه قلبه وفكره وروحه أن يرضى الله عنه ،
فإذا رضي المولى سبحانه فعلى الدنيا وأهلها العفاء !
بل أكثر من هذا :
ربما عمل أعمالا كبيرة وأنجز إنجازات رائعة ، وكان خلالها حريصا على أن لا يعلم بها مخلوق
في الأرض ، ولا تطلع عليها عين بشر !
ليقينه التام أن الله إذا رضي ، سيرضي عنه المخلوقين ،
كما قررت ذلك عدة أحاديث شريفة ، بل إن مثل قوله تعالى ( وألقيت عليك محبة مني )
تجدها نصب عينه باستمرار .. فالمحبة يلقيها الله سبحانه لإنسان في قلوب من حوله ..!
وهذا ما يؤكده الحديث القدسي فيما رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن رب العزة سبحانه حيث قال :
إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل : يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه .
فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء : يا أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه .
فيحبه أهل السماء .. ثم يوضع له القبول في الأرض .
ومن هنا فقد ذكر علماؤنا الربانيون أن للتقوى ثمرات كثيرة وبركات متعددة ،
والإنسان التقي النقي مثل الغيث حيثما وقع نفع ،
ولذا قالوا : التقوى هي السلاح الأقوى .!
ومن روائع ما يمكن أن تصنعه التقوى ، أنها تكبح فرامل اللسان !
فقد قيل : التقوى لجام الكلام ..!!
فلا ينطق صاحبها إلا بما يليق ، وبما فيه نفع يعود عليه وعلى من حوله بالخير .
ولو أطلقنا العنان للقلم لذكر نماذج مما يمكن أن تصنعه التقوى لطال الموضوع وتشعب !
ويكفي أن أسوق هاتين الحادثتين التي أراها ذات صلة حميمة بموضوع المقال :
روي أن ابن عمر مر بغلام يرعى غنماً ، فأراد أن يمتحنه ،
فقال له : بع لى شاة. فقال الغلام:أنها ليست لى.
قال له: قل أكلها الذئب. فقال الغلام : فأين الله. !؟
فأخذ ابن عمر رضي الله عنه يردد : فأين الله ؟ فأين الله ؟!
ثم اشترى العبد وأعتقه واشترى له الغنم، وقال له :
كلمتك نفعتك في الدنيا ، وارجو أن تنفعك عند الله " .
الحادثة الثانية :
كان عمرُ بن الخطاب رضي اللهُ عنه، يعسُ ليلةً في نواحي المدينة ،
فاتكاءَ على جدارٍ ليستريح، فإذا بامرأةٍ تقولُ لأبنتها: أمذقي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع.!!!!
فقالت البنت:ُ إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يشابُ اللبنَ بالماء.
فقالتِ الأم:ُ يا ابنتي وأين أمير المؤمنين، قومي فانكِ بموضعٍ لا يراكِ فيه عمرُ ..
فقالتِ البنتُ التقية : أي أماه فأين الله ؟ إذا كان أمير المؤمنين لا يرانا فإن الله يرانا،
.... فزوجها عمر رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين ، لابنه عاصم لتقواها .
قال الشاعر :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ** خلوت ولكن قل عليَّ رقيبْ
ولا تحسبن الله يغفل سـاعـة *** ولا أن ما تُخفي عليه يغيبْ
وتبقى كلمة :
إني لأعجب غاية العجب ، كيف لا تُقام ( دورات مكثفة جداً ) للموظفين _ والمدراء أيضاً _
من أجل تقرير التقوى والتحقق بها ، على اعتبار أنها مفتاح كل خير ، وعلاج كل علة .!
على غرار الدورات المكثفة التي تعقد هنا وهناك بين الحين والحين ،
من أجل النهوض بمستوى الموظف ، وتأهيله للنجاح في عمله بل وفي حياته !!
ثم تكون النتيجة أن يخرج كثيرون من هذه الدورات وهم هم ، كأنك يا بو زيد ما غزيت !!
وينتهي عجبي حين يهجس في نفسي أن القائمين على دورات التحقق بالتقوى
سيكونون شيوخاً وعلماء دين ، ودعاة إلى الله ، وعند البعض : ماذا يمكن أن يقول هؤلاء !!!!!!!!!!!؟
أما الدورات الأخرى فالقائمين عليها ( خواجات !! ) أو تلامذة خواجات !! لا يزالون يطنطنون
بتجارب الغرب وأمريكا في كذا وكذا ، وعلينا أن نحذوا حذوهم الشعرة بالشعرة لنصل إلى ما وصلوا إليه !!!!
شاهت الوجوه !
ومع هذا فلا يعني كلامنا أنه لا ينبغي لنا أن ننتفع بتجارب الآخرين في ميادين الحياة ..
كلا .. ولكنا نقول : لماذا نطيل الطريق ، وهي مختصرة ؟
ولماذا يغرينا ما عند غيرنا ، والحل في أيدينا !؟
ولماذا زامر الحي لا يُطرب !!؟
أحرامٌ على بلابله الدوح ** حلالٌ للطير من كل جنسِ ؟!!
أتمنى من الله العزيز القادر أن يأتي اليوم الذي نرى فيه تنفيذ هذا المشروع ، وتلوينه
وإخراجه على صورٍ شتى ، وبمغريات كثيرة ، ..
المهم أن نبذل له ( أضعاف ) ما يبذل لتلك الدورات من مال ، وجهد ، ووقت ..
ذلك لأن ثمرة هذه الدورات تختصر الطريق كله ..
وشواهد التاريخ قديما وحديثا تؤكد هذه النتيجة ، فكم من إنسان كان على يعيش كالبهمية
يخبط في مناكب الأرض ، فلما استقرت تقوى الله في قلبه ولبه ، إذا به إنسان آخر !!
اصبح حياً بعد موت ، ومشرقاً بعد إظلام ..!
ويكفي أن نعلم : أن القرآن الكريم حافلٌ جداً بالدعوة إلى ضرورة التحقق بالتقوى ،
لما يعلمه الله جل في علاه من بركات هذه التربية الربانية ..
ولن يكون أحدٌ من البشر أعلم من الله ، ولا أبصر بالأمور منه سبحانه ..!!
(.. قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ ..) .. (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ..!!؟
وختاماً ..
كلمة نوجهها إلى الكاتبة الفاضلة المتألقة وأمثالها ممن يكتبون في هذه الشؤون والشجون ،
أتمنى أن يخطوا بنا الخطوة التالية ،
فلا يكفي أن نعرض للمشكلة _ أي مشكلة _ بأسلوب جميل ، وعرض بديع ،
الأهم عندي أن يضعوا بين أيدينا حلولاً لهذا المشكلة أو تلك ،
أما مجرد عرض المشكلة دون تقديم حل مناسب ، فليس سوى خطوة على الطريق
لن يحقق شيئا في دنيا الواقع ، بل ربما شككنا في كل من نراه يفعل مثل هذا الفعل
ولو كان في جوهره صادقا مخلصا ..!!
أعطر تحية وبالغ الشكر ، وخالص الدعاء ، لكل من يحمل هم هذه الأمة أينما كان .
|
|
23-11-2005 , 04:53 PM
|
الرد مع إقتباس
|