تناولت السحور ..
أخذت قشة صغيرة من فوق الطاولة ..
وضعتها في فمي أداعب بها أسناني ..
خرجت إلى الشارع ..
الجـو جميــــل .. و النسيــم عليــــل ..
ملأت صدري من ذلك الهواء ..
زفرته ببطء ..
عندهــا ..
لفت انتباهي ضوء خافت يملأ الأفـــاق ..
رفعت بصري إلى السماء ..
فإذا هو القمر قد أضحى بدرا جميلا .. منيــرا ..
ملأ ضوؤه السماء و الأرض ..
سبحــان الله .. يال جمالـــه ..!!
كيــف بالذي خلقه ..؟؟
سبحــان الله ..!!
تأملته فترة من الزمن ..
تأملت تلك الصفحة من وجهه المنير التي تطل علينا ..
سبحــان الله ..!!
ما زالت هي نفس الصفحة .. لم تتغير .. منذ أن خلقت و إلى الأن ..
تساءلت في نفسي ..
لماذا أنت منير دائما أيها القمر ..؟؟
حينئذ .. تبادرت إلى ذهني تلك الإجابات الفلكية العلمية ..
انعكاس ضوء الشمس على القمر و ما إلى ذلك من نظريات ..
طردت تلك الأفكار من ذهني مباشرة ..
فلست في موقف أو تفكير يتأقلم مع نظريات و حسابات و زوايا و انعكاسات ..
بحثت عن إجابة أخرى لسؤالي .. في ذلك الوقت الذي تسمو به الروح ..
تساءلت في نفسي ..
هل من المعقول أنني أنظر الأن إلى نفس القمر الذي نظر إليه الرسول الكريم ـ صلى الله عليه و سلم ـ ..؟؟
هل أطل و جه هذا البدر الذي يطل علي الأن .. على وجه النبي الكريم ..؟
معقـــول ..؟؟
هل هو ذات القمر الذي أطل على أبو بكر و عمر و عثمان و علي و على الصحابة و التابعين رضي الله عنهم أجمعين ..؟؟
هل ضوؤه الذي ينير الأن هو ذات الضوء الذي كان ينير للنبي و الصحابة ليالي أسمارهم ..؟؟
هل هو ذاته القمر الذي انشق كرامة للنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ..؟؟
هل هو ذاته القمر الذي أطل على أبونا أدم .. و نبي الله نوح .. و موسى و عيسى و يوسف و يونس و صالح و هودا و شعيبا ..؟؟
معقــول ..؟؟
هل صفحة هذا القمر .. تطل على وجه شيخنا أسامة و المجاهدين الكرام ..؟؟
هل يا ترى أحد منهم ينظر إليه الأن كما أنظر إليه ..؟؟
عجيـــب أمرك أيها القمر ..
أدركت الأن لماذا أقسم الله بك ..؟؟
أدركت الأن لماذا أنت منير دائما ..
فوجه أطل على أوجه أولئك الكرام .. و مسح بضوئه على جباههم بحنان .. لا بد و أن ينير هكذا ..
لله درك أيها القمر ..
فلكم شهدت من أحداث على هذه الأرض منذ أن خلقها الله ..
و لكم شهدت من غزوات و معارك مع النبي و الصحابة ..
شهدت غزوة بدر ..
شهدت أحدا ..
شهدت الخندق ..
شهدت فتح مكة ..
شهدت مؤتة ..
شهدت عين جالوت ..
شهدت حطين ..
شهدت غزوة منهاتن ..
شهدت تورا بورا .. و ما أدراك ما تورا ..؟؟
شهدت شاهي كوت ..
و ستشهد المزيد و المزيد ..
لله درك ..
لله درك من صديق و في ..
لطالما خاطبك مسكين بعين دامعة .. لم يجد من يحادثه سواك في جوف الليل ..
لطالما ناجاك مجاهد يحرس إخوانه في جنح الظلام ..
لطالما نظرت إليك أعين من بين قضبان السجون .. تحسدك على حريتك ..
لله درك أيها القمر ..
لكم وددت الحديث معك ..
لتخبرني عن سوالف أولئك العظماء .. و أولئك المساكين ..
و لكن هيهــــــات ..
ستظل هكذا دائما .. في مكانك الأزلي ..
مجرد شاهد على ما يجري في هذا العالم من ظلم ..
و لو خلق الله لك عينين و مقلتين ..
لسكبت الدمع مغزارا و مكثارا حتى تغرقنا ..
ستظل مجرد شاهد على ما أل إليه أمر أمتنا من ذل و هوان ..
ستظل شاهدا أيها البدر .. على ما هدم الأبناء بعد أن بنى أجدادهم ..
لله درك ..
في هذه اللحظة ..
مرت سحــــابة ..
لكم وددت أن تحجب تلك السحابة ذلك الوجه المبارك عنا ..
فإطلالته على وجوهنا البائسة .. ربما تذهب شيئا من نوره ..
بقلم /أبــــو عمــــر من منتدى الجهاد