العودة سوالف للجميع > سـوالـف الجمـيــــــــع > ســـوالف الأصــدقـاء العامـــة > رسالة إلى المفتي والمستفتي
المشاركة في الموضوع
samr samr غير متصل    
عضو نشيط  
المشاركات: 79
#1  
رسالة إلى المفتي والمستفتي
رسالة إلى المفتي والمستفتي

عثمان عبد الله حمد آل عبد الله
يقول الله تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {الأنبياء: 7}، هنا يوجب الله على عباده أن يتوجهوا إلى العلماء حين تعرض لهم أمور أو مسائل يجهلون الحكم الشرعي فيها؛ فكما أن المريض يتجه للطبيب فكذا الجاهل بأمور الشرع ينبغي أن يتجه إلى العلماء والفقهاء ليسألهم ويستوضحهم.
ولكن السؤال المهم هنا: إلى من يتجه المستفتي؟ أو بمعنى آخر: هل كل من تصدى للإفتاء يعد أهلاً له؟ طبعاً لا؛ وهذا ما سوف نناقشه فيما بعد.
إن على المستفتي أن يتقي الله ويسأل أهل العلم الموثوقين الذين يضعون تقوى الله نصب أعينهم، والكتاب والسنة دليلهم ومنهجهم، وفي هذا يقول محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهم رحمهم الله : "إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم"(1).
ويتأكد هذا الأمر في هذا الزمان الذي فشا فيه الجهل وقلَّ العلم، كما أخبر بذلك نبينا الكريم #؛ حيث قال: "من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل"(2)، كما أن قبض العلماء سبب رئيس في قبض العلم، كما هو مشاهد في هذا الزمان، وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"(3).
وعلى من يتصدى للإفتاء في أي زمان أن يعلم خطورة هذا المقام وعظم شأنه؛ ويتجلى ذلك في أمور منها:
أ - أن المفتي مُوَقِّعٌ عن الله تعالى أمره ونهيه "فإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات"، و "كيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى" عليكم في الكتاب {النساء: 127} وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة"(1).
ب - إن القول على الله بغير علم أعظم من الشرك، يقول تعالى : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون {الأعراف: 33}.
يقول ابن القيم رحمه الله : "فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله، وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه"(2).
ج - تخوُّف السلف رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين من الفتيا، وتمني كل واحد منهم أن يكفيه غيره إياها، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله : "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".
وبناءً على عظم مكانة الفتيا وعلو شأنها فقد وضع العلماء شروطاً كثيرة ينبغي توافرها فيمن يتصدى للإفتاء، كالإسلام والعلم والعدالة في الأقوال والأفعال، وحسن الطريقة وسلامة المسلك، وطلب المشورة من أهل العلم والدين، وشهادة الناس له بهذا المنصب، وغير ذلك من الشروط المطلوبة وهي مبثوثة في مظانِّها.
ولكن لعلِّي أفصِّل القول عن بعض النقاط الهامة التي ينبغي على المفتين أن يلموا بها ويكونوا على دراية بها، وهي كما يلي:
أ - تعظيم نصوص الشريعة واحترامها وعدم تأويلها أو تحريفها عن وجهتها الصحيحة بدعوى مخالفتها للعقل أو الواقع؛ فهذه شُبَه باطلة يبثها ضعاف العقول وأنصاف المتعلمين الذين لم يرسخوا في العلم الشرعي ولم يتمكنوا منه، وإلا لم تقُدهم عقولهم إلى هذه المسالك الباطلة؛ فإن النقل الصحيح لا يعارض العقل السليم البتة.
ب - فهم الكتاب والسنة على ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم، وتفسير نصوص الوحيين على ما ذكروا وبينوا؛ فهم الحجة في ذلك؛ لأنهم الأقرب إلى عهد النبوة والصحابة رضوان الله عليهم، وفي ذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتم".
ج - أن يحذر المفتي من أن يكون همه مقتصراً على تخليص السائل، بل عليه أن يعمل على تخليص نفسه أولاً، فيفكر في السؤال؛ فإن وجد لنفسه مخرجاً تكلم، وإلا فليقل: "الله أعلم" فذلك هو الأسلم، فإنه يوقِّع عن الله أمره ونهيه، وهو موقوف ومسؤول عن ذلك أمام الله عز وجل. ولعل من المؤسف حقاً ما يسلكه بعض المفتين في زماننا من التساهل مع الناس في أمور الدين بدعوى التيسير والوسطية، وأن الإسلام دين اليسر والسهولة، وهذا كلامُ حقٍّ أريد به غير مراده الصحيح؛ فإن الوسطية والسماحة لا تعني تمييع أمور الدين وتعريتها من أحكامها الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة، وقد بدا جلياً أثر هذا المنهج الخاطئ في شيوع المنكرات والمحرمات في المجتمع لدى كثير من المسلمين بسبب فتاوى ضعيفة لا يسعفها دليل من كتاب أو سنة صحيحة.
مع أنه كان ينبغي على كل مفتٍ في هذا الزمان أن يسلك سبيل الحزم مع الناس وعدم التساهل معهم كما كان منهج سلفنا الصالح رضوان الله عليهم حيث كانوا يتشددون في الفتيا عند تساهل الناس وتهاونهم بأمور الشرع كما ورد ذلك عن الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره، ولعل في فعل عمر رضي الله عنه وفتواه في مسألة الطلاق الثلاث دليل واضح على ذلك؛ فما أوسع علمه وفقهه رضي الله عنه!
د - "معرفة أحوال الناس والتفطُّن لتصرفاتهم واليقظة التامة للطرق التي يسلكونها؛ وذلك لينكشف للمفتي مكر بعض المستفتين وخداعهم؛ فلا يغتر بظواهر ما يدلون به في إفتائهم تبعاً لذلك"(1)؛ وذلك أن بعض المستفتين يعرض سؤاله بصيغة معينة يتحايل بها على الحكم الشرعي تحريماً أو وجوباً، وقد انطلت هذه الطريقة على بعض المفتين مما سبب إشكالات كثيرة.
وهنا أمر مهم ينبغي على جميع المستفتين العناية به ألا وهو قضية "زلة العالم" فإن "العالم يزلُّ ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم؛ فلا يجوز قبول كل ما يقوله ويُنزّل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض وحرموه وذموا أهله"(1).
وفي الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، والتكذيب بالقدر"(2).
يقول الشاعر:
أيها العالم إياك الزلل
واحذر الهفوة فالخطب جلل
هفوة العالم مستعظمة
إن هفا أصبح في الخلق مثل
إن تكن عندك مستحقرة
فهي عند الله والناس جبل
أنت ملح الأرض ما يصلحه
إن بدا فيه فساد وخلل

ختاماً:

ينبغي ألا يترك باب الإفتاء مفتوحاً لكل من أراد؛ بل الواجب أن توضع له قواعد أساسية وشروط محكمة يقوّم بها الأشخاص، ويُعلم من خلالها مدى صلاحيتهم لهذا الأمر العظيم.
وعلى الجميع المفتي والمستفتي أن يراقبوا الله تعالى في أقوالهم وفتاواهم؛ فإنهم محاسبون على جميع ذلك: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد {ق: 18}.
أسأل الله أن يمنَّ على الجميع بتقواه ويوفقنا لرضاه؛ والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



مجلة البيان

samr غير متصل قديم 15-04-2002 , 02:21 PM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.