عرض مشاركة مفردة
منى منى غير متصل    
عضو نشيط جداً  
المشاركات: 158
#12  

جزاك الله خيرا أخي وبارك فيك


فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165(


قَالَ تَعَالَى " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ " أَيْ فَلَمَّا أَبَى الْفَاعِلُونَ قَبُول النَّصِيحَة " أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا " أَيْ اِرْتَكَبُوا الْمَعْصِيَة " بِعَذَابٍ بَئِيس "
فَنَصَّ عَلَى نَجَاة النَّاهِينَ وَهَلَاك الظَّالِمِينَ وَسَكَتَ عَنْ السَّاكِتِينَ لِأَنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا وَلَا اِرْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا
وَمَعَ هَذَا فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْأَئِمَّة فِيهِمْ هَلْ كَانُوا مِنْ الْهَالِكِينَ أَوْ مِنْ النَّاجِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ :

القول الأول :


وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا
" هِيَ قَرْيَة عَلَى شَاطِئ الْبَحْر بَيْن مِصْر وَالْمَدِينَة يُقَال لَهَا أَيْلَة
فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْحِيتَان يَوْم سَبْتهمْ
وَكَانَتْ الْحِيتَان تَأْتِيهِمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا فِي سَاحِل الْبَحْر فَإِذَا مَضَى يَوْم السَّبْت لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا
فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه
ثُمَّ إِنَّ طَائِفَة مِنْهُمْ أَخَذُوا الْحِيتَان يَوْم سَبْتهمْ
فَنَهَتْهُمْ طَائِفَة وَقَالُوا تَأْخُذُونَهَا وَقَدْ حَرَّمَهَا اللَّه عَلَيْكُمْ يَوْم سَبْتكُمْ ؟
فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا غَيًّا وَعُتُوًّا
وَجَعَلَتْ طَائِفَة أُخْرَى تَنْهَاهُمْ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ طَائِفَة مِنْ النُّهَاة : تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ "
وَكَانُوا أَشَدّ غَضَبًا لِلَّهِ مِنْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَقَالُوا " مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "
وَكُلّ قَدْ كَانُوا يَنْهَوْنَ فَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ غَضَب اللَّه نَجَتْ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ قَالُوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ وَاَلَّذِينَ قَالُوا مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ
وَأَهْلَكَ اللَّه أَهْل مَعْصِيَته الَّذِينَ أَخَذُوا الْحِيتَان فَجَعَلَهُمْ قِرَدَة
وَرَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْهُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا وَقَالَ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ دَاوُدَ بْن الْحُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ : مَا أَدْرِي أَنَجَا الَّذِينَ قَالُوا " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ " أَمْ لَا ؟ قَالَ فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَرَّفْته أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فَكَسَانِي حُلَّة ...

القول الثاني :

أَنَّ السَّاكِتِينَ كَانُوا مِنْ الْهَالِكِينَ
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ دَاوُدَ بْن الْحُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : اِبْتَدَعُوا السَّبْت فَابْتُلُوا فِيهِ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْحِيتَان
فَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْم السَّبْت شَرَعَتْ لَهُمْ الْحِيتَان يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي الْبَحْر فَإِذَا اِنْقَضَى السَّبْت ذَهَبَتْ فَلَمْ تُرَ حَتَّى السَّبْت الْمُقْبِل فَإِذَا جَاءَ السَّبْت جَاءَتْ شُرَّعًا
فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُثُوا كَذَلِكَ
ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ حُوتًا فَخَزَمَ أَنْفه ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ وَتِدًا فِي السَّاحِل وَرَبَطَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمَاء فَلَمَّا كَانَ الْغَد أَخَذَهُ فَشَوَاهُ فَأَكَلَهُ
فَفَعَلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ وَلَا يَنْهَاهُ مِنْهُمْ أَحَد إِلَّا عُصْبَة مِنْهُمْ نَهَوْهُ حَتَّى ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْأَسْوَاق فَفُعِلَ عَلَانِيَة
قَالَ : فَقَالَتْ طَائِفَة لِلَّذِينَ يَنْهَوْنَهُمْ" لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ " فَقَالُوا نَسْخَط أَعْمَالهمْ" وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا - إِلَى قَوْله - قِرَدَة خَاسِئِينَ "
قَالَ اِبْن عَبَّاس كَانُوا أَثْلَاثًا:
ثُلُث نَهَوْا
وَثُلُث قَالُوا " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ"
وَثُلُث أَصْحَاب الْخَطِيئَة
فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا وَهَلَكَ سَائِرهمْ وَهَذَا إِسْنَاد جَيِّد عَنْ اِبْن عَبَّاس.
ـــــــــــــــــــــــ
أخرج البخاري من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي أنه قال (( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً))

وفي لفظ آخر قال النبي : ((مثل المدهن في حدود الله ـ والمدهن هو المحابي الذي يضيع الحقوق ولا يغير المنكر ـ والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم)).

إن نبي الله يضرب لأمته هذا المثل حين يشبههم بركاب السفينة،
فهذه سفينة النجاة تبحر وسط أمواج الفتن والشبهات والشهوات،
وكلما كانت السفينة سليمة، وركابها عقلاء، يمنع عاقلهم سفه سفيههم، كانت حرية بالسلامة والنجاة،
ولكن الخوف إنما يأتي من قبل أناس قلَّت عقولهم وهانت عليهم سلامة مجتمعهم وغلبوا أهواءهم وحكموا شهواتهم فتنادوا إلى الوقوع في المحرمات والولوغ في المعاصي والسيئات، ودافعوا عن أمثالهم ممن رتع في الموبقات، أو تساهل في أداء الواجبات، فهؤلاء هم الذين يخرقون سفينة المجتمع بمعاول شهواتهم ما لم تردعهم البقية الباقية من المجتمع

وإن أمضى سلاح يصان به المجتمع المسلم وتحفظ به كرامته، أداء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فبه يقوم الدين
وتحفظ الملة
وتعز الأمة
وتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر.
وبذلك تستقيم الموازين وتتضح المفاهيم فيتبين للناس المنكر من المعروف والحق من الباطل والمشروع من الممنوع والمباح من المحرم {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون }
وبه تصان الأعراض ويأمن المسلم على عرضه،
وهو الضمانة بإذن الله تعالى للمجتمع من أن يقع به ما وقع للأمم السابقة ولأمم ومجتمعات لاحقة ممن أشاع المنكر واستهان بالواجب الشرعي،
يؤكد هذا ما قاله النبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي دخل عليها فزعاً يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ـ وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها ـ، فقالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)).

إن قوماً سبقونا جاءتهم اللعنة على لسان نبيين من أنبياء الله تعالى، لما أن صارت حالهم إلى تلك الحال،
بل إنهم أنكروا المنكر في أول أمره، ولكنهم ألفوه فيما بعد، فما عاد بعضهم ينكره على بعض،
أخرج الترمذي ـ وحسنه ـ وأبو داود من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي قال: ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض))،
ثم قرأ قول الله تعالى: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ [المائدة:78-81]، ثم قال : ((كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطُرُنّه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم)).


وهكذا فإن وجود المصلحين الصادقين سبب من أسباب النجاة من الإهلاك العام، فإن فقدت الأمة هذا الصنف الكريم الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحل عليها عذاب الله وإن كثر فيها الصالحون الطيبون لأنهم سكتوا حتى كثر الخبث وأصبح أمراً عادياً مستساغاً تألفه النفوس.

ويوم يزيف الناس هذا الحق ويلبسونه بالباطل بدعوى التقدم والحرية والخصوصية_ والتي يرفع العلمانيون شعارها بقولهم: ( دع ما لقيصر لقيصر و ما لله لله. فلا سياسة في الدين ولا دين في السياسة. ولكل أحد أن ينتقد ما يشاء وأن يفعل ما يشاء في أي وقت شاء وأن ينطلق ليختار لنفسه من المناهج والقوانين ما يحب ويرضى، وليس من حق أحد أن ينكر عليه أو أن يأخذ على يديه!! )._ يكونون بذلك قد جردوا هذه الأمة من أقوى أسلحة دعوتها ودعامتها وتضامنها وضمانة الخيرية فيها وأبعدوها عن أقوى خصوصية بقائها واستمرارها وبتركه وإهماله تسقط الأمة من ميزان التقييم والتفضيل حتى تعبر إلى حضيض الانهيار الاجتماعي مستوجبة اللعن والطرد كما لعن الذين من قبلها {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون }

قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان )
وادنى درجات الانكار هي المغادرة (وهو معنى الانكار القلبي ) قال الله تعالى :
{ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا }

منى غير متصل قديم 11-08-2004 , 08:07 PM